قضايا

تأملات في الفكر السياسي الإسلامي (5): القرآن والشورى

سليم جواد الفهدورد أمر الشورى في القرآن في آيتين هما قوله: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (الشورى:38).

وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159).

والآن نتساءل ما الجديد الذي آتى به القرآن في موضوع الشورى؟  وماهي الإضافة التي أضافها على ما كان موجودا ومعروفا ومعمولا به؟ الجواب بالتأكيد لا جديد ولا اضافة بل الاكثر من ذلك أن القرآن سكت عن تفاصيل مهمة جدا كان من المفترض الاشارة إليها بل كان من الضروري والواجب الاشارة إليها حتى لا يصيب الارتباك من يريد تطبيقها على أرض الواقع. وإليك ماسكت عنه القرآن:

1- أهل الشورى من هم؟ هل هم جميع المسلمين أم أشخاص مخصوصين؟

2- إذا كانوا مخصوصين فما هو الاعتبار في اختصاصهم؟

3- ما هي كيفية الوصول إليهم؟

4- ماهي كيفية تعينهم هل هي بتعيين من النبي أو الخليفة؟ أم بالترشيح من الناس أم بغير ذلك؟

5- بعد وفاة النبي ما هو مجال العمل عند أهل الشورى؟ هل هو مجال النصوص فهماً وتطبيقاً؟ أم مجال الجديد من المعاملات تشريعاً وتقنيناً.

هذه الأسئلة لم يجب عليها أحد ولم يخض أحد في تفصيلاتها لأن الخوض في تفصيلاتها يوصل الى نتيجة مفادها أن الشورى في القرآن ليست نظام حكم بل ولا نظام حياة وليست معالجة لأي عمل وإنما هي وسيلة أو اسلوب أو كيفية للتحري عن الراي الصائب لا أكثر. ثم يأخذ النبي الرأي الذي يراه صائبا ويعزم ويتوكل على الله كما تشير الآية بوضوح.

ما هو الأمر المقصود في الآية.

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159).

إن الأمر المقصود التشاور فيه هو: مالا نص فيه على العموم إلا ما أخرجه الدليل من هذا العموم والإطلاق كالأحكام الشرعية المبرمة المنصص بها بنص من قرآن أو سنة فمثل هذه الأحكام ليست محلاً للشورى لأنها ليست محلاً للاجتهاد أصلاً إذ لا اجتهاد في مورد النص.

من هذا نفهم إن مشاورة النبي لأصحابه إنما كانت بمثابة جبر لخواطرهم وهي تمثل عنصر استقرار لنفوسهم وتوحيد لصفهم واستخراج لمواهبهم وطاقاتهم وذلك حتى يقوى إيمانهم ويزداد تعلقهم بالنبي وحبهم له وطاعتهم وانصياعهم لقيادته.

والدليل على ذلك أن جميع الفقهاء يجمعون على ان الشورى غير ملزمة للنبي لا شرعاً ولا عقلاً.

أما شرعاً: فالنبي غير ملزم إلا باتباع الوحي ونص آية الشورى نص صريح إذ يقول للنبي: (فإذا عزمت فتوكل على الله).

وأما عقلاً: فلأن النبي معصوم لا ينطق عن الهوى ولا يتكلم عن جهل ولا ينوبه عجز عن حل أي معضلة ولا ينقصه علم بأمر من الأمور وغيره من الأصحاب الذين يستشيرهم ليسوا كذلك فما هو مبرر أن يستشير المعصوم الذي لا يخطأ صحابيا يخطأ؟

الظاهر أن المبرر المنطقي الوحيد هو أن حكمة النبي تقتضي إمضاء الشورى ليكون لها أثر في نفوس الصحابة المستشارين فتطيب بطاعة القيادة قلوبهم بعد أن يشعروا أن لهم أثرا ولو كان صوريا وهذه هي الدلالة الحقيقة للشورى في القرآن عبارة عن اجراء صوري لا أكثر هدفها الأساس عدم الانفراد بالرأي الذي يستدعي حتما نفور الصحابة من النبي الذي ينتج من شعورهم بعدم أهميتهم وهامشيتهم في القرار.

نموذجين من الشورى الكارثية.

في أوقات أقدم النبي على الأخذ بشورى بعض الصحابة كانت النتائج كالتالي:

أولا: في معركة أحد أشار بعض المسلمين على النبي بالبقاء في المدينة وألح عليه آخرون بالخروج والكل يقدر جانب المصلحة من زاوية نظره وفهمه ولم يكن أحد من الفريقين يقطع بيقين أين يكون الخير فقرر النبي أن يأخذ برأي أصحاب الخروج من المدينة وكانت خسارة معركة أحد مدوية بعد أن نزل الرماة من على الجبل وكشف ظهر المسلمين.

والرواية باختصار: (في السنة الثالثة من الهجرة حدثت معركة أحد وقد ورد حديث عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله قال: "رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقراً ينحر، فأولت أن الدرعَ الحصينةَ المدينةُ، وأن البقرَ هوَ واللهِ خَيرٌ". قال: فقال لأصحابه: "لو أنا أقمنا بالمدينة، فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم". فقالوا: يا رسول الله، ما دخل علينا فيها في الجاهلية، فكيف يدخل علينا فيها في الإسلام.

فقال: "شأنكم إذن".

قال: فلبس لامة الحرب. قال: فقالت الأنصار: رددنا على رسول الله رأيه فجاؤوا فقالوا: يا نبي الله شأنك إذن.

فقال: "إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل"."1"

هنا يتبرعم سؤال من غرابة الموقف هو لماذا يتكلم الوحي بتفصيل عن أمور جزئية غير مصيرية كالعبادات وكيفيتها والوصايا الأخلاقية وطبيعتها ويسكت في موقف الحرب وهو موقف خطير يترتب عليه مصير الإسلام والمسلمين؟

ثانيا: شورى مأساة بني قريضة. حاصر النبي بني قريظة قرابة شهر في حصونهم ثم قبلوا النزول من حصونهم ولكن على حكم سعد بن معاذ الذي كان حليفاً لهم في الجاهلية ظناً منهم أنه سيكون رحيماً بهم وقبل النبي عرضهم هذا ثم دعي سعد من المدينة حيث كان يمرض فيها من سهم أصابه في الخندق فقال سعد بعد أن جلس للحكم: حكمي نافذ على الجميع؟ فأشار النبي: أن نعم وهكذا قال رؤساء اليهود فقال سعد: فإني أحكم بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى نساؤهم وذراريهم. فقال له النبي: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات."2 "

 وكانت مأساة حقيقية ومجزرة مروعة وصل عدد القتلى فيها من اليهود ما يقارب800 إنسان أغلبهم من الشباب والأطفال.

.... للحديث بقية

 

سليم جواد الفهد

..........................

المصادر:

1- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، الرقم: 7/436

2- سيرة ابن هشام.

 

في المثقف اليوم