قضايا

لبنى بطاهر: نداء المرأة القروية

لبنى بطاهرمنذ زمن طويل والمرأة في صراع  مع الوجود، من أجل الحفاظ على كينونتها، إذ تم تجريدها مما هو حق مشترك، وجعلها قابعة في بئر، تناجي خالقها لإنقاذها، ليطرح إشكال عميق: أليست المرأة إنسانا مكرما لا كائنا مثل الحيوانات الزاحفة على الأرض؟ سيكون الجواب ب "نعم"، لقد أصبحت مثقفة، معلمة، محامية، طبيبة، مهندسة، امرأة سياسة...، تنافس الرجل في كل المجالات، لها وزن ثقيل، بالمقارنة بما كانت عليه سالفا، لكن هذا التطور والنمو الذي لحقها، لم تنف تلك النظرة الدونية والسلطوية من طرف الرجل، فعليها أن تكون تابعة له، وخاضعة لقراراته، وفي هذا الموضوع الشاغل بين المرأة والرجل، حديث مستفيض الرؤى والتأويلات اللامتناهية، فما يثير البلبلة الصاخبة في خوالج الذات والدهشة العجيبة هو فصل المرأة عن المرأة، وحدوث تعال للمرأة المتمدنة عن المرأة القروية، مما أدى إلى خلق ذلك الشعور المأساوي لهذه الأخيرة، وترفّع الأولى عليها.

لقد كتب القدر على المرأة في المناطق المهمشة بأن تحمل العبء كله على ظهرها، أي أن ترفع الصخرة السيزيفية نحو القمة، تربي، تعمل داخل البيت وفي الحقل كأنه واجب عليها دون أن تنال أي جزاء، ماديا كان أو معنويا. فالشقاء مكتوب على جبينها منذ ولادتها إلى أن تعود إلى بارئها كأنها لم تولد من الأصل، مادامت محرومة من اقتطاف ثمار محصولها، لتظل تحت لواء الرجل الذي يمثل في هذه الحالة السيّد المستبدّ.هذا هو المصير الذي كرسته المؤسسات المدنية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كأن النساء القرويات متسولات داخل التراب الوطني، ينلن كلمات الشفقة والعطف، وينتظرن يد المساعدة في حالة يرثى لها، أ حق هذا؟ أعدل هذا القضاء؟ ألسنا نسير في ضلال؟ فأين الحقيقة والصواب في كلّ هذا؟

الغريب في الأمر، أن وسط تلك الهشاشة قوةُ المجتمع، وهي المحرك لنقل البلاد من عالم التخلف إلى عالم التقدم، فتلك النسوة اللائي تعشن في الصحراء والجبل، رغم معاناتهن وعلمهن بأنهن ولدن ليشقين، أملهن في فلذات أكبادهن، إذ تضحّين بالغالي والنفيس، من أجل إنقاذها من الجحيم اليومي ، فرأين بأن لا سبيل إلى النجاة سوى تعليمها، ذلك بإرسال أولادهن إلى المدينة ، لعلهم يكونون سفينة نجاة لهن.

سأقف هنا وقفة تأمل، فالأبناء المهاجرون من القرية إلى المدينة، حاملين معهم ذكريات طفولتهم البسيطة، ومعاناة أسرهم في بواطنهم، جلّهم، بل معظمهم يجتهدون ويكافحون ويناضلون بكل ما تحمله طبيعتهم من خير للبلاد، بغية تحقيق عيش كريم بشروط مشروعة موضوعية. لنخلص في نهاية المطاف إلى أن المرأة في البوادي أول عامل في إنتاج مجتمع قوي البنى البشرية، فكما قال أحدهم: " المرأة البدوية هي من أنجبت المقاومين والجنود والمهاجرين الذين ينفقون أموالهم الآن في المدينة... الأصل هو البادية "، مع ثقتنا الكاملة في المرأة المتمدنة المتحضّرة وإسهامها الكبير في تحريك عجلة التنمية، كما لاننكر بأن المرأة المتمدنة في الواجهة، لكنها شبيهة ب"النظام المركزي" للدولة،

تتمركز في مجال المهن والتنظيم العام، ولا تستطيع أن ترى معاناة نساء الهوامش، لهذا عليها أن تضع ممثلين لها بالمناطق اللامركزية، وتدافع عن حقوقها وإزالة القهر الذي لفها لسنوات طوال،بمنحها حريتها وكرامتها ومساواتها في العيش الكريم،مثل أختها (=المرأة المتمدنة )، باعتبار هذه الأخيرة تعرف حقوقها، كما أنها تتميز بنوع من الاستقلالية عن الرجل.

و لذلك، يجب اعتبار ربة البيت موظفة في سلك الوظيفة العمومية، ولها راتب يليق بها، ومحاولة الرقي بها في الواجهة، حيث سنقع في معضلة شائكة، وهي: كيف لربة بيت جاهلة بأمور السياسة والإدارة، أن تكون امرأة سياسية قيادية؟! هذه الإشكالية تنزلنا من برجنا العاجي، لنتساءل: هل كل السياسيين منظرون في السياسة؟! وهل هم علماء في السياسة؟! أليس معظمهم امتهنها كصنعة وعمل روتيني؟!! إذن: لنبدأ معها من الصفر، وننشئ مؤسسات تقدم دروسا في القيادة والسياسة والتسيير والإدارة لنساء الهوامش باللغة التي تفهمها، سواء باللغة العربية أو اللغة الأمازيغية أو اللهجة المغربية، لنخلق فيها الوعي بالقضايا السياسية، ولتكن هذه المهمة على يد المرأة المتمدنة، التي تعلمت وتخرجت من الجامعة، أعرف أنني ربما أحلم وأهلوس!!! لكن، هذه هي الطريقة السريعة في إحداث الفرق وإعادة الموازين والمكانة للمرأة القروية، واللحاق بالتجربة الغربية المتقدمة.

عموما، لا انتفاضة ولا نهضة اجتماعية إلا بالانطلاق من المرأة القروية كذات فاعلة لا مستهلكة، لإزالة الغبن والقهر وذاك الإحساس بالنقص من قلبها، بجعلها واعية ومساهمة بالأمور والقضايا الاجتماعية والسياسية....، ومشاركتها في القيادة والإدارة، بعد مد العون من شقيقتها المرأة التي تلقنت تعليما أكاديميا، فهي تظل أمها التي أنجبتها ولولاها لما كانت، لرد الاعتبار إليها، وهذا أقل ما يمكن فعله لأجلها، لا اعترافا وإنما حقها وواجبنا كنساء تجاهها.

عندما أنظر إلى النساء المتقدمات الحرائر، وهن جالسات على كراسي التعليم والمناصب الإدارية، وأنا بمثابة طالبة علم تتقصى الحقائق المتغيرة في الزمكان معهم، ينتابني سؤال محير: لم لا نعود للقاء والتواصل مع النساء في البوادي داخل بيوت الطين والجلوس على الحصير وسماع آهاتهم ومعاناتهم، وإيصالها إلى الساسة؟ اكتفينا من التنظيرات والكلمات الرنانة من طرف تلك النسوة اللواتي تدعين أنفسهن ذوات مناصب،غافلات عن حجم معاناة أخواتهن البدويات اللائي تجلبن الماء وتجمعن الحطب وتطبخن في أفران تقليدية. إن المتمدّنات لا يطالبن بحقوقهن، بل يستغللنهن بطريقة بشعة معنويا، فتستنزفن طاقتها وخيراتها، من أجل مصالح ذاتية وخاصة لا غير.

سأختم بالقول: إن تلك المرأة التي تنتمي إلى النخبة السياسية، مثلها مثل النظام المركزي الضيق، تحتاج إلى تفويض من مهامها إلى نساء داخل النظام اللامركزي الواسع، لعلنا نقترب رويدا رويدا نحو التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد.

 

بقلم: لبنى بطاهر

 

في المثقف اليوم