قضايا

عقدة قابيل.. الاخ اللدود!!

"لان بسطت الي يدك لتقتلني ماانا بباسط يدي اليك لاقتلك.."

ترجع تسمية هذه العقدة الى قابيل ابن ادم الذي قتل اخاه لغيرته الشديدة منه الذي تطور الى كراهيته ثم الاقدام على قتله مع سبق الاصرار، فكانت اول جريمة بتاريخ البشرية تحمل فيها قابيل ذنب القاتل والمقتول!!

ان مفهوم العقدة هومجموعة من الافكار المركبة المشحونة عاطفيا تعرضت للكبت الجزئي او الكلي ثم ظهرت على شكل سلوك انفعالي نتيجة التراكمات النفسية التي تعرض لها الانسان وخزنت تلقائيا بعقله الباطن.

تتجسد هذه العقدة بغيرة الاخ الشديدة المبررة او غير المبررة تبعا لشعوره المريض وتطوره الى كراهية وهاجس للخلاص من اخيه او اخوته التي ماتفتأ ان تلح عليه لايجاد السبل الكفيلة بازاحتهم من طريقه ليخلو له" وجه والديه" دون منازع، وهذه العقدة ليست جديدة بل لها جذور تاريخية ودينية ايضا فقد ظهرت اولا بشخص قابيل ثم بعد ذلك ظهرت جلية وبشكلها التراجيدي باخوة سيدنا يوسف عليه السلام، بعد ان التفوا عليه اخوته وكونوا عصبة ثم كادوا له ورموه في غياهب الجب لغيرتهم الشديدة منه رغم انهم ابناء النبي يعقوب لكن ذلك لم يشفع لهم، فتامروا عليه ولم يرف لهم جفن عندما اقدموا على هذا العمل ولم يرافوا حتى بابيهم، وماكان امتحان الله ليعقوب بيوسف الا لان يعقوب قد احب يوسف حبا جما، مما اثار غيرة اخوته منه ليخلو لهم وجه ابيهم "اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا يخلو لكم وجه ابيكم.."

اذا تناولنا موضوع عقدة قابيل من الاساس لوجدنا الاتي:

- الفوارق بين الاخوة منذ الصغر والتي يبررها الاباء دون وجه حق بتفضيل اخ على اخ لان هذا صحي وذاك مريض، هذا مشاكس وذاك هادئ، هذا متمرد وذاك مطيع بل والاغرب هذا جميل وذاك قبيح!!

- الشعور بالنقص الذي يتولد عند الطفل لعدم اخذه القدر الكافي من العاطفة، مقابل اخاه الذي يتمرغ بكل انواع العواطف لسبب او لاخر!

- اضطهاد احد الابناء لاي سبب، كأن يكون الكبير والقاء الاعباء عليه وتحميله مالاطاقة له، على الرغم من صغر سنه مستغلين صمته وطاعته، بالمقابل يرى اقرانه يرفلون بالراحة دون مقابل.

- تفضيل احد الابناء لالشئ الا لان الام تميل اليه لسبب اولاخر او الاب او كلاهما، وقد يكون هذا الابن لايستحق اصلا هذا"الدلال" يخلق نوعا من الحقد والكراهية تجاهه من الاخ او مجموع الاخوة الذين لايتوانون عن مناصبة العداء لهذا الابن المدلل وتحين الفرص للايقاع به.

- عدم اخذ الطفل دوره الطبيعي في الاسرة حسب تسلسله العمري ومراحل نضوجه ومعاملته على انه كبير منذ ولادته يخلق فراغا عاطفيا كبيرا يتاتى من عدم كفايته من العاطفة الابوية اللازمة التي تعزز عنده الشعور بالثقة.

هذه الاسباب وغيرها تجعل الطفل فريسة الحقد والغيرة و الكبت العاطفي الذي يبدا بالتراكم يوما بعد يوم وسنة بعد اخرى وصولا الى حالة الكراهية تجاه اخوته الذين طالماعانى بسببهم من حرمانه من اهله، بل ان هذا الابن يحاول ان ينتقم من ابويه بالوقت ذاته فتراه يبتز والديه عاطفيا وماديا، فيبدا بتحين الفرص لازاحتهم من طريقه في الوقت الذي تمكن السن من ابويه وباتا تحت رحمته لاحول لهما ولاقوة، وهنا تبدا مرحلة الانتقام، فيقوم هذا الابن بالاستحواذ على حب والديه عن طريق التقرب والاحسان لهما واستبعاد اخوته وتجريدهم من كل شئ خصوصا ان الابناء اصلا قد استقلوا بحياتهم واسسوا اسرهم بعيدا، يبدا هذا الابن بتجسيم الامور وتشويه صورة الابناء لدى الوالدين، بانهم جاحدين لايستحقون اي عاطفة، ليتطور الامر باستحواذ الابن على ممتلكات ابويه بطيب خاطر وحرمان الاخرين كنوع من الثار للذات التي طالما عانت من هؤلاء الاخوة- حسب اعتقاده- وقد حانت اللحظة الحاسمة للانتقام.

اما اذا لم يفلح هذا الابن بالاستحواذ على حب ابويه وممتلكاتهما التي يعتبرها ملكا له وهو الاحق بها لانه طالما تعب وكد للمحافظة عليها، فانه يلجا الى العنف والتهديد لاخيه اولاخوته ليطال هذا حقد ابناءه على العم وابناءه، ثم تتاجج المشاعر المفعمة بالحقد والكراهية تجاه بعضهم بعضا والشعور بالغبن والظلم الذي يتطور الى قتل الشقيق لشقيقه بدم بارد او اقدامه على قتل العائلة باكملها تحت تاثير المرض النفسي او اقتتال اسر الاخوين فيما بينهم، والامثلة اكثر مما نتصورلان الموضوع كبيرجدا، خصوصا في قضايا الارث التي تفرز امورا خارجة عن اي سيطرة، او ان يقوم الابن بابتزاز والديه وتهديدهما بانه اذا لم يحصل على مايريد سيقوم بايذاء اخيه والنيل منه!!

وبالحقيقة اذا عدنا الى الاسباب الحقيقية وراء هذه العقدة لوجدنا ان تفضيل احد الابناء مقابل المعاملة السيئة للاخر باي ذريعة كانت هي السبب الاول لنشوء الكراهية بين الابناء وان الاباء بجهلهم لهم اليد الطولى بهذا الامر، ولتلافي نشوء هذه الامراض النفسية الفتاكة علينا الانتباه الى:

- معاملة جميع الابناء باسلوب واحد لكي لاتكون هناك فرصة للوقوع بمطب الغيرة والحقد.

- اشباع الطفل عاطفيا يعزز الثقة بنفسه وباسرته لتكوين شخصيته المستقلة بعيدا عن اي اعتبار.

- نشر الحب والحميمية بين افراد الاسرة الواحدة من خلال المودة والاحترام المتبادل بين الابوين.

- عدم التحدث بالسوء عن احد الابناء امام الاخرين لان ذلك مدعاة لاستهجانه والنفور منه ثم اعطاء الفرصة للاساءة اليه.

- اعتماد مبدا التسامح والصفح عن الاخطاء مهما كانت وعدم التركيز والاصرار عليها ينعكس ايجابا على نفوس الابناء فانا احب انا اسامح فبالاخير نحن بشر وكل ابن ادم خطاء.

- تهوين الامور من قبل الابوين وعدم تهويلها بل تسطيحها يجعل حل المشاكل المعقدة تتيسر وبالتالي تكون الحياة ابسط.

- التعامل مع كل شخصية حسب طبيعتها وتكوينها وتقبلها للنصح، لان كل انسان له شخصية مستقلة وان كانوا اخوة"ونفس وماسواها".

وعليه نخلص الى القول ان التربية السليمة للابناء تبني شخصيتهم السليمة الخالية من العقد وبالحب نصنع المستحيل.

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم