قضايا

محمود محمد علي: الحروب السيبرانية وتطور الإرهاب الإلكتروني (2)

محمود محمد عليتعد الحرب السيبرانية غامضة الأهداف مجهولة المصدر تتحرك عبر شبكات المعلومات والاتصالات عالميا وتستخدم أسلحة إلكترونية تستهدف تقنية المعلومات، حيث يتم توجيهها ضد المنشآت الحيوية، أو دسها عن طريق عملاء أجهزة الاستخبارات والطرف الذي يتمتع بقوة هجومية ويبادر بعنصر المباغتة سيكون له الغلبة بغض النظر عن حجم قدراته العسكرية التقليدية، الأمر الذي يناقض نظريات الردع الإستراتيجي وتختلف عن الحرب التقليدية التي تستخدم فيها الجيوش النظامية ويسبقها إعلان لحالة الحرب.

ومن خصائص هذه الحرب، هو عدم القدرة على التمييز بين استهداف المنشآت المدنية أو العسكرية في هجمات الحرب السيبرانية وشبه مستحيل فرض حماية دولية. وأيضاً عدم توحيد مسماها بين الدول ويعتمد ذلك على استخدامها السياسي وتوظيفه دعائيا فقد يطلق عليها مصطلح الحرب أو الإرهاب أو الإرهاب الإلكتروني أو فايروس.

وهناك عوامل عدة ساهمت في تنامي الحرب السيبرانية، أولها الحرب السيبرانية هي استخدام الهجمات الرقمية لمهاجمة أصول دولة وكيان ما، ما يتسبب له في ضرر مادي مماثل لما يحصل في الحرب الفعلية، أو تعطيل أنظمة الكمبيوتر الحيوية. وثانيها : هناك العديد من الدول التي تهتم وتسعى لبناء قدراتها في هذا المجال، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وكيان الاحتلال الإسرائيلي. وثالثها : كما أن هنالك العديد من حركات وفصائل المقاومة التي بات لديها قدرات إلكترونية نشطة من أجل تنفيذ العمليات الهجومية والدفاعية. وتدعي إسرائيل أنها نفذت أول عمل عسكري ضد مركز سيبراني تابع للمقاومة الفلسطينية، في أيار من العام 2019، حيث أغارت عليه ودمرته. ورابعها : يمكن أن تشكل الحرب السيبرانية طرف دعم في الحرب التقليدية. على سبيل المثال، من خلال الهجوم على منشآت الرادار ومنظومات الدفاع الجوي وتعطيلها، ما يسمح لأذرع السلاح الجوي من تنفيذ عمليات قصف من دون التعرض لأي تصدي.وخامسها كما تساعد هذه الحرب في تنفيذ تكتيكات الحروب الناعمة والدعاية والبروبغندا، وضرب الروح المعنوية للأطراف المقابلة. وسادسها: تتعد طرق وتكتيكات الهجوم السيبراني وأبرزها: التجسس، التخريب (عبر الفيروسات) الذي بدوره ينقسم لعدة أنواع (هجوم رفض الخدمة DoS التي تستهدف المواقع الالكترونية للبنوك وشركات التأمين...، قطع الكهرباء عن المدن والمنشآت)، هجمات الفدية (احتجاز مواقع الشركات من أجل الحصول على مقابل مادي)، الهجوم الإلكتروني المفاجئ والشامل لزرع الفوضى في دولة ما.

وتعود بداية الحروب السيبرانية إلى حقبة الحرب الباردة، وعلى الرغم من أنها كانت تدور في نطاق محدود نوعاً ما، فإن أول موقعة سيبرانية دارت رحاها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي عام 1982 وكانت لها آثار بارزة تمثلت في تخريب خط الأنابيب السوفييتي العابر لسيبيريا، حيث كانت هناك عملية ضخمة لجهاز المخابرات السوفييتي  KGB، تسمى Line X، صُممت لتساعد الاتحاد السوفييتي، والذي كان متأخراً إلى حد كبير في مجال تصميم التكنولوجيا والإلكترونيات الدقيقة، على تخطي هذه الفجوة عن طريق سرقة تكنولوجيا المعلومات لكل الأنشطة من الغرب.

وعليه، قامت المخابرات السوفييتية بتدريب جيش من العلماء على التسلل إلى الشركات والوكالات لسرقة المخططات والرسوم للمشروعات والإنشاءات والمعلومات السرية للأبحاث، وتسربت معلومات إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية  CIA، والتي بدلاً من أن تشن حملات ومداهمات ضد هؤلاء العلماء العملاء، قررت القيام بما هو أبعد من ذلك، ونصبت فخاخاً لتنفيذ عملية تجسس مضادة، أي أنها بدلاً من إلقاء القبض عليهم تركتهم يواصلون العمل، ولكن مع إمدادهم بمعلومات مغلوطة، وسمحت لهم بالولوج إلى مخططات لمنشآت يمكنهم بناءها، من بينها مخططات لبناء خطوط أنابيب للنفط والغاز الطبيعي ، وحصل الجواسيس السوفييت على وثائق تتضمن مخططات الإنشاء، ولكنها كانت تتضمن خطأ بسيطاً في الشفرة لم تمكن ملاحظته. واستخدم السوفييت المخططات بالفعل لبناء العمود الفقري لخطوط نقل الغاز الطبيعي والنفط القادمة من سيبيريا، ولكن بعد فترة قصيرة تسبب الخطأ المتعمد في الشفرة في حدوث انفجار لخط الأنابيب، وكان انفجاراً يعادل ثلث حجم انفجار القنبلة النووية في هيروشيما.

وعلى الرغم من عدم وجود مفهوم مقبول بشكل عام للحرب السيبرانية، فإن المحللين العسكريين الصينيين يستشهدون كثيراً بدراسة، أجرتها مؤسسة راند، تشرح أن الحرب الإلكترونية هي حرب استراتيجية في عصر المعلومات، تماماً كما كانت الحرب النووية في القرن العشرين. يعمل هذا التعريف كأساس للقول إن الحرب السيبرانية لها أهمية أكبر بكثير للأمن القومي وتتضمن المنافسة في مجالات خارج نطاق الجيش، مثل الاقتصاد والدبلوماسية والتنمية الاجتماعية.

ارتبط الفضاء الرقمي أو السيبراني بالأمن القومي للدول، والحرب السيبرانية اليوم تشكل تهديداً حقيقياً، يتم الاستعداد لها كأي خطر يمكن أنْ تتعرض له الدولة، وهي التي تتم عن طريق الدخول إلى شبكة الانترنت واختراق المواقع، من خلال الثغرات الموجودة في الشبكة أو عن طريق برامج خاصة، إما بهدف التجسس أو تعطيل وتدمير بعض المنشآت الحيويَّة في الدولة المستهدفة كالهجوم على المواقع العسكرية، وشبكات الاتصالات والمياه والكهرباء وغيرها من مؤسسات مربوطة بالشبكة العنكبوتية.

وكان للتكنولوجيا إذاً جانبها السلبي فقد قيل: “إنّ اللص المعاصر بإمكانه أنْ يسرق باستخدام الحاسوب أكثر مما يسرقه بالبندقية، وربما يكون إرهابيو الغد قادرين على إلحاق ضرر باستخدام لوحة المفاتيح أكثر من الضرر الذي يمكن أنْ تحدثه قنبلة”، على اعتبار أنّ المنظمات الإرهابية بات الكثير منها متمكناً من هذا المجال، وهو ما بات يؤرق مضجع كبار الدول راهناً.

ومن أكثر الهجمات السيبرانية انتشارًا هى "Distributed Denial of Service" أى هجمات حجب المعلومات، وتتم عن طريق رفع معلومات غير مهمة كثيرة على الموقع بحيث لا يستطيع المستخدم الوصول للمعلومات المهمة، كما تسبب بطء الخدمات لهذه المواقع.

أما التصيد الاحتيالى "Phishing Attacks"، يستهدف الحصول على معلومات خاصة ومهمة مثل أسماء المستخدمين وكلمات المرور ومعلومات بطاقة الائتمان، حتى يستغل تلك المعلومات ضد أصحابها ويقوم بتهديدهم بها، ويتم ذلك عن طريق تطبيقات معينة وموثوقة من خلال إرسال الروابط على سبيل المثال، وهو نوع منتشر ومعروف.

وهناك نوع يسمى Man In The Middle، ويعنى عملية يقوم بها المهاجم لاعتراض محادثة بين طرفين، يتحكم بها المهاجم، من خلال التعديل على الرسائل كما يشاء ويغير محتواها، والهجمات الإلكترونية عن طريق العملات المشفرة، لهذا هناك الكثير من الدول التى تمنع تتداول العملات الرقمية بداخلها خوفًا من سيطرة المخترقين.

إنَّ تعرض أية دولة لهجوم إلكتروني وإن لم يؤد إلى القتل المباشر، إلا أنه حتماً سيعرّض المدنيين لأخطار مختلفة كحرمانهم من الاحتياجات والخدمات، وربما تؤدي إلى الموت إذا استهدف الهجوم مثلا قطاع الصحة والمستشفيات أو المفاعلات النووية التي ينجم عن أي تعطيل فيها كوارث هائلة.

وتشكل الحروب السيبرانية إحدى أدوات الجيل الخامس من الحروب، قد تبدو للوهلة الأولى ولمن لا يدرك ماهيتها حرباً ناعمة، لكنها لا تقلُّ خطورة بعد (أنْ وسم الفضاء السيبراني بأنه “ميدان” حرب كالجو والبر والبحر)، لا سيما أنّ الدولة المستهدفة قد لا تعلم باستهدافها ولا من قام بالهجوم وأسبابه إلا بعد مرور زمن طويل، وهي أقلُّ تكلفة مادية وبشرية للدولة المهاجمة.

بدأت الهجمات الالكترونية من قبل أفراد هواة من دون هدف محدد في أغلب الأحيان، لكنَّ الأمر تتطور مع ممارستها من قبل الدول الكبرى وتبادل الاتهامات بشأنها، لا سيما بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران، مع ظهور بعض المواقع الخاصة المتخصصة بهذا المجال مثل “ويكيليكس” الذي أقلق مؤسسه “جوليان أسانج” راحة عديد من الدول والشخصيات ومن أبرزها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

قد لا تكون الحرب الرقمية بديلاً عن التقليدية أقله حتى وقت قريب، إلا إنها ستكون أداة أساسيَّة وتمهيدية لهجوم تقليدي قد يحسم الحرب بسرعة أكبر من المعتاد، لذلك فإنَّ تحقيق الأمن السيبراني للدول صار أمراً ضرورياً ولم يعد ممكناً اليوم لا الابتعاد عن التكنولوجيا ولا ترك ثغرات للولوج منها.

 

د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

...............................

المراجع

5- عادل عبدالصادق، القوة الإلكترونية: أسلحة الانتشار الشامل في عصر الفضاء الإلكتروني، مجلة السياسة الدولية، العدد 188، أبريل 2012.

6- أيمن السيسي: هدفها تفكيك الدولة وتقسيم المنطقة حروب المعلومات.. من يـــواجهها؟!.. الأهرام .. الأثنين 26 من رمضان 1436 هــ 13 يوليو 2015 السنة 139 العدد 46970.

7- الحروب السيبرانية.. نتائج ملموسة لمعارك غير مرئية..الجندي.. الاثنين 31 يناير 2022.

8- الحرب السيبرانية: أخطر الحروب في المستقبل.. الخنادق.. الخميس 28 تشرين أول , 2021.

9- م.عبدالله محمد العصيمي: «السيبرانية».. وأشكال الحروب في المستقبل (1-2).. الجزيرة .. الاربعاء 20 ديسمبر 2017.

 

في المثقف اليوم