تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

عمرون علي: في ذكرى رحيل زكي نجيب محمود

(مشروع من اجل مجتمع جديد)

"العقل الذكي شعاع من الضوء يريد لنفسه أن يشق العتمة ليضيء، فإذا أبيت عليه انطلاقة الحركة، انطفأ وانمحى"... زكي نجيب محمود (1993-1905)

مع حلول شهر سبتمبر تكون قد مرت ثلاثون سنة على رحيل المفكر زكي نجيب محمود وهو قمة شامخة وصاحب همة عالية وإرادة قوية وواحد من اساطين الفلسفة والثقافة العربية في القرن العشرين تميزت فلسفته بعمق التفكير والتحليل، وقوة النقد وروعة البيان وجودة التعبير وحسن التبليغ. تمثل القيم الأخلاقية والمبادئ الفلسفية فكرا وسلوكا لقد كان بالفعل عبقريا وصفه عباس العقاد بأنه: « فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، فهو مفكر يصوغ فكره أدبًا، وأديب يجعل من أدبه فلسفة»

جسد في كتبه القاعدة التي وضعها ابن رشد " كلما كان الأسلوب سهلا كان التلقي اسهل " فجاءت أقواله وافعاله نابضة بالصدق فسكنت القلوب قبل العقول، لقن لطلابه المنطق ومناهج البحث وكانت الفلسفة عنده منهجا للفكر منهج غايته تحليل الأفكار للوصول الى حقيقتها ونقلها من مجال التحليل والنظر الى مجال التطبيق والعمل، تصدى لمشكلات عصره - لاسيما المجتمع العربي- بفكر عقلاني حر ونظرة واقعية، تحليلا ونقدا، شرحا وتجديدا، فقد كان صاحب مشروع نقدي متكامل،امن بضرورة مواجهة الحياة بالجديد المبتكر، والله أراد لهذا الإنسان أن ينظر إلى الأمام، ومِن ثَم كانت أبصارنا في جباهنا، ولم تكن في مؤخرات رؤوسنا كما كان يقول زكي نجيب محمود .

فلسفته تقدس العقل ولا تتنكر للوجدان فلكل مجاله فهي فلسفة تنويرية تحررية فلسفة تمجد الوحي والعقل معا فللشرع التنوير وللعقل الاجتهاد ورؤية العقل في نظره هي مجال اليقين، وأما ميل العاطفة، فطريق معبأ بالضباب.بل انه إذا تعارض العقل وظاهر الشرع، أخذنا بما دل عليه العقل استنادا الى قول ابي حامد الغزالي: " إن لنا معيارًا في التأويل، وهو أن ما دل نظر العقل ودليله على بطلان ظاهره، علمنا ضرورةً أن المراد غير ذلك"

ونظرة العقلية التحليلية في فلسفة المرحوم زكي نجيب محمود تحيلنا الى ان مشكلات المجتمعات العربية والإسلامية هي في جوهرها مشكلات فكرية فلابد من ثورة فكرية سابقة لكل اصلاح سياسي او اقتصادي لأنه " لو كنا اكتفينا في الجانب السياسي بأن بدلنا حكومة بحكومة، لكان ذلك انقلابًا ولم يكن ثورة، ولو كنا اكتفينا في الجانب الاقتصادي بأن زدنا أجور العاملين، أو عملنا على تنشيط التجارة والصناعة وملكية وسائل الإنتاج والتوزيع كما هي، لكان ذلك انتعاشًا اقتصاديًّا ولم يكن ثورة والثورة هي أن يتغير الأساس" وشرط الثورة الفكرية عنده هو الانتقال من سلطان الحفظ والتلقين والترديد والاجترار الى سلطان العقل المتسلح بأدوات المنطق أي من فكر مغلق الى فكر متحرر تنويري من خلاله تصل حرية التفكير الى اعلى مراتبها وهي حرية مشروطة بالمسؤولية تحقق للإنسان انسانيته وتسمح له بأداء دوره الحضاري ككائن مكلف حر ومسؤول.

وإمام الإنسان الذي يهديه سواء السبيل في نظر زكي نجيب محمود هو " عقله، الذي يفرق به بين الحق والباطل، والذي على أساسه يريد ما يريده، لكي يكون مسئولًا عما أراده وعما فعله مسئولًا أمام ربه أولًا، وأمام الناس ثانيًا" وكل دعوة الى ترك الغير يفكر عنا ويقول ما تقوله السلطة العليا ويقرر لنا ما يشاء هو اهدار لإنسانية الانسان هذه الحرية الفكرية التي لا نجد له اثرا في المجتمعات العربية في زمن الاحتباس الحضاري وعصر التفاهة هي سبب تخلفنا و تغييبها دفع العقول المبدعة في البلاد العربية الى الهجرة بحثا عن تربة جديدة ومناخ فكري حر يسمح لها بالنماء والتفتح عقول ولدت بفطرة سليمة تتقد ذكاء اصلها طيب ولدت في ارض كانت خصبة تؤتي اكلها كل حين لكن حاصرتها الاشواك وكبلتها قيود الطغيان فهاجرت " والشوك الخانق للمواهب عندنا أنواع: منها — بل ربما كان أكثرها شيوعًا — الحالة التي يحاول فيها الكبير أن يبتلع الصغير في جوفه، إنه لا يمنعه من العمل، على شرط أن يكون اللسان الناطق هو لسان الكبير، وأن تكون اليد الموقعة هي كذلك يد الكبير، وإذا تململ الصغير من أن يفرض البكم على لسانه، والشلل على يده، حتى لا يكون للسانه صوت مسموع، أو ليده حركة مرئية، فعقابه هو أن يطمس عمله طمسًا فلا يشهد النور، فمن ذا يلومه إذا هاجر؟"

غياب النظرة الاستشرافية والتنكر لمنطق العلم والعمل

سبب تخلفنا هو الحجر على العقول وغياب الفكر الناقد والتنكر لمنطق العلم والعمل والابتعاد عن الواقعية في الطرح تخلف حضاري أنتج فكرا سطحيا وثقافة استهلاكية هي كلها «كلام في كلام في كلام» ثقافة تروج للتفاهة وتتغذى على الخرافة نصب فيها السياسي المعتوه في فكره واخلاقه نفسه فيلسوفا يعلم الناس الحكمة وفصل الخطاب غاب فيها التخطيط للمستقبل واتسعت فيها دائرة المتاعب والمخاوف لأنه كلما انعدمت القدرة على حساب المستقبل ورؤيته قبل وقوعه، على أسس علمية صحيحة في رصد الوقائع، وفي استدلال النتائج، زادت الأوهام والمخاوف وقد أشار الى ذلك ابن خلدون بقوله :" الحاكم اذا كان باطشا شمل الناس الخوف والذل واذا كان متخلقا اشربوا محبته واستماتوا دونه في محاربة اعدائه " فلا بد من تحرير عقل الانسان العربي واستشراف المستقبل وهنا يحيلنا زكي نجيب محمود الى ما حدث إبان العشرينيات من هذا القرن، حين اضطلع ناشر — في إنجلترا — بمشروع طموح ونافع، وهو أن طلب من مائة عالم وباحث وأديب، أن يتعاونوا على إخراج عدة كتب — كلٌّ في فرع تخصصه — تُصوِّر ما سوف تكون عليه حياة الناس بصفةٍ عامة، وفي إنجلترا بصفةٍ خاصة، بعد خمسين عامًا من ذلك التاريخ، وكان في ظنه أن تقديم هذه الصورة المستقبلية تتيح لكل من يهمه أمر أن يتدبره قبل وقوعه، وكان المفروض — بالطبع — أن يُدخِل هؤلاء المؤلفون في حسابهم ما عساه أن ينشأ خلال تلك الفترة من عوامل تؤثر في تشكيل الصورة المراد تصويرها

عدم القدرة على استشراف المستقبل انتج حالة من التخلف والانفصام داخل المجتمعات العربية وهي حالة مرضية ترى فيها الانسان العربي يقدس الماضي لفظا ويدوس على قيمه سلوكا ويتنكر لأسباب الغلبة في الحاضر ويعزي نفسه ببطولات السلف،يتحرك في زوايا ضيقة ومحددة بفكر سطحي خرافي يتعارض مع المرجعيات التي تحدد المستقبل لا يميز بين ما هو ثابت وما هو متغير،

واليوم لاتزال المجتمعات العربية تعيش أزمات سياسية واخلاقية ومتاعب اقتصادية وتفكك اجتماعي وتخلف ثقافي او ان شئت قل حالة من الجهل المركب والمقدس والذي من صوره شيوع أوهام مفادها انه لا سبيل للتطور الا بتحسين الأوضاع الاقتصادية و قد غاب عن هؤلاء ان الاقتصاد لا يزدهر وعقول وايدي الناس مكبلة بقيود التعصب والجهل كما قال زكي نجيب محمود والذي استشهد بقول احد الساسة في البلاد الغربية :" إن الاقتصاد جزء من نشاط الإنسان، فإذا أنت جعلت من كل إنسان في مجاله الخاص إنسانًا أكمل بالنسبة لذلك المجال، فقد ضمنت أن يجيء كل ضروب نشاطه — ومنها النشاط الاقتصادي — مسايرًا لما يحقق للأمة أهدافها، إذ كيف يكون «الاقتصاد» ذا أولوية على احترام القانون ومراعاة حقوق الآخرين؟ كيف تكون له أولوية على حياة الأسرة وعلى القيم الثقافية والروح القومية؟ إن هذه الخصائص كلها هي في حياة الناس بمثابة ما يسمى في مجال البحوث العلمية ﺑ «المتغير المستقل»، وأما الاقتصاد فهو «المتغير التابع»"

ضرورة التلازم بين السياسة والاخلاق

من معالم المجتمع الجديد في نظر زكي نجيب محمود الربط بين السياسة والأخلاق والاصالة والمعاصرة والعمل على ان يكون العدل مبصرا والارتقاء بالتعليم وتقديس العمل فالسياسة في جوهرها ذات طابع أخلاقي فهي تستهدف كمال الانسان " لعلي كنت فيما قلته متأثرًا إلى حدٍّ ما بما أعرفه عن رأي أرسطو في السياسة، وكيف يمزجها بمفهومه عن الأخلاق، فلئن كانت الأخلاق في نهاية أمرها تريد أن تحقق السعادة للفرد داخل المجتمع الذي هو عضو فيه، فإن السياسة هي في صميمها فرعٌ من الأخلاق؛ لأنها لا تريد شيئًا أكثر من أن يتحقق الخير للدولة في مجموعها، وأن هذا الخير العام لا يمكن فهمه فهمًا واضحًا، إلا أن يكون حاصل جمع الخير الذي يصيبه الأفراد، وإنه لمن الضلال والتضليل أن يقول قائل إن الأفراد قد تشقى في سبيل المجموع، كأنما هذا المجموع عفريت من الجن نسمع به ولا نراه" وعودة السياسة الى حضن الاخلاق يفتح الباب ام قيام مجتمع عادل لكن العدل في المجال الاجتماعي لابد ان يكون مبصرا ومنها كان لابد من التفرقة بين العدل حين يجعلونه معصوب العينين، حتى لا يبصر، والعدل حين يفتح عينيه ليرى ماذا هو صانع بالناس، الحالة الأولى في حالة العدل القضائي الذي نعهده في المحاكم، والذي مداره هو «الحقوق»، فهذا حقي وهذا حقك، ولا يجوز لأينا أن يعتدي على حق أخيه، فإذا اعتدى منا معتدٍ بغير حق، نصب له العدل القضائي ميزانه، عاصبًا عينيه، حتى لا يرى أين يقع عقابه؛ وذلك لأنه إذا نظر ورأى فيجوز أن يجد من يقف أمامه صاحب سلطان ممن يخشى بأسهم، فيخاف العواقب، فيجفل، فلا ينزل عقابه حيث ينبغي أن ينزله.

ومن شروط قيام المجتمع الجديد إعادة النظر في سلم القيم وترتيب الأفكار و الترتيب الجديد لتسلسل الأفكار هو هكذا: أمامنا مبدأ واحد هو وحدة الأمة، ويستتبع هذا المبدأ حالة هي حالة المسالمة بين أبناء هذه الأمة، ثم تقتضي الوحدة والمسالمة بين الأفراد شبكة معينة من علاقات تربط الأفراد في إطار المجتمع ومن واجب رجال الفكر المخلصين في البلاد العربية التفكير في الانتقال الى مواقع التأثير والتحول الى جماعات ضاغطة وسلطة اقتراح وتنفيذ والمساهمة في عمليات التحول الفكري والتطور الاجتماعي.

ذلك ان التفكير في بناء مجتمع جديد يتطلب مجموعة من الأسس أولها المساواة، مساواة على المستوى القومي ومساواة على مستوى العالم بأسره، فلكل إنسان على وجه الأرض — من حيث هو إنسان وكفى — حق نابع من فطرته البشرية نفسها في أن يشبع حاجاته الطبيعية الأساسية من تغذية وإسكان ورعاية صحية وتعليم؛ لأنه بغير أن تجد هذه الحاجات الأساسية ما يشبعها إلى الحد المعقول، فإنه يتعذر على الإنسان أن يشارك في الحياة الحضارية مشاركة مقرونة بالكرامة الواجبة المجتمع الجديد المقترح ليس مجتمعًا استهلاكيًّا على الصورة التي نراها اليوم في البلاد المتقدمة والغنية، بل هو مجتمع إنتاج، والإنتاج فيه تحدده الحاجات الطبيعية الضرورية لكل إنسان... ننتح ما يكون معظم الشعب بحاجة إليه، ونهمل ما ليسوا بحاجة إليه في المرحلة المعنية من العصر المعين .

المجتمع الجديد لابد ان تكون قاطرته هي التعليم فلابد من اصلاح تربوي شامل و إعادة التفكير في مقررات الفلسفة بالمرحلة الثانوية واشراك طلاب العلوم وطلاب الآداب جميعًا في إحدى المواد الفلسفية، وهي المادة المتصلة بمنطق التفكير العلمي وبناء مقرر جديد للمنطق من خلال موضوعات تتكامل معًا في وضع أساس للتفكير العلمي، لا يصدم طالب العلوم بغرابته وإيغاله في المصطلح الفلسفي لهذه المادة، ولا يصعب على طالب الآداب السير فيه.

ولا بد من إصلاح الجامعة وهنا يتساءل زكي نجيب محمود :فماذا تكون الجامعة إذا لم تكن مؤسسة أقيمت لتضطلع بحراسة العلوم والفنون، بمعانيهما التي تقررها لهما الحضارة البشرية، كما يشهد لها التاريخ، لا كما تتوهمه شطحات الحالمين، ماذا تكون الجامعة إذا لم تكن هي الحرم الذي تُقدَّس في رحابه روح البحث والكشف، ومغامرات التجربة والتأمل؟ ماذا تكون الجامعة إذا لم تجعل من نفسها حامية تذود عن دولة العقل، حتى لا يعتدي عليها أعداؤها بهدم حصونها — من الداخل أو من الخارج — وحتى لا يأخذ الضعف من رجالها، فيستسلمون لهجمات المعتدين؟ ولابد من ان نفسح المجال كذلك أمام الكاتب أو الفنان الذي يرى ضرورة التعديل أو التبديل فيما هو قائم، دون أن يكون هذا التعديل أو التبديل حقًّا متروكًا للسلطة وحدها، تجريه إذا شاءت، وتمنع عنه إذا لم تشأ. ولا بد من الترجمة لأعلامنا، ماضيهم وحاضرهم على السواء، وإلا فمن أين لشبابنا أن يرى الصور التي تكثفت فيها خصائص أمته وملكاتها؟ إنه لكثيرًا ما قيل عن التربية الخلقية إنها تركزت على ركيزتين، هما: «المبدأ» و«المثال» ولابد من ان يشتغل رجال الفكر والثقافة على الترويج للقيم العليا — أخلاقية أو جمالية — وان تجد طريقها إلى التطبيق في حياة الناس ولابد هنا من الربط بين اللغة والفكر فالعبارة المستقيمة الواضحة فكرة مستقيمة واضحة والعبارة الملتوية الغامضة هي لا شيء.

المزج بين الاصالة والمعاصرة

الاصالة والمعاصرة عند زكي نجيب محمود مركبين ثقافيين لكل واحد خصائصه وعناصره فالأصالة تستمد مرجعيتها من كون المبادئ الأساسية لحياة الانسان هي في جوهرها وحي نازل من السماء إضافة الى اللغة العربية التي لا يجب النظر اليها كقوالب جامدة بل باعتبارها خبرة حياة فهي الفاظ وعبارات نابضة بالحياة ومرآة عاكسة للوجدان العربي وهذا ما نلمسه في الادب العربي شعرا ونثرا باعتباره عنصرا من عناصر التراث العربي والمعاصرة يجب النظر اليها من خلال اهم عنصرين هما المنهج العلمي الجديد القائم على التكنولوجيا بوصفها منهجا للتفكير فحضارة هذا العصر تفكر من خلال الأجهزة العلمية ولكنها لا تهمل الادب والفن  ولابد من المزج بين الاصالة والمعاصرة والجمع بين الفعل والوجدان: نأخذ من الحضارة الغربية المعاصرة آية العقل فيها، اي منهج العلم ونسقه وتقاناته، ونبقي من تراثنا على ما يصون هويتنا من عوامل الوجدان كالدين والاخلاق واللغة والفن وفي مقال للكاتب والناقد اللبناني جهاد فاضل بمناسبة مرور مائة سنة على ولادة زكـــي نجيب محمود أشار الى ان ملامح الإستراتيجية التوفيقية لاستيعاب التراث في العصر عند زكي نجيب محمود تقوم على محورين:

الأول: أفقي حيث تجول مفكرنا في مكونات الثقافة الإنسانية وميز داخلها بين أربعة أنساق أساسية: الديني / الاعتقادي، ثم الأدبي / الفني ثم الفكري / القيمي، وأخيرا العلمي / التجريبي، فالدين مثلا يمثل الحد الأقصى للمعاصرة ويحق للعقل العربي أن يتمسك إزاءه بخصوصيته الكاملة إذ لا سبيل هنا إلى معاصرة اللهم سوى في كيفية قراءة النصوص، وفي القدرة على تأويلها حيث يمكن الاستفادة من المعارف اللغوية واللسانية والبلاغية الحديثة في الكشف عن باطن النص ومغزاه. أما العلم الطبيعي، فعلى العكس من الدين، يمثل الحد الأقصى من المعاصرة والحد الأدنى من الأصالة، فوسيلة إدراكه هي “العقل” ومن ثم يجسد النسق الأكثر كونية، ومن ثم يتعين ممارسته بموضوعية وحياد من قبل العقل العربي دونما اكتراث بنزعات من قبيل أسلمة العلوم.

أما الثاني: فرأسي، حيث تجول الرجل في طبقات تراثنا الذي هو “عالم أوسع من المحيط, يشتمل على جميع ما أبقت عليه الأيام بعد أن فعلت عوامل الفناء فعلها”، مثبتا الوقفات العقلانية فيه؛ لأنها تجسد منهجا للنظر يبقى صالحا للعصر، ونافيا الوقفات اللاعقلانية التي تجافي روح العصر. فعلى صعيد النفي مثلا يرفض “أن يكون صاحب السلطان السياسي هو في الوقت نفسه، وبسبب سلطانه السياسي، صاحب “الرأي” بل لا بد من أن يكون مجرد صاحب “رأي”، لا يمنع رأيه هذا أن يكون لغيره من الناس آراؤهم.

بالمحصلة لابد من الاشتغال على بناء مجتمع جديد او الكارثة ورحم الله فيلسوفنا زكي نجيب محمود.

***

عمرون علي - أستاذ الفلسفة

المسيلة – الجزائر

في المثقف اليوم