قضايا

قاسم المحبشي: الفلسفة ذلك الشغف الجديد

قاسم المحبشيفي حوار مع الفيلسوف الفرنسي المعاصر «جان توسان ديزنتي بعنوان (الفلسفة.. ذلك الشغف الجديد) ورد إن الشغف الجديد هنا؛ يعني الفلسفة محددة‪ وقد استعادة عافيتها وعادت للتألق.. إن الفلسفة تعيش اليوم حالة انفجار لانها تفتقد‪ إلى مرتكز ثابت وإلى منطقة قابلة للكشف ومع ذلك لاتزال هي الطريق الصحيح للتفكير العقلاني في العالم اذا اردنا‪ ان نتجاوز التزمت الغريزي والتعصب الانفعالي، المدمر للعقل ‪ والوجود‪.فلا تنوير بلا فلسفة ولا تعايش وتسامح بدون حوار فكري فلسفي عميق، فهل ادركنا‪ اهمية الفلسفة؟

والفلسفة حوار مفتوح، حوار بين الأفكار والآراء حوار بين الذات‪ والآخرين، حوار بين الشعوب والثقافات، حوار خصب غايته البحث عن الحقيقة والمعنى في‪ عالم يكتنفه الغموض والفوضى واللامعنى أنها حكمة الشعوب التي تروي ملحمة المغامرة‪ الانسانية وصيروتها على هذه الأرض.

ويكفي الفلسفة فخراً وسمواً أن معناها الحرفي هو«محبة الحكمة» «فيلو‪» حب «وسوفيا» الحكمة وهي إذ جمعت في بنيتها العميقة بين الحب  والحكمة فإنها حميمية‪ الصلة بالانسان أنها وليدة اقتران القلب والعقل ثمرة الزواج المقدس بين أقوى وأنبل‪ عاطفة انسانية «الحب» وأسمى وأجل مزية تميز بها الانسان عن الحيوان العقل «الحكمة‪» وفعل «أحب» اليوناني يعني وافق وانسجم أو تكلم بلغة العقل إلى الحكمة فمن ذا الذي‪ يكره الحكمة قال تعالى«وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» البقرة الاية«216» وقال‪ عزوجل «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً» البقرة‪ الآية«269‪».

على أي حال فمهما كانت مواقفنا من الفلسفة فهذا لاينقص من أهميتها وضرورة‪ استيعابها أن اردنا أن نفهم مايدور في عصرنا‪.إن علاقة الفلسفة بالانسان هي علاقة حميمية لازبة، إذ هي موقف الانسان‪ الكلي ازاء الكون والحياة والتاريخ وهي نظرة عامة إلى العالم، هي تجاوز الانسان‪ الدائم لذاته وأني لأرى أن الحقل الفلسفي هو الانسان بما هو علاقة متعددة الابعاد‪ والعناصر وإن كل مشكلة لايمكن تصورها إلى نسبة إلى الانسان وكل مايتصل بالعالم‪ فلسفياً هو العالم الذي فيه الانسان أنها معرفة الانسان بذاته ولذاته.. هي تساؤل‪ الانسان الدائم عن الحقيقة المتخفية وراء مظاهر الاشياء هي سؤال عن المعنى معنى‪ الوجود معنى الحياة، الزمان والمصير، والخير والشر، والعدل، والحق هي تحليل نقدي‪ للحياة بما هي وجود ومعرفة وسلوك ماذا أكون؟ ماذا أعرف؟ ماذا‪ أفعل؟‪.الفلسفة تساؤل مستمر وتاريخها هو تاريخ السؤال الفلسفي لكن سؤال الفلسفة‪ ليس سؤالاً محايداً ذلك لأن واضع السؤال أي الانسان متضمن وعالق فيه، وهذا هو سر‪ الدهشة والقلق الملتهب الذي عده أفلاطون أهل كل تفلسف، ولأن الفلسفة تساؤل والتساؤل‪ يقوي الفكر حسب «هيدجر» فمن السذاجة التبشير بأفول نجم الفلسفة، فمادام بقي الانسان‪ حياً يرزق وقادراً على مباشرة التأمل والتفكير والتساؤل والاندهاش فالفلسفة في‪ ازدهار دائم ذلك لأنها صبوة الانسان وشغفه المتعطش باستمرار‪ للمعرفة‪.بيد أن سؤال الفلسفة ليس سؤالاً أبديا مغلقاً طرح مرة واحدة وإلى الأبد بل‪ هو سؤال مفتوح متغير متجدد متجاوز لذاته باستمرار، ناف لصيغه ومشكلاته القديمة بصيغ‪ ومشكلات جديدة بقدر مايقرر التطور التاريخي من مشكلات ومهمات جديدة وتحديات مستفزة‪ للعقل والروح‪.

وإذا ما أردنا أن نعرف الفلسفة تعريفاً عاماً لقلنا إن الفلسفة هي محاولة‪ منهجية نقدية للتوصل إلى فهم أعمق وشامل بقدر الامكان للعالم والإنسان والأشياء‪ ، إذا لايكتف هذا الفهم بالاجوبة السريعة والجاهزة، وإنما يستعين بالنقد والتحليل‪ للوصول إلى مفاهيم عامة وأفكار شاملة وغاية الفلسفة الفهم بالدرجة الأولى، الفهم‪ والتعقل ويتصف هذا الفهم بالشمولية والعمق وموضوع الفلسفة هو الحقيقة، ليس بمعناها‪ الغامض واللامحدود، وإنما بمعنى كل مايتعلق بما يوجد ويدور حولنا من موضوعات واحداث‪ وعلاقات ويتميز البحث الفلسفي الجيد بالشمولية والتعميم والاتساق المنطقي‪ والواقعية‪. والفلسفة في الأساس هي نشاط أكثر منها معرفة، إنها طريقة في ممارسة‪ التفكير تتميز عن انماط التفكير الأخرى العلمية وغير العلمية بقدرتها على الاتصال‪ والانفصال، وموقفها النقدي من كل ماتفكر فيه، أنها نقد شامل وجذري للواقع والذات‪ والدواء والتصورات والأفكار والأوهام إنها الفكر الذي يفكر، بمعنى أنها كما يذهب‪ جيل دلوز.. ليست تفكيراً فحسب بل هي الفكر الذي يبدع المفاهيم وهي تفكير بواسطة‪ المفاهيم‪.

وبين الفلسفة والأدب علاقة عضوية منذ أسطورة جلجامش التي تُعَدُّ أوَّل نصٍّ أدبيٍّ فلسفيٍّ مُدوَّن في تاريخ الحضارة الإنسانية، إذ تجدر الإشارة إلى أن الأدب والكتابة ليسا مجرد قصة أو قصيدة أو رواية أو مقالة فكرية أو نقدية نقرؤها للمتعة والتسلية ثم نتركها وننساها، بل هي روح الثقافة وسداها، والأدباء والكُتَّاب هُم ألق المدنية وذاكرتها، والثقافة بوصفها ذلك الكل المُركَّب الذي يُشكِّلُ تفكيرنا وخيالنا وسلوكنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا تُعَدُّ الرهان الاستراتيجي لكل تنمية اجتماعية ممكنة، فضلًا عن كونها مصدرًا حيويًّا للإبداع والابتكار وتهذيب وتخصيب القيم الأخلاقية والجمالية الإنسانية وتنمية الذوق العام، وهي مصدر للطاقة والإلهام والتنوع والاختلاف والتسامح ورحابة الأفق والأنوار والتنوير والشعور بالهوية والانتماء وغير ذلك من وظائف الثقافة الحيوية. والأدب بكل اشكاله هو أقدم من الفلسفة، ويُعَدُّ أول نصٍّ مُدَوَّنٍ في تاريخ الكتابة ملحمة جلجامش التي جمعت بين الشعر والأسطورة. ويمكن القول إنَّ الأدب كان له الفضل الأول في تمهيد السبيل للفلسفة عبر الشعر والحكاية والأسطورة. ومن الإلياذية والأوديسَّة اليونانيتين وُلِدَت الأفكار الفلسفية في أثينا القديمة. وفي الشعر العربي من طرفة بن العبد إلى أبي العلا المعرِّي والمتنبي حتى محمود درويش تحضر الفلسفة بكل زخمها الميتافيزيقي؛ فلسفة الحياة والموت والوجود والعدم والحرية والاغتراب والعبث واللامعقول .إلخ من السمات البارزة التي اتسمت بها الفلسفة المعاصرة لاسيَّما الوجودية منها ما عرف بعلاقتها الحميمية بالأدب على خلاف النظم الفلسفية التقنية التقليدية والحديثة، إذ وجدت الوجودية في الأدب بكل فنونه المسرحية، القصة، الرواية، المقال الصحفي، الرسم، وكل وسائل التعبير الممكنة أشكالًا هامة لتوصيل الفكر الفلسفي. أدرك كامو وميروبنتي وسارتر وقبلهم هيدجر ومارسيل، أدركوا ما ينطوي عليه العقل الأدبي من إمكانيات خصبة وغنية من شأنها أن تعينهم في التعبير عن قلقهم الفلسفي الوجودي. ويعود بعض السِرِّ في انتشار وشيوع الوجودية في الوسط الثقافي الأوروبي والأمريكي والعالم أجمع الى ما زخرت به الأعمال الأدبية لسارتر وكامو كالغثيان، والذبابة، ودروب الحرية، والغريب، والطاعون.. من دلالات ميتافيزيقية ومزاج وجودي مشوب. بَيْدَ أنَّ العلاقة بين الوجودية والأدب ليست ذات بُعْدٍ واحد، بل إنَّ الوشائج التي تربطهما أفضت إلى تأثير متبادل بينهما. فإذا كانت الوجودية قد مارست تاثيرًا على الأدب والفن والثقافة المعاصرة، فإنَّ الأدب بدوره أثَّر تاثيرًا كبيرًا على إنضاج وتفتُّق واندياح المزاج والقلق الفلسفي الوجودي في أوروبا منذ القرن التاسع عشر تقريبًا. حيث يمكن القول: إنَّ القلق المحموم بشأن الذات المغتربة بدأ أوَّل ما بدأ في رحاب الأدب الحديث، وذلك مع زيادة وعي الإنسان وإحساسه المتوتر بالذات الفردية محاولًا فهمها. بَيْدَ أنَّ قلق الإنسان الحار لفهم ذاته ليس بالظاهرة الشاملة حتى يومنا هذا، ظاهرة تاريخية حديثة ظهرت في أوروبا بسبب النزعة الفردية، وازدياد مفهوم الإنسان لدى الإنسان، وزيادة وعي الانسان بالحرية وظمأ مقابل للحرية الواقيعة المفقودة. ويرى كامو" أن المسألة مسألة شعور بالذات متزايد الاتساع نشأ لدى الإنسان خلال مغامراته لتأكيد وجوده" وسوف نلاحظ أن الكثير من المشكلات التي اهتم بها كامو وأقرانه – كالذات والاغتراب، والحرية، والموت، والتمرُّد، والقلق . إلخ كانت مثار اهتمام أساطين الأدب الحديث أمثال "شكسبير، غوته، دوستويفسكي، هولدرين.. منذ ردْح طويل من الزمن، ولعل هذا ما حدا بهيدجر أن يكتب كتابًا خاصًّا عن الشاعر الألماني "هولدرين والشعر" مميطًا اللثام عن ما تنطوي عليه أشعاره من روح فلسفية ميتافيزيقية. فإذا كانت صرخة شكسبير على لسان بطل مسرحيته "هاملت" (نكون أو لا نكون) تنصح بتحدِّي العدمية والهجران في عالم غربت عنه الأصنام والآلهة. وهكذا بدأت الفلسفة آدبًا أسطوريًّا ثم أمّ للعلوم وفي الأخير عادت إلى الأدب لتجعل منه حصان طروادة لتسرُّب الأفكار الفلسفية. وإذا كانت الفلسفة ربيبة الدهشة بحسب أفلاطون فما هي الدهشة ؟ هي حالة شعورية تنتاب الكائن الإنساني في لحظة مباغته من تأمُّل العالم على نحو قصدي أشبه بقدح زناد الوعي المتسائل الحائر بإزاء ظواهر الوجود والحياة والموت.

  الدهشة حالة اغتراب الوعي الشقي، وكما كتب الفيلسوف العربي أحمد نسيم برقاوي " يعيش المثقف عادة حال الاغتراب الذي لا يفارقه طوال حياته الإبداعية. بل قُلْ إنَّ الاغتراب هو أسُّ التجربة الكتابية لمثقف أوتي أيَّ حظ من موهبة الإبداع. وآية ذلك أنَّ المثقف هو دائمًا ابن الممكن المتجاوز للواقع، ولهذا فهو يعيش تجربة المايجب أن يكون على نحو مستمر، يعيش تجربة التناقض بين أحلامه وآماله وواقعه، ويُعبِّر عن هذا التناقض في الفن والأدب والفلسفة، بوصفه مُتمرِّدًا، والتمرُّد هُنا هو التعيُّن الحقيقي لاغتراب المثقف".

  نَعَم، الدهشة لا تأتي إلَّا في لحظة اغتراب الكائن، إذ تجعله يرى العالم عن بُعْد بعكس القرب المُدْمَج، فأكثر الأشياء قُرْبًا مِنَّا هي أكثرها بُعْدًا عن فهمنا! فالغارق بالبحر لا يراه والغاطس في الغابة لا يراها، وكلما ابتعدنا مسافة عن الأشياء التي تغرقنا كلما استطعنا رؤيتها بوضوح أكثر وتمكنَّا من تقيمها وتقديرها كما هي عليه بالواقع لا كما نُحبُّها أن تكون! لذا قيل إنَّ الحُبَّ أعمى! لأنَّ المُحبِّين يقتربون من بعضهم حَدَّ الالتصاق والتوحُّد بما يجعلهم عميانًا عن رؤية بعضهم واكتشاف المميزات والعيوب.البعد يكشف والقرب يعمي. إنَّنا نحتاج إلى الفلسفة لكي نستطيع رؤية الاشياء التي نعيشها كل لحظة في حياتنا بحسب (روسو).

  والدهشة ليست مُجَرَّد تعجُّب، بل هي أشبه بالكشف والانكشاف، وهي بحسب (جان جرش) في كتابه "الدهشة الفلسفية" لحظة مفارقة في حياة الكائن يتفتح عقله لاستقبال إشارات الحقيقة سواء كانت تلك الحقيقة مرتبطة بالماديات أو بالإلهيات، فالإنسان العارف هو الذي يكون مندهشًا من أبسط وأقل الأشياء الموجودة في العالم، لأنه يرى الأشياء بمنظار الاندهاش، وهذا الاندهاش هو الذي يلهمنا لعبة التساؤل وسط غموض المعنى وصخب الحياة وتمظهراتها الحسية الانفعالية. وهكذا تعاود الفلسفة الحضور في كل عصر من العصور.

إن الفلسفة بموصفها حارسة العقل وصمام أمانه مدعوة إلى ان تسعيد وتعيد إلى‪ الانسان فضائلها الأولى وسوف تجعل من اهدافها تلك التي كان البادئون الكبار‪ الفلاسفة الرواد بعبارة هوسرل، قد وضعوها دائماً نصب‪ اعينهم‪.

‪- الجهل المكابر: الجهل الذي يجهل جهله ويدعي معرفة التمرس على ممارسة الاستئناس اي الدخول الدائم إلى بداية كل بداية. التواضع الفكري والشك المعرفي قيمة معرفية لايعلى عليها

فماذا نعني بالعقل؟ إنه "قدرة الفكر البشري على ملاحظة ومعرفة الأحداث بشرية كانت أو طبيعية في ماضيها أو حاضرها والقدرة، بعد ذلك، على التنبؤ بـها". إذا كان يلاحظ ليعرف ويعرف لكي يكون قادرا على التنبؤ، فمعنى هذا أنه ينطلق، منذ البدء، من الجهل. ولأن العقل يبحث عن الحقيقة انطلاقا من إقرار مسبق بالجهل كقاعدة عامة فإنه لا يتبنى ولا يزكي الأجوبة المعطاة، الجاهزة وهو ما يعني أن طريق العقل، على الأقل ضمن صيرورته الغربية، كانت طريقا لا دينية ذلك لأن اللاهوت يقفل ملف الحقيقة هذا بتنبيه لـ "حقائق منـزلة". إلا أننا سوف نرى أن ما كان عناصر مميزة للعقل سوف تنتهي له، بدوره، إلى نوع من اللاهوت.فاعتماده، في العصر الإغريقي، على مقولات المبادئ والعلل والماهية، سوف يجعله يعتقد، واهما، أنه بصدد إرساء أسس علم للفهم الخالص سوف يعمد، بعد ذلك بمصطلح النظرية. إن المقولات التي اعتمدها العقل، في بداياته، هي ذات طبيعة جوانية، بمعنى أنـها تتموقع، على الطرف الآخر، لما هو اختباري، باعتبارها "معرفة أسمى" الـهية الطابع واعتبار ما هو "اختباري" معرفة أقل سموا أي بشرية أساسا. نحن، إذن، في كل الفلسفة الإغريقية، بصدد لاهوت متخف.إذا كان العقل قد سيّج نفسه داخل مقولات جوانية حولته إخراجا مختلفا فقط للاهوت متأصل في الممارسة العقلية للإنسان، فهلاّ وجدناه مطلق السّراح في موضع آخر، ولم لا يكون هذا الموضع هو التفكير؟ لكن ماذا نعني به؟ إنه "قدرة الفكر على المزاوجة بين ملاحظة سلوكاته الذاتية" وسلوكات" الموضوعات الخارجية" السلوكات الذاتية للعقل هي عاداته وأعرافه أي، بكلمة، آليات اشتغاله. لكن لمعرفة هذه السلوكات لا بد من الإحاطة علما بصيرورة تطورها، وهو ما دفع إلى نشوء الجينيالوجيا (علم نسابة الفكر البشري). الوصول إلى هذه المرحلة من تملي العقل لنفسه مشروط بشرطين:

- أحدهما ديكارتي: القدرة على إصدار " أحكام جازمة" بعد تطهر العقل من كل معايير التحقق من الحقيقي السابقة، في وجودها، على ممارسة الذات للكوجيطو.

- ثانيهما كانطي: تطهر العقل من كل الأحكام اللانقدية حتى يكون أهلا لولوج "مصدر العقل" نفسه.وإذا كان هذا هكذا، فليس بوسع الفكر الديني، مثلا، الذي هو "أسير مقولاته اللاهوتية" أن ينتج عقلا يتوفر فيه هذان الشرطان، بل ولن يكون بوسع الفلسفة التي لم تتخلص بعد من " إيمانها العقلاني" أن تقوم بذات الشيء. غالبا وعندما يتساءل العقل عن مصدره، فإنه يتمثل جوابين: جواب فطري: العقل من الفطرة أو هو الفطرة ذاتـها"

لقد كانت الفلسفة لدى اليونان (ومازالت) هي الباثوث pathos، أي الاحساس الانفعالي المفرط الذي يحرك الانسان اندهاشاً نحو التساؤل الحر وكشف المعاني العميقة للحياة. والطفل من تلك الناحية لا يستنكف اندهاشاً متكرراً يأتيه كالبرق طوال الوقت ولو حدث مئات المرات تلو المرات. فليس يوجد كلل ولا ملل لدى الطفل من مشاهدة العالم كما لو لم يره من قبل. الدهشة الفلسفية الطفولية تعد حدثاً، موقفاً حياً، انتاجاً طازجاً حول الأفعال وردود الأفعال. وليست الدهشة فكرة صورية وجدت موضوعها اتفاقاً في هذا العالم التلقائي. لأن كل دهشة من هذا القبيل تلتقط دلالتها من رحم المعضلات التي تواجه الفكر. وبهذا تتميز تلك الدهشة بالأصالة الإنسانية. لكن: كيف سيجري ذلك الوضع، وما هي تداعياته لدى الأطفال؟

 

 

ا. د. قاسم المحبشي

 

 

في المثقف اليوم