قضايا

محمود محمد علي: الـ" ميتافيرس".. ثورة ما بعد "فيس بوك" (2)

محمود محمد عليبالرغم من أن الميتافيرس كما نفهمها حاليًا قد تتضمن إمكانية استعراض معلومات في الوقت الحقيقي في أي مكان. إلا أنها قد تصل في المستقبل لإمكانية نقلك لأي مكان. حيث أنه وكما ذُكر في المقدمة. يمكنك وأنت في منزلك أن تتواجد بشكل فعلي في أي مكان آخر، وأن يتفاعل معك الآخرين وكأنك فعلًا في هذا المكان.

وفي ظل موجة العمل من المنزل الحالية. والتي تحدث بسبب فيروس كوفيد-19. يمكن للموظفين أن يتواجدوا سويًا ويتواصلون مع بعضهم البعض. وهو أمر أشار له زكربيرج في اجتماع سابق.

واعتمادًا على نفس الفكرة، يمكن للأشخاص من جميع أنحاء العالم أن يجتمعون بشكل افتراضي لحضور حفل غنائي ما، تمامًا كما لو كانوا هناك.

وفيسبوك وشركات أخرى لا تعمل في هذا المكان بدافع الابتكار فقط. بل نجاح هذه الفكرة سيسمح للشركة بتحقيق مبيعات ضخمة، من خلال بيع الأجهزة والمستلزمات الضرورية لدخول الميتافيرس، وكذلك بيع السلع الافتراضية التي سيمكنك استخدامها وأنت داخل هذا العالم.

ولذلك أعلنت "فيسبوك"، الاثنين الماضي، عن تأسيس مجموعة منتجات جديدة خاصة داخل الشركة مكلّفة بمهمة بناء هذه الرؤية، وشكّل هذا الطموح المستقبلي الموضوع الأساسي في الاتصال الذي عقد لمناقشة أرباح الشركة في الربع الثاني من العام، يوم الأربعاء الماضي، حيث خصص "زوكربيرغ" الوقت من أجل عرض فكرته حول "ميتافيرس" أمام المحللين والمستثمرين.

وعلى الرغم من أن مؤسس "فيسبوك" تحدث عن هذه الرؤية في السابق، إلا أنه بدا مُتقد الحماسة والاندفاع هذه المرة، مشدداً بشكل واضح على إظهار "ميتافيرس" باعتبارها المستقبل البديهي لفصل جديد ومُقبل لعالم الإنترنت.

وذكر المديرون التنفيذيون في "فيسبوك" مصطلح " ميتافيرس" أكثر من عشر مرات في اتصال مناقشة الأرباح يوم الأربعاء، بينما لم يسبق أن تناولوا هذا المصطلح في أي اتصال لمناقشة الأرباح في الماضي.

وفقا لـ"زوكربيرغ": "تتمثل ميزة التواجد داخل ميتافيرس بالشعور أنك موجود فعلاً مع شخص آخر، أو في مكان آخر". وأضاف أن "إنشاء الأفاتار والأغراض الرقمية سيصبح أساسياً في الطريقة التي نعبّر فيها عن أنفسنا".

وشككت "وول ستريت" في إمكانية تحقيق هذه الرؤية. و تساءل مارك ماهاني، المحلل في "إيفيركور" عن المبالغ التي يخطط "زوكربيرغ" لينفقها على بناء الـ"ميتافيرس"، فيما تساءل آخرون حول متى يمكن أن تبدأ الشركة في تحقيق العوائد على استثماراتها ومدى سيطرتها المتوقعة على كافة جوانب هذا العالم الافتراضي المستقبلي، لكن لا تزال الأجوبة على هذه الأسئلة مبهمة.

وقال المسؤول المالي في "فيسبوك" ديف ويهنير، إن الشركة تنفق المليارات، مؤكداً أن عملاق وسائل التواصل الاجتماعي سوف يبدأ في تحقيق الأرباح في نهاية المطاف حين يحقق "ميتافيرس" النجاح.

لن تعني هذه الخطوة، في الوقت الحالي، الكثير على صعيد معالجة التحديات الحالية التي تواجهها "فيسبوك"، إذ حذرت الشركة من عوائق على صعيد الإعلانات والقيود المنظمة في تقريرها الفصلي حول، ما أدى إلى تراجع أسهمها إلى أدنى معدل له في التعاملات اليومية منذ مايو الماضي.

وفيما يتعلق بالتعاون وقابلية التشغيل البيني، يرى "زوكربيرغ" أنه سيكون بالإمكان الدخول إلى هذه "البيئة الافتراضية" باستخدام كافة أنواع الأجهزة والسماعات الرأسية، حتى تلك التي لا تنتجها "فيسبوك"، ما يعني أن كافة الشركات ستكون قادرة على خلق تجارب في هذا العالم الرقمي.

ويفترض ذلك التوجه أن كافة الشركات التي تعمل على تطوير العوالم الافتراضية تتشارك الرؤية نفسها، وستكون جاهزة للتعاون. فعلى سبيل المثال، كانت "مايكروسوفت" تحدثت هي الأخرى عن مشروع "إنتربرايز ميتافيرس" المتخصص في مجال حوسبة الشركات ضمن مؤتمرها الهاتفي مع المحللين يوم الثلاثاء الماضي. كما كانت شركات أخرى، بينها شركة صناعة الرقاقات "إنفيديا" وشركتا ألعاب الفيديو "روبلوكس" (Roblox Corp) و"إبيك غيمز" (Epic Games) كشفت جميعها عن خطط لبناء نسخ مختلفة عن "ميتافيرس".

وبالنسبة إلي "زوكربيرغ"، من المهم جداً أن تساهم "فيسبوك" في قيادة هذا النسخة الجديدة من الإنترنت، فالشركة العملاقة في مجال التواصل الاجتماعي سبق لها أن قامت ببناء نشاطٍ تجاري يكاد لا يقهر في مجال الإعلانات والرسائل النصية، إلا أنها قامت بذلك باستخدام أنظمة تشغيلية وأجهزة من صنع منافسيها، مثل "أبل"، و"غوغل" التابع لشركة "ألفابيت". وبسبب هذا النموذج، تجد "فيسبوك" نفسها أحياناً في موقع ضعف، إذ يتعين أن تطور منتجاتها بطريقة تتناسب مع قيود البرامج الإلكترونية التي يصنعها منافسوها، ما قد يتسبب بمشاكل، حين تقرر "أبل" مثلاً أن تضيق الخناق على التتبع عبر الإنترنت.

قد يشرح ذلك جزئياً سبب اندفاعة "فيسبوك" و"زوكربيرغ" الشرسة نحو استكشاف هذا الأفق الجديد. إذ يرى مؤسس "فيسبوك" أن جهات كثيرة سوف تربح من "ميتافيرس"، ولكن كلما زاد نفوذ الشركة في بناء هذا العالم الجديد على الإنترنت، سينعكس ذلك بشكل أفضل على رسالة "فيسبوك" الحالية ونموذج عملها القائم على التواصل بين الناس.

واختتم زوكربيرغ" حديثه قائلاً: "نحن نقوم بالتأكيد بالكثير من الاستثمارات المهمة اللازمة في التكنولوجيا الأساسية من أجل التمكن من صنع الأجزاء التي نريدها".

ويقول محللون إنه لو صحّت تطلعات رئيس شركة "فيسبوك"، مارك زوكربيرج، فسوف نحيا ونعمل فيما يطلق عليه منصة الـ "ميتافيرس"، والتي ربما ستصبح المنصة التقنية الأهم منذ ظهور شبكة الإنترنت والويب.

وربما سيكون البشر قادرين على التسوق ومقابلة الأصدقاء والعمل عن بُعد، ومشاركة مساحات رقمية وموسيقى وأعمال فنية في بيئات افتراضية، بطريقة تسمح بدمج العناصر الرقمية في العالم المادي.

وبرغم أن هذا الكلام شديد الجاذبية لكل المتعاملين مع الإنترنت، إلا أنه ليس أهم ما فى ميتافيرس، التى سوف يكون لها أثر ضخم فى مجالات شتى، حيث ستجعل المتعامل معها قادراً على فعل تقريباً أى شئ يمكن تخيله، مثل الالتقاء مع الأصدقاء والعائلة، والعمل والتعلم واللعب والتسوق والإبداع، إضافة إلى تجارب جديدة تماماً لا يمكن أن توفرها أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف المتاحة الآن، حيث سيصبح قادراً على الانتقال الفورى، فى صورة ثلاثية الأبعاد، ليكون فى المكتب دون أن ينتقل، أو فى حفلة موسيقية مع الأصدقاء..إلخ. وسوف يؤدى كل هذا إلى فتح مزيد من الفرص بغض النظر عن المكان الذى يعيش فيه الشخص، أى أنه سيكون قادراً على قضاء المزيد من الوقت فيما يهمه، والاستفادة بالوقت المستنفد فى الانتقال.

وتُعدّ الـ "ميتافيرس"، ثورة رابعة في مجال الإلكترونيات بعد الحاسوب والإنترنت والهواتف الذكية، يقول الكثير من الخبراء إن هذا المشروع هو المستقبل الرقمي الحقيقي، مستقبل مليء بالتحديات والفرص، وسيغيّر الكثير من المفاهيم على عدة مستويات:

1- الاقتصاد:

ستحتاج الشركات إلى تحويل استراتيجيات التسويق الخاصة بها من عمليات شراء الإعلانات عبر الإنترنت إلى الموجودة في اقتصاد افتراضي مشترك، كما ستحتاج إلى إجراء أبحاث السوق على عملائها الجدد في "الميتافيرس": كيف يتصرف الناس وما هي تفضيلاتهم هناك. يمكن أن تكون مختلفة تمامًا عن الطريقة التي يتصرفون بها وما الذي يتسوقون من أجله في الحياة الواقعية، أضف إلى ذلك خدمات الروبوت للمستهلك، حيث يكوّن المساعدون الافتراضيون والروبوتات علاقة مع المستهلك، ويبدأ كل شيء بأن يكون منطقيًّا.

2- التسوق:

التسوق عبر الإنترنت موجود في "الميتافيرس"، لكنه أكثر من مجرد تجربة رقمية للملابس التي يمكن للناس شراءها في الحياة الواقعية، حيث الموضة الافتراضية، "جلود" الأفاتار، والعقارات الافتراضية (الإسكان، السيارات.. إلخ) سيكون لها قيمتها الخاصة في هذا العالم، وسيتعيّن على الشركات تصميم علامات تجارية لأشخاص مختلفين في مراحل مختلفة من الثروة. قد يكون لدى الأشخاص الذين يستثمرون بكثافة في "الميتافيرس" أعمالهم وممتلكاتهم الخاصة، وبالتالي فرص شراكة مع شركات غير موجودة في الواقع المادي.

3- الجانب الاجتماعي:

مثل العالم الحقيقي، يجب أن يكون لدى منظمات الإدارة الجماعية وعي بالثقافة داخل ذلك العالم، يمكن أن يكون للملابس الرقمية أو بناء العالم أو التسويق تأثير حقيقي على العلامات التجارية. في ديسمبر/ كانون الأول 2019، تمَّ إصدار خيارات الملابس في لعبة GTA V التي بدت مشابهة لما كان يرتديه المتظاهرون في هونغ كونغ، حيث نزل لاعبون يرتدون زيَّ متظاهري هونغ كونغ إلى شوارع لوس سانتوس الخيالية، وقاموا مرتدين ملابس سوداء بقبّعات صفراء وأقنعة واقية من الغازات بأعمال شغب في اللعبة، ثم لاحظ ذلك اللاعبون الصينيون، ولبسوا شخصياتهم كشرطة، وقاوموا اللاعبين الذين كانوا يرتدون زي المتظاهرين.

في "الميتافيرس" لن يتجول الناس بشكل فردي، سيكون لديهم صداقات وعلاقات مع شخصيات غير قابلة للعب أو صور ثلاثية الأبعاد أو أشخاص آخرين، ما سيؤثِّر على قراراتهم. ستحتاج العلامات التجارية إلى الاستمرار في التكيُّف مع أنماط اللعب والتفاعل في العلاقات، لن يتمكن العملاء فقط من التحدث إلى العلامات التجارية مثل وسائل التواصل الاجتماعي، بل سيكونون قادرين على التفاعل معها في شكل ثلاثي الأبعاد.

إنه الطوفان.. وفي مواجهته، لن يكون أمامنا، سوى أن نبحث عن إجابة لسؤال مصيري: أنا وأنت وهو ماذا نحن فاعلون لإنقاذ أبنائنا وأحفادنا، رغم أننا لا نمتلك سفينة نوح، ولا نوح بيننا أصلاً..!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

......................

مراجع المقال

1- أحمد عبدالتواب: ثورة ما بعد «فيس بوك».. مقال منشور بالأهرام المصرية بتاريخ السبت 23 من ربيع الأول 1443 هــ 30 أكتوبر 2021 السنة 146 العدد 49271.

2- عمار الحديثي: "الميتافيرس" قادم.. هل تُفتح بوابة العالم الموازي قريبًا؟.. مقال منشور بالأهرام المصرية بتاريخ  نشر بتاريخ 02/10/2021.

3-أنظر قناة روسيا اليوم : هل تنجح فيسبوك في خلق عالم افتراضي كامل من خلال منصة الـ"ميتافيرس"؟.. مقال منشور بتاريخ 28.10.2021 | 16:55 GMT.

4- ثورة قادمة في عالم الإنترنت.."زوكربيرغ" يُغيّر وجه "فيسبوك" عبر تقنية "ميتافيرس".. مقال منشور بجريدة الشرق بتاريخ 03:32 مساءً 30 يوليو 2021 حدثت فى 11:58 صباحاً 29 أكتوبر 2021

 

 

في المثقف اليوم