قضايا

اقتصاد المعرفة ودوره في تعافي الدولة المصرية من حروب الجيل الرابع (3)

محمود محمد علينعود ونستأنف حديثنا عن اقتصاد المعرفة ودوره في تعافي الدولة المصرية من حروب الجيل الرابع وهنا في هذا المقال نتحدث عن الإجراء الثاني ، وهو العمل علي تفعيل كل القوانين التي تعاقب كل من يسعي إلي نشر الفوضي، وزعزعة الأمن والاستقرار في الدولة، ومعاقبة كل من يحاولون أن يفرضوا إرادتهم بالقوة والعنف من خلال التحريض واستهداف قوات الجيش، والشرطة، ورجال القضاء، وقطع الطرق، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة .

وهنا أثمن الدور الذي قام به الرئيس المصري " عبد الفتاح السيسي" عقب توليه حكم مصر في 2014، حين أصدر قراراً جمهورياً بقانون في نوفمبر 2014 ينص علي :

1-اعتبار كل جمعية، أو منظمة، أو جماعة، أو عصابة تمارس أو يكون الغرض منها الدعوة بأي وسيلة، إلي الإخلال بالنظام العام، أو تعرض سلامة المجتمع، أو مصالحه، أو أمنه كياناً إرهابياً.

2-تجريم أي كيان من شأنه أن يتعرض للأفراد بالإيذاء، أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم وحرياتهم للخطر، بالإضافة إلي الإضرار بالوحدة الوطنية، أو البنية، أو الموارد الطبيعية.

3- أن تتولي إحدى دوائر محكمة استئناف القاهرة نظر طلبات الإدراج علي قائمة الكيانات الإرهابية التي يقدمها النائب العام.

4- تعد النيابة العامة قائمة تسمي (قائمة الإرهابيين) تدرج عليها أسماء كل من تولي زعامة، أو إدارة، أو عضوية الكيانات الإرهابية، أو دعمها بأي صورة من الصور، ويترتب علي الإدراج حل التنظيم الإرهابي، وحظر تمويله، وتجميد الأصول المملوكة له ولأعضائه، والحرمان المؤقت من مباشرة الحقوق السياسية.

ومنذ إدراج هذه الجماعة ضمن قوائم الكيانات الإرهابية، تقوم الجهات الأمنية بجهود مكثفة، لمتابعة تحركات التنظيم الإرهابي، وإجهاض مخططات أعضائه؛ حيث تقوم القوات بضبط العناصر المطلوب ضبطها بشكل سريع وإحضارها وعرضها علي النيابات المختصة ليتم التعامل معهم وفقا للأعراف الدولية ، وطبقاً لقانون الإجراءات الجنائية الذي يكفل الدفاع عن النفس والمنشآت أمام كل من يحمل السلاح، ويهدد أي مواطن أو، يثير الشغب بأي منشأة حيوية .

2- الإجراء الاقتصادي:

وهذا الإجراء يأخذ ثلاث مراحل: الأولي: حل الأزمات الفورية التي نتجت عن التظاهرات والاعتصامات، مثل إتاحة فرص عمل للشباب، وحل مشكلة البنزين، والسولار، والبوتاجاز، وأزمة الطاقة، وهلم جرا . الثانية: تجديد البنية التحتية من خلال رصف الطرق، واستصلاح الأراضي الزراعية، والأراضي البور، وتحويلها إلي أراض صالحة للزراعة، وإقامة مشروعات اقتصادية وغيرها، والثالثة: عمل برامج إصلاحية لتعافي الدولة اقتصادياً.

وهنا أثمن ما قام به النظام السياسى الجديد الذي انبثق من ثورة 30 يونيو في مصر، حين أعاد فى الواقع صياغة دور الدولة، وأفسح الطريق واسعاً وعريضاً لعودة نموذج "الدولة التنموية" التى رسختها ثورة يوليو 1952، باعتبار أن مهمتها الرئيسية، هى التنمية الشاملة من خلال القيام بمشروعات قومية كبرى، وقد بدأ الرئيس المصري " عبد الفتاح السياسي " هذا العصر التنموى الجديد فى مصر بمشروع «قناة السويس الجديدة»، التى اعتمد فيها لأول مرة فى تمويلها على الاكتتاب الشعبى الذى نجح نجاحاً ساحقاً، وعلى الإدارة الهندسية للقوات المسلحة فى تنفيذه فى عام واحد، بدلاً من ثلاثة أعوام كما كان مقدراً، وتم ذلك على أعلى مستوي. وقد توج هذا المشروع القومى الكبير بافتتاح تاريخى حضره عديد من ملوك ورؤساء العالم.

وقد أعلن أيضاً عن سلسلة كبيرة من المشروعات؛ نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: مشروعات البنية التحتية، والتي جاء علي رأسها مشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي، وظهيره الصحراوي، ومشروع توشكي، ومنخفض القطارة لتوليد الكهرباء، وإعادة تقسيم المحافظات، ومشروع شبكة الطرق، ومشروع زراعة المليون ونصف المليون فدان، بالإضافة إلى مشروع بناء عاصمة جديدة ، وإقامة مركز لوجستي عالمي للحبوب ، وغير ذلك من المشروعات الكثيرة.

ويعنى ذلك أن "الدولة التنموية" عادت بأقوى مما كانت حتى في الحقبة الناصرية، ولم تعد التنمية «إقطاعاً» للنظام الخاص، كما فعلت الدولة فى عهد «السادات» ، أو في عصر "مبارك"، والذى تزاوجت فيه السلطة مع الثروة مما أدى إلى استفحال الفساد وإفقار ملايين المصريين .

وهكذا عادت في بداية عهد الرئيس « عبد الفتاح السيسي» الدولة التنموية لتلعب الدور الأساسي في التنمية أقوى من عصر الرئيس «جمال عبد الناصر». ولأول مرة في تاريخ رؤساء الجمهورية يقود «السيسي» مفاوضات التنمية والاستثمار مع قادة الدول الكبرى ومع كبار المديرين بها، إعلاناً جهيراً على أن الدولة الجديدة بعد 30 يونيو مهمتها الأساسية، هي التنمية، والقضاء على التخلف في كل الميادين، والتي تراكمت مشكلاته منذ عشرات السنين .

ومعنى ذلك أن الدولة وهى الطرف الأساسي في أي نظام سياسي، قد تجددت بعد ثورة 25 يناير، وأصبحت مهمة التنمية القومية هي رسالتها الأساسية، وليس في ذلك أي استبعاد لرجال الأعمال مصريين أو عرباً أو أجانب، ولكن بشروط الدولة وتحت رقابتها وبدون الفساد الذى سبق أن نهب الثروة القومية.

المرحلة الرابعة: استراتيجية تثبيت الدولة:

إن تثبيت الدولة ينطلق من خلال أهمية توعية الشعوب، بمفهوم وخصائص الدول الفاشلة، وآليات مجابهتها ، فالدولة الفاشلة هي التي تعجز عن توفير الخدمات العامة لمواطنيها، كما أنها لا تتمكن من إقامة علاقات تفاعلية مع الدول الأخرى الأعضاء في الجماعة الدولية. بالإضافة لكل ذلك، فإن "الفساد، وارتفاع معدلات الجريمة يكونان من السمات السائدة لهذه الدول .

ولكى يتم تفويت الفرصة على صناعة الدولة الفاشلة ومعاول الإسقاط، وتثبيت أركان الدولة وتحصينها وزيادة مناعتها، يجب في مرحلة تثبيت الدولة " تكريس قيم الولاء، والانتماء والوطنية، وهى القيم التي يقاس بها التزام المرء بالدفاع عن الوطن وحمايته وتَمثُّل أهدافه الوطنية العليا، ولا تأتى هذه القيم من فراغ، وإنما تنتج عن حزمة سلوكيات تعكس أداء الدولة والتزامها بمصالح مواطنيها؛ فمن ناحية، يُنتظر من الدولة أداء الوظائف الأساسية التي أنشئت من أجلها، وعلى رأسها الإشباع والعدل والأمن، لقد صار إشباع الحاجات الأساسية أحد مؤشرات قياس نجاح الدولة أو فشلها، ويتصل إشباع الحاجات الأساسية من غذاء ومسكن وتعليم ورعاية صحية، بما يطلق عليه جودة الحياة، إذ لا يكفى تحسين المعيشة، بل الأهم تحسين ظروف الحياة، والمواطن يتوقع كل ذلك من الدولة، بل إنه يقبل أن يكون مواطنًا ملتزمًا إذا ما توافرت له، وإلا بحث عنها في دولة أخري" .

كذلك فإن تثبيت أركان الدولة يقتضى أيضاً" تعبئة المؤسسات الجماهيرية، مراكز الشباب، ومراكز الثقافة الجماهيرية، والمدارس، والجامعات، ومراكز الفكر، ووسائل الإعلام بمختلف انتماءاتها وتصنيفاتها، دون كلل أو ملل، لشرح وتوضيح شكل وطبيعة الدولة التى يرنو إليها الموطنون، بصرف النظر عن طبيعة التحديات التى تواجهها" .

ولما كان تثبيت الديمقراطية أمراً صعباً، فإن التحول الديمقراطي قد يعرض الحياة السياسية إلى أزمات جديدة غير قابلة للحل، وقد يقفل مجال السلطة في وجه قوى المجتمع المختلفة، إذا لم تضخ حيوية جديدة في النظام السياسي، والنظام الاجتماعي، بعيداً عن الارتجالية والشعبوية، أيّاً كان مصدرها، وإذا لم تصوب العلاقة بين الدولة والمجتمع، لتعلو بذلك عن المستوى الفئوي المغلق إلى رحاب الأفق الوطني الحاضن للجميع، وفي بداية تجربة مصر الحديثة في عهد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" الكثير من الدروس والعِبر.

ففي مصر عندما وصل الرئيس "السيسي" لسدة الحكم ، أقسم بأن يوفي بعهده كاملاً فيما يرتبط بالأمر الأهم للبلاد، أي في تثبيت الدولة المصرية، وهذا التثبيت لا يتم إلا بدولة قوية قوامها الأول، شعب واعٍ صاحب ولاء شديد لوطنه، ومتحد على قلب رجل واحد، وعنصر واحد لا يتجزأ ولا يقبل أبداً قسمة العنصرين الخبيثة، وشبابه مثقف مبدع صحيح الفكر والبنية، ودولة قوية قوامها مؤسسات حديثة راسخة، تسودها العدالة الناجزة والتشريع المستنير وسلطة إنفاذ القانون نفاذاً قويماً لا يحيد عنه ولا يقبل المساومة فيه؛ دولة قوية قوامها اقتصاد ديناميكي قادر على التطور ولديه قدرة الصمود أمام تغير الأحوال، وعدالة اجتماعية متجددة طوال الوقت لا تهدأ لدى إنجاز معين، وتنمية مستدامة تحقق اقتصاد الرفاهة بديلاً عن اقتصاد الفقر، ولو بعد حين؛ دولة قوية قوامها مفهوم صحيح للحرية والتعبير المستنير عن الرأي بمنتهى القوة والبراعة والبنيان، وإعلام تنويري يقع على عاتقه واحدة من أقدس مهام الحياة، "ألا وهى تنوير الناس بالحقيقة المجردة وبيانها عن الرأي أو التوجهات من دون خلط، ومؤسسات حقوقية فاعلة تخلو تماماً من أي أجندات خفية ؛ دولة قوية قوامها، نظام سياسي بارع، وحياة حزبية حقيقية تخرج البلاد من هذا التقزم السياسي، وتقوم على توجهات وأيديولوجيات واضحة تنضم تحت لوائها شراذم الأحزاب المتناثرة دون عدد ولا أرضية شعبية" .

ثم وضع الرئيس "عبد الفتاح السيسي" المحاور الأساسية، لمنهج عمل إدارته، وقبل أن يتعهد للشعب المصري بالإنجاز صارحه بحقيقة الإرث الثقيل من التحديات والمشكلات ،من التجريف السياسي، والتردي الاقتصادي، والظلم الاجتماعي، وغياب العدالة التي عانى منها المواطن المصري لسنوات ممتدة، وأنه ليس من الأمانة والواقعية، أن يعد المواطن المصري البسيط التخلص من هذه التركة المثقلة بمجرد تقلده مهام منصبه الرئاسي، ولكنه أشهد الله تعالى أنه لن يدخر جهدا لتخفيف معاناة الشعب المصري ما استطاع .. "واعدا المصريين بأنهم سيجنوا ثمار هذه الفترة الرئاسية، وبأن الدولة ومؤسساتها ستحرص على تحقيق معدلات انجاز غير مسبوقة ما دامت إدارة المصريين بارزة وفاعلة في مسيرة العمل الوطني" .

وتمثلت ابرز تعهدات الرئيس في الآتي:

1- استكمال خارطة المستقبل: من خلال انتخاب برلمان يعبر عن إرادة الشعب المصري عبر انتخابات حرة ونزيهة وناشد الشعب المصري بأن يحسن اختياره.

2- بداية صفحة جديدة في تاريخ الدولة المصرية عبر عهد جديد يدعم اقتصاداً عملاقاً ومشروعات وطنية ضخمة للدولة، مع الحفاظ على حقوق الفقراء ومحدودي الدخل وتنمية المناطق المهمشة.

3- استعادة الدولة المصرية لهيبتها مع الحفاظ على مؤسسات الدولة ومواجهة محاولات هدمها مع التزام كل مؤسسة بدورها الوطني الذي أنشأت من أجله وجعل محاربة الفساد توجهاً قومياً حاكماً لعمل هذه المؤسسات.

4- أن مصر بما لديها من مقومات يجب ان تكون منفتحة في علاقاتها الدولية ولا مكان لمفهوم التبعية في علاقات مصر الخارجية وفق توجه استراتيجي يرتكز على الندية والالتزام والاحترام المتبادل مع دول العالم مع عدم التدخل في شئون مصر الداخلية كمبادئ أساسية لسياستنا الخارجية .

5- العمل من خلال محورين أساسين: احدهما تدشين مشروعات وطنية عملاقة، والثاني توفير الموارد اللازمة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة .

6- العمل السريع والفاعل علي تجاوز الأزمات والمشكلات التي تواجه المصريين في حياتهم اليومية من انقطاع الكهرباء وعدم توفر الخبز والوقود.

7- إن التنمية الزراعية سوف يكون لها نصيب كبير من جهود التنمية من خلال العمل على إعادة تقسيم المحافظات المصرية وخلق ظهير زراعي لكل محافظة.

8- تخصيص نسبة من الإنفاق العام تتصاعد تدريجياً لصالح قطاع الصحة وإضافة مرافق طبية جديدة.

9- تدشين شبكة طرق داخلية جديدة وإنشاء شبكة طرق دولية.

10- إنشاء عدة مطارات وموانئ واقامة عدة مدن ومراكز سياحية جديدة.

11- أن المبدأ الحاكم للحياة على أرض الوطن، هو المواطنة فلا فرق بين مواطن وآخر في الحقوق والواجبات، وأن الحرية قرينة الالتزام وتظل مكفولة للجميع، ولكنها تتوقف عند حدود حريات الآخرين، ولها إطارها المنظم وما يحويها من قوانين وقواعد دينية وأخلاقية تتسم بالنقد، ولكن بموضوعية دون تجريح ودون ابتذال؛ أما ما دون ذلك فهي أي شيء آخر إلا أن تكون حرية إنما هي فوضى وحق يراد به باطل.. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم