قضايا

الزمن والتاريخ العراقي وإشكالية البديل المستقبلي

ميثم الجنابيالتاريخ العقلاني المحتمل في العراق (1)

إن الفكرة القائلة بنهاية التاريخ، لها تاريخها العريق في الأسطورة والدين والفلسفة. لكنها حالما تنتقل إلى ميدان الفكر السياسي، فإنها تصبح جزء من صراع البدائل. فالنهاية المفترضة في التاريخ هي الصيغة "المنطقية" لرؤية النهاية في كل وجود من اجل معرفة حدوده. كما أنها تستمد مقوماتها من نهاية الإنسان والدول والإمبراطوريات والحضارات، مع بقاء الحياة ودبيبها فيما تدعوه لغة الشعر والآثار بعبارة الآمال والأحلام. وهو دبيب يتمثل مختلف مكونات ومظاهر الصراع العلني والمستتر، العنيف والسلمي بين الجديد والقديم، والاجتهاد والتقليد، والحرية والاستبداد، أي بين المكونات الملازمة لوجود الأفراد والجماعات والمجتمعات في مجرى معاناتهم للبحث عن بدائل أرقى وأفضل. وهي معاناة لا يتحمل ثقل وطئتها على العقل والضمير والوجدان غير ميدان السياسة بوصفه عالم الآمال والأحلام، أو ما دعته تقاليد الثقافة العربية الإسلامية بعبارة "الآفاق والأنفس".

وليس مصادفة أن تصبح السياسة مبدأ ومنتهى الفضيلة، وميدان تجريب الفرضيات الكبرى والصغرى للعقل النظري والعملي. وهي حقيقة التقطها أفلاطون بحدسه العميق، عندما تناول في إحدى أجمل محاوراته (بروتاغورس) قضية مشاركة الناس بالحياة السياسية، أو ما يطلق عليه اليوم العلم السياسي عبارة "القوى السياسية". فقد وضع أفلاطون في محاورة بروتاغورس إشكالية السياسة والحكمة والفضيلة من خلال تأويل المعنى الكامن في اسطورة سرقة بروميثيوس "للنار الأبدية"، بوصفها رمزا "للفنون الإلهية" وتسليمها أو إهداءها للبشر لكي يتزودوا بشيء من الحكمة السياسية، التي كانت من نصيب زيوس رب الأرباب. وهي أسطورة أرادت أن تفسر سر تزود الإنسان بنصيب من الصفات الإلهية التي نراها في بناء الهياكل وسيادة الأرباب. وهي الصفات التي يلازمها ضرورة التهذيب والتشذيب العلمي لكي لا ينقرض الوجود الإنساني بسبب الحروب. من هنا إرسال رب الأرباب زيوس لرسول الحكمة هرمس ليعلم الناس الوقار والعدالة المطلوبة للجميع1 . وهو سبب اهتمام الجميع بالفضيلة السياسية التي تتطلب نوعا من العدالة والحكمة، على عكس الاختصاصات الأخرى. وهو الأمر الذي جعل ويجعل من الممكن مشاركة الكبير والصغير، والعالم والجاهل، والنبيل والوضيع، والرجل والمرأة في السياسة والإدلاء برأيهم فيها، على عكس المهن الأخرى. فالحداد لا يتحدث بالطب، وصانع الأحذية لا يتقبل إسداء النصح واجتهاد الآراء التي يقولها غير الاسكافيين! أما في السياسة، فان الجميع تستطيع القول "أنا اعتقد" و"أنا اجزم" و"أنا أتوقع" وما شابه ذلك. وهو واقع له رائحته في أنفاس الثورة بوصفها الصفة الملازمة لهيجان الثيران، وأصواته العذبة في أنغام الإصلاح بوصفها الصفة الملازمة لروح الصلاح. كما انه الواقع الذي تتقلب فيه قلوب القوى السياسية العربية في العراق والخليج بين أصابع الرحمة والنقمة العاصفة للأحداث الدرامية الهائلة التي أعقبت "تحرير" العراق من الدكتاتورية الصدامية واحتلاله كله! وهي المفارقة الكبرى للتاريخ العربي الحديث، التي تجعل من الممكن القول، بان قرنا من الزمن قد ساد وولى بلا تاريخ، أي بلا تراكم في العقل النظري لقواه السياسية. إلا أن ذلك لا يعدم وجود أو توسع حجم القوى السياسية.

فمن الناحية النظرية والعملية ليست "القوى السياسية" سوى الطاقة القادرة على التأثير والفعل في الوجود الاجتماعي للأفراد والجماعات والدولة. ومن ثم فان كل وجود اجتماعي هو قوة سياسية بالضرورة، كما أن العقل وانعدام العقل قوة سياسية. والشيء نفسه يمكن قوله عن الأوهام والأهواء والإيديولوجيات. فهي جميعا قوى سياسية، أي طاقة قادرة على الفعل والتأثير المتنوع بالنسبة لمسار الدولة والأمم. وعموما ليس الأحياء فحسب، بل والأموات أيضا قوة سياسية. وهو واقع يمكن تتبع أثره في الحاضر واحتماله الفرضي في المستقبل. وهو الشيء الجلي في مختلف مظاهر الإحياء "الجهادي" و"المقدس" لأصنام الأصوليات الدينية والتوتاليتاريات الدنيوية. فابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب يبدوان أكثر حياة وحيوية من الغزالي وابن رشد، أو ابن سينا وابن عربي. وهي حالة تشير إلى أزمة الوعي العقلاني والدولة الشرعية وجفاف الاجتهاد الحر وتسطيح الوعي العام وسيادة الثقافة التقليدية، لكنها تعكس الحالة الفعلية للأموات، بالمعنى المادي والمعنوي، في تكريس و"تأسيس" منظومة الانحطاط العقلي والإنساني في العالم العربي المعاصر. وهي حالة عربية عامة. بمعنى أنها تعكس ديناميكية التخلف، التي جعلت من مومياء الأطلال الخربة تعويذة الحلول السحرية المميزة لمختلف نماذج الجاهلية الثقافية، وبالأخص السلفية والأصولية. وهي حالة سياسية تعكس زمن الانحطاط الفعلي في تاريخ "القوة السياسية" في العالم العربي الحديث، كما كشفت عن نفسها بصورة مرعبة في العراق!

فعندما نتأمل تاريخ "القوة السياسية" بوصفها فكرة وممارسة في العالم العربي الحديث والمعاصر، فإننا نقف أمام تقلبها المشوه في أطوار الولادة والنمو. وهي ظاهرة ليست معزولة عن طبيعة الانقطاع الراديكالي الذي حدث في بداية القرن العشرين عندما تناثرت الإمبراطورية العثمانية ومعها كل التراكم الثقافي السياسي وإشكالاته وهمومه المشتركة. أما النتيجة فهي تجزئة "العالم العربي" من حيث كونه إمكانية واقعية ضمن الكل العثماني، وتجزئة ارثه المتراكم في المرحلة العثمانية والنهضة وبداية الإصلاح الديني. ثم التجزئة الجغرافية السياسية التي جرى شحذها بصعود "الفكرة السياسية" الخالية من اثر النخبة الفكرية وإرهاصات الفكرة الليبرالية والعقلانية والنزعة الإنسانية.

لقد أدى هذا الانتقال الراديكالي إلى صعود الفكرة السياسية للقومية الوجدانية بأبعادها الوطنية، في ظل غياب أو ضعف مؤسساتي للدولة (الوطنية) والقومية على السواء. وهو خلل بنيوي عميق لا يغطي شروخه شيئا غير صبغة الأوهام السياسية والأيديولوجية. أما الصيغة العملية والأسلوب الوحيد الممكن لطلائها فهو "تثوير" نفسية العوام وزجها العنيف في سيول السياسة والتمسك بقشة الشعارات الرنانة. وحالما أصبحت هذه الحالة جزء من تقاليد الفكرة السياسية والقوى السياسية الجديدة، فإنها أخذت تتحول إلى آلية مستقلة بذاتها، بحيث أصبح من الصعب التحرر منها ما لم تبلغ حدودها الذاتية. وهي حالة لا علاقة لها بالجبر والحتمية المفتعلة، بقدر ما أنها تستمد مقوماتها من ثقل التخلف الهائج حالما يتحول إلى عقيدة سياسية. وهي الحالة التي يمكن تتبع نماذجها "الكلاسيكية" في مصر وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين، بوصفها المناطق "المثورة" للفكرة السياسية في القرن العشرين وميدان فشلها الذريع!! وهي النتيجة التي جعلت من الممكن صعود نجم الدول الخليجية، وبالأخص المملكة العربية السعودية إلى هرم "المبادرة السياسية" العربية في القرن الحادي والعشرين، في ظل انعدام بنيوي شامل للبدائل العقلانية والديمقراطية والشرعية فيها!!

لكننا نستطيع أن نرى في هذه الحالة المقلوبة للتطور التاريخي احد مصادر الأمل التاريخي الجديد، فيما أسميته ببلوغ "الحدود الذاتية" للانحطاط، بوصفها المرحلة التي تضع مهمة بلورة الفلسفة العربية العقلانية البديلة للإصلاح والتنوير والحداثة.

فعندما نتأمل التجارب التاريخية العاصفة لصعود الراديكالية السياسية العربية الحديثة، فإننا نقف أمام استفحال دورها وتكاملها التدريجي في "منظومة" الاستبداد والانغلاق الثقافي. وهي ظاهرة ترافقت كما أشرت أعلاه إلى طبيعة التغير الهائل الذي جرى على تاريخ الجغرافيا السياسية للعالم العربي وتجزئة وتفتيت التراكم الطبيعي للرقي المدني والدولتي والاجتماعي. ومن ثم لم يكن صعود الفكرة الوطنية والقومية في ظل انتفاء شروطها الضرورية منذ عشرينيات القرن العشرين، سوى المقدمة المشوهة لتصنيع آلية الراديكالية السياسية، أي آلية الإنتاج الدائم للحثالة والهامشية والأوهام والإيديولوجيات التوتاليتارية والعقائد الأصولية. مع ما كان يرافقها من تفعيل لا عقلاني للجماهير، أي "للقوى السياسية" المتحزبة والهائجة.

وهي عملية كانت تحتوي في أعماقها على احتمال صعود الزعماء والأبطال والقواد الجماهيريين والجمهور، بوصفها ظاهرة طبيعية وتاريخية لحد ما. وذلك لأنها كانت الوجه الآخر لسيادة نفسية الغوغاء والرعاع، لكنها كانت تحتوي بالنسبة للعالم العربي على مخاطر الإعاقة التاريخية للتاريخ، أو التشويه المفتعل للمسار الطبيعي الملازم للدولة والمجتمع والثقافة والأمة. وحالما أصبحت هذه الظاهرة آلية قائمة بذاتها منذ خمسينيات القرن العشرين، فإنها تحولت إلى "مرجعية متسامية" بالنسبة للوعي السياسي الراديكالي، أو أنها جعلت من الراديكالية فكرة متسامية عبر مطابقتها مع إيديولوجيا الثورة والانقلاب بوصفها العقيدة المقدسة لحرق مراحل التاريخ. وليس مصادفة أن تصبح فكرة حرق مراحل التاريخ الصراط المستقيم لبلوغ الجنة، أو المطهر الذي ينبغي أن تحترق في مجرى عبوره كل الأوساخ العالقة على الجسد والضمير والعقل العربي. من هنا تحول انقلاب يونيو عام 1952 العسكري في مصر إلى "نموذج" الثورة، و"الضباط الأحرار" إلى نموذج "القوة السياسية" الجديدة. وسوف تكرر سوريا هذه المزاوجة بين الثورة والحرية في الأفعال والرجال عام 1954، ثم يعيد العراق تفعيلها عام 1958. بمعنى تكامل الفكرة الراديكالية وقواها السياسية الجديدة في المثلث الفعال للفكرة السياسية العربية في القرن العشرين)2 .

إن تحول الظاهرة الراديكالية إلى آلية تصنيع وتفعيل القوى السياسية "الجديدة"، وتحولها إلى نموذج في القيادة، كان يحتوي في أعماقه على سحق وحدة المنطق التاريخ في الفكرة السياسية بوصفها اجتهادا عقلانيا في إدارة شئون الدولة والمجتمع. وليس مصادفة أن تضمحل تدريجيا وتتلاشى فكرة المجتمع المدني والحرية والإدارة، وعوضا عنها تبرز الملامح الناتئة "للزعيم السياسي" و"القائد الجماهير" و"الأب الروحي". وهي صيغة كانت تتآكل فيها كل الاحتمالات العقلانية للبدائل. ومن ثم كانت تحتوي في أعماقها على تذليلها التدريجي بوصفها اجترارا للزمن أكثر مما هي تجارب التاريخ.

وكان ينبغي لهذه الظاهرة أن تبلغ ذروتها لكي تبدأ بالانحسار. وذلك لأن حقيقة "القائد الجماهيري" هو نفي للجمهور من جهة، وتمثل للعوام من جهة أخرى. وفي هذا التناقض يكمن سر اللعبة التي سرعان ما يدركها القادة والزعماء والجمهور. وحالما يبلغ كل منهم إدراك حقيقتها، فإنها تتحول عند القادة إلى مصدر النزعة الكلبية، مع ما يلازمها بالضرورة من سيادة الرذيلة السياسية، أي العمل بالعكس من المعنى الأولي والجوهري للسياسة بوصفها فنا من فنون تحقيق الفضائل العملية، أو الحكمة الاجتماعية والدولتية3 . بينما تتحول عند الجمهور إلى نفور من "السياسة" وبحث عن يقين خارج التاريخ والبشر! وهي معادلة لا عقلانية من حيث مقدماتها ومخربة من حيث نتائجها. بمعنى أنها تدفع قادة الأمس "الجماهيريين" إلى الانزواء في قلاع "الثورة" المزيفة وتحصينها بقوى القهر والقمع والاستبداد، بينما "تتعالى" الجماهير صوب "الله" بوصفه القيمة المعوضة عن اغتراب السياسة! وكلما تقترب منه، كلما تبتعد عن الواقع. وذلك لان الاقتراب هنا هو الوجه الآخر لاستفحال الدكتاتورية والاستبداد. وهي المفارقة التي تجد تعبيرها في ظهور "القادة الجدد" للقوى الأصولية، أي للسلب التاريخي الذي تعرض له العقل السياسي وبنية البدائل العقلانية، بوصفها الطاقة الكامنة للنخب الاجتماعية الحرة بشكل عام والفكرية بشكل خاص.

غير أن آلية تأليه القادة التي تجعل من نفسها زيوس وهرمس الفضيلة السياسية، أو رب الأرباب وخاتم الرسالة الأبدية! (كما نراه على سبيل المثال في شعار البعث (ذو الرسالة الخالدة!) عادة ما تؤدي إلى تصنيع شبيهها العدائي! إذ ليست السلفيات المتطرفة المعاصرة سوى الوجه الآخر للراديكاليات الدنيوية. وهي نتيجة كانت تتراكم في ظاهرة تحول القائد إلى اله! أي في استكمال التشوه التاريخي من خلال صنع النموذج المفتعل للقائد أو الزعيم الجماهيري بوصفه مسخا خالصا لسلب العقل والجمهور. وذلك لان القائد الجماهيري المصطنع لا يعيش إلا على أساس وحدة جمهور بلا عقل! وهو السبب الذي يفسر ظاهرة تحول "القادة الثوريين" إلى دكتاتوريين في الحكم وجماهيريين في القتل والسرقة!

وليس مصادفة أن يصبح السلوك السياسي لهذا النمط من القادة سلسلة من انعدام الرؤية النقدية، وزوال الحدود، والاندفاع الأهوج صوب المغامرة والمؤامرة والمقامرة. وهي العملية التي تكشف عن أن كل توغل فيها هو تصنيع "منظومي" للانحطاط كما بلغت ذروتها النموذجية في العراق قبيل سقوط الدكتاتورية الصدامية، وليبيا القذافية، بوصفها التجسيد السياسي الوحيد و"الرسمي" للفكرة "الجماهيرية"، أي النموذج الكلاسيكي لتمام الابتذال السياسي للقوة السياسية. وذلك لأنها تجعل من القوة السياسية طاقة بلا احتراف. مع ما يترب عليه من آلية جعل العوام (الجماهير) الوجه الوحيد للنخبة! وهي الصيغة الماكرة لإعدام النخبة باسم الجمهور، وتحويل الجمهور إلى قطيع الأضحية الدائمة لنزوات السلطة ورغباتها وإرادتها وتجاربها. وذلك لأن جمهور بلا نخبة هو أسلوب تآكل الجمهور. أما النتيجة فهي حرب الجميع ضد الجميع باسم الجميع! والنتيجة لا شيء! وهو الحد الأقصى الذي تبلغه الراديكالية. بمعنى تفريغها المجتمع من قواه السياسية (المحترفة) عبر دمج الجمهور في سبيكة الخضوع والتبعية. وعند هذا الحد تبلغ السياسة الراديكالية ذروتها بوصفها قوة مغتربة عن المجتمع والفضائل العملية (السياسية)، أي عن مكوناتها الجوهرية.

إن بلوغ هذه الحالة هو مؤشر على نهاية الزمن الراديكالي. وهي نهاية يمكن رؤيتها في العالم العربي المعاصر على ظاهرة أفول الراديكاليات الدنيوية وصعود الأصوليات الإسلامية. فصعود الأصوليات الإسلامية بمختلف نماذجها ومستوياتها هو الاستكمال الطبيعي لسقوط الراديكاليات الدنيوية. والأصولية الإسلامية هي التعبير الإيديولوجي والعملي عن الرغبة المسطحة ببلوغ اليقين الأبدي، تماما كما هو الحال بالنسبة للعقائد الراديكالية الدنيوية التي تجعل من تصوراتها المبتذلة ذروة الحق والحقيقة. وكما كانت الراديكالية الدنيوية تشكك بالماضي وترفضه ولا تؤمن إلا بمستقبلها التجريبي، فان السلفية الإسلامية تكرر نفس المضمون بعد إسباغ مسحة اليقين المقدس عليه. من هنا التقاءهما في مواجهة الشكوك المحتملة، أيا كان شكلها ومضمونها ومستوياتها، بما في ذلك أكثرها عقلية وعقلانية. وهي الحالة التي تؤدي بالضرورة إلى التقائهما في صراع دام لكي يندثرا كما لو أنها الموجة الأخيرة من طوفان الزمن الراديكالي. وهي الحالة التي يمكن رؤية ملامحها الجلية في ظروف العالم المعاصر، وفي العراق بشكل خاص. وهي النهاية التي تتلألأ من خلالها بداية تأسيس التاريخ الاجتماعي للقوى السياسية الجديدة. كما أنها النموذج الذي يمكن من خلاله رؤية الاحتمالات القائمة في آفاق القوى السياسية الجديدة في دول الخليج العربية.  (يتبع....).

 

ا. د. ميثم الجنابي

.......................

1- وهي فكرة أسطورية تعادل الفكرة الإسلامية اللاحقة حول الربوبية المشتقة من منظومة أسماء الله الحسنى، والنبي المرسل أو الرسول بوصفه مرشدا ونذيرا للعالمين.

2- إن أول انقلاب عسكري في العالم العربي قد حدث في سوريا عام 1949 على يد رئيس الأركان آنذاك حسني الزعيم. وقد جرت قبله محاولة في العراق. غير إنهما لم يتحولا إلى "مرجعية متسامية" في الفكرة السياسية إلا بعد انقلاب 1952 في مصر. فقد طابق انقلاب 1952 في مصر نفسه مع الثورة. وجرى لاحقا تحويله إلى نموذج "رفيع" بالنسبة للتقليد السياسي والقوى السياسية الجديدة في العالم العربي. فبعد سوريا والعراق، نراه يتكرر في السودان بزعامة إبراهيم عبود، ثم اليمن وليبيا. وتكرر الأمر في جميع دول العالم العربي دون استثناء. بحيث ارتفع عدد الانقلابات "الناجحة" إلى العشرات. تحتل سوريا المرتبة الأولى (تسعة انقلابات، ثم موريتانيا ستة انقلابات، بعدها اليمن خمسة انقلابات، ثم العراق والسودان بأربعة انقلابات، تليهما لبنان وجزر القمر كل بثلاثة انقلابات. أما مصر وليبيا والصومال فقد تعرض كل منها إلى انقلاب واحد خلال تلك الفترة)

3- وهي الظاهرة التي لم يجر تحليل أبعادها النفسية والأخلاقية والانتروبولوجية في الفكر السياسي العربي الحديث، على مثال تتبع نفسية وذهنية القادة والزعماء الراديكاليين، أو "انقلاباتهم" العقائدية والسياسية على مستوى التفكير والممارسة. وهي تحولات وانقلابات ليست معزولة عن واقع التقاليد الراديكالية والهامشية التي جعلت من الممكن انتقال الجهلة والرعاع وأنصاف المتعلمين إلى ميدان "النشاط السياسي" وتصنيع خرافة الأحزاب الطبقية والاشتراكية والقومية، إلى يمكن اعتبارها، بمعايير الدراسات النفسية والانتربولوجية، باعتبارها تعويضا عن الحالة الاجتماعية الهامشية وضعف أو انعدام التأهيل العلمي.

 

في المثقف اليوم