قضايا
سوسيولوجيا الجمعيات
مقاربة نظرية في تصورات الكسيس توكفيل وميشيل كروزيه ونوبيرت الياس
مقدمة:
ارتبط التفكير في الجمعيات كموضوع سوسيولوجي من الناحية النظرية مع سوسيولوجيا التنظيمات، وان كان البعض يعتبر ان ابحاث اليكس دو توكفيل في موضوع الجمعيات كانت هي البداية التاسيسية لدراسة الجمعيات كتنظيمات اجتماعية ورغم الاهمية النظرية لاسهامات كل من طوكفيل،، دوركايم وفيبر في تأسيس الإرهاصات الأولى لما يمكن أن نصطلح عليه ب»سوسيولوجيا الجمعيات» فوزي بوخريص 2013 . غير ان المعالجة الدقيقة والمؤطرة نظريا ارتبطت مع سوسيولوجيا التنظيمات والتي نشات في في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر في أعقاب الثورة الصناعية وو ماواكبهغ من حس برغماتي للبحث السوسيولوجي من خلال مواكبة تقافة الانتاج والرفع من المردودية والحافزيو وتجنب التوثر واللاعمل .
فالموضوع ااساسي لسوسيولوجيا التنظيمات، يحاول تقديم تفسير سوسيولوجي لمختلف التنظيمات سواء الاقتصادية أو التنظيمات الحكومية والمستشفيات والجامعات وراسة كافة اشكال الاندماج والتوافق والتكييف والفعالية الانتاجية ودراسة علاقات السلطة داخل التنظيمات واثرها على وظيفية التنظيم وفعاليته .
إن سوسيولوجيا التنظيمات تهدف إلى تفسير السلوكات والعلاقات المتوافقة أو غير المتوقعة مقارنة بالقواعد التوجيهية[3 ]. Michel Foudriat: Sociologie des organisations، édition PEASON Education، 2 éditions، 2007، p: 3. ويعتبر كل من ماكس فيبر وميشيل كروزيي من أهم علماء الاجتماع الذين أسهموا في إغناء هذا الحقل السوسيولوجي من خلال تصورهما تجاه التنظيمات.
فسوسولوجيا التنظيمات كنظرية لتفسر الفعل الاجتماعي داخل تنظيمات محكومة بقواعد وشبكة علاقات، وبالنظر الى التحولات المتسارعة لاسيما بعد انهيار مفهوم دولة الرعاية وانسحباها من كافة مجالات الفعل الاجتماعي والقطاعات الاجتماعية والصعود المتنامي للجمعيات في ظل انسحاب الدولة، يجعل من التفكير في موضوع الجمعية من داخل مظرية التنظيمات الاجتماعية امرا اساسيا قصد الاحاطة بالموضوع ومقاربته نظريا لاستكشاف خصوصية الفعل الجمعوي وشبكة علاقاته ورهاناته واهدافه وكيفية اشتغاله، وطبيعة علاقاته مع باقي الفاعلين ومكونات النسق العام والخاص .
اولا: الاصول النظرية لسوسيولوجية التنظيمات
1-1: مفهوم التنظيم:
لقد كان لماكس فيبر (1864-1920) Max Weber للسوسيولوجيا التنظيمات مجموعة من الروافد النظرية من خلال الاعمال التاسيسية لرواد علم الاجتماع من دوركايم، بارسونز، توكفيل، غير ان المساهمة الاساسية تعود لماكس فيبر من خلال دراستة للتنظيمات البيرقرقراطية micheal crozier 1963 ; p 17 .
فتصورات فيبر شكلت الاساس الذي بنت عليه سوسيولوجيا التنظيمات اغلب مفاهيمها وان الاعمال التي تلت ماكس فيبر في مجال التنظيم الاجتماعي والاقتصادي. فمعظم الدراسات الحديثة، تبقى في عمقها أما تعديلات لأفكار وتصورات فيبر. وقد تناول فيبر تحليل العناصر البيروقراطية في التنظيمات، تلك التي تعمل من أجل تحقيق استمرار التنظيم وبقاءه[ ] - محمد على محمد وأخرون:، 1975، ص:322.[
وقد حدد فيبر ثلاث مشروعيات لتنظيم المجتمع والمتظمنة في كتابه الاقتصاد والمجتمع منها المشروعية البيروقراطية المرتبطة بالقدرة على الضبط العقلاني داخل التنظيما ت المجتمعية، حيت أكد قيبر على أن العقلانية هي الخاصية الأساسية لهذه التنظيمات . وبالتالي فالسلطة تمارس كفعل ضبطي وعقلاني يضمن الاستقرار والتراتبية في المهام والانسابية في العمل، أن العقلانية مؤسسة على النزوع المتزايد للفاعلين الاجتماعيين نحو استخدام المعرفة في إطار علاقات غير شخصية بهدف تحقيق سيطرة أعظم على العالم المحيط بهم (جون سكوت وجوردون مارشال:، 2011، ص: 407 )...
فالمشروعية العقلانية او البيرقراطية حسب فيبر تستمد شرعيتها من القانون والقواعد والنصوص القانونية، ان بناء النظام الاجتماعي والحفاظ عليه يكون من خلال الاحتكام الى القانون باعتباره سلطة غير مرئية وغير مشخصنة كماهو الحاتل في السلطتيين التقليدية والكارزماتية . فحسب فيبر الانتقال من الاقطاع الى الدولة العصرية رهين بالاحتكام الى قانون غير مشخصن وان السلطة تمارس بناء على معيار الكفاءة وليس على معيار الشرف او الاصل الاجتماعي للشخص .
وقد حدد فيبر مجموعة من الخصائص، وهي تعتبر في رأيه كمعايير لنجاح أو فشل التنظيم، وهذه القواعد تستمد من المجتمع الكلي، أي أن المجتمعات الرأسمالية وصلت درجة من العقلانية بحيث أصبح لا مجال للعواطف والقيم التقليدية.
وان الادارة المسيرة في صيغتها الخالصة من موظفين فرديين تتوفر فيهم المواصفات التالية:
الالتزام فقط بالواجبات الموضوعية.
تراتبية الوظيفة وتوزيع المهام .
الكفاءة مرتبطة بالوظيفة المؤداة داخل التنظيم .
الانخراط في التنظيم مؤسس على الخبرة وعلى الشواهد .
الاجور حسب الموقع وحسب الخبرة وحسب التسلسل في ادارة الانتاج .
الاحترافية للمنتميين للتنظيم ومنع مزاولة مهام اخرى
لحظة بارسونز:
تعتبر مساهمة تالكوت بارسونز من اهم المساهمات في تحليل التنظيمات الاجتماعية، حيت عرض رؤيته للتنظيم بكونه نسق اجتماعي له اتجاه اساسي من خلال تحقيق هدف او مجموعة اهداف philippe scieur 2005 p41 و;و بارسونز ان كل تنظيم له مجموعة خصائص تميزه عن باقي الانساق الاجتماعية الاخرى، حيت يرتبط التنظيم بعلاقات خارجية وترابطات داخلية، ان الوظيفة الاساسية للتنظيم الاجتماعي هو تلبية جاجيات ورغبات اعضاء التنظيم واشباع حاجياته وقد حدد بارسونز اربع وظائف للتنظيم الاجتماعي وهي:
التكيف
التكامل
تحقيق الاهداف
و نمط الاهداف ( جون سكوت 2009 ص 387 ) .
فالتنظيم الاجتماعي عو نسق اجتماعي وظيفي يقوم بتلبية جاحيات ورغبات اعضائه مما يجعل منه تنظيما غائيا ينتهي بانتهاء الوظيفة التي من اجلها ثم انشائه او الانخراط فيه .
لحظة توكفيل:
يعتبر الكسيس توكفيل مفكرا رائدا في مجال سوسيولوجيا الجمعيات([1])، فتوكفيل كما يؤكد ريمون أرون أنه عالم الإجتماع المقارن بامتياز، لأنه يحاول دائما المقارنة بين إنماط المجتمعات المختلفة، وقد ساعده في ذلك الإقامة الطويلة بالولايات المتحدة الأمريكية وتعرفه على خصوصيات الثقافة الأنجلو ساكسونية .
اعتبر توكفيل أن المجتمع الأمريكي هو مجتمع ظاهرة التنظيمات الجمعوية، وهو ما يفسر العدد الكبير للجمعيات وفي مختلف مناحي الحياة، وفي نظره أن سبب تعاطي المواطن الأمريكي للفعل الجمعوي هو ترسيخ ثقافة الفعل، وايجاد الحلول بشكل فردي دون انتظار السلطة الإجتماعية او تدخل الدولة([2]).فطلب تدخل الدولة حين يرتبط الأمر بمجالات تتجاوز طاقته، فأمام كل مشكلة يتجمع المواطنيين الذين يعأنون من نتائج واثار هذه المشكلة، ويعملون على توحيد جهودهم لتجاوز المشكلة .
واعتبر توكفيل أن الأمريكيين يتفننون في تأسيس الجمعيات، ذلك راجع إلى طبيعة التربية التي يتلقاها المواطن الأمريكي بأهمية الإعتماد على نفسه، دون الإعتماد على خدمات الدولة لاسيما في الامور البسيطة، والإلتزام بالعمل المشترك لتحقيق أهداف مشتركة ومتعاقد بشأنها . فترسيخ البعد التعاوني في تقافة وسلوك المواطن الأمريكي عكس المواطن الفرنسي والذي يؤمن بدور الدولة وتدخلها حتى في القضايا الصغيرة والبسيطة .
فالجمعيات في نظر توكفيل هي إطار الفعل الإجتماعي والثقافي وحتى الأخلاقي، حيث يؤكد أن تأسيس الجمعيات في البلدان الديمقراطية يعتبر أمرا ضروريا من أجل إتاحة المجال امام تعدد الإختيارات أمام المواطنيين .فقيمة النظام الديموقراطي بالولايات المتحدة الأمريكية لا تحدد بوجود ادارة منتخبة قوية، وإنما بوجود فعل جمعوي حيوي ونشط في كافة مناحي الحياة الإجتماعية .
فالجمعيات ينظر اليها كفعل إجتماعي يتأسس على الوعي المشترك للمواطنيين، وعي يقودهم إلى الاعتقاد أنهم في حاجة إلى بعضهم البعض، وأن من لايملك الرغبة في الإتحاد والتعاون في إطارجمعيات منظمة يعيش مواطنة ناقصة، واعتبر أن البلدان الأكثر ديمقراطية هي البلدان التي يجيد فيها الناس فن تشكيل الجمعيات، وتحقيق الرغبات المشتركة على إعتبار وجود علاقة تلازم بين الجمعيات والمساواة .
كما أكد أن الأسباب والمحددات الواقعية والفعلية التي أنتجت الظاهرة الجمعوية بالولايات المتحدة الأمريكية، هي نتائج الثورة الديمقراطية وما أرسته من قيم المساواة ومعاداة نزوعات الهيمنة والتسلط لدى الدولة، وضع حد لتدخلها مما ترك هامش الحرية لتصرف المواطنيين الأمريكيين .
فالجمعيات في المجتمع الأمريكي ولدت نتيجة إنتشار قيم الحرية والمساواة بحسب تصورات توكفيل.
اذا كان فعل الديموقراطية مشروط بوجود الجمعيات في التجربة الأمريكية، فإنه التجربة الفرنسية فتطبيقها مشروط بتفعيل مبدأ الفصل بين السلط المحدد في نظرية مونتسكيو، على أساس أن السلطة توقف السلطة هو ألية تضمن تحقيق التوازن بين السلط، بما يحقق العدالة والحرية للحدّ من السلطة المطلقة يجب توفر سلطة مكافئة لها.
فالحرية بالمجتمع الأمريكي تتحقق من خلال فسح المجال امام خيارات المواطنين للتحرك في إطار تنظيمات جمعوية، وتنظيم أنفسهم في مجالات فعل محدودة وخاصة، التي تمنع الدولة من ممارسة تجاوزات في حق المواطن وحرّياته.
قيمة تصور توكفيل لتحديد مفهوم المجتمع المدني هو أنه أخرج هذا المفهوم من دائرة الصراع مع الدولة إلى دائرة التكامل والتعـاون معها، وإعتبارها الأداة الأساسية التي تقود المجتمع نحو التحديث والديموقراطية، إظافةإلى أنه يلعب دور أساسي لمنع قيام استبداد الدولة بمنح استقلالية كبيرة للمواطنيين في تدبير شؤونهم الخاصةعن طريق الإنخراط في الجمعيات.
لقد بنى توكفيل تصوره عن المجتمع المدني على أساس إستقلاليته عـن الدولة وأجهزتهـا وسلطتها، لكنه ركز على قيمة التعاون والتكامل بينها، وتـدعيم كـل منهما لوجود الآخر، لأن هدفهما في النهاية مشترك، وهو تحقيـق مجتمع ديمقراطي متضامن، فلا مجال للتعارض بين الطـرفين، فالدولة تتـيح إمكانيات نمو المجتمع المدني ورقيه واستقلاليته، كما أن المجتمـع المـدني هـو مصدر شرعية الدولة وقبولها من طرف المواطنين والضامن لإستمراريتها كدولة ديمقراطية نابعة من الشعب. يبدو أن الدولة والمجتمع المدني في التجربة الأمريكية يؤسس لمنطق التكامل وبناء شرعية الإعتراف المتبادل
وقد أشار توكفيل إلى أن الجمعيات والمنظمات في أمريكا هي من تتكفل وترعى الكثير من القضايا الإجتماعية والتنمويـة.
وبالخلاصة فإنه لا يختلف المفكرون في أن مفهوم المجتمع المدني قد نشأ وتطوّر عبر سيرورة من التراكمات المعرفية والرهانات السياسية والصراعات الإجتماعية وحتى التحوّلات الإيديولوجية.
أما مفهوم المجتمع المدني في القرن العشرين إنما يعود إلى عوامل متداخلة يمكن تحديدها في الإخفاق الذي عرفته دولة الرّفاه، والإنتقال إلى الدولة المعولمة وماترثب عن ذلك من إنسحاب من مساحات الفعل الإجتماعي، وفسح المجال امام القطاع الخاص بحيت تصبح وظيفة الدولة هي توفير المناخ وتهيئة ظروف العمل والاستثمار .
والنتيجة بروز الحركات الإجتماعية ذات الطابع الاحتجاجي التي أحيت من جديد التنافس بين مكوّنات المجتمع سعيا نحو إرساء قِيَمٍ جديدة، وإحداث حركية داخل مؤسسات المجتمع: الحركات الطلابية، والنقابية، والنسوية.
تعتبر لحظة ميشل كروزيه Michel-Crozier(1912)، خصوصا ما يعرف بنظرية التحليل الاستراتيجي إحدى أهم المحاولات في تطوير التحليل المتعلق بسوسيولوجيا التنظيمات، حين انتقد النظريات الكلاسيكية (تايلور وفورد وفايول…) وكذلك لمدرسة العلاقات الانسانية (مدرسة هارفارد:أوليفر شيلدون وإلتون مايو…). وقد رفض كروزيي كل أشكال الحتمية المطلقة التي ميزت الفكر التنظيمي. وقد كان لماكس فيبر والوظيفية (ميرتون وبارسونز) وعلوم التنظيم الامريكية تأثيرا بالغا على ميشيل كروزيي الذي يحاول تجاوز عيوبها ونقائصها النظرية، فينتقد بالمناسبة ماكس فيبر في اعتقاده في التفوق المطلق للنموذج التسلسلي القانوني والبيروقراطي، أما فيما يخص الفعالية، إذ يبين تحليل الوقائع أنه كلما ساد هذا النموذج كلما كان التنظيم أقل فعالية( جان بيار دوران وروبير فايل:، 2012، ص: 320..:)
كما وجه كروزيي انتقاده لأنصار الاتجاه السلوكي في فهم التنظيم. وقد أكد ذلك من خلال اعتباره أن التفسيرات التي قدمها السلوكيون تبقى محدودة على اعتبار أنهم ركزوا على العلاقة الفردية للفاعل في التنظيم، فهم اعتبروا أن الأفراد في التنظيم يتوفرون على نماذج مثالية للصحة النفسية والعقلية، بمعنى أن تفسير الألعاب التنظيمية يتم انطلاقا من المستوى النفسي والعقلي فقط، وهنا يكون أصحاب هذا الاتجاه إما أمام إهمال لكل التعقيد الذي يميز السلوكات الإنسانية في التنظيم أو المقاولة، والذي قد تنفي حتى أكثر النظريات التي تدعي معرفة بالدافعية، هذا إلى جانب التركيز على الفرد وتناسي وجود الجماعة[ ] - M.Crozier، 1977، p: 45.. إن التحليل الإستراتيجي يبقى بمثابة انقلاب كلي في التصور مقارنة بالتنظيم العلمي للعمل(OST) واتجاه العلاقات الانسانية .
لقد رفض كروزيي كل أشكال الحتمية المطلقة التي ميزت الفكر التنظيمي. وقدم كروزيي أفكاره في عملين أساسيين هما:
إن كروزيي من خلال مقاربته أو تصوره الجديد لعلاقة الفرد بالتنظيم حاول التوفيق بين الاتجاهين البارزين في تفسير السلوك الاجتماعي:
الاتجاه الأول: والذي يفسر السلوكات الاجتماعية انطلاقا من الحتمية الفردية، بمعنى تأثير التاريخ الشخصي كالوسط الاجتماعي العائلي والطبقي في سلوكات وأفعال الفرد؛ وهو ما يمكن اختصاره في مفهوم Bourdieu الهابتوس Habitus.
الاتجاه الثاني: وهو ما يعرف باتجاه النزعة السوسيولوجية ويمثله إ. دوركايم؛ هذا التوجه يحدد الفرد في يد الوعي الجمعي، وينفي على الفرد القدرة على الاختيار وتبني القرارات والإبداع…
إن كروزيي هنا حاول التوفيق بين هذين التصورين مقدما في خضم ذلك انتقادات للتصور البيروقراطي، بمعنى أن العلاقة بين التنظيم والفرد هي وليدة لعبة Jeu بين طرفين في التنظيم من خلال الضوابط الرسمية التي يكوم هدفها تنظيم سلوكات الأفراد مما يخلق عوائق أمام الفاعل، وهذا الأخير بهدف تجاوزها يكون أمام ضرورة تبني استراتيجيات معينة تختلف من فاعل إلى اخر انطلاقا من الكفاءة المعرفية من جهة والظروف التنظيمية التي يعيشها الفاعل من جهة أخرى.
ثانيا: الجمعية كموضوع في سوسيولوجيا التنظيمات.
أن مفهوم الجمعية لا يمكن فصله عن مفهوم المجتمع المدني، لأن الجمعية تشكل الإطارالخاص بينما المجتمع المدني يشكل الإطارالعام، لا يتواجد في غياب جمعيات أو حركة جمعوية مستقلة ونشطة .
غير محاولة البحث عن تحديد موحد ونهائي لمفهوم الجمعية، هو امر مستحيل وغير ممكن، فمقاربة المفهوم تستدعي تعاريف مختلفة لان مدلولها يختلف باختلاف المرجعيات والسياقات النظرية والايديولوجية، يعتبرها سان سيمون عنصرا اساسيا في التظيم الاجتماعي من اجل المحافظة على الانتاج فهي وحدة اجتماعية وظيفية هادفة الى الانتاج وتنظيم المجتمع olivier perru 1999 p 83،
فلا يوجد تحديد نهائي ومغلق لتعريف الحمهية وبقدر ما يترتبط تعريفها بمحددات معيارية تختلف حسب السياقات الثقافية والتوجهات النظرية والأنظمة السياسية لكل بلد لذا نجد الكثير من التسميات:
القطاع الاهلي .
القطاع الغير الربحي .
اوالقطاع المسـتقل والقطـاع الثالث (الواقع بين القطاع العام والقطاع الخاص).
القطاع والقطـاع الخيـري .
القطـاع المعفى من الضرائب .
المنظمات الغير الحكومية أو المنظمات غير الحكومية التي تعد كثيرة الاستخدام .
المصطلح "جمعية" في الأنثروبولوجيا الأنجلو-سكسونية يعني جميع الوحدات الإجتماعية ([3])التي لا تؤسس على نظام القرابة كعامل محدد .
اولا: تعاريف اسمية .
تعريف الكسيس توكفيل .
الجمعية هي تعاون بين مجموعة من المواطنيين بغض النظر عن الاختلافات القائمة بينهم هي الإطارالذي يوحدهم، وتخلق بينهم إتصالا وتعلمهم كيف يجعلون إرادتهم في خدمة ارادة الأخرين، وجعل مجهوداتهم الخاصة في خدمة الغير .
يتضح من خلال استعراضنا للتعاريف المذكورة سابقا، أنها تشترك في مجموعة من الخصائص الأساسية رغم اختلاف التسميات، وتتمثل أهم تلك السمات كمـا وضعها باحثون من 12دولة في مشروع بحث دولي لجامعـة جـونز هـوبكينز الأمريكية فيما يلي:
الجمعيات منظمات تطوعية إلى حد ما، أي أنها إرادية وإختيارية.
لا توزع الأرباح على مجلس الإدارة أو على أعضائها.
لا تسعى إلى الربح المادي، فهدفها إجتماعي وأنسأني وليس تجاري.
لها استقلاليتها وإدارتها الذاتية.
لها هيكل رسمي معترف به قانونا ومنظم تنظيما إداريا محكما.
غير سياسية؛ حيث لا يتحكم في برامجها أحزاب أو مرشـحين لمناصـب سياسية .
ثالثا: الجمعية كتنظيم إجتماعي.
ما يهمنا من مقاربة مفهوم الجمعية ليس هو جرد كافة التعريفات للمفهوم، وإستحضار المسار التاريخي لنشاته لكن الأهم هو الوقوف عند هوية الجمعية كتنظيم إجتماعي، اي البحث في الهوية السوسيولوجية للجمعية .
اذا كان مفهوم الهوية يتحدد بإعتباره الوعي الذي يميز الأفراد بعضهم عن بعض، وأيضا الخصائص التي تتميز بها جماعة ما، وتجعلها كيانا متمايزا عن باقي الجماعات. فإن الهوية السوسيولوجية للجمعية يجعلها تنظيما يمتلك هوية داخلية خاصة به، تمييزه ن باقي أشكال التنظيمات الإجتماعية: الأسرة– القبيلة – الحزب – المقاولة .
فالجمعية كتنظيم إجتماعي له مقوماته الخاصة، وأدواره وطريقة تكوينه ورهاناته الداخلية والخارجية .
3/1 تعريف الباحث الجزائري المنصف وناس .
الجمعية نمط من المشاركة في الحياة الإجتماعية والسياسية والثقافية، وأنها هيكل من هياكل الإدماج السياسي والإجتماعي، وأنها تدريب فردي وجماعي على الإستفادة من المعارف ووضعها موضع التطبيق تحقيقا للنفـع العـام ([4]( .ويتحقق ذلك بواسطة الرغبة في الفعل التعاوني وتبنى القضايا المشتركة والتنظيم الجماعي، وكذلك العمل التطوعي الذي يعتبر شكل من أشكال المواطنـة والعمـل الإجتماعيفي غاية الأهمية، لأنه يتيح للأفراد المتقاعدين والعاطلين عـن العمـل وغيرهم من المهمشين فرصة الأندماج والتفاعل مع المجتمع والإبتعاد عن العزلة .
3/2: تعريف أمأني قنديل.
الجمعيات بأنها: "مؤسسات أو منظمات تطوعيـة خاصـة تتبنى أهدافا متنوعة، وقد تنشط في مجال واحد رعاية المعوقين مـثلا أو عـدة مجالات (الطفولة، المساعدات الخيرية والمعاقين"([5]).
3/3: تعريف ماهر أبو المعاطي
في تعريفه يعتبر أن الجمعية تنظيم إجتماعي يتكون من عدد من الأفراد يهدف إلى تحقيق أهداف لا تتعارض مع قوانين وتقاليد المجتمع بغرض المساهمة في مواجهة احتياجات ومشكلات المجتمع"([6] ).
3/4: تعريف قاموس مصطلحات الخدمة الإجتماعية .
يعتبر أن:"الجمعية هي منظمة تسعى إلى تحقيق أهدافإجتماعية معينة ولا تهدف إلى الحصول على الربح، لها وظائف متنوعة وقد تكون قومية أو محلية وتساهم بشكل متميز في مجال الخدمات الإجتماعية "([7]).
3/5 تعريف هيئة الأمم المتحدة فجاء تحت تسـمية المنظمـة غيـر الحكوميـة.
فقد إعتبرها:"مجموعة من المواطنين على المستوى المحلي أو الـوطني أو الـدولي بحيث لا تكون جزءا من حكومة ما، ولا تعمل من أجل الربح، وتشارك في إثارة قضايا معينة تخص الأسرة أو المجتمع .
اعتبرتوكفيل أن الجمعيات تشكل فضـاء وسيطا بين السلطة والشعب، وظيفتها كبح تطرف الجـانبين([8])، وتغطيـة مختلـف الميادين التي تعاني من نقائص وثغرات بهدف إشباع الحاجات وحل المشـكلات .
فالجمعية كتنظيم إجتماعي وظيفي تقدم مجموعة من الخدمات الأساسية في المجال الإجتماعي، الثقافي اوحتى داخل نسق الإقتصاد الإجتماعي، حيتتشكل فضاءا لممارسة الحرية والعمل والدفاع عن القناعات الشخصية، وترسيخ قيم التعاون والتضامن والديموقراطية كما تطرق إلى ذلك توكفيل في تناوله لمفهوم الجمعية .
فالجمعياتبهذا المعنى أصبحت فاعلا إجتماعيا يجعل من قيم التضامن والتعاون واجبا اخلاقيا، تضمن تقديم خدمات لمن يحتاجها، لأن الفعل الجمعوي هو فعل موجه لخدمة من هم في حاجة إلى خدمات الجمعية، وهو ما يجعل مفهوم الخدمة الإجتماعية من اهم الادوار التي تؤديها الجمعيات .
تعريف مادلين غرافيتز:
الخدمة الإجتماعية بقولها:" هي كل عمل يقوم به الفـرد لإفادة الآخر" ([9])هذا التعريف مختصر ولكنه ذو دلالة عميقة إذا اعتبرنـا أنـ العمل يتم بدون مقابل وبشكل تطوعي، وأنه عمل صادر عن ارادة طيبة وموجه للاخرين ([10]).
وقد حدد المؤتمر الدولي للخدمة الإجتماعية الأهداف والمجالات الخاصة بالخدمة الإجتماعية:
-تخفيف الآلام الناشئة عن البؤس والفقر والتخلف وتسمى الخدمـة الإجتماعية الملطفة.
وضع الأفراد والأسر والجماعات في ظروف ملائمة، وهي الخدمة الإجتماعية الشفائية (العلاجية.
منع وقوع الكوارث الإجتماعية، وهي الخدمة الإجتماعية الوقائية.
تحسين حال المجتمع ورفع مستوى معيشته([11]) .
هذه الخدمات المقدمة من طرف الجمعيات بمختلف نشاطاتها هي أعمال خدماتية تسـتهدف تلبية احتياجات الأفراد والجماعات بما يساعد في تنمية المجتمع، وذلك من خلال العمل على ايجاد الحلول الجزئية او الدائمة لبعض المشـاكل الإجتماعية كالفقر والأمية والإعاقة والإدمان ونقص الخدمات، وهذه الجهـود هـي بمثابـة الخدمة الإجتماعية المطلوبة في كل مجتمع يهدف إلى تحقيق التنمية المحلية والرفع من مؤشراتها.
ثالثا: الجمعية من منظور الوظيفية الجديدة
فالوظيفية الجديدة حاولت الدراسة وتفسير كيفية عمل المجتمعات، وكيف تؤثر المؤسسات والانماط الثقافية في ضمان استمرارية الانساق، لاسيما وسطمتغيرات معقدة ومتسارعة في زمن العولمة بهدف تجاوز توجهات الوظيفية الكلاسيكية لبارسونز .
الوظيفية الجديدة تهدف الى دراسة الواقعوفق رؤية متعددة الابعاد، تستند الى التكامل بين مستويات التحليل القصير المدى ومستويات التحليل البعيد المدى، وذلك من خلال فهم المجتمع في شموليته، واتساق واقعه وبجميع الاكراهات والمحددات التي تواجه الفاعل، وهي الافكار المتضمنة في مؤلفه الاساسي الوظيفية وما بعدها، والمتوفر كنسخة الكترونية عبر محرك البحت امازون .
فالوظيفية الجديدة حاولت اعادة بناء اسس النظرية الوظيفية الكلاسيكية، من خلال نقد اطروحات تالكوتبارسونز، وتتحدد ملامح هذا المشروع في كتاب جيفري الكسندر في كتابه: الوظيفية الجديدة وما بعدها ( الكسندر جيفري 1998 ص 69 ) .
لذا سيستند الدراسة إلى النظرية الوظيفية الجديدة، التى تقدم وصفاً عاماً للعلاقات المتبادلة بين الجمعية وباقي الفاعلين في محيطها العام، وتستخدم فكرة التوازن بصفتها نقطة مرجعية وليس بصفتها شيئاً موجوداً فى الواقع، فالتوازن هو دائماً توازن متحرك .
وقد حدد جيفري الكسندر فى مؤلفه "المنطق النظرى فى علم الاجتماع" ضرورة الأخذ فى الاعتبار ثلاث مجموعات من المتقابلات هى: التقابل بين النظرية والواقع (البعدين الميتافيزيقى والواقعي لعلم الاجتماع)، وهو ما يتيح الارتباط بينالنظرية والواقع والانحياز الى منطق الوصل وليس الفصل، وكذا الارتباط بين الإرادة الفردية والهيمنة الجماعية، والفعل المعيارى والفعل الأداتى من اجل فهم الظاهرة الاجتماعية كظاهرة مركبة ومعقدة في الوقت ذاته .
لذا فقد فضل الكسندر مصطلح " علم الاجتماع متعدد الأبعاد " الذي يتضمن تناوباً بين الحرية والقهرية ويقوم هذا المنطق علي افتراضيين عامين أولهما يتصل بمشكلة الفعل، وثانيهما يتعلق بمشكلة النظام أو بالكيفية التي يصبح بها تعدد هذه الأفعال مترابطاً ومنظما ً، وهو ما يتيح لنا فهم كيف يتم تنظيم مختلف توجهات واراء ومصالح المنتمين للفعل الجمعوي، وكيف يمكن تفسير دور الفاعل في بنية محكومة بمجوعة من التوازنات، وهو ما يتيح تجاوز الاتجاه البنيوي الذي جعل النسق بدون ذات فاعلة، وكذا الاتجاه الفرادني الذي منح سلطة للفاعل دون مراعات لحتمية النسق وقهريته من اهم مبادئ الوظيفية الجديدة نذكر ففكرة التوازن داخل النسق الاجتماعي هو دائما توازن هش، وهو ما يتيح فهم الواقع الاجتماعي المعقد،و الذي يعج بالكثير من التناقضات وو اختلاف المصالح وتعدد الرهانات، ما يولد حالة من الصراع داخل نسق الفعل الجمعوي .
الامر الذي يستدعي مقولات جديددة لفهم النسق المعقد والمتحرك عبر مقولات مثل التوازن الديناميكي، ويمكن تحدد توجهات الوظيفية الجديدة في خمسة عناصر:
رفض تفاؤل بارسونز بخصوص رؤيته للحداثة وتجاوز النظرة التفاؤلية لبناء تفسير شمولي ومما يعني التخلي عن ايجاد اي تماسك كامن في العالم ويمكن تحديد ملامح الوظيفية الجديدة في التالي:
استدماج منظور الصراع واعتبار الصراع اداة لتحقيق التوازن .
اعتبار التوازن يتحدد في المستويات البعيدة عكس بارسونز .
تعدد العمليات السببية الفاعلة في العمليات الاجتماعية وهو ما يعني استحالة ايجاد مفتاح واحد لكل المقضايااستدماج مفهوم الصدفة في تحليل علاقة الفاعل بالنسق .
نظرية متعددة مستويات التحليل .
ان اختيار الوظيفية الجديدة ينبع من ملائمتها كنظرية للجمعية كتنظيم اجتماعي وانشطتها وادوارها التنموية وذلك للاعتبارات الاتية:
خامسا:الجمعية من منظور نظرية الترابط الاجتماعي لنوبيرت الياس NOBERT ELIAS
الترابط الاجتماعي ظهر مع السوسيولوجي نوبير الياس Norbert Elias (1897-1990) في تحليله لطبيعة العلاقة المركبة بين الفرد والمجتمع، حيت رفض وضع تعارض بين الفرد والمجتمع، واعتباره أن سيرورة تطور الفردانية في المجتمع الغربي ارتبطت تاريخيا بسيرورة التنشئة والتربية الاجتماعية وهكذا اعتبر أن المجتمع ليس هو حاصل وحدات فردية، وفي نفس الوقت ليس جمعا مستقلا من الأفعال الفردية، ولكنه علاقة ترابط بين أفراد بحيث لا يمكن لأي ضمير أن يوجد من دون حضور الضمائر الأخرى .
حسب نوبير الياس ووفق مفهومه الترابط الاجتماعي أنه لا يمكن الفصل بين الفرد والمجتمع، فلا يوجد مجتمع بدون أفراد، والفرد مجرد كتلة هلامية وبلامعنى خارج المجتمع، فالفرد والمجتمع وجهان لعملة واحدة، واعتبر ان العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع هي علاقة تفاعل وتأثير متبادل، فالمجتمع يمارس مفعوله في تكوين شخصية الفرد، الذي من شأنه أن يكون فاعلا اجتماعيا وليس مجرد مفعول به في المجتمع .
نوبير الياس اعتبر ان الواقع الاجتماعي يبنى من قبل الأفراد وكل مكونات المجتمع، انطلاقا من خبرات وعادات وقيم مشتركة ومضمرة يتم نقلها عبر فعل التنشئة الاجتماعية، أو خبرات حاضرة تستمد من الحياة اليومية أو تتكون بواسطة الهابيتوس المجتمعي . وهي خبرات من طبيعة جبرية لاشعورية ولاواعية تفرض على الافراد ويتشربونها انطلاقا من المجتمع (الأسرة، والشارع، والقبيلة، المدرسة الحي المسجد الحزب النقابة الجمعية الخ بمعنى أن القيم تنتقل عند الأفراد من جيل إلى آخر، فيتمثلونها على أساس أنها معايير ومقاييس للتكيف والتطبع مع المجتمع ([1]https://sociologie.revues.org/923).
مفهوم نوبير الياس حول الترابط الاجتماعي يقدم تفسيرا لطبيعة الدينامية والتاثير متبادل بين الفرد والمجتمع، فالمجتمع يمارس تأثيره في الفردبقدر، ما يمارس الفرد تأثيره في المجتمع باختياراته وقراراته وإبداعاته.
مفهوم الترابط الاجتماعي متضمن في مؤلفه ماالسوسيولوجيا الصادر سنة 1970 والمترجم الى اللغة الفرنسية سنة 1991 أي سنة بعد وفاته.
تطبييقا لهذا المفهوم من اجل دراسة العلاقات الاجتماعية وإشكال الفعل المتبادل وبنية وشبكة العلاقات القائمة، وتدبير السلطة داخل الجمعية كتنظيم اجتماعي وذلك عبر:
اولا: الترابطات الداخلية للجمعية .
مفهوم الترابط الاجتماعي configuration sociale تتيح لنا امكانية اكتشاف طبيعة البنية الاجتماعية داخل الجمعية كبنيية اجتماعية لها قوانينها الخاصة، من اجل معرفة طبيعة التفاعلات وشبكة القوى داخل الجمعية وكيفية اشتغالها داخل مجال محكوم مؤسس على التنافس، وهو ما يساعد في بناء نماذج تفسيرية لوظيفة الجمعية وادوارها التنموية .
كما ان النظرية ستمنحنا فرصة فهم السؤال المركزي والاساسي كيف يتم تنظيم مجموعة من الافراد لانشطتهم الجماعية، وسلوكهم المشترك داخل اطار منظم وقانوني هو الجمعية، بهدف تحقيق اهداف محددة ومعلنة ومتفق عليها مما يساعد يفيد في فهم طبيعة الحوافز المغذية للعمل والفعل الجمعوي.
ثانيا: الترابطات الخارجية للجمعية.
فالجمعية هي اطار للفعل الاجتماعي وهي فاعل سياسي واجتماعي له رهاناته واهدافه، مما يجعلها تنظيم يتفاعل داخل بنية اجتماعية اكبر في اطار شبكة من العلاقات المتبادلة بين اعضاء الجمعية ومنخرطيها، فالجمعية تنظيم اجتماعي له هويته الاجتماعية وقوانييه ورهاناته وشبكة علاقاته الداخلية والخارجية .
ستساعدنا مبادى وتوجهات وأسس هذه النظرية الى فهم طبيعة الجمعية، ومختلف الاشكال الاجتماعية التي تتيح تبادل المنافع والمصالح وطبيعة الحوافز التي تغذي العمل التطوعي والمجاني عند الفاعل الجمعوي واعتبار الجمعية اطار للتنشئة الاجتماعية الممتدة اظافة الى الدراسة في طبيعة العلاقات القائمة بين الجمعية مع باقي الفاعليين في مجال اجتماعي له قواعده وبنياته الخاصة ورهاناته ومصالحه.فرؤية نوبيرت إلياس تتاسس على مقاربة سوسيولوجية تزاوج بين البعد التفسيري والبعد الفهمي، كما يزاوج بين بين التصور الشمولي وفق اسس سوسيولوجية عند إميل دوركايم والتصور الفردي عند ماكس فيبر، بين الفعل والبنية المجتمعية عبر عملية الانبناءوالهابيتوس.
وفق ما سبق ان نوبيرت الياس يعتبر ان المجتمع ينبنى وفق علاقات ترابط قائمة بين الفرد والمجتمع
وان كل فعل اجتماعي هو فعل اجتماعي بنائي يتم كعلاقة ترابط بينه وبين باقي افراد المجتمع فلا يمكن تخيل فعل خارج المجتمع واو تخيل فعل اجتماعي بدون ذات فاعلة، وهو ما يقود الى اعتماد فكرة ان أن الواقع الاجتماعي يبنى من قبل الأفراد في علاقة مع قيم ونظم المجتمع . وغالبا ما تكون القيم والعادات والمعايير المشكلة لهوية وشخصيات الافراد داخل المجتمعات ذات طبيعة لاشعورية .
كم يعتبر نوبيرت ان الافراد في بناء تصرفاتهم غالبا ما يؤسسونها على قيم وخبرات الماضي وتطلعات المستقبل . بمعنى أن القيم تنتقل عند الأفراد من جيل إلى آخر، فيتمثلونها على أساس أنها معايير ومقاييس للتكيف والتطبع مع المجتمع.وتشكل هذه المعايير والتصرفات والسلوكيات أدوات للمراقبة الذاتية والمحاسبة الشخصية. وقد استمدها الأفراد من المجتمع ومن حياتهم اليومية على حد سواء. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن المجتمع يمارس تأثيره في الفرد. كما يمارس الفرد تأثيره في المجتمع باختياراته وقراراته وإبداعاته .
فمنهجية نوبيرت الياس السوسيولوجية تقوم على الجمع ومحاولة التوفيق بين منطق الفهم والتفسير لمقاربة الظواهر الاجتماعية وفق مقاربة سوسيولوجية: الفهم من خلال الدراسة عن دلالات ومعاني الافعال وهو ما يجعل منهجه اقرب الى المنهج الفهمي لماكس فيبر والتي يتحدد بفهم تصرفات الأفراد السلوكية، واستكشاف دلالاتها واهادفها ومقاصدها، ومحاولة تفسبيرها من خلال الدراسة عن اسباب الظاهرة ونتائجها .
فالمنهج الوسيولوجي لنوبيرت الياس يقوم على اساس الدراسة في مختلف العلاقات التفاعلية داخل المجتمع والتي تتحقق عبر عملية التواصل الاجتماعي، تقوم منهجيته العلمية على الملاحظة الحسية، والاستعانة بالاختبارات الاجتماعية الكمية والكيفية، وربط التطبيق بالنظرية.
سادسا: الجمهعية من منظور التحليل الاستراتيجي
اختيار الاطار النظري للفاعل الاستراتيجي من اجل تأطير موضوع الدراسة بني على اعتبار الجمعية كفاعل سياسي واجتماعي، له قيمته ومكانته ورهاناته في الفضاء السياسي والاجتماعي المحلي والوطني والجهوي . يهتم التحليل الاستراتيجي لميشال كروزيه والمتضمن في مؤلفه L'Acteur et leSystème من اجل فهم كيفية بناء الأفعال الجماعية انطلاقاً من التصرفات الفردية والارادية، والعمل على تنسيقها بما يضمن الفعالية والنجاح وايجاد الحلول لمشاكل التنظيم والافراد( ميشيل كروزيه 1998 ص 122) .
يكون التحليل استراتيجياً عندما يحدد ويدرس سلوك الافراد كفاعلين داخل بنيات اجتماعية معينة، لا يكتفي التحليل الاستراتيجي بمعرفة السير الداخلي للتنظيمات بل يدرس كذلك اشكال ممارسة السلطة وتوزيعها داخل النسق الاجتماعي، فكل تنظيم خاضع لقيود البنية الاجتماعية التي ينتمي اليها.
فالتحليل الاستراتيجي يهدف الى فهم كيفية بناء الأفعال الجماعية داخل التنظيمات وانطلاقا من تعدد الفاعلين واختلاف مصالحهم، وذلك من خلال دراسة ومعاينة سلوك الفاعلين وباهدافهم العامة والخاصة وو اكراهات المحيط وكذا الموارد المتاحة لهم ورهاناتهم .
ينطلق التحليل الاستراتيجي من فكرة اساسية أن الفرد في حالة العمل لا يمكن تحديد سلوكه كلية ولا أن يتحكم فيه أو أن نتنبأ به(عبد القادر خريبش 1990 ص 576) كل فرد داخل أي تنظيم اجتماعي له أهدافه الخاصة، والتي تتعارض حتماً مع أهداف التنظيم. وهو ما يقود الى انتاج مجموعة من التوثرات والصراع داخل بنية التنظيم، لذا فاستمرارية التنظيم واستقراره مرتبط بقدرته على تدبير الصراعات الناتجة عن اختلاف المصالح بين اعضاء التنظيم . اي قدرته -التنظيم –على تدبير تناقضاته الداخلية والخارجية .
وفق التحليل الاستراتيجي، يحتفظ كل فاعل في التنظيم بهامش من الحرية، فلا يمكن فهم صيرورة التنظيم دون التركيز على الحقيقة النسبية لحرية الفاعل. لذا يحاول الفاعل أن يجعل سلوكه غير متوقع وفي الوقت ذاته أن يتوقع سلوك غيره، فالسلطة داخل التنظيم وفق منظور نظرية الفاعل الاستراتيجي تتحدد في القدرة على الاحتفاظ بمناطق ظل لا يعرفها الاخرون، وبالتالي فالحرية هي القدرة على الانفلات من ادراك الاخرين لما يخطط له الفاعل، والقدرة على الاحتفاظ بمناطق غير معروفة وغير مكشوفة للجميع .
انتقد كل من ميشيل كروزيهCrozier. M وFriedberg. E كل النظريات التي تفسر سلوك الافراد سلوكا عقلانيا، والتي تكتفي بإعطاء أعضاء التنظيم أدواراً محددة وسلوكاً عقلانياً متوقعاً، واقترح بدلاً من ذلك نظرية العقلانية المحدودة حيث يتمتع كل فاعل بعقلانية محددة ومحدودة من اجل انجاز استراتيجية شخصية، يحاول من خلالها إيجاد التدابير اللازمة لتحقيق اهدافه، وفسر كروزيه هذا المفهوم أي العقلانية المحدودة في كتابه الظاهرة البيروقراطية حيت فسرطبيعة العلاقات الاجتماعية في وكالة المحاسبة ومصنع التبغ، وبين أن كل فاعل يجتهد ويناور من اجل توسيع مجال قراره وتحصين استقلاليته، ووضع حد لتبعيته للآخرين من خلال جعل سلوكه غير متوقعمن طرف الاخرين أي امتلاك منطقة ظل .
يعتبر كروزيه أن التنظيم عبارة عن نسق يضم سلسلة من المتغيرات، ما يصيب أحدهما يؤثر حتماً بالآخرين . بمعنى اخر فالتنظيم هو بنية متفاعلة بشكل عضوي فكل تغيير على عنصر يؤثر على باقي البنية . فالتحليل الاستراتيجي يرتكز على ثلاثة مبادئ أساسية هي:
المبدأ الاول: مبدأ السلطة .
حسب رؤية كروزيه ان ممارسة السلطة تتم عبر وجود مبدأ التفاوض والتبادل النفعي بين الطرفين او اطراف التنظيم، من خلال التنازل لحق طرف لطرف آخر وفق شروط محددة متوافق عليها .ومن ثم فالسلطة ليست تعسفية بقدر ما هي سلطة متوافق عليها داخل التنظيم، أي أنها لا يمكن أن تمارس بالإكراه، من طرف عضو ضد عضو اخر فشرعية السلطة داخل التنظيم تتحدد بمدى القبول بها من طرف باقي اعضاء التنظيم .و قد حدد كروزيه اربعة مصادر للسلطة:
امتلاك الفاعل لكفاءة غير متوفرة لدى باقي الفاعلين .
التحكم في مناطق الظل .
التحكم في قنوات التواصل .
التحكم في القواعد التنظيمية .
المبدأ الثاني: منطقة الشك .
فكل وضعية تنظيمية مهما كانت تضم دوماً هامشاً من الشك، فالذي يتحكم في هذه المنطقة يحصل على السلطة فهو يحتفظ بمنطقة لا يتحكم فيها الآخرون وتجعل سلوكه غير متوقع في نظرهم.
لتفسير العلاقة الموجودة بين السلطة والفاعل الاجتماعي، يطرح لنا كروزيه مبدأ الشك الذي يستغله الفاعل الإستراتيجي كأرضية لبناء نوع من العنف / السلطة المقبولة اتجاه الاخرين، وذلك في محاولة إجباره على الإلتزام بقواعد "العمل، النظام ".
فمن يستطيع التحكم في منطقة الشك أو الإرتياب بحسب كروزيه، هو الذي له القدرة على ممارسة الرقابة والنفوذ والسلطة على الآخرين، بما يخدم مصالحه وبما يجعل الآخرين تابعين له في قراراته .فبقدر مؤهلاته وإمكانياته بقدر ما يتحكم في تلك المنطقة التي تمكنه من اكتساب قوة غير معلنة وخفية / المصدر الاول للسلطة .
لذا فتحقيق الاستقلالية رهين ببناء مناطق ظل لا يستطيع الاخرون التحكم فيها الاستراتيجية التي يختارها الفاعلين، سواء في علاقتهم ببعضهم البعض أو في علاقتهم بالتنظيم تتميز بالعقلانية إلا أن هذه العقلانية محدودة وذلك راجع بطبيعة الحال إلى وجود استراتيجيات أخرى مضادة، إضافة إلى عوائق السياق المتعددة. وهنا لا يمكن لأي فاعل مهما كانت له القدرة أن يجد الوقت والوسائل التي تمكنه من التوصل إلى حل عقلاني أو أمثل بهدف تحقيق أهدافه. وهنا يكون هذا الفاعل أمام حل مرضي نسبيا أو أمام الحل الأقل ضرار بالنسبة إليه في ظل الحواجز والإمكانيات التي يحتكم إليها Philippe Bernoux: La sociologie des entreprises، éditions de seuil، 1999، p: 141.[15]. .
المبدأ الثالث: نسق الفعل الملموس.
نسق الفعل الملموس هو نتيجة مختلف الاستراتيجيات التي يمارسها الفاعلون داخل أي تنظيم اجتماعي .و هو ليس بالضرورة خاضع للرسمية والتنظيم الرسمي، إنما هي تلك الاستراتيجيات المنظمة والمرتبة بين الفاعلين في علاقاتهم التبادلية تظهر فيها المصلحة والتنافر والصراع .
يمكن استخلاص بعض خطوات هذا المنهج وهي خمسة خطوات لهذا التحليل هي:
1 – تحديد الإشكاليات والرهانات المطروحة في التنظيم .
2 – استنتاج من هم الفاعلون المرتبطون بها .
3 – دراسة كل فاعل من حيت طبيعته وخصائصه وهامش حركته، مدى تحكمه بمنطقة الشك)
4 – استخلاص واستنتاج الاستراتيجيات التي يظهرها أو يتبناها الفاعل او الفاعلون داخل التنظيم الاجتماعي .
5 – دراسة التفاعل بين مختلف الاستراتيجيات المستنبطة من نسق الفعل .
وبعد هذه المرحلة يتم اكتشاف نسق الفعل العام، والتوصل الى مختلف الاستراتيجيات الموجودة، وبالتالي بناء نما ذج تخطيطية لتوضيح العملية التي تساعدنا على فهم طبيعة ووظيفة النسق وفاعليته.
خاتمة:
يبدو أن قيمة المنهج مهمة واساسية في دراسة الظواهر الاجتماعية من اجل بناء دراسة علمية دقيقة تتيح انتاج معارف تتيح التنبؤ والتفسير والضبط، لذا يصبح المنهج شرطا من شروط انتاج المعرفة العلمية وتراكمها، غير ان هناك مجموعة من الصعوبات التي تحول دون التطبيق الكامل للمنهج العلمي في العلوم الاجتماعية والتي تتميز بالفرادة والتميز والتعقيد ومع صعوبة اجراء التجريب عليها وقياسها تجريبيا .
تعتبر مساهمة كل من جيفري الكسندر في اطار الوظيفية الجديدة وميشيل كروزييه في احداث تصورات جديدة تركز على الجمع بين الفاعل والبنية وبين فاعلية الذات وقهرية البنية او التنظيم، عبر ترسيخ رؤية جديدة تهدف الى دراسة الواقعوفق رؤية متعددة الابعاد، تستند الى التكامل بين مستويات التحليل القصير المدى ومستويات التحليل البعيد المدى، وذلك من خلال فهم المجتمع في شموليته، واتساق واقعه وبجميع الاكراهات والمحددات التي تواجه الفاعل الاجتماعي في مختلف ادواره الاجتماعية .
د الفرفار العياشي
.........................
قائمة المراجع:
السيد الحسيني: النظرية الاجتماعية ودراسة التنظيم، دار المعارف، الطبعة الرابعة، 1983.
1/ السيد علي شتا، المنهج العلمي وعلم الاجتماع، ج3، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، 1995،
2 / عبد القادر خريبش ا لتحليل الاستراتيجي عند ميشال كروزيي: مجلة جامعة دمشق العدد الاول والثاني
3/عبدالرحمن بدوي، مناهج الدراسة العلمي، ط3، وكالة المطبوعات، شارع فهدالسالم، الكويت، 1977،
4/ السلطة الرمزية للفاعلين في المجال الاجتماعي وعلاقتها بإنتاج السلطة غير الرسمية في الإدارة المحلية موسى خويلد.
جان بيار دوران وروبير فايل: علم الاجتماع المعاصر، ترجمة ميلود طواهري، ابن النديم للنشر والتوزيع ودار الروافد الثقافية-ناشرون، الجزائر، الطبعة الأولى، 2012، ص: 320.
5/ لايدر، ديريك، قضايا التنظيرفي الدراسة الإجتماعي، ترجمة عدلي السمري،، القاهرة، . 2000
6 كريب ايان 1999 النظرية الاجتماعية من بارسونز الى هابرماس محمد حسن غلوم عالم المعرفة العدد 244
- محمد على محمد وأخرون: دراسات في علم الاجتماع والأنتروبولوجيا، دار المعارف، الطبعة الأولى، مصر، 1975، ص:322.[4]
جون سكوت وجوردون مارشال: موسوعة علم الاجتماع، ترجمة أحمد زايد وآخرون، المركز القومي للترجمة، الطبعة الثانية، 2011، ص: 407.
أحمد شكر الصبيحي. مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي. مركز دراسات الوحـدة العربية. بيروت، ط1، 2000، ص125
[1]ر-بودون، ف- بوريكو، المعجم النقدي لعلم الاجتماع ترجمـة سـليم حـداد، ديـوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط1، 1986، ص .286 25 - -
[1].ا ثريـا البرزنجـي، المجتمـع المـدني والمفا هيم المعاصرة، جريدة المـدى .2006 العراقية ماي 16 www.almad poper.com.
[1]أحمد بو عجيلة، المجتمع المدني فـي المشـروع المجتمعـي للتغييـر، مجلـة أفكـار الالكترونية AFKARonLine.org www.aFKA@
[1]ألمرجع السابق .
7جميل حمدواي: نوبيرت الياس السوسيولوجي:
/http://www.almothaqaf.com/index.php/idea2015/890347.html /
Michel Crozier Erhard Friedberg L'acteur et le système: Les contraintes de l'action collective Éditions du Seuil، 1981
Michel Foudriat: Sociologie des organisations، édition PEASON Education، 2 éditions، 2007، p: 3.
- M.Crozier، E.Friedberg: L’acteur et le système، éditions du seuil، 1977، p: 45.
Philippe Bernoux: La sociologie des entreprises، éditions de seuil، 1999، p: 141.
M.Crozier: Le phénomène bureaucratique، éditions di seuil، 1963، p:9.
......................
هوامش
[1] فوزي بورخيص، مدخل الى سوسيولوجيا الجمعيات، افريقيا الشرق 2013ص 29
[2] Tocqueville 1981 de la démocratie en Amérique ; t 1 ed Garnier Flammation –paris p 274
[3] السید الحسیني، علم الاجتماع السیاسي المفاھیم والقضایا، ط1، دار الكتاب للتوزیع، القاھرة، 1980، ص، 251-252
[4] أحمد شكر الصبيحي. مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي. مركز دراسات الوحـدة العربية. بيروت، ط1، 2000، ص125
[5] ر-بودون، ف- بوريكو، المعجم النقدي لعلم الاجتماع ترجمـة سـليم حـداد، ديـوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط1، 1986، ص .286 25 - -
[6] ا ثريـا البرزنجـي، المجتمـع المـدني والمفا هيم المعاصرة، جريدة المـدى .2006 العراقية ماي 16 www.almad poper.com.
[7] أحمد بو عجيلة، المجتمع المدني فـي المشـروع المجتمعـي للتغييـر، مجلـة أفكـار الالكترونية AFKARonLine.org www.aFKA@
[8] ألمرجع السابق .
[9] رشيد زرواطي، مدخل للخدمة الاجتماعية، دار هومة، الجزائر، 2000، ص 11
[10] Dan Ferrand- Bechmann 2000 le metier du benevole ; ed Econom،ica collection Anthropos p 13
[11] رشيد زرواطي المرجع السابق ص 14