قضايا

وهبة طلعت أبو العلا ونظرية الوجود المقلوب (1)

محمود محمد عليقبل أن نشرع في عرض نظرية الوجود المقلوب عند الدكتور وهبة طلعت أبو العلا، نود في هذه المقالة أن نعرض أولا للسيرة الذاتية وفلسفة الدكتور وهبة، وفي هذا نقول:  قليلون هم الرجال الذين يتركون بصماتهم على وجه الحياة ابداعًا وآثارًا تتذكرها الاجيال، رجال حفروا في الصخر وقاوموا المستحيل من أجل أن يكونوا ضمن هؤلاء الرجال؛ ويعد وهبة طلعت أبو العلا (أستاذ الفلسفة بكلية الآداب – جامعة المنيا بجمهورية مصر العربية) من ذلك النوع من المفكرين الذين يمكن أن يطلق عليهم الفكر الفلسفي المزدوج ؛ فإنتاج وهبه طلعت الفلسفي يغلب عليه الطابع الفكري الوسطي "، مصداقا (كما يقول نفسه في سيرته الذاتية) لقوله تعالى في سورة البقرة آية 143: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا..." صدق "الله" العظيم ؛ ولعل الولع بالفكر "الوسطي" نفسه هو الذي ربما يفسر السر أيضاً في محبة وهبة طلعت "للقاضي عبد الجبار"، وفي عدم كراهيته "لمحيي الدين بن عربي"، رغما عن أنه لم يطابق نفسه فكرياً مع أي واحد منهما في أي وقت من الأوقات. فمحبته للفكر "الوسطي"، ربما هي التي حالت دون ذلك، باعتبار أن أولاهما كان له علاقة بالموقف العقلي، وكان الآخر يميل كثيراً إلى الاتجاه العاطفي؛ وهو في هذا يقول بصريح العبارة " ولعل الولع بالفكر "الوسطي" نفسه هو الذي ربما يفسر السر أيضاً في محبتي للإنسانيات بما تنطوي عليه من روحانيات وأخلاق وفن وتاريخ وسياسة وغيرها، وهو نفسه الذي ربما يبرر السر في عدم  كراهيتي "للعلم" في أي يوم من الأيام. هذا يبرر السبب في كتابتي لأعمال لها علاقة بالدين والأخلاق والفن وفلسفة التاريخ وفلسفة السياسة، من ناحية، وفي ترجمتي لأعمال كثيرة تخص فلسفة العلم، من ناحية أخرى."

ويستطرد وهبة طلعت فيقول " وربما يكون لذلك علاقة بمحبتي للفلسفة منذ وقت مبكر وتفضيلها على أي فرع آخر. فالفلسفة تمكن صاحبها من الاهتمام بالإنسانيات من ناحية، ومن الاهتمام بالعلم أو على الأقل بفلسفة العلم، من ناحية أخرى. حقا، لقد كانت درجاتي في الثانوية العامة تؤهلني دوما، كغيرها من الدرجات التي حصلت عليها عبر مراحل تعليمية مختلفة، لاحتلال مراكز متقدمة، إن لم تكن تؤهلني لاحتلال مراكز في الصدارة. فكنت في الابتدائية ضمن فريق أوائل الطلبة في قريتنا الصغيرة وحققنا أنا وزملائي مراكز متقدمة، على مستوى مركز أبو قرقاص، مكنتنا من الحصول على جوائز تشجيعية".

ومن هنا يمكن القول بأن وهبه طلعت يأتي في السياق الفكري العربي المعاصر في مكانة مركزية بين بين السابقين عليه والمعاصرين له والتاليين عليه، ليس في ميدان الترجمة فقط، بل في مجال البحث والتأليف والكتابة، فقد توزعت اهتماماته الفكرية وتنوعت في جوانب شتي من الفلسفة المعاصر ؛ وبالذات الفلسفة الوجودية، سواء في الميتافيزيقا أو الانطولوجيا أو الأخلاق، أو الدين عند رودلف بولطمان وبول تيلش وروجر تريج ووليم كارتر وريتشارد شاخت، وإن كان بول تيلش قد حظي النصيب الأوفر من بحث، ترجم له وكتب عنه.

ولد الدكتور وهبة طلعت أبو العلا في الثاني من إبريل عام 1954م، وذلك بقرية "بني حسن الشروق، التابعة لمركز أبو قرقاص، محافظة المنيا، جمهورية مصر العربية،  وعرفت هذه القرية (كما يقول) بأنها تنقسم إلى نصفين؛ أحدهما غربي ويقع، بحكم موقع النصف الآخر منها، على الجانب الشرقي للنيل، والآخر شرقي، ويكمن في حضن الجبل.. وهذا الانقسام ترك بصمه لا تنمحي على تفكيره؛ حيث تعلم منذ البداية (كما يقول) كيفية "التنقل" العقلاني بين الطرفين، بين "الغرب" مسقط رأسه، وبين "الشرق" الذي يتوق إليه لأسباب كثيرة ومختلفة، منها العاطفي ومنها العقلاني!!.

وهكذا تعلم وهبة طلعت منذ البداية كيفية "التنقل" بين الجليل، وبين العميق، بين الجبل المطل بشموخه على أحد الطرفين، وبين النهر الذي يتدفق بغزارته وبعمقه أسفل الطرف الآخر. ولعل غرامه (كما يقول) بممارسة لعبة الكرة الطائرة، التي تجبرك على أن تنظر إلى "أعلى"، من ناحية، وبكرة القدم، التي تتيح لك فرصة النظر إلى "أسفل"، من ناحية أخرى، كان له علاقة بهذا "التنقل".

وعندما بدأ وهبة طلعت يشب عن الطوق انتقل، في سن الثالثة عشرة، إلى حيث المدينة، التي تقع غرب النيل، من أجل التمكن من مواصلة تعليمي في المدرسة الإعدادية والثانوية، وعندما دخل جامعة المنيا والتحق بقسم الفلسفة عام 1972م بدأ ينتقل فكرياً وبصورة أكثر شغفا وربما أكثر وعياً عما مضى بين المعارف "الشرقية"، وبين الفلسفات "الغربية". وهذا ربما أدى إلى أن يتسع عنده معنى "التنقل" تدريجياً حتى أصبح كونه "تنقلا" فكرياً بين "الشرق"، وبين "الغرب"، بين "العاطفة" الشرقية الدافئة، وبين "العقلانية" الغربية الباردة.

وفي عام 1976م، تم تكليفه معيدا بقسم الفلسفة بكلية الآداب – جامعة المنيا، والتي ظل بها إلي أن توفاه الله في 2011، وعقب تعيينه بفترة أتيحت له فرصة السفر إلي انجلترا بجامعة Warwick بمدينة Coventry CV4 7AL بإنجلترا، للحصول على درجة الماجستير والتي اجتازها في عام 1982م، وتم تعيينه عام 1991 في درجة مدرساً مساعداً في ذات الكلية، ولم يكمل وهبه طلعت دراساته في الدكتوراه بإنجلترا بسبب تجربة فكرية مريره ؛ حيث قال عنها :" لا شك فيه أن هذه التجربة بكل ما شابها من توتر كان لها تأثيرها العميق على اتساع تفكيري وبلوغه إلى حيث معانقة "العالم" بأكمله، وذلك من خلال وجودي الفردي المحدود. وبالرغم من أن هذه التجربة كانت، كغيرها من التجارب، مريرة أحياناً، ورائعة في معظم الأحيان، إلا أن متطلبات مبدأ التسامح الذي يعد من أهم سمات التوجه العقلاني الوسطي، تجعلني أفضل عدم الحديث عنها بشكل مفصل، حتى وإن كنت سوف أكتفي بالتنويه عنها في الموضع الذي خصص لها. ولعلك تفهم عزيزي القارئ مغزى الحكمة المأثورة التي تقول: "ما لا يقتلني يجعلني أقوى!!" حقاً ليس المهم أن "تحترق" بفعل فاعل!! وإنما الأهم أن تبزغ منتصراً في كل مرة رغم من كل ما يحدث!!".

عاد الدكتور وهبة طلعت للوطن وبدأ يستعد للتسجيل لدرجة الدكتوراه في مصر علي يد الدكتور" محمود رجب" (والذي كان من كبار المفكرين بجامعة القاهرة، الذين تفتخر بهم مصر في دراساته الرائعة في فلسفة الفينومنولوجيا وفلسفة المرآة وفلسفة الاغتراب)، وقد حصل وهبة عليها عام 1993، ثم حصوله علي درجة أستاذ مساعد عام 2000، وأخيراً  حصوله علي الأستاذية عام 2010.

وللدكتور وهبة طلعت العديد من الكتب والبحوث نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر : أخلاق الفضيلة بين النظرية وبين التطبيق: مايكل سلوت نموذجا (بحث)، أخلاق الفضيلة بين النظرية وبين التطبيق: مايكل سلوت نموذجا- بحث مكون من أربعة فصول يناقش الفصل الثاني منها الجوانب الأخلاقية عند هذا الفيلسوف، والفن التعبيري-الديني عند بول تلش (بحث)، والتفسير الوجودي للاهوت عند بولطمان: حالة القديس بولس وهو كتاب يتناول في مجمله الفارق بين الوجود الخير وبين الوجود غير الخير تحت مسمى الفارق بين الوجود الأصيل وبين الوجود غير الأصيل بلغة هيدجر. وغنى عن البيان أن البحث يحتوي في مجمله على مسحة أخلاقية، والعقل الإنساني ومشكلاته: رحلة في أعماق بول تلش، ومعيار الطبيعة الإنسانية بين روجر تريج وبول تلش: رؤية تحليلية مقارنة (بحث)، والفلسفة الوجودية بين الرومانسية والواقعية: رؤية تحليلية نقدية (بحث)، وتحديث المجتمع والمعضلة الراهنة (بحث)، ومشكلة الحرية بين الطرح التقليدي والوعي المعاصر: قراءة في فكر بول تلش (بحث)، وجذور إلحادية في مذاهب لاهوتية، الكتاب الأول: "بول تلش"، وجذور إلحادية في مذاهب لاهوتية، الكتاب الثاني: ردولف بولطمان، والوجود المقلوب: رؤية فلسفية معاصرة (بحث)، "في طبيعة القرآن الكريم وخواطر أخرى (كتاب)... الخ.

وأما عن ترجماته فنذكر منها : أنطوني أو'هير، الفلسفة في قرن جديد، وروجر تريج، أفكار في الطبيعة الإنسانية: مدخل تاريخي، وجيني تكمان وكاترين إيفانز، مدخل إلى الفلسفة، ووليم كارتر، عناصر الميتافيزيقا، وبول تلش، تاريخ للفكر المسيحي، الجزء الأول، وريتشارد شاخت، مستقبل الاغتراب.

ويمكن من خلال تلك البحوث والكتب المؤلفة والمترجمة أن نبرز تطور تفكيره الوسطي الذي دعا إليه، ونبدأ بأول دراسة قام بها عقب حصوله علي الدكتوراه وهو بحثه الذي الذي يحمل عنوان: "الوجود المقلوب: رؤية فلسفية معاصرة"، وهذا البحث يمكن تفسيره في ضوء نفس التفكير الوسطي للمؤلف، رغماً عن أن وهبة طلعت أعترف بأن الوسطية؛ كمفهوم عقلي  واضح المعالم، لم تكن قد اتضحت بعد في أثناء كتابته لهذا الكتاب. إن ذلك هكذا لأن الكتاب يعج في تفسيره الشمولي لطبيعة العالم المعاصر منذ عام 1945م بمصطلحات من قبيل التأرجح بين جدل السلب ـ الإيجاب، الهدم ـ البناء. كما أن تفسيره لسجن التاريخ الذي جاء في هذا الكتاب يتأرجح بين السجن المطلق في الدائرة التي سجن فيها العالم وإلى الأبد، والتي يخضع فيها كل شيء وبطريقة مقصودة لجدل السلب ـ الإيجاب، وبين التقدم المطرد الذي يخص أولئك الذين يقفون وحدهم خارج الدائرة، أعني أولئك الذين أطلق عليهم  وهبة طلعت اسم: "حراس العالم".

وحتى تفسير وهبة طلعت لمعنى العولمة الذي جاء في هذا الكتاب المبكر، ربما قبل أن يطفو المصطلح نفسه على السطح كمفهوم واسع قابل للتفسير والتطبيق بطرق مختلفة تختلف جميعها حسب طريقة فهمه لطبيعة المستجدات، هذا التفسير يقوم هو الآخر على فكرة التعددية أو على الوحدة رغما عن الاختلاف، أو unity in difference، كما يقولون؛ ففي لحظة من لحظات التاريخ اتجه العالم إلى التوحيد بعد  التفريق، حتى وإن كان التوحيد يقوم على قبول حق الاختلاف أو على قبول حق التعدد.

وهذا يمكن أن يصدق أيضاً على كتابه الذي يفضل أن ينعته وهبة طلعت "بالأول"، أعني "جذور إلحادية في مذاهب لاهوتية، الكتاب الأول، بول تلش"، الصادر عن نفس دار النشر السابقة، في طبعة ثانية عام 1997م، والموجود ضمن مقتنيات مكتبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذي حصل وهبة طلعت بمقتضاه على درجة الدكتوراه من جامعة المنيا عام 1993 حتى وإن كان ذلك الكتاب يحمل في الأصل، وبدون تغيير اللهم إلا في العنوان، عنوان: "الموقف الوجودي عند بول تلش: دراسة نقدية في علاقة مفهوم الاغتراب بفكره ككل"، يقول وهبة طلعت:" على الرغم من كل هذا، إلا أنني اعتبر هذا الكتاب أكثر أعمالي أصالة ويباري في ذلك "الوجود المقلوب"، رغما عن أن العمل الأخير يحمل خلاصة خبراتي الشخصية بأكملها، وحتى إذا كان من الممكن تفسير كتابي "الأول"، وكما يزعم البعض ضمنا، بأنه عبارة   عن عملية إسقاط قام المؤلف ـ "وهبة طلعت أبو العلا" ـ من خلالها بإسقاط توجهه الفكري الشخصي القبلي على موقف "بول تلش" موضوع الدراسة. فهم يقولون: نظرا لأن "بول تلش" لم يطرح موقفه بالشكل الذي تم تفسيره بصورة علنية على الإطلاق، فإن هذا يعني: لولا هذا التوجه  الفكري القبلي من جانب لما أمكنني تفسير "بول تلش" بالشكل الذي قدمه الكتاب "الأول"!! "

كما أن كتابه الذي ينعته بـ "الثاني"، أعني "جذور إلحادية في مذاهب لاهوتية، الكتاب الثاني، رودلف بولطمان"، الصادر عن مكتبة مدبولي بالقاهرة في طبعة أولى عام 1996م، هذا الكتاب يمكن تفسيره هو الآخر بأنه تعبير عن التوجه الفكري "الوسطي" للمؤلف ـ "وهبة طلعت أبو العلا" ـ رغماً عن أن البعض يمكنهم أن يوجهوا له نفس الزعم الذي تم توجيهه ضمنا إلى كتابه "الأول"، بمعنى أنهم يعتقدون أن التفكير القبلي الذي كان يراود وهبة طلعت هو الذي يفسر في رأيهم السر في تفسيره لـ "رودلف بولطمان" على هذا النحو، نظرا لأن "بولطمان" نفسه لم يطرح هذا التفسير بصورة علنية في أي موضع من المواضع!!

وما يصدق على هذه الأعمال يصدق أيضاً على كتاب وهبة طلعت الذي يحمل عنوان "مشكلة الحرية بين الطرح التقليدي والوعي المعاصر: قراءة في فكر بول تلش"، الصادر عن منشأة المعارف بالإسكندرية في طبعة ثانية عام 2001م. فهذا العمل يمكن أن يفسر في ضوء توجهه الفكري "الوسطي" القبلي، بمعنى أن السمة "البينية" الوسطية ذاتها تلقي بظلالها على الكتاب، حتى وإن كان التفسير ينحاز في النهاية إلى المعاصر على حساب التقليدي؛ الذي لم أصبح واعيا بضرورته إلا في وقت لاحق على هذا التفسير.

كما أن ما يصدق على هذه الأعمال يصدق أيضاً على سائر الأعمال الأخرى سواء المؤلفة أو المترجمة إلى العربية، ولك أن تنظر عزيزي القارئ، على سبيل المثال، أولا، إلى مقال وهبة طلعت المطول الذي يحمل عنوان "الفلسفة الوجودية بين الرومانسية والواقعية: رؤية تحليلية نقدية"، الذي نشر لأول مرة في مجلة كلية الآداب، جامعة المنيا، في عدد يناير 2005م، وهي مجلة علمية محكمة تعنى بالآداب والعلوم والدراسات الإنسانية، ثم أعيد نشره ضمن طبعة خاصة لكتاب "دراسات وتراجم في الفلسفة المعاصرة"، تأليف وترجمة وهبة طلعت عام 2005م، وأنظر، ثانيا، إلى مقاله أيضا المطول الثاني الذي يحمل عنوان "المشروع الفلسفي عند ريتشارد شاخت: دراسة في مستقبل الاغتراب"، الذي نشر لأول مرة في صدر ترجمة وهبة طلعت العربية لكتاب "ريتشارد شاخت" الذي يحمل عنوان "مستقبل الاغتراب"، والذي نشر في منشأة المعارف بالإسكندرية في طبعة ثانية عام 2002م، والذي يعد تتمة لكتاب "شاخت" الذي يحمل عنوان "الاغتراب"، الذي كان قد ترجمه من قبل إلى العربية الأستاذ "كامل يوسف حسين"، وأنظر، ثالثا، إلى مقال وهبة طلعت الذي يحمل عنوان "تحديث المجتمع والمعضلة الراهنة"، الذي ألقاه لأول مرة في مؤتمر بعنوان "العلوم الإنسانية وتحديث المجتمع المصري"، عقد بكلية الآداب، جامعة المنيا عام 2002/2003م، ثم نشر في مجلة الكلية المذكورة سابقا في عدد أبريل عام 2003م، وأعيد نشره أكثر من مرة كان آخرها ضمن خواطر كتابه الذي يحمل عنوان "في طبيعة القرآن الكريم وخواطر أخرى"، إنما يرجع إلى أن هذا المقال يعد تتمة لكتاب وهبة طلعت "الوجود المقلوب"، الأمر الذي جعل يقوم بنشره في أكثر من عمل حتى يصل لأكبر كم ممكن من القراء، وأنظر، رابعاً وأخيراً، إلى مقال وهبة طلعت المطول الذي يحمل عنوان "معيار الطبيعة الإنسانية بين روجر تريج وبول تلش ونبيل عبد اللطيف: رؤية تحليلية مقارنة"، الذي نشر لأول مرة في مجلة كلية الآداب سابقة الذكر عدد يناير 2005م، ثم أعيد نشره في كتابه الذي يحمل عنوان "في طبيعة القرآن الكريم وخواطر أخرى، أقول للقارئ الكريم أنظر إلى هذه الأعمال لوهبة طلعت وحدها وسوف تجد أن ما كتبه الرجل، إنما كتبه في مجمله  بقصد عرض التوجه الفكري الوسطي له بصورة مقصودة في بعض الأحيان، وبدون قصد في أحيان أخرى. فالمقالة الأولى يفوح من عنوانها التوسط الفكري بين الرومانسية وبين الواقعية، حتى وإن كان يصحح وهبة طلعت في نهايتها خطأ المثالية وخطأ الواقعية معا دون أن يختزل إحداهما في  الأخرى. والمقالة الثانية تشير إلى الموقف البراجماتي النسبي لوهبة طلعت وهو موقف يشير، من الناحية الفكرية، إلى التعدد، وليس إلى الواحدية، أما المقالة الثالثة فتتأرجح، من الناحية الفكرية، بين التحديث كإمكانية، وبين التحديث كمعضلة، أما المقالة الأخيرة فتقارن بين ثلاثة معايير ممكنة للطبيعة الإنسانية وتنتهي إلى التأكيد على أن وهبة طلعت يصل في كل حالة إلى موقف متشابه، حتى وإن كان قد حاول أن يبرر كيف أن التشابه القائم بينها رغما عن تعددها لا يجب أن يطمس حقيقة أن الموقف الإسلامي أكثرها أصالة. كل هذا تحقق وهو لا يستطيع أن يجزم إذا ما كان حدوثه يرجع إلى الصدفة، أم أن له علاقة بالتوجه الفكري الوسطي القبلي له! وللحديث بقية

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم