قضايا

علجية عيش: تناقضات فكرية حول الإيديولوجية الدينية (الإسلامية) والإيديولوجية العروبية

علجية عيش(نقد العقل الإسلامي أم تحديثه؟.. محمد أركون بين مؤيديه ومعارضيه)

كثير من المفكرين التنويريين تناولوا قضايا الفكر الإسلامي من مختلف زواياه وبخاصة مسألة الإيديولوجية العروبية والإيديولوجية الإسلامية وقضية "العلمنة" والتوحيد وجمع القرآن وكتابته وهناك من ناقشوا اقكارهم، من هؤلاء المفكر التنويري محمد شحرور من سوريا وهشام جعيط من تونس ومحمد عابد الجابري من المغرب والجزائري محمد أركون الذي هو موضوع هذه الورقة، فقراءة فكر هؤلاء وجب الوقوف عليه وقفة تأمل وتدبر وتعقل، ولطالما دعا الشيخ الشعراوي رحمه الله إلى العمل بهذه العناصر الثلاثة حتى تكون القراءة قراءة عقلانية

يقول بعض المحللين أن الذين ينتقدون محمد أركون لم يفهموا خطابه ولم يستوعبوا فكره، إذ كيف لأكاديمي يُدَرِّسُ الإسلام في الجامعات يطعن في الإسلام جهرة أمام الرأي العام وهو ابن بيئة عربية إسلامية بغض النظر عن المنطقة التي ولد وترعرع فيها لأنها، هناك اقلام جزائرية تناولت الظاهرة الأركونية ومنهم الاستاذ عبد العزيز كحيل الذي طرح سؤالا مفاده إن كان محمد لأركون مسلما وإن كان مؤمنا بأيّ دين وهو يحمل اسم النبيّ (ص) وهو بذلك يشكك في عقيدة هذا المفكر حتى أنه يقول أن المنطقة التي ولد فيها محمد أركون حاربت الإسلام واللغة العربية بضراوة وعملت على إحياء اللهجة المحلية لتكون وحدها اللغة الأصلية في الجزائر وتجاهل الدور الذي لعبه علماء وشيوخ الزوايا في تلك المنطقة في رفع راية الإسلام وللدفاع عن اللغة العربية التي هي لغة القرآن وكذلك مجاهديها الذين وقفوا في وجه الإستعمار الفرنسي دفاعا عن هوية الجزائريين.

ولو أن النقاش في هذا الموضوع ليس مجاله هنا، فليس لأقلية (حتى لو قلنا أنها خرجت عن الخط) فهذا لا يحسب على غالبية سكان تلك المنطقة، فكيف لباحث معتدل يتكلم بلغة علمية وجب أن يكون حياديا يقول: " ليس مستبعد أن يكون محمد أركون ممّن رباهم الرهبان وكوّنوهم بضرب الإسلام علميا وهو صاحب كرسي الدراسات الإسلامية وقد اعترف هو شخصيا (أي ع.ع كحيل) أنه كان يخاطب الفرنسيين لا العرب والمسلمين، وهذا شيئ منطقي، لأن محمد أركون وغيره ممن عاشوا في بلد غير بلدهم يخاطبون الآخر باللغة التي يتكلمون بها ويفهمونها وبطريقة علمية، أمّا عن كلام صديقه رشيد بن زيد بأن محمد أركون يرفض الإجابة على من يسأله "هل أنت مؤمن؟" (حسبما جاء على لسان ع.ع كحيل)، فهذا من حق أيّ كان، طالما الأمور هنا تدخل في إطار العلاقة بين العبد وربّه.

والمسلم أو المؤمن ليس مجبورا على أن يشهربنفسه في الصحف ليقول للعامّة أنه يصلي ويصوم ويزكي ويؤدي كل الفرائض لكي يؤكد لهم بأنه مؤمن، كما أن طرح هكذا سؤال يعتبر تقييدا للحريات الفردية، فان يطرح شخص ما سؤال كهذا فهذا يعني انه يشك في إيمانه خاصة إذا كان مسلما، فظاهرة التكفير في الجزائرمثلا تسببت في وقوع حرب أهلية، فما بالك بمن عاش في مجتمع لا ينتمي إليه لغة وثقافة وعقيدة وعاداته وتقاليده مختلفة، فمن التناقضات إذن أن نجد الأستاذ عبد العزيز كحيل يشكك في إيمان محمد أركون وهو الذي اعترف بنفسه بأنه مسلم وامرأته أيضا مسلمة كما جاء في كتابه "قامات من دوائر متناقضة"، وإن كان محمد أركون أطلق على ابنته اسم "سيلفي" فهذه لا تعتبر إشكالية إذا ما قورنت بظاهرة الزواج المختلط التي يتحفظ بعض الباحثين الخوض فيها وكشف ملابساتها.

مقارنة

بالمقارنة مع من انتقدوا فكر محمد أركون، هناك من اعتبره من بين أعلام الفكر العربي (وليس الفكر العلماني) وضموا اسمه رفقة مفكرين عرب كحسن حنفي وطيب تيزيني وزكي نجيب محمود وحسن الترابي ومالك بن نبي كما جاء في كتاب الدكتور السيد ولد اباه، فمحمد أركون كما يقول ولد اباه تصنف أعماله في إطار الإسلاميات المطبقة ونقد العقل الإسلامي، الأول كما يقول ولد اباه مستمد من مفهوم العقلانية المطبقة والإطار الثاني يحيل إلى فكر الفيلسوف كانط " نقد العقل الخالص" في دعوته إلى الإصلاح الديني، فقد كانت خطة محمد أركون في مشروع الإسلاميات المطبقة ترتكز على القرآن وتجربة المدينة، من أجل الوقوف على المرحلة التي عاش فيها جيل الصحابة وكيف حدث الصراع من أجل الخلافة والإمامة ويقول أنه من اجل الوقوف على خلفيات الإيمان واسبابه في مستويات الشعور النفسي والمخيال الجماعي ومضامين الذاكرة ن لابد من مراجعة الموقف الثيولوجي بإخضاع المباحث الكلامية لمعطيات الإيديولوجيا الدينية وعلم نفس المعرفة.

فكيف لباحث إذن يطرح سؤال: هل أنت مؤمن؟ على شخص ما وهذا السؤال لا يصلح أصلا أن يطرح على شخص يمثل النخبة المثقفة (المفكرة)، اللهم إلا إذا كان المراد استفزاز ذلك الشخص وتوريطه أمام الرأي العام، الصراع إذن هو صراع المثقفين وهذا يعود إلى غياب حوار الثقافات وحوار الحضارات، وليس حوار الأديان، لأن الجدل قائم بين باحث مسلم وآخر مسلم، الفرق بينهما أن الأول يختلف عن الثاني في طريقة التفكير والطرح وفي تحليل المسائل في جانبها العلمي والديني ويعتمد على فقه الواقع، عكس الثاني الذي يرى أن كل النصوص ثابتة وغير قابلة للتفكيك والتحليل، ووقع الإثنان في صراع بين الثابت والمتغير، والمثال الذي نضربه هنا أنه يصعب على سبيل المثال المقارنة بين فكر محمد أركون (نقد العقل الإسلامي) وفكر الجابري (نقد الفكر العربي)، حسب الدكتور ولد اباه فنقد العقل الإسلامي عند محمد أركون من شأنه أن يفسح المجال أمام الحداثة والأنوار، ويعني هذا حركة الإصلاح الديني ليس في بلاد المسلمين فقط بل في أوروبا كلها من أجل الوقوف على التغيرات التي حدثت في العالم كله في ظل ظهور الثورة التقنية وميلاد العلم التجريبي والحركات الفلسفية.

نقد الفكر الأركوني هل هو دعوة إلى اللاعقلانية؟

الفرق بين الباحث عبد العزيز كحيل وولد اباه هو أن هذا الأخير يرى أن نقد العقل الإسلامي عند محمد أركون له مهمة تهيئة الأرضية للإصلاح الديمقراطي من خلال العمل الفكري والسياسي والإجتماعي لإنجاز ديمقراطية ملائمة للأوضاع الخاصة بكل محتمع، فمحمد أركون يحرص على أن يفرق بين المُفَكِّرِ فيه وما لا يمكن التفكير فيه داخل النسق الإسلامي ويُفْهَمُ من هذا الكلام أن محمد أركون كان يحرص حرصا شديدا على عدم تجاوز الخطوط الحمراء في المسائل التي تتعلق بالإعجاز، ولو أن بعض العلماء خاضوا في مثل هذه المسائل كمسألة تكوبن الجنين ونشوء الخلية، لكن هناك مسائل يصعب تفكيكها وتحليلها مثل بعض العبارات التي تبدأ بها السور كما نجده في: ("ألم" في سورة البقرة، "كهعص" في سورة مريم، وسورة "ص" وسورة "ق"..الخ) وقد اثبت العلماء المسلمين أنها من الإعجاز ولا يستطيع بشر شرحها أو تفسيرها بما فيهم الراسخون في العلم، كذلك بالنسبة للفرق بين "الروح القدس المذكورة في القرآن و"الروح القدس" عند المسيحيين، وما تعلق ايضا بفكرة الموت وكيف تخرج الروح من صاحبها أو كيف تفارق الروح الجسد (و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)، إلا أن ولد اباه نجده يقف مع محمد أركون عندما يقول أن القرآن لا يمكن سجنه في قوالب جامدة كما فعل الفقهاء والمتكلمون والمفسرون والكلاسيكيون، هذا يعني أنه يوافق التوجه الأركوني في دراسة القرآن دراسة عقلانية، وتفكيكه تفكيكا علميا بعيدا عن التأويل الرمزي الذي يكشف المعنى الباطني للقرآن، ويمكن القول أيضا أن نقد الفكر الأركوني هو دعوة إلى اللاعقلنية، والعقلانية كما يفسرها البعض هي الإنتساب إلى العقل مذهبا وموقفا، واللاعقلانية تعني الإبتعاد عن العقل أو تجريده.

هذه المفاهيم تؤدي إلى قراءة المعقول واللامعقول في التراث العربي الإسلامي أو كما اصطلح عليه بـ: "العقل المستقيل " الذي تحمله الهرمسية في مصر وهو أول من انتقل إلى الثقافة العربية الإسلامية، والعقل المستقيل مستوحى من أفكار مؤرخ الفكر اليوناني فوستيجيير Festugiere، وهذا الموروث القديم حسب الأبحاث انتقل إلى العرب في الجاهلية وقد حاولت بعض المذاهب الإسلامية احتواءه بإعطاء تأويل عقلي للنص القرآني مثلما ذهبت إليه المعتزلة، وكذلك رسائل إخوان الصفاء وانتقل إلى الفلاسفة وبعض أهل السُنّة كابن حيان والطيب الرازي وابن سينا وابن طفيل وقد تحدث المفكر والمؤرخ محمد عابد الجابري عن المعقول الديني الذي يحدد صورة المسلم وعلاقته مع ربه والعلاقة بين المؤمن وأخيه وبينه وبين غير المؤمن، المشكلة هي أن المثقف العربي لم يقرأ التراث العربي الإسلامي على النحو الصحيح وراح يهاجم كل مشروع نهضوي، مشروع تحديث العقل وتجديد الحياة الدينية كما دعا إلى ذلك الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وقد دعا الجابري إلى قراءة التراث في ضوء التمييز بين المعقول واللامعقول لتحديث العقل العربي لا نقده.

جمع القرآن وتدوينه

أما قول الأستاذ ع.ع كحيل أن محمد أركون ساق مغالطات بخصوص كتابة القرآن وتدوينه أنه يخلط بين قضية الجمع والكتابة، تقول بعض الكتابات أنه بعدما ظهر الإختلاف في القراءات قدم حذيفة إلى عثمان وطلب منه أن يدرك الأمر قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة لترسل له الصحف لنسخها، ولما أرسلتها له أمر عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وجماعة من الصحابة لنسخها، وكتب القرآن بلسان قريش، وذكر الفقهاء قصة سقوط آية من سورة الأحزاب فتم إلحاقها في سورتها من المصحف، ولم يكن هناك اي اختلاف ماعدا الإختلاف في قضية الناسخ والمنسوخ، وهذا ما أورده الشيخ نعمان المكي في كتابه (الخلافة بين الأصالة والحداثة"بين عثمان وعلي) وقد يتساءل القارئ (العادي)عن طريقة ترتيب سور القرآن فمثلا نقرأ عن سورة "يس" وآياتها 83 وهي مكية لكن الآية 45 مدنية وقد نزلت بعد الجن، أولا كيف استطاع جامعوا القرآن أن يعلموا أن الآية 45 تابعة لسورة يس وقد نزلت في المدينة وليس في مكة؟ ثم أنه بالعودة إلى المصحف الشريف (رواية ورش) نجد أن سورة يس مرتبة بعد سورة فاطر وليس بعد سورة الجن، ثم قوله تعالى : وكتاب مسطور أي مكتوب في ورق منشور، (صحيفة)، هل يقصد بالكتاب القرآن أم اللوح المحفوظ؟ الذي ورد ذكره في القرآن.

وقد اشار الشيخ نعمان المكيّ إلى الإختلاف الذي وقع فيه الراسخون في العلم في قضية " التأويل" ونتج عن ذلك ظهور مذهبان: مذهب السلف ومذهب الخلف، هذا الأخير يقول أصحابه ليس في القرآن شيئ لا يمكن تفسيره، وهذا يؤكد اتجاه محمد أركون في دعوته إلى تفكيك النص الديني، والنص الديني لا يتوقف عند القرآن فقط بل الإنجيل وحتى التوراة، وتفكيك النص الديني في بحوث محمد أركون، كانت ردا منه على منتقديه الذين اتهموه ونعتوه بأنه علماني وألصقوا به تهمة الإلحاد ايضا إذ نجده يحيلهم إلى الدراسات التاريخية والأنتروبولوجية التي تنمو باتجاه دمج المثال الإسلامي داخل الإستراتيجية العامة لعلوم الإنسان والمجتمع ويقول أن الدراسات الإيديولوجية واستخداماتها أكثر من الدراسات العلمية، كما انبثقت تاريخيا في العصور الوسطى الأولى نزعة "إنسية" في الإسلام ذات تلوين علماني، ولكنها أجهضت بدءًا من القرن الحادي عشر الميلادي لأسباب تاريخية، وقد أوضح محمد أركون فكرته بأن القرآن خطاب ديني ذو لغة مجازية عالية متعالية ولا يمكن تجميده في قوالب محددة أو قوانين جامدة كما فعل المسلمون فيما بعد، حيث قَوَّلُوا القرآن ما أرادوا أن يقوّلوه طبقا لحاجيات وظروف زمانهم، ومع مرور الزمن أعطيت لهذه التركيبات الثيولوجية صفة المعصومية والتعالي والقداسة وأصبحت في نفس مكانة القرآن في حين هي من صنع البشر (أي الفقهاء) والمتأمل هنا يقف على حقيقة أن محمد أركون لم يكن ضد القرآن ولا ضد الإسلام بل ضد المتشددين من الفقهاء في فهم الدين ووضعهم قوانين باسم الإجتهاد، السؤال الذي يمكن أن يطرح هو: كيف يهاجم محمد أركون القرآن وهو يدعو إلى إعادة القراءة التفسيرية له ذلك أن الإسلام انطلق من حدثين هامين هما: الخطاب القرآني وتجربة المدينة.

و دون الدخول في تفاصيل تاسيس دولة الإسلام بقيادة النبي (ص)، الملاحظ وكما يقول باحثون لا عيب في إعادة قراءة الخطاب الديني من جانب نسيجه اللغوي، وذلك من أجل مقاربته على مستوى التلفظ الشفهي لأول مرة وعلى مستوى النص بعد أن تحوّل إلى كتاب (مصحف) ومن وجهة نظره هو (أي أركون) فتجربة المدينة تجبر الفاعلين الإجتماعيين على إعادة التفكير في هذه المشكلة للفصل بين البعد الديني والواقع السياسي، من خلال هذه الأفكار أراد محمد أركون أن يوصل إلى المسلمين رؤية المستشرقين للإسلام وللرسالة النبوية وكيف تأسست الدولة في عهد النبوة ورؤية المستشرقين للرسول كشخص لا كنبي وإلى الإسلام كمنظومة دينية تخضع إلى الدراسة والتفكبك، وذلك حتى تتوحد الفكرة الدينية لدى الفقهاء المسلمين وتسوّق في قالب صحيح ولا تؤدي إلى ظهور ظواهر قد تسيئ إلى المسلمين كظاهرة "التكفير" مثلما حدث في الجزائر وفي هذا يرى محمد أركون أن الكل مطالب بأن يتحمل مسؤولية إعادة قراءة التراث الديني والثقافي بشكل متضامن، وفي هذا كله يحيل محمد أركون القارئ العربي إلى موقف الغزالي من هذه الإشكاليات وكتابه: " إلجام العوام من علم الكلام"، لأن هناك اختيار مستعبد واختيار ذاتي أي حُرّ، والمسألة لا تعني أقبل ولا أقبل بل أفكك وأحلل لكي اقتنع ويطمئن قلبي.

ماذا عن العلمنة في فكر محمد أركون؟

أما قضية العلمنة فمحمد أركون نجده ينتقدها ويقول انها أصبحت قديمة بالية وما نعرفه حاليا هو "العلمانوية المناضلة" le laicisme militant التي ترى أن العقل الديني لا يتوافق مع العقل المستقيل، وهي تربد استبعاد الدين واعتباره شيئا قديما باليا لدرجة أنها تدعو إلى إحداث القطيعة الجذرية مع كل ما يشترط الموقف الديني وأن وجود الله ليس ضروري من أجل العيش، كما نجده يتحدث عن مسالة "الوحي" revelation من حيث أنه مؤرخا وليس عقائديا، لأن الوحي - كما يقول هو- ساهم في صناعة مجتماعة الكتاب وقصة الوحي في نظره لا يمكن المرور عليها مرور الكرام وهوة بذلك يدعو القارئ إلى فهم الوحي من أهل الكتاب إلى مجموعات الكتاب the notion of revelation from ahl alkitab to societies of the book ، مع تحديد المصطلحات (الإيمان/ العقل، العلم/ الدين، الزمني/ والروحي، ويستخلص محمد أركون أن في الإسلام دلالات ثلاث هي الدين، الدنيا والدولة.

نستخلص من هذا كله أن محمد أركون يمكن وصفه بالعقلاني وليس بالعلماني، لأنه يتحدث عن الإسلام الذي يخاطب العقل ويدعوه إلى الإجتهاد والتجديد، إسلام يقاوم الجمود والتقليد ويؤمن بمواكبة التطور ومواصلة التقدم وليس هذا كلام محمد أركون وحده بل أكده علماء الإسلام ومنهم الداعية يوسف القرضاوي الذي قال أن الإسلام لا يعجز في إيجاد حل لأيّ مشكلة وإنما العجز في عقول المسلمين، فالإسلام يتسم بالوسطية في كل شيئ، يوازن بين المادة والروح وبين العقل والقلب، إسلام يتميز بالواقعية، إسلام يقابل الفكرة بالفكرة، يقول القرضاوي أن العلمانية لا تعني بالضرورة الإلحاد والذين نادوا بها لم يكونوا ملاحدة ينكرون وجود الله، بل هم ينكرون تسلط الكنيسة على شؤون العلم والحياة فحسب، فكل ما يعنيهم هو عزل الدين عن سياسة الدولة، ولذا يمكن القول أن محمد أركون كان بنتقد المسلمين المتشددين لزهوهم بيقينهم الدوغماتي، والذين يصفهم بـ: " المتأسلمين" وفي نفس الوقت ينتقد العلمانيين المتطرفين ويدعو إلى معرفة الواقع بشكل صحيح وأخذ الظاهرة الدينية بعين الإعتبار طالما الأفكار والمواقف والمستويات مختلفة، مقدما في ذلك الحالة الجزائرية ولكن بالطريقة التي عالجها هنري سانسون الذي قال إن الحالة الجزائرية متطابقة مع الخطاب الرسمي السائد اليوم وهو الخطاب الخاضع للماضي وللمشاكل السياسية الحالية، بدليل أن الصراعات ظهرت أيام الثورة وسط جبهة التحرير الوطني وكانوا يتجادلون حول الشخصية الإسلامية أو الجزائرية للبلاد، فكانت هناك تيارات تتصارع، ولذا يرى محمد أركون أن المجتمع الجزائري لابد أن ينظر إليه بعين عالم الإجتماع والمؤرخ وليس بعين العقائدي الإسلامي كما يفعلون الآن، لأنهم لم يستطيعوا الموازنة بين الإيديولوجية العروبية (القومية المبالغ فيها) والإيديولوجية الإسلامية.

 

علجية عيش - بتصرف

 

في المثقف اليوم