قضايا

عقدة قابيل.. الاخ اللدود (2)

لم يكن احد يشعر بوجودي، اوهكذا كنت اشعر!!

بعد ان تناولنا جانبا من عقدة قابيل التي اختصت بتحميل احد الابناء اعباءا دون الاخرين، وماتترك تلك الاعباء من ضرر نفسي عند الابن الذي تحز في نفسه اساليب التفرقة بينه وبين اخوته، ثم ماتلبث ان تتحول الى غيرة ثم غيرة مرضية ثم حقد ثم كراهية ثم انتقام وهواخر السلسلة التي بدات!!

وبذلك تكون الكراهية قد وصلت اوجّها مما اضطره الى فقدان السيطرة على نفسه التي باتت متخمة بالاحقاد، خصوصا اذا وجد من يغذي تلك الاحقاد وينفخ باتونها لتستعر حد الانفجار والتدمير كصديق السوء او الزوجة الحاقدة التي وجدت ارضية خصبة بنفس زوجها المحطم نفسيا لتنتقم من خلاله من اهل الزوج او اخ الزوج او اخته، وبلارحمة وبدون عذر مشروع سوى الحقد والكراهية، فتكون العقل المدبر لهذا الزوج للانتقام، خصوصا اذاكان هذا الزوج ضعيفا، منقادا، ليس له قرار!!

ناتي الان لنتناول وجه اخر من" قابيل" وهو وجه الابن" المدلل" الذي استاثر بمحبة احد الوالدين اوكلاهما لسبب او لاخر، قد يكون الاصغر او الاكبراو الاجمل ...وهكذا

المهم ان هذاالابن وجد نفسه ممرغا بالدلال، طلباته اوامر واجبة التنفيذ دون غيره، والغريب ان اخوته قد تقبلوا الامر من باب"التعويد" او "الارغام"وتقبل الامر الواقع كما هو، وقد يمر ذلك الامر ويتقبل الجميع تلك التفرقة صاغرين او مضطرين نزولا عند رغبة الوالدين احدهما او كلاهما..

هذا الابن الذي استاثر بحب ابويه المبالغ فيه وتعود ان تلبى طلباته مهما كانت، تتولد في نفسه نزعة انانية عالية لحب نفسه فيرى نفسه اعلى مستوى من اخوته وتسيطر عليه النظرة الدونية الى اخوته الذين يشاركونه الحياة، فيبدا باستغلال هذا الحب ابشع انواع الاستغلال واخذ حصص اخوته العاطفية والمادية،  اواغتصابها المشرعن ان صح التعبير باي وسيلة مستغلا مباركة الوالدين وصمت الاخوة، فيبدا باستخدام نفوذه داخل الاسرة مستهترا بحقوق اخوته، مستخدما اي وسيلة لتبرير غايته، ممايولد الكراهية من قبل اخوته للتخلص منه وازاحته عن طريقهم بل انهم يتنازلون اويتناسون اخوّتهم ويعتبرونه عدوهم الاول!، في الوقت ذاته تتولد نفس الرغبة من قبل الابن المدلل الذي افسده الدلال وانتزع العاطفة من قلبه وتغلبت منه الانانية، خصوصا اذاكان فاشلا وهو يرى اخوه الناجح المتفوق في الحياة، الذي يحبه الناس وقد بنى لنفسه مجدا بجهوده الذاتية، فتتولد عنده رغبة للانتقام والنيل منه، لاشباع رغبته العارمة وشفاء غليله لتعويض النقص الذي يشعر به، وهو يرى المتفوق، الناجح بعمله وحياته مقارنة بكونه انسان فاشل، وربما يكون موضع احتقار من قبل ذلك الاخ الذي يعتبره مصدر اساءة لسمعته، او انه يشعره دائما بانه فاشل وصغير، هذه الوصمة والنظرة الدونية التي تبات ناقوسا يؤرق سكينته ويذكره بفشله بمناسبة او دون مناسبة، مما يلهب الغيرة والحقد في نفسه ويؤجج مشاعر الكراهية تجاه هذا الاخ الذي لم يفلح الدلال والاستيلاء على حب ابويه من ان يجعل منه انسانا ناجحا، بل انسان حاقد ملئ بالعقد، انسان افسده الدلال وبلّد مشاعره خصوصا اذا ماانحرف بطريق الرذيلة وعاقر الخمر مثلا وادمن عليه، وباتت الحياة بالنسبة اليه مجرد حلبة للهو وقضاء الوقت بلا هدف، وتبدو الايام بالنسبة اليه كلها متشابهة، كيف لا وهو لايعمل بل يبتز مشاعر والديه او يكسب مالا من طرق غير مشروعة تودي به الى طريق الجريمة التي هي اخر المطاف، لتنتهي حياته وحياة اخيه هنا فاحدهم يموت والاخر يودع في السجن، والامثلة على ذلك كثيرة جدا والقصص يندى لها الجبين، خصوصا في وقتنا الحاضر الذي سادت فيه قيم الوجه الاخر للنت بعلاقاته المشبوهه، برفيق السوء الذي يدلي نصائحه المجانية التي تتسبب بهلاك القيم الاصيلة للحياة وتقضي عليها لتحيي وتبعث قيم قابيل التي تفتك ببنية المجتمع دون رحمة..

واذا تاملنا وجوه قابيل لوجدنا انها تزدهر بالذكور اكثر من الاناث وذلك لطبيعة الانثى الهادئة التي وان عانت من سموم الغيرة فهي قادرة على كبتها، لكنها تنغص عليها الحياة وتحمل عقدها معها وقد تصاب بالفشل فيما بعد حتى عندما تتزوج وتكون اسرة، الاماندر من حالات تودي الى الجريمة.

بقي وجه الابن "المنبوذ" من قبل الاهل جميعا لسبب اولاخر قد يكون متمردا، او فاشلا دراسيا، او مشاكسا دائم الكسر لقوانين الاسرة، او ان الاسرة تجعل منه مادة للمقارنة بينه وبين اخوته او اقرانه، تلك المقارنة التي تجعل منه بركانا خامدا سرعان ماينفجر باول متنفس، وبدلا من احتواءه وتوجيهه، تجتمع الاسرة برمتها لتحقيره والتقليل من شانه والاساءة اليه والسخرية منه فيما بينهم و امام الاخرين، هذه الاساليب تجعل هذا الابن يحقد ويكره بكل مااوتي من قوة ثارا لذاته، وحقيقة فانه يتحول يوما بعد اخر الى لغم سرعان ماينفجر حارقا الاخضر واليابس.

وعليه نخلص الى القول ان الغيرة المرضية هي البذرة الاولى للعقدة، ماتلبث ان تكبر وتتفاقم مع كم الاحقاد والكراهية التي تعمي البصر وتجعل من الاخ ندا لاخيه وعدوا لابد ان يزيله من طريقه وينال منه ناكرا الحضن الذي جمعهم والبيت الذي ترعرع فيه والقيم السماوية التي شرعها الله التي تنص على الاحترام المتبادل والمودة والرحمة بين افراد الاسرة التي هي كالجسد الواحد اذا مااشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم