قضايا

متلازمة عطيل.. وهم الخيانة

 (Othello syndrome)

الغيرة الطبيعية حالة صحية يتميز بها الانسان ليعبر عما له وماعليه بكل رقي وهي كالتوابل بالنسبة للعلاقة الزوجية، اما اذا زادت عن حدها الصحيح فانها تنقلب الى حالة مرضية فتاكة.

ومتلازمة عطيل او الغيرة الوهامية هي عبارة عن اضطراب نفسي يكون فيه الشخص مشغول دائما بافكار ضلالية مريبة حول خيانة الشريك دون دليل ملموس، وهي احد الانواع الفرعية للوهام.

وقد نسبت هذه المتلازمة خطا الى مسرحية شكسبير"عطيل" لان عطيل خدع بان زوجته تخونه مما ادى الى قتلها، والا فهو لم يكن مصابا بهذا المرض!

تنشا الجذور الاولى لهذا المرض لدى الطفل عن طريق الاكتساب من احد الوالدين الذي يعاني من هذا المرض وغالبا مايكون الاب، وبما ان حواس الطفل لازالت باوج نشاطها فانها تكتسب كل صغيرة وكبيرة لتجد الارض الخصبة لانباتها، خصوصا اذاكانت شخصية الطفل مؤهلة لذلك بحكم الوراثة!

يكبر الطفل وتكبر معه المتلازمة التي تبدا اولا في سن صغيرة وتزدهر في المراهقة، فيبدا بالشك باقرب الناس اليه وتاخذ النسبة الاكبرمن مرضه اخته او مجموع اخواته اللاتي يصب عليهن جام مرضه، فتبدا سلسلة الممنوعات والتحكم بحرية الاخت كطريقة لبسها، دخولها وخروجها، صديقاتها، الاماكن التي تذهب اليها، اتصالاتها، العبث باغراضها، وحتى طريقة كلامها، وتبدا الدائرة تضيق كلما سمع المراهق- المريض - بحادثة او راى موقف غير لائق، او كان هو اصلا انسان منحرف لايابه لاعراض الناس، وتصبح هذه الاخت ضالته الوحيدة وشغله الشاغل خصوصا اذا وجد مباركة من احد الوالدين اوكلاهما!

ثم مايلبث هذا الامر ان يتطور عندما يفقد السيطرة على اخته بزواجها والابتعاد عنه، فيبدا بالبحث عن بديل لها ليجد ضالته فيما بعد بالزوجة التي تزوجها عن علاقة حب واظهر لها الكثير من العواطف التي عصفت به قبل الزواج وما ان يجتمعان تحت سقف واحد ويشعر بانها اصبحت ملكه!!

حتى تبدا رحلة العذاب لهذه الزوجة التي انهارت احلامها وتبددت مع اول مشكلة يختلقها هذا الزوج المريض التواق ابدا لافراغ شحناته السالبة من المشاعر المريضة التي اطبقت على انفاسه وتحولت الى شكوك قاتلة تؤرق حياته وتقظ مضجعه واول الغيث يبدا بسؤاله لما اختارتني انا!!

وربما لست الوحيد!ومثلما كونت علاقة معي فان لها علاقات ا’خر!!

وهكذا، ثم يبدا بالسماح لاوهامه بالخروج والانطلاق لافتعال المشاكل وتحويل الحياة الى جحيما مطبقا يجعل الزوجة تنفر منه اوتفر منه بعد ان يستنفذ كل طاقاتها بشكوكه المريضة، فهذا الزوج لايفتأ ان يتدخل بكل صغيرة وكبيرة في حياتها واضعا زمام الامور كلها في يده ملتصقا بها الى حد الاختناق، لايدع لها مجالا لالتقاط انفاسها بعيدا عن دائرته وساوجز بعض الافعال والسلوكيات المرضية بالنقاط التالية:

- الانفراد بها وابعادها عن عائلتها، وعدم السماح لها بزيارتهم او زيارتهم لها

- عدم السماح لها بالخروج والزامها بالبقاء بالبيت حتى وان اضطر الى اقفال الباب عليها!

- اجبارها على ترك الدراسة او العمل ان كانت موظفة، ومنعها من استقبال صديقاتها او الذهاب لزيارتهن.

- استخدام الالفاظ البذيئة والنابية وتعييرها بانها اقامت علاقة معه وذلك مدعاة لاقامة علاقات مع الاخرين وخيانتها له.

- البحث الدائم والعبث بحاجياتها الخاصة واغراضها الشخصية، وقد يصل الامر الى تمزيق صورها العائلية او مع صديقاتها.

- حرمانها من استخدام الهاتف او الموبايل او اي انوع من الاتصالات الاليكترونية تحت اي بند.

- عدم السماح لها بالتحدث عن اي موضوع خارج نطاقه.

- محاولة اقتناص اي كلمة تشبع شعوره المريض، او اي سرحان مع نفسها ليبادر بالسؤال والهجوم عليها واتهامها بالتفكير بغيره!

- التعنيف الجسدي والضرب المبرح خصوصا مع ادمان الكحول او المخدرات او الاثنين معا لتاجيج الشعور المريض الذي قد يصل الى القتل.

- وقوعه تحت تاثير نظرية المؤامرة، بان هذه الزوجة قد تتفق مع اهلها او اي شخص للتخلص منه اوقتله، وهذا مايدعوه لابقاءها بعيدا عن الاخرين.

- استغلال نفورها منه لكل ماسبق ليخلص الى نتيجة انها تخونه مع اخر!

هذه الامور وغيرها اكثر تجعل الزوجة عاجزة عن الاستمرار بالحياة وسط هذا التجريد من ادميتها وكرامتها ونعتها بالخائنة وباقبح الاوصاف، مع الاقتناع التام من قبل المريض برجاحة تفكيره وانه مصيب تماما بنظرته الى تلك الزوجة الخائنة.

وتنشا مع هذه المتلازمة مجموعة من السلوكيات التي يسعى من خلالها المريض الى تاكيد خيانة الزوجة له، كالزيارات المفاجئة اي انه يقول مثلا انه لن ياتي هذا اليوم على الغداء لتفاجا الزوجة بحضوره المفاجئ، او انه سيغيب لمدة يومين لكي يفسح لها المجال- حسب اعتقاده- لخيانته و ضبطها متلبسة، فيفاجئها بالحضور، وياويلها ان قالت له لماذا عدت، لانها ستفتح عليها بوابة جهنم، ويقنع نفسه بانها لا ترغب بعودته وانها تنتظر شخصا اخرا!

الاسئلة التفصيلية حول كل شئ وتكرارها بمحاولة منه لالتقاط جواب مغاير، او انه يراقب من بعيد ويتجسس عليها او يكلف شخصا بمراقبتها حتى وان كان هذا الشخص احد اولاده الذي يوظفه كمخبر سري يدلي له بالمعلومات اولا باول، هذا الابن الذي سيكون نسخة من ابيه يعيد دورة الحياة كما تعلمها واتقنها من والده القدوة والمثل الاعلى، بل انه يبدا بالتفكير جديا ان والدته خائنة والالما تصرف معها اباه بهذا الاسلوب، وهذه كارثة يدفع ثمنها الابن المقلد والام المطعونة بشرفها وادميتها..

ان هذه المتلازمة موجودة بين ظهرانينا وقد ازدهرت اكثر بتطور الحياة واساليب التواصل الاجتماعي التي باتت تفرز الكثير الكثير من الحالات التي كانت قليلة اومختباة او غير مزدهرة نظرا لان الحياة كانت ابسط وتفكير الانسان انقى وتمسكه بالقيم اكبر وثقته بنفسه وبشريكة حياته اعمق، لذا كانت العلاقات الاسرية تمتاز بالقداسة والثبات والديمومة، على عكس الوضع الان الذي باتت حالات الطلاق فيه تهدد المنظومة الاسرية وتشل استمرارها.

وحقيقة ان الموضوع كبير جدا ومن الصعب علاجه خصوصا اذاكان متوارثا وهوالسمة التي تتباهى به العائلة التي تعتبره اعلى درجات الغيرةالحميدة- حسب الاعتقادالسائد بين افراده، وان تغيير المعتقد والموروث من الامور الصعبة للغاية خصوصا اذا بات هذا الموروث سمة من السمات الشخصية التي يفخر بها افراد العائلة الواحدة، لكن هناك جملة من الامور الواجب القيام بها ومنها:

- اقناع المريض بمرضه وان كان مقتنعا بانه سليم، عن طريق الايحاء او اللجوء الى احد الاقارب للحديث معه واقناعه بخطاه.

- حثه للذهاب الى الطبيب النفسي واقناعه ان ذلك سيخفف من اوهامه التي باتت وبالا على الاسرة باكملها.

- اشباع المريض عاطفيا لتعزيز ثقته بنفسه التي فقدها على مدى سني عمره، هذه الثقة التي بامكانها ان تغير نظرته للامور.

- اقناع المريض بانه على خطا وذلك بالصبر عليه واظهار عكس مايفكر فيه، بان تكون الزوجة واضحة امامه كالكتاب المفتوح ليقرا فيها مايريد هو قراءته.

- تعزيز الوازع الديني للاسرة ككل ينعكس ايجابا على افرادها لان راس الحكمة مخافة الله.

- اظهار الحميمية للزوج وعدم النفور، سيغير من نظرته لهذه الزوجة التي بات كل همها اسعاده واسعاد الاسرة.

- مساندة الزوجة لزوجها ووقوفها معه في الباساء والضراء تخلق فرصة اخرى في نفسه تحت بند العرفان بالجميل.

وهكذا تستطيع الزوجة المخلصة امتصاص هذه الموجة العارمة من الشك المرضي وتحويلها الى عاطفة امنة تجعل الحياة اكثر دفئا وحميمية.

واخيرا اود ان اقول:

لايوجد انسان سئ بطبعه، انما توجد ظروف سيئة اجبرته ان يكون سيئا.

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم