قضايا

هل يسبب الصيام ضرراً صحياً في ظل تفشي فيروس كورونا؟

محمود محمد علييطل علينا شهر رمضان هذا العام في أجواء غير مألوفة، لم نعتاد مثلها في تاريخنا الحديث، فالمشاهد والمظاهر التي تعودنا علي رؤيتها في هذا الشهر الفضيل، مثل التبضع نهاراً في الأسواق والمحلات، من أجل الإفطار والسحور والإفطار الجماعي، والزيارات العائلية، وصلاة التراويح، والعمل الخيري، وسهرات السحور في المقاهي والمطاعم.. كل تلك المظاهر المرتبطة برمضان لم توجد في هذا العام؛ بسبب حظر التجول، وإغلاق المساجد، الشوارع الخالية، ودُور العبادة المقفَلة، والأسواق المقفِرة، وضرورات التباعد الاجتماعي .

يبدو رمضان وكأنَّه يَهجُرنا، فكيف لنا أن نَعيشه وكلُّ شعائره محجورة، ولا قدرة على التَّبضُّع اليوميِّ لشراء أطايب موائد الإفطار، وممنوع علينا الاجتماع بالأحبّة، وممنوع علينا صلاة التراويح في الجوامع، وممنوع علينا الاحتفال بعيد الفِطر كما اعْتَدْنا، ورُبَّما ممنوع معايدة الأطفال بالعِيديّة الماليّة بسبب ذاك الكائن المجهريّ "كورونا"!

لكن هناك تساؤلات كثيرة أثيرت حول حكم الصيام في هذه الظروف، نود أن نطرحها هنا في هذا المقال وهي: ما حكم الصيام في ظل كورونا؟.. وهل هنالك مخاطر على صحة الصائم نظرا لساعات الامتناع الطويلة عن الطعام والشراب؟.. علاوة علي بعض الأسئلة ؛ حيث يري البعض أن تقوية جهاز المناعة تعد أمراً مهماً جداً في هذه الفترة التي ينتشر فيها فيروس كورونا حتي يستطيع جسم الإنسان مقاومته والتغلب عليه وغالباً ما يتم ذلك عبر تناول الأطعمة والمكملات الغذائية التي تعزز جهاز المناعة وتدعمه ولكن كيف لنا أن نقوم بذلك أثناء الصيام خلال شهر رمضان؟ .. كذلك يري البعض أيضاً أن منطقة الأنف والحنجرة تشكل واحدة من أخطر مناطق العبور الأولي لفيروس كورونا إلي جسم الإنسان وتموج كثير من التفسيرات إلي هجوم الفيروس علي الجسم من الحنجرة فكيف يؤثر ذلك علي الصيام؟ .. كذلك انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من المنشورات والتصريحات التي تباينت بشأن ما إذا كان الصيام ممكن في زمن كورونا، أم أنه من الضروري شرب الماء وأكل الأطعمة المغذية، حتى في نهار رمضان؟. وغير ذلك من الأسئلة.

وللإجابة علي تلك التساؤلات يمكن القول بأن هناك جدلاً كبيراً دار حول الأجوبة علي كل تلك التساؤلات؛ وبالأخص السؤال الرئيسي والمحوري والذي يدور حول وجوب الإفطار خلال شهر رمضان بسبب كورونا، حيث وجدنا رأيان متعارضان بشأنه، وذلك علي النحو التالي:

الرأي الأول: وهو رأي بعض المثقفين والمفكرين، حيث قالوا: «إن الله أعطى رخصة، وإن الله يحب أن تأتي رخصه.. كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والمجموعات الأكثر تعرضًا للإصابة بهذا المرضز.. يفضَّل أن يفطروا، لأن في الصيام يحدث جفاف، والجفاف يعطي للفيروس فرصة لممارسة قوته علينا.. كما أن الجفاف يبطئ من الدورة الدموية التي تنقل الخلايا المناعية التي تدافع عن الجسم.. لكن بالنسبة للناس العادية، فهذا حسب قدرتها، وكل فرد يقيّم هو مدى قدرته على الصيام"، ليخرج بعد ذلك عدد من الفتاوى ومن أهمها: "إن الشخص الصائم في زمن كورونا لا يختلف كثيرًا عن المريض والمسافر الذي يجوز له أن يفطر ويقضي بعد زوال السبب. أما الناس العادية فمن المستحب أن تفطر للحفاظ على مناعتها".

كذلك يستطرد دعاة هذا الرأي قائلين: إنه وفقًا للأطباء والعلماء الذين خدموا الحضارة الإنسانية من العرب فإنه لا يجوز الصوم ولا الجماع في زمن الوباء، وشددوا على أنه لا وصاية للأزهر أو دار الإفتاء أو وزارة الأوقاف على المسلمين، مشيرين إلى أنه في الإسلام لا يوجد ما يسمى بمؤسسات دينية.. وأشاروا إلى أن الأطباء فقط هم المخولون لتوجيه الناس إلى الصيام أو الإفطار.. واستنادًا لعلماء الحضارة الإنسانية فإنه لا صوم أو جماع في زمن الوباء ونحن الآن في وباء عالمي وللناس الرخصة في عدم صوم رمضان.. لم يكتف هؤلاء بهذا بل قالوا: " إنه فى زمن الوباء وفساد الهواء لابد أن يتناول الشخص الطعام الخفيف والذى لا يجهد المعدة بالهضم حتى لا تنشغل المناعة بمواجهة الجراثيم.. فالأطباء المسلمون قالوا بلاش صوم فى رمضان".

الرأي الثاني: وهو فتوي فقهية: وهذه الفتوي أخذت مسارين: المسار الأولي شيعي: وفيه نعول علي فتوي المرجعية الشيعية العليا في العراق، علي السيستاني، الذي قال في رده على سؤال عن الموضوع ذاته: "فإذا حلّ شهر رمضان القادم على مسلم وخاف من أن يصاب بالكورونا إن صام ولو اتخذ جميع الإجراءات الاحتياطية سقط عنه وجوبه بالنسبة إلى كل يوم يخشى إن صامه أن يصاب بالمرض. وإذا أمكنه تضعيف درجة احتمال الإصابة حتى يصبح مما لا يعتد به عند العقلاء ـ ولو من خلال البقاء في البيت.

والمسار الثاني: وهو الذي صدر عن الأزهر الشريف الذي أصدر بياناً قبيل رمضان حسم فيه الجدل،  على أنه "لا يوجد دليل علمي - حتى الآن - على وجود ارتباط بين الصوم والإصابة بفيروس كورونا ، قائلا: "الإفطار في رمضان يحسمه ثبوت نظريات علمية تؤكد أنه يؤثر على الإصابة بالفيروس، ولذا سيتوجب حينها الإفطار لأن الإسلام أعطى رخصة الإفطار للمرضى، إلا أن الطب لم يثبت حتى الآن أى تأثيرات سلبية للصيام على الإصابة بكورونا"،.. وفي الوقت نفسه صدرت فتوي دار الإفتاء المصرية أباحت للمصابين والأطقم الطبية الذين يواجهون فيروس كورونا الإفطار "إذا وقع عليهم ضرر جراء الصيام"، مشددة في الوقت نفسه على استمرار وجوب الصيام على كل قادر بحسب قواعد الشريعة الإسلامي.. وجاء في البيان الصادر عن لجنة البحوث الفقهية التابعة للأزهر، إنه "بناء على ذلك (عدم وجود الدليل)، تبقى أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالصوم على ما هي عليه، من وجوب الصوم على كافة المسلمين، إلا من رخص لهم الإفطار شرعا من أصحاب الأعذار.

ومن هذين الرأيين يمكن القول بأن الدين الإسلامي مثلما يأمرنا بالصلاة في المساجد والاعتكاف خلال شهر رمضان الكريم، يأمرنا أيضاً بالأخذ بالأسباب، فالشرع لا يتصادم مع العلم، فإذا كان العلم وأهل الطب يؤكدون أن التجمعات تؤدى إلى الإصابة بفيروس كورونا فلابد من الأخذ بالأسباب ووقف أى تجمعات، إذ أن الحفاظ على النفس البشرية من مقاصد الشريعة.. وعلى ذلك تبقى أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالصوم على ما هي عليه من وجوب الصوم على كافة المسلمين، إلا من رخص لهم في الإفطار شرعًا من أصحاب الأعذار..

وهنا استشهد هنا برأي مارك ماتسون من جامعة جون هوبكنز (حسب بعض المجلات الطبية المتخصصة)، حيث إن هذا الرجل يدرس منذ 25 سنة تأثير الصوم المتقطع في صحة الإنسان، ويتبعه منذ 20 سنة في حياته، ويقول هذا النظام يحسن القدرات الفكرية، ويرفع من حساسية الأنسولين، ما يمنع تطور مرض السكري، وخطر أمراض القلب والأوعية الدموية، ويحسن عمل منظومة المناعة ويطيل العمر.. وهناك دراسات أخرى، أظهرت نتائجها أن الصوم المتقطع يفيد الدماغ، حيث لوحظ أن الأشخاص الذين اتبعوه على مدى سنتين تحسنت ذاكرتهم وقدراتهم الفكرية، كما زادت قدرتهم على مقاومة الإجهاد فالصيام أثبت أنه يمنع تراكم الدهون في منطقة البطن، ويخفض ضغط الدم ونبضات القلب، ويحسن الذاكرة والوظائف الحركية؛ ويحمي الخلايا العصبية في الدماغ من الانحطاط.. وعلاوة على هذا، فالصيام خلال فترة الجوع يحصل الجسم على الطاقة من الأحماض الدهنية المخزنة، ما يساعد على تخفيض الوزن وتخفيف العبء على القلب والأوعية الدموية والجهاز العضلي الحركي.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

 

في المثقف اليوم