قضايا

زعيم الخيرالله: النَّهْضَةُ الحُسَيْنِيَّةُ بينَ الثَّوْرَةِ والفِتْنَةِ

قبلَ الحديث عن النهضة الحسينية ثورةً كانت أَم فتنةً، لابُدَّ من تحديدِ معنى الثَّورةِ والفتنة.

الثورة حالةٌ تصاعديةٌ، وحالةُ تغييرٍ شاملةٍ، رغم أَنَّ المعنى اللغوي للثورة لايحملُ هذهِ الدلالةَ فالثَّورةُ لغةً هي الهياجُ والاضطرابُ . أَمّا الفتنةُ فهي حالةٌ تراجعيَّةٌ اقرب الى الفوضى والهياج والاحتراب الداخلي.

الثَّورَةُ هي تغيير الوجوه، والانقلاب هو التغيير الجذري الشامل، والقران اشار الى هذا في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). الروم: الاية: (9). الثورة مجرد اثارة وهياج لايصل الى تغيير جذري شامل . بينما الانقلاب هو عملية تغيير جذري شامل كما في قوله تعالى:

(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ). ال عمران: الاية: (144)

وهذه النظرة المقلوبة لدينا للثورة والانقلاب جاءتنا من الشيوعيين الذين سموا انقلابهم العسكري بالثورة البلشفية عام 1917 م .

الذي دعاني الى كتابة هذه المقدمة، هو وجود بعض الاقلام المأجورة التي ترى في حركةِ سيد الشهداء عليه السلام فتنةً وخروجاً على الشرعيةِ معتبرةً أَنَّ يزيدَ بن معاوية خليفةَ شرعياً تجبُ طاعتُهُ، وان الامام الحسين خرج عن حده فقتل بسيف جده .

يقول القاضي ابو بكر بن العربي في كتابه (العواصم من القواصم) الذي دافعَ فيه عن الامويين وبرأَهم عن مذبحةِ كربلاء، فقد كتب عن الامام الحسين عليه السلام: (وماخرج اليه-يعني الحسين عليه السلام- أَحد الا بتأويل ولا قاتلوه الا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل المخبر بفساد الحال المحذر من الدخول في الفتن) . وكأنَّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، لا يعرف الحسين صلوات الله عليه حينما منحه هو واخاه الحسن (ع) وسام سيدا شباب اهل الجنة . وكأنَّ سيد شبابِ اهل الجنة لا يعرف واجبه وتكليفه . الامام (ع) لم يكن في خروجه داعية فتنة بل كان داعية اصلاح: (اني لم اخرج اشراً ولابطراً ولاظالماً ولامفسداً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله ......) .

والشيخ الخضري في كتابه "الدولة الاموية" الذي هو مجموعة محاضرات القاها في الجامعة المصرية يتحدث عن الامام الحسين باعتباره داعية فرقة ومفرقاً لوحدة الامة . يقول الخضري:

(وعلى الجملةِ فان الحسينَ أَخطاَ خطأً عظيماً في خروجهِ هذا الذي جرَّ على الامةِ وبالَ الفرقةِ والاختلافِ، وزعزعَ عمادَ الفتها الى يومنا هذا ..... غاية الامرِ أَنَّ الرجلَ طلبَ أَمراً لم يتهيأ له ولم يعد له عدته فحيل بينه وبين مايشتهي وقتلَ دونه) . "الدولة الاموية، الخضري، ص 327، دار المعرفة، بيروت، 1418 هج" .

وكتب الدكتور احمد العسيري ف كتابه " موجز التأريخ الاسلامي " والذي نقل كلام الدكتور احمد شلبي دون ان ينسبه اليه: (وكانت هذه فتنة أَيسرُ مانقولُ عنها أَنها وَسَّعت باب الفرقة، والتهمت الالاف والملايين من المسلمين ولايزال بابُها مفتوحاً حتى كتابة هذه السطور). "موجز التاريخ الاسلامي، احمد محمود العسيري، ص 152، ط1، الدمام، 1417هج"

هذه اقلام وعاظ السلاطين الماجورة التي ترى الفتنة في الثورة والخروج على الظالمين، ولاترى ان الاستبداد السياسي والمستبدين هم اكبر فتنة تصد عن سبيل الله يجب ازالتها .

الامام الحسين عليه السلام الذي يعرف الفتنة وقد شخصها في كتاب كتبه الى معاوية الطاغية بقوله عليه السلام: (ولاأعلمُ فتنةً أَعظمُ من ولايتكَ أمرَ هذهِ الامة) .

الفتنة في نظر الطغاة هي ان يبديَ فردٌ من افرادِ الامةِ رأياً، أويهمس همسةً، أويحلم حلماً، هكذا وصف الحجاج الفتنة لعبدالملك بن مروان حين طلب منه ان يصف له الفتنة وكانه يراها، فكتب ليه الحجاج: (ان الفتنة تلقح بالنجوى، وتنتج بالشكوى، ويقوم بها الخطباءُ، وحصارها بالسيف) . اليس هؤلاء الطغاة هم الفتنة والله امرنا بقتالهم لازالة الفتنة: (قاتلوهم حتى لاتكون فتنة) .

السلام عليك يا ابا عبدالله، وعلى يومك المضمخ بعطر الشهادة، وعلى نفسك الابية الشامخة التي لم تلن ولم تتردد في مواجهة الظالمين الذين أثاروا الفتن واشعلوا الحروب ومزقوا وحدة الامة .

 

زعيم الخيرالله

 

 

في المثقف اليوم