قضايا

القرآن والعدل والمساواة

سليم جواد الفهدتأملات في الفكر السياسي الإسلامي (11)

هذا هو الإساس الخامس والأخير من أسس الفكر السياسي الإسلامي الذي ناقشناها باعتبارها اجتهاد بشري حاول الإسلامويون استنباطها والبناء عليها من الأصل الأول من أصول الفكر السياسي الإسلامي وهو القرآن.

يعد مفهوم العدل من المفاهيم الإشكالية في القرآن ويتضمن إشكالات على مستويين مترابطين ترابطا جدليا الأول يتعلق (بالذات الإلهية) وسؤاله الأساس هو: هل الله عادل؟ أما المستوى الثاني فيخص الإنسان ومجمل علاقاته بالله من جهة وبالإنسان الآخر من جهة ثانية وسنقوم بتبيان دلالات هذا المصطلح مركزين على جانبه الإنساني لكن دون تجاهل كلي لمسالة العدل الإلهي وذلك إذا ما تبين لنا أن التطرق لتلك الامور يسهل فهم الجانب الذي نبحث فيه. وقد خاض الفكر الإسلامي في هذا السؤال وكانت الإجابات متعددة متفاوتة بحسب تعدد وتفاوت المذاهب والفرق وقد انقسم المتكلمون المسلون الى فئتين:

الأولى: هم المعتزلة وعقيدتهم هي القول بإن الإنسان مخير غير مجبر وهو قادر على أن يختار فعله بكامل حريته وهم الأقلية.

الثانية: هم (الأشاعرة) نسبة إلى إمامها ومؤسسها أبي الحسن الأشعري الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي أبي موسى الأشعري وهي مدرسة إسلامية سنية يتبع منهجها في العقيدة عدد كبير من فقهاء أهل السنة والحديث فدعمت اتجاههم العقدي ولازال العدد الأكبر من المسلمين على هذا الاعتقاد ويعد الأزهر وهو أكبر مؤسسة دينية معاصرة أشعري العقيدة. وعقيدتهم إن الإنسان لا يخلق أفعاله وإنما الله الذي يخلقها ولكنه "يكسب" نتائجها إن خيرا فخير وإن شرا فشر بمعنى أنه مسؤول عما يفعل. وهذا هو معنى "الكسب".

ولنا أن نسأل الأشعري: كيف يكسب الإنسان نتائج أفعاله وفي الوقت نفسه يعتبر مسؤولا عنها وهو لم يفعلها لأنه حسب قوله "لا فاعل إلا الله؟ ألا يعد هذا تناقض واضح وصريح؟ نعم حتى أن أهل العقل والنظر كانوا إذا أرادوا أن يمثلوا لأمر غامض مختلط يجمع بين النقيضين قالوا: "أخفى من كسب الأشعري". دلالة على عدم الوضوح والتخبط في النتائج.

لا شك أن العدل بما هو قيمة من القيم الاخلاقية يرتبط بشكل مباشر بالجانب العملي للإنسان أي ما يخص علاقة الإنسان بأبناء جنسه وما يتبع ذلك من تحديد لمعضلة الخير والشر والعلاقة بينهما لذلك سنبحث في تحديد معيار العدل في القرآن وتأسيس مفهوم المساواة تبعا لذلك وبناء عليه من خلال تحديد وتحليل ثلاثة مواقف هي: الموقف من العبودية والموقف من المرأة والموقف من غير المسلم.

العدل لغة:

مصدر عدل يعدل عدلا وهو مأخوذ من مادّة (ع د ل) الّتي تدلّ على معنيين متقابلين: أحدهما يدلّ على الاستواء، والآخر على اعوجاج، ويرجع لفظ العدل هنا إلى المعنى الأوّل، وإذا كان العدل مصدرا فمعناه: خلاف الجور وهو ما قام في النّفوس أنّه مستقيم. (مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 246)).

العدل اصطلاحا:

قال الجرجانيّ: العدل الأمر المتوسّط بين الإفراط والتّفريط.

والعدالة في الشّريعة: عبارة عن الاستقامة على طريق الحقّ بالاجتناب ممّا هو محظور دينا (التعريفات للجرجاني (153)).

المساواة لغة:

مصدر قولهم: ساواه يساويه إذا عادله، قال الرّاغب: المساواة هي المعادلة المعتبرة بالذّرع والوزن والكيل، يقال: هذا الثّوب مساو لذاك الثّوب، وهذا الدّرهم مساو لذلك الدّرهم، (وهذا التّمر مساو لهذا التّمر)، وقد يعتبر بالكيفيّة، ولاعتبار المعادلة الّتي فيه (أي في لفظ السّواء) استعمل استعمال العدل، وتسوية الشّيء (بالشّيء) جعلهما سواء، إمّا بالرّفعة وإمّا بالضّعة، والسّويّ: يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط من حيث القدر والكيفيّة (المفردات للراغب (باختصار وتصرف) ص 366-367.

المساواة اصطلاحا:

تعني المساواة أن يكون للمرء مثل ما لأخيه من الحقوق وعليه مثل ما عليه من الواجبات دون زيادة أو نقصان. قال ابن مسكويه «وأقلّ ما تكون المساواة بين اثنين، ولكنّها تكون في معاملة مشتركة بينهما في شيء ما أو أكثر». "والمساواة قيمة لا تنقسم ولا يوجد لها أنواع وهي أشرف نسب العلاقات بين الأشياء لأنها هي المثل بالحقيقة أي أنها تجعل كلا طرفيها للآخر سواء بسواء". (تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 105).

معيار العدل في القرآن

من المعلوم أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتحلى بالقيم ويصح أن نطلق عليه (كائن قيمي) فلا وجود للقيم إذا انعدم الإنسان وبوسعك أن تتخيل ما هو مصير القيم إذا خلت الارض من الإنسان فلن يبقى مبرر لوجود الصدق والامانة والرحمة والشفقة والحب والكره كلها تختفي مع اختفاء الإنسان فالحيوان لا يعرف الرحمة ولا الشفقة ولا الخير ولا الشر ولا السمو ولا الرفعة ولذلك عندما نريد أن نشتم إنسان نقول له (أنت حيوان) ونقصد بذلك تجريده من القيم الإنسانية. ومن هذا المنطلق القيمي يتفاوت الناس في السمو والرفعة والضعة والسفالة والحقارة تبعا لمضمون القيم التي يؤمنون بها ويدافعون عنها. وكل هذا يتضح عندما يعيش الإنسان في مجتمع فهو يدخل في علاقات مع غيره من أبناء جنسه هذه العلاقات هي في الأصل معاملات مادية ومعنوية تستبطن حقوق وواجبات فلكل إنسان يعيش في مجتمع حقوق يجب أن يحترمها الآخرون وعليه واجبات يجب أن يؤديها لهم حتى يضمن التوازن في العلاقة وإلا سينهار هذا النظام الاجتماعي ويندثر. فكيف حدد القرآن أصل وجود المجتمع ومعاملاته وبأي معيار؟

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (الزخرف32). "وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا):

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) قال: يستخدم بعضهم بعضا في السخرة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) قال: هم بنو آدم جميعا، قال: وهذا عبد هذا، ورفع هذا على هذا درجة، فهو يسخره بالعمل، يستعمله به، كما يقال: سخر فلان فلانا.

وقال بعضهم: بل عنى بذلك: ليملك بعضهم بعضا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، في قوله: (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) يعني بذلك: العبيد والخدم سخر لهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) مِلْكة". (تفسير الطبري، ص491).

"ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات أي فاضلنا بينهم فمن فاضل ومفضول ورئيس ومرؤوس، قاله مقاتل. وقيل: بالحرية والرق، فبعضهم مالك وبعضهم مملوك. وقيل: بالغنى والفقر، فبعضهم غني وبعضهم فقير. وقيل: بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ليتخذ بعضهم بعضا سخريا قال السدي وابن زيد: خولا وخداما، يسخر الأغنياء الفقراء فيكون به بعضهم سببا لمعاش بعض. وقال قتادة والضحاك: يعني ليملك بعضهم بعضا. وقيل: هو من السخرية التي بمعنى الاستهزاء، أي: ليستهزئ الغني بالفقير. قال الأخفش: سخرت به وسخرت منه، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وبه، كل يقال، والاسم السخرية (بالضم). والسخري (بالضم والكسر). وكل الناس ضموا سخريا إلا ابن محيصن ومجاهد فإنهما قرآ (سخريا). (تفسير القرطبي، ص297). ولا أريد أن أطيل عليكم فكل التفاسير لا تخرج عن هذا المعنى إلا بكلمات لا تغني من جوع. الآن نستطيع أن قول بكل وضوح أن معيار العدل في القرآن تأسس أصلا وخلقا على (التفاوت) فالله هو الذي خلق الخلق وهو الذي قسم حظوظ العباد من الرزق والمكانة الاجتماعية.

ويرى الإسلامويون أن تجسيد العدالة الاجتماعية على اساس معيار العدل في القرآن يكون بإقرار هذا التفاوت بين الناس فالناس فيهم القوي والضعيف والذكي والغبي والفقير والغني والرفيع والوضيع وكل ذلك بإرادة الله ومشيئته والغاية هي حتى يسخر بعضهم بعضا فتستمر الحياة ولسان حالهم يقول: (إذا أنت أمير وأنا أمير فمن يسوق الحمير) !!!

شاع هذا الطرح في الفلسفة اليونانية حيث رسم أفلاطون صورة المجتمع العادل وفي نظره أنه يتألف من طبقات وأن الطبقة العاقلة هي التي يجب أن تتحكم وتسيطر على الطبقات الذي تتألف من الهمج والرعاع وكذلك العدل هو أن نحترم تفاوت الطبقات فالفلاسفة أولا ثم الجنود والعمال وأخيرا طبقة العبيد. وقال تلميذه أرسطو (أن العدل هو أن الإنسان العبد عبد مؤهلاته الطبيعية ولا يمكن أن يرتقي إلى مرتبة السيد إلا إذا كان يمتلك مؤهلات السيد) قال في كتابه السياسة (الاسترقاق ضرورة طبيعية) وبموجبها اعتبر منح حقوق متساوية لأشخاص غير متساوين أمرا غير عادل. ومن أشهر الأنظمة الاقتصادية التي دافعت عن التفاوت الرأسمالية وهي نظام طبقي يتكون من طبقة تملك وسائل الإنتاج ولا تستعملها بنفسها وطبقة لا تملك هذه الوسائل وتستعملها وترى الرأسمالية أن هذا التفاوت الطبقي هو بمثابة الحافز للعمل والانتاج وعندهم من العدل أن يدافع عن التفاوت لأن الكل سيسعى حسب ظروفه الاقتصادية والاجتماعية لتحسن وضعه المادي وهذا ما يسمى بالتنافس. وأكد الطبيب البيولوجي (الكسي كاريل) أن الطبيعة جعلت الكائنات الحية طبقات بعضها أفضل من البعض وإنه إذا أردنا تحقيق العدالة الاجتماعية يجب أن نشجع بقاء الطبقات قال في كتابه (الإنسان ذاك المجهول) لا مفر من أن تصبح الطبقات الاجتماعية مرادفة للطباع البيولوجية يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول على الارتقاء الاجتماعي فكل فرد ينبغي أن يحصل على مكانه الطبيعي.

والخلاصة أن التفاوت هو الاساس الذي بنيت عليه قيمة العدل في القرآن والعلة أن الأفراد في المجتمع بحاجة إلى بعضهم البعض. لكن يبقى سؤال: ما هو مبرر تفضيل زيد على عمر أصلا وخلقا فيكون زيد هو المالك وعمر هو المملوك؟ هذا السؤال يضعنا أمام المحور الأول مباشرة وهو:

القرآن والعبودية

يجب أن نفهم كل شيء في تاريخيته بمعنى أن كل ما في هذا الكون المادي ينشأ في لحظة من لحظات التاريخ ثم يتعالق مع غيره تارة كضد وتارة كتنافي وتارة كتكامل حتى تحين لحظة زواله فتنفك علاقاته الحالية ويتحول الى مسار آخر من مسارات الوجود وعلاقاته وهكذا دواليك في ملحمة أزلية لازال العقل البشري الى الآن لم يقف على سرها النهائي.

وللعبودية تاريخ بدأ بدخول البشرية في بداية الحضارة. ففي المراحل المشاعية كان كل شيء مشاعا ولم يكن مملوكا لأحد فالصيادون والمزارعون البدائيون كانوا لا يحتاجون أو يستفيدون من العبيد. فهم يقومون بجمع أو زراعة ما يكفيهم من الغذاء لأنفسهم. وبالتالي فإن زوجا آخر إضافيا من الأيدي يعني وجود فم إضافي بحاجة إلى إطعامه ولا أحد في ذلك الوقت كان مستعدًا لذلك فلا توجد ميزة اقتصادية في امتلاك إنسانٍ آخر.

وبنشوء دويلات المدن فإن فائض الطعام الذي جرى توفيره في الريف أتاح نشأة مجموعة واسعة من الحرف اليدوية في المدينة. وأصبح هناك فائدة حقيقية في وجود مصدر للعمالة الرخيصة لا تكلف أكثر من الحد الأدنى من الغذاء والسكن وهذه هي شروط الرق. وكل الحضارات القديمة استخدمت العبيد وهو ما يثبت أن الحصول عليهم كان أمرا سهلا.

البداية من العراق

"يعود تاريخ الاسترقاق في بلاد ما بين النهرين إلى حوالي 10 آلاف سنة، حيث كانت قيمة العبد الذكر بُستان نخيل التمر. كما كانت تستخدم النساء من العبيد في تلبية المطالب الجنسية للأسياد. وكان هؤلاء العبيد يكتسبون حريتهم فقط عندما يموت سيدهم.

وتشير الدراسات لوجود أدلة على أنّ الرق سبق السجلات التاريخية المكتوبة، وكانت موجودة في العديد من الثقافات. وحوالي عام 3500 قبل الميلاد ظهر العبيد في الحضارة السومرية، وكانوا يشكلون أغلبية السكان وهم مسؤولون عن جميع الأعمال اليدوية.

 

ومع نمو المدن السومرية في عدد السكان واتساع نطاقها، اختفت الأراضي البكر التي كانت تفصل بين المدن بعضها وبعض. وكان السومريون من مدن مختلفة غير قادرين أو غير راغبين في حل نزاعاتهم على الأرض وتوافر المياه، فاندلعت الحروب بين المدن السومرية، وهي الحروب التي رأوا أنها قامت بين آلهتهم.

في نهاية المطاف، اتخذ السومريُّون العبيد من السومريين الآخرين الذين جرى أسرهم في حروبهم بعضهم بعضًا، ولكن في الأصل حصل السومريون على العبيد بعد محاربة الشعوب خارج سومر. وكان الاسم السومري للأنثى من العبيد «فتاة جبلية»، وكان الرجل من العبيد يسمى «رجل الجبل». وكان السومريون يستخدمون عبيدهم أساسًا عمال منازل ومحظيات. وبرروا العبودية كما فعل آخرون بقولهم: «إن آلهتهم قد منحتهم النصر على شعبٍ أدنى».

وتتعلق المعلومات عن العبيد في المجتمعات المبكرة أساسًا بوضعهم القانوني، فهم ليسوا إلا جزءًا من ممتلكات المالك القيِّمة. قانون حمورابي، من بابل في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، يعطي تفاصيل مذهلة «تقشعر لها الأبدان» عن المكافآت والعقوبات المختلفة للجراحين العاملين سواء على الرجال الأحرار أم العبيد، فالقانون يكشف أن النظام لم يكن مجرد وحشية بلا هوادة. فمن المثير للدهشة أن العبيد البابليين كان يسمح لهم بتملك الممتلكات". (علاء الدين السيد، قصة العبودية).

نفهم من هذا أن العبودية ليست قدرا أنها نظام اجتماعي تاريخي يقوم على علاقة الملكية بين المالك والمملوك لأسباب تتعلق ببداية نشوء المجتمع الإنساني وغياب أفق العدالة الاجتماعية ومبدأ العدل الذي يتجلى في احترام مبدأ المساواة بين البشر وليس هناك شيء أشبه بالإنسان من الإنسان لنا جميعا عقل وحواس ومشاعر وكرامة وإن اختلفنا في اللون والأصل والخلقة وحتى في التحصيل العلمي فمرد ذلك الى الظروف الاجتماعية القاهرة والفرص غير المتساوية في التحصيل الذي يتدخل الظلم الاجتماعي في صنعها داخل المجتمع.

وبتأمل بسيط ندرك أن الخصومات والاعتراضات تنوجد عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية أو عندما يحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية ومنه يؤسس العدل على ضرورة التناسب بين الحقوق والواجبات والمقصود هنا هو إتاحة الفرصة أمام جميع الناس لكي تنتفي كل أسباب التفاوتات الطبيعية وعندئذ تكون الكفاءة هي معيار الاستحقاق وتكون الفعالية هي مقياس التكليف بالمسؤوليات أي للمساواة مجالها وللتفاوت المكانة الخاصة به. وبالرجوع الى وجهة نظر القرآن في الموضوع ندرك أن القرآن يأسس مفهوم العدل على مبدا التفاوت والتفاوت باعتراف صريح من القرآن أن الله هو الذي أوجده يقول:( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) (الزخرف:32). ثم أضاف القرآن بعدا مأساويا آخر عندما لم يساوي العبد بالحر مساواة قانونية يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (البقرة178).

فالحر إذا قتل عبدا لا يقتل به بل يدفع ديته أما إذا لم يقبل السيد بالدية فمن حقه أن يقتل عبدا من السيد الذي قتل عبده فيذهب العبد المسكين ضحية لفعله سيده الخرقاء. وقد انفرد أبي حنيفة بالقول: "أن الحر يقتل بالعبد لعموم آية المائدة، وإليه ذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود، وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، وقتادة، والحكم، وقال البخاري، وعلي بن المديني وإبراهيم النخعي والثوري في رواية عنه: ويقتل السيد بعبده ; لعموم حديث الحسن عن سمرة: " من قتل عبده قتلناه، ومن جذعه جذعناه، ومن خصاه خصيناه " وخالفهم الجمهور وقالوا: لا يقتل الحر بالعبد ; لأن العبد سلعة لو قتل خطأ لم تجب فيه دية، وإنما تجب فيه قيمته، وأنه لا يقاد بطرفه ففي النفس بطريق أولى، وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر، كما ثبت في البخاري عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مسلم بكافر " ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا، وأما أبو حنيفة فذهب إلى أنه يقتل به لعموم آية المائدة .

مسألة: قال الحسن وعطاء: لا يقتل الرجل بالمرأة لهذه الآية، وقال الليث: إذا قتل الرجل امرأته لا يقتل بها خاصة" (تفسير أبن كثير). وهذا يضعنا أمام المحور الثاني القرآن والمرأة.

للحديث بقية.

 

سليم جواد الفهد

 

 

في المثقف اليوم