قضايا

ليلى الدسوقي: الوطن من مقاصد الشريعة

ليلى الدسوقيمقاصد الشريعة هي ما قصده الشرع من الضروريات والحاجيات والتحسينات فهى خمس مقاصد شرعية:

اولا: حفظ الدين وهو مجموع العقائد والعبادات والأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لتنظيم علاقة الناس بربهم وعلاقات بعضهم ببعض.. حيث قصد الشارع بتلك الأحكام إقامة الدين وتثبيته في النفوس.. وذلك باتباع أحكام شرعها.. واجتناب أفعال أو أقوال نهى عنها.. والحفاظ على الدين

ثانيا: حفظ النفس كما أوجب لحمايتها تناول ما يقيها من ضروري الطعام والشراب واللباس والسكن.. وأوجب دفع الضرر عنها ففرض القصاص والدية وحرم القتل بغير حق وكل ما يلقي بها إلى التهلكة

ثالثا: حفظ العقل وأوجب الشارع سبحانه الحفاظ على العقل فحرم كل مسكر وعاقب من يتناوله وما يذهب العقل

رابعا: حفظ النسل والعرض شرع لإيجاده الزواج للتوالد والتناسل، وشرع لحفظه حد الزنا وحد القذف والسب

قال الله تعالى) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم21

خامسا: حفظ المال وأوجب للحفاظ عليه السعي في طلب الرزق وأباح المعاملات والتجارة وللحفاظ عليه حرم السرقة الصغرى والكبرى (الحرابة) وأكل أموال الناس بالباطل وعاقب على ذلك. وقد اضاف الدكتور فضيلة الشيخ خالد الجندى مؤخرا حفظ الوطن

لذلك يعد الدفاع عن الوطن واجبًا مقدسًا لأن الإسلام وتعاليمه أبلغونا بأن حب الوطن من الإيمان، فالإنسان بلا وطن لاجئ أو غريب لا يشعر بالحرية والكرامة ولا يعيش حياة طبيعية، ولا تتحقق الحرية والكرامة للإنسان إلا بالحياة في وطن ينتمي إليه ويدافع عنه ويحمل جنسيته ويلتزم بالواجبات التي يكلف بها ويطالب بالحقوق التي يرى أنها لم تتحقق، وهذا لا يحدث إلا في وطن الإنسان الذي ولد وتربي فيه مع أهله وأسرته.

فالوطن في الإسلام هو عبارة عن قطعة من الأرض تمتلكها مجموعة من البشر، ومع مرور الزمن تصبح مقرًا لمعيشتهم ومستقرًا لأهلهم وذريتهم من بعدهم، فيصبح واجبًا وفرضًا عليهم جميعًا الدفاع وحماية هذه الأرض وإعمارها، حيث أعلى الدين الإسلامي من شأت الأوطان باعتباره قيمة مهمة في حد ذاتها، حيث تعد الهوية المعبرة عن الإنسان، فالحب والانتماء والولاء للوطن واجب

فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى ذَاكِرًا الأَوْطَانَ وَمَوَاقِعَهَا فِي القُلُوبِ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ [النساء: 66].

فَسَوَّى بينَ قَتْلِ أَنْفُسِهِم والخُرُوجِ مِن دِيَارِهِم، وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لو كَتَبَ على عِبَادِهِ الأَوَامِرَ الشَّاقَّةَ عَلَى النُّفُوسِ مِن قَتْلِ النُّفُوسِ، والْخُرُوجِ مِنَ الدِّيَارِ لَمْ يَفْعَلْهُ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنْهُمْ وَالنَّادِرُ.

وَنَسَبَ اللهُ الدِّيَارَ إِلَى مُلَّاكِهَا: قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج: 40].

وَلَو قَنَعَ النَّاسُ بِأَرْزَاقِهِمْ قَنَاعَتَهُمْ بِأَوْطَانِهِمْ، مَا اشْتَكَى عَبْدٌ الرِّزْقَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ بِأَوْطَانِهِم أَقْنَعُ مِنْهُم بِأَرْزَاقِهِمْ.

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ؛ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ دِيَارِنَا». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فَدَعَا ﷺأَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ رَحْمَتِهِ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِهِ، وَأَنْ يُبْعِدَ اللهُ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ وَطَنِهِ.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ».

وَأَخْرَجَ الْإمَامُ أَحْمَدُ فِي «الْمُسْنَدِ»، وَابْنُ مَاجَه، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمَكَّةَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. فالرسول صلى الله عليه وسلم خرج مكرها وذهب للمدينة ليبلغ الرسالة ومع ذلك ظل قلبه يتجه نحو مكة التي ولد وعاش فيها ولم يطمئن قلبه صلى الله علىه وسلم حتى نزل عليه قول الله تعالى “إن الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد”

لهذا كانت حرب السادس من اكتوبر (حرب الكرامة) التي دارت بين مصر وسوريا من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى في عام 1973م. وتلقى الجيش الصهيوني ضربة قاسية في هذه الحرب حيث تم اختراق خط عسكري أساسي في شبه جزيرة سيناء وهو خط بارليف. وكان النجاح المصري ساحقا حتى 20 كم شرق القناة، لكن المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأحداث الثغرة اعاقت الجيش المصري من التقدم أكثر في عمق سيناء، وكان الرئيس المصري أنور السادات يعمل بشكل شخصي مع قيادة الجيش المصري على التخطيط لهذه الحرب التي أتت مباغتة للجيش الإسرائيلي.

خلاصة القول: أن الوطن هو النعمة التي أنعم الله بها علينا، وعلينا أن نحميها وندافع عنه بأرواحنا وكل ما نملك، لذا يجب ان نربي أبنائنا على حب الوطن وتقديره، والأجتهاد والجد لبقاء هذا الوطن آمناً فنحن نعيش تحت سمائه وفوق أرضه، والوطن لن ينسانا وليس علينا أن ننساه

حب الوطن لا يحتاج للمزايدات أو المساومات أو المجادلات، ولا يحتاج إلى الشعارات الرنانة والكلمات، ما يدل على حب الوطن هي أفعالنا وحركاتنا وكلماتنا وأصواتنا التي ننطق بها، وآمالنا التي تتجه إلى الوطن، والطموحات المرتبطة به لأجل الأرض

والوطن الذي راقت الدماء من أجله، فمن أجل الوطن تشردت الأمم وضاعت الحضارات والتاريخ والتراث، وتحملت الشعوب ألواناً مختلفة من العذاب، وقد أستمر الوطن في نبض القلب بكل حب ووفاء حتى أخر نبض في الجسد، لذلك لأجل تراب الوطن وسمائه وبحره وكل نسمات الهواء فيه ولكل روح مخلصة تحركت عليه، ولأجل أبنائنا وأوليائنا يجب أن ننبض بالحب للوطن من أجل تقدمه ورفعته وحمايته وصونه، وعلينا أن نؤدي اليمين ونقسم بالله العظيم أن نكون له دوماً مخلصين.

على أرواحنا أن تتشرب حب الوطن لتشتاق أرواحنا للعودة إليه أن هجرناه، وأن نخطو كل خطوة بأقدامنا وعلى كل ذرة من تراب هذا الوطن، فالوطن الغالي نسعى دوما لتقدمه ورفعته وعلينا أن نشمر عن سواعدنا لحمايته والدفاع عنه.

وهناك الكثير من الشعراء القدامى والمعاصرين الذين سطروا أجمل الكلمات عن حب الوطن  وعبروا عن أحاسيسهم تجاه الأرض التي ولدوا عليها وعاشو تحت سمائها وفوق أرضها

فمثلا ابن الرومي قال: ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ.. وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا

و ايضا قال مفدي زكريا: بلادي أحبك فوق الظنون وأشدو بحبك في كل نادي عشقت لأجلك كل جميل وهمت لأجلك في كل وادي ومن هام فيك أحب الجمال وإن لامه الغشم قال: بلادي

و قال امير الشعراء أحمد شوقى: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي

و ختاماً .. .

وطني اُحِبُكَ لابديل أتريدُ من قولي دليل - سيظلُ حُبك في دمي لا لن أحيد ولن أميل

سيظلُ ذِكرُكَ في فمي ووصيتي في كل جيل - حُبُ الوطن ليسَ إدّعاء حُبُ الوطن عملٌ ثقيل ودليلُ حُبي يا بلادي سيشهد به الزمنُ الطويل - فأنا أُجاهِدُ صابراً لأحُققَ الهدفَ النبيل

عمري سأعملُ مُخلِصاً يُعطي ولن اُصبح بخيل وطني يا مأوى الطفولة علمتني الخلقُ الأصيل قسماً بمن فطر السماء ألّا اُفرِطَ َ في الجميل - فأنا السلاحُ المُنفجِر في وجهِ حاقد أو عميل وأنا اللهيب ُ المشتعل لِكُلِ ساقط أو دخيل سأكونُ سيفاً قاطعاً فأنا شجاعٌ لا ذليل

عهدُ عليا يا وطن نذرٌ عليا ياجليل سأكون ناصح ُمؤتمن لِكُلِ من عشِقَ الرحيل

 

ليلى الدسوقي

 

في المثقف اليوم