قضايا

صادق السامرائي: النفس والتراث!!

صادق السامرائيالإشكالية الجوهرية التي يغفلها المفكرون والمهتمون بالتراث تتصل بالجانب النفسي للتراث، أي الطاقة المعنوية التي يضخها وعي التراث في أعماق الأجيال.

فالتراث ليس مفهوما ماديا وخياليا نستند عليه للتغطية على مثالب قائمة في واقعنا المعاصر، التراث آلية نفسية تساعدنا على فهم ذاتنا وموضوعنا، وتخرجنا من متاهات التبعية والصَدَوية والخنوع للآخر، لما رسّخه من وهم في وعي الأجيال على أن الأمة عاجزة.

الكثيرون يتحدثون عن السبق التكنولوجي ما بين المجتمعات، وكأن التكنولوجيا أصبحت من المستحيلات وهدف بعيد المنال، بينما الواقع يؤكد أنها من أسهل الغايات، فكل مجتمع يمكنه أن يمتلك التكنولوجيا ويحقق ما يريده بها، فمفرداتها وعناصرها متوفرة وكيفيات بنائها شائعة ومتداولة.

فمضوع التكنولوجيا ليس عائقا، والتطورات المادية ممكنة وتستطيعها أي المجتمعات إذا عزمت وتوثبت، والأمثلة متكررة في عدد من المجتمعات التي إنطلقت في هذه الميادين قبل بضعة عقود لا غير، دون إنجازات علمية تقنية مسبقة.

ومَن يدرس أحوال تلك المجتمعات التي تكونت من اللاشيئ، يكتشف أن الطاقة المعنوية والقدرات النفسية المحثوثة في أبنائها هي التي حققت الإنجازات الكبرى.

بينما في مجتمعاتنا نحصر موضوع التراث بزوايا خانقة وبمقارنات جامدة متمترسة ومتوارثة، إنطلق بها قادة النهضة الذين ما إستطاعوا أن ينهضوا بشيئ، ومعظمهم أعزى الموضوع للدين، وكأن أمة العرب لوحدها لديها دين.

ولانزال نتعامل مع التراث بذات الآليات التي تعاملنا بها معه منذ منتصف القرن التاسع عشر، والتي ما أوصلتنا إلى مسارات معاصرة.

التراث قوة لبناء النفس وطاقة معنوية لتأكيد الثقة والقدرة على الإنجاز، أما أن يتحول إلى وحل ندفن فيه رؤوس الأجيال فهذا تجني على التراث والأمة.

إن ما يتناوله المفكرون والمهتمون بالتراث، سلبي الدوافع والتطلعات، مما يترتب عليه نتائج تعويقية للإرادة الجمعية.

فهل لنا أن نستعيد كرامة وجودنا النفسي والمعنوي، ونبتعد عن المقارنات الجامدة وربط التقدم بالتكنولوجيا وحسب، والواقع يؤكد بأن أبناء الأمة مشاركون وبفعالية في التقدم المادي للبشرية، ولديهم حضور في ميادين العلوم والأبحاث في الدنيا.

الأمة قادرة تكنلوجيا وعاجزة نفسيا ومعطلة معنويا، والسبب يعود إلى المفكرين والمهتمين بالتراث من الذين يشيعون أوهام أدري المزيفة، ويصلون إلى إستنتاجات تمويتية تبريرية إقناطية وترسيخية للسكون والتأبد في ما مضى وما إنقضى!!

فالأمة بخير والعلة في مفكريها ونخبها!!

فهل من إيمان بأننا نكون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم