قضايا

صادق السامرائي: هل النفس البشرية أصولية الميول؟!!

صادق السامرائيالأصولية تبدو وكأنها حاجة نفسية فاعلة في الأعماق البشرية، ولهذا ينجذب إليها خلق كثير، ويعبرون عن أسسها ومنطلقاتها بإندفاعية مروعة.

فلا يمكن تفسير السلوك الأصولي على أنه بسبب الخطاب الأصولي وحسب، فليس كل خطاب له أتباعه، فهناك إستعدادات كامنة في النفس تؤهل المتلقي للإنتماء والتعبير عمّا يراه ويسمعه.

فالإنتماء الأصولي نفسي عاطفي إنفعالي إندفاعي آني وشديد التمكن والإمتلاك، مما يعني أن الأصولي سيكون صلبا ومندفعا  نحو هدفه كالإطلاقة، فلا يرى ولا يسمع ولا يلتفت لأية جهة، ومتوجها بقوة نحو الهدف أيا كان، ما دام يترجم أصوليته وتمسكه بما تأجج في وعيه النفسي.

فليس كل مَن يستمع للخطاب الأصولي يتخذه دليلا للقيام بما يدعو إليه، بل الذي تعتمل فيه مفردات وعناصر الأصولية، ووجد في الخطاب ما ينظمها ويوجهها ويعطيها معنى آخر، يؤهله للإنطلاق به نحو غايته المرجوة.

ولا يصح القول أن شخصا ما - مهما بلغ من قدرات الإقناع والحجة -  هو الذي أقنع الآلاف والملايين على إتباع ما يراه، لكنه تكلم بمفردات وأبجديات ما في النفوس من الكوامن والخفايا، وإمتلك الجرأة على إطلاقها والتعبير عنها، ووضع الأسس والضوابط لتحقيقها، فتلقفها الذين يعتمل فيهم ما يتوافق والخطاب الذي يسمعونه أو يقرؤونه.

وكلما إنجذب الناس إلى ذلك الخطاب، إكتسب قوة جذب إضافية، ومالوا نحوه عاطفيا لتلبية غريزة الإنتماء، خصوصا عندما تضعف مشاعر الإنتمائية عندهم.

وهذا واضح في بعض الدول، لفقدان قيم الإنتماء للوطن والمواطنة، وضعف الوطنية ومجهولية الهوية، فالغياب الإنتمائي يدفع الناس لتعويضه بإنتماءات أخرى قائمة، وذات تأثير ظاهر وفعل واضح في المجتمع.

فعندما يضعف الإنتماء الوطني يتنامى الإنتماء الأصولي، وعندما لا يجد المواطن  ما يعزّه ويحافظ على كرامته وحقوقه ورغد عيشه، فسيكون في حالة بحث عن البديل.

والأصوليات بأنواعها هي البديل في مجتمعات غيّبت الإنتماء الوطني، وألغت مفهوم الهوية الوطنية من وعي المواطن.

وهذا ما يتطابق مع الأصوليات الدينية التي لا تعترف بوطن، وتنتمي لحالة وهمية تسعى لتحقيقها وتؤمن بأنها ستسود العالم بها!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم