قضايا

مراد غريبي: متى يتجدد وعينا للدين؟!

مراد غريبيالباحث عن قاسم مشترك في أي مجتمع متعدد لا يمكنه أن يستقر سوى على مفهوم المواطنة. فهناك موجتان سائدتان في جميع مجتمعاتنا العربية من خلال القراءات والبحث في التيارات على تنوعها..

الدين بين الأصولية والعلمانية

الأولى: الدينية أغلب تياراته حبيسة "الخطاب الأصولي" الذي يرفض التعددية الثقافية والدينية عدا التيار التجديدي التنويري الذي أعاد التعددية والعقلانية لموقعها في خريطة الثقافة الإسلامية وأدبيات الخطاب الإسلامي،

الثانية: العلمانية، التي تعتبر غالبية تياراتها مفعمة بالإيديولوجيا ومعادية كل ماهو ديني عدا التيار الذي أصبح يعرف بالمتدين أو المعنوي الذي يعادي رجال الدين والملتزمين مع محاولة إحتواء بعض المتسائلين داخل الساحة الدينية.

 هذان العنوانان كمؤثرين مركزيين في الواقع العربي، شكلا إلى حد كبير المأزق الثقافي الذي تعاني منه مجتمعاتنا، مما جعل وعي إنساننا رهن الصدامات الثقافية والمشاكل النفسية لدى جل روادها واقطابها .

الموجة الأولى سيطر عليها تيار الأصولية التكفيرية، الذي عطل مستويات الوعي الديني كلها وخنق الواقع ضمن بوتقة التاريخ وارتداداته وحرم السؤال، ولم يتجه التكفير لغريمه العلماني فقط بل كان تركيزه أيضا على الديني التجديدي التنويري بشتى تمثلاته ومذاهبه ومطارحاته، فحرمت الجماهير الدينية العربية من نسيم الفلسفة وأسئلتها القائمة على هم إنساني وضمأ مدني حضاري، وإكتفى التيار الأصولي التكفيري بتجديد فنون تلهيب المشاعر الدينية عبر تشذيب الصواعق وصناعة العنف وترسيخ معالم الدوغمائية الدينية عبر تبرير التطرف بنفي الآخر وتسقيطه وشيطنته ثم تصفيته التاريخية والنفسية والوجودية الاجتماعية.. بينما الموجة الثانية تراوحت بين خطين:

- سليل المركزية الغربية عبر اسقاطات تاريخية على الحالة العربية والإسلامية من خلال خطاب إيديولوجي تبريري فوقي لا يولي اهتماما بسؤال الهوية الثقافية الذاتية لدى شعوبنا، فهو من هذه الناحية يرضي الروح الأيديولوجية لديه من خلال نقد معتقدات المجتمع ورؤيته للحياة سعيا منها الى مطابقة التجربة الغربية مع الكنيسة واللاهوت المسيحي على الواقع العربي والإسلامي وتمييع العاطفة الدينية، كل هذا بلباس علمي فلسفي على الرغم من أنها مخالفة لكل ذلك.

- بينما العلمانية المؤمنة أوالمعنوية نهجت سبيلا ينطلق بين العلمانية والعقيدة العلمانية وهذا إشكال جوهري بين ماهو إجرائي وما هو عقيدي داخل المعبد العلماني، مما صور هذا التيار العلماني كدين بديل يمكن سبر أغواره عبر تتبع التاريخ الثقافي السياسي والإجتماعي والإقتصادي لفكرة العلمانية في العالم العربي الحديث والمعاصر، كما أنه يتقارب في بعض التقاطعات المعرفية مع التيار التجديدي الديني..

محنة وعي المواطنة:

من المسائل التي باتت تطرح بقوة في سياقنا الراهن مسألة الصراع بين الفكر الديني الأصولي والعلمانية، حيث تطرح، حسب تقديري، في مشاريع تجديد الفكر الأيديولوجي داخل تيارات الأصولية الدينية والعلمانية المؤمنة، ومنها علاقة الدين بالمفاهيم السياسية والاجتماعية الحديثة ودور رجال الدين في الاجتماع العام وبراديغم فهم الدين البديل؛ وذلك تحت ضغط صور الإخفاق والفشل التي صاحبت تجارب كل منهما من طنجة الى جاكرتا منذ إنهيار الاتحاد السوفياتي إلى الربيع العربي، وبصرف النظر عن طبيعة إعادة إنتاج الأفكار والمشكلات والمآزق وتعدد مستويات وزوايا النظر إليها، حيث عبر مسألة وعي المواطنة كتمدن، نجد انفسنا أمام تناقضات مصدرها أدلجة الدين أو تهميشه عبر بديل إيديولوجي أيضا، بينما المدخل الأساسي والعقلاني في تنمية وعي المواطنة من منظور ثقافي-إجتماعي هو خيار الاعتدال الثقافي الذي يتبناه تيار التجديد الديني الأصيل، والذي يسعى لبناء وعي ديني مدني يعكس ماهية الدين ودوره ومشروعه الحضاري الأمثل كما أنه يسعى جاهدا إلى تنقية التراث ووالموروث الثقافيين الدينيين لدى مجتمعاتنا من أجل تجاوز معاملات التخلف والضمور الحضاريين ...

يبقى أننا بحاجة ماسة اليوم لنقاش حول إصلاح مؤمن بالدين والتجديد والتنوير يعكس التمدن والرقي والتحضر في ثقافتنا العربية الإسلامية، ويبحث في شروط حضارة العدالة, ويبرز معالم فلسفة العمران في الدين نهجا وسلوكا، كل ذلك يشكل بديلا حقيقيا عن جدالات عقيمة ضيعت على مجتمعاتنا فرص العيش المشترك الكريم والمواطنة السليمة، كما كرست -تلك الجدالات- ثقافة الكراهية بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة، حتى أصبح بديل الدين هنا هو الخلاص بينما هناك عند العم سام عاد الدين للنقاش حتى لا يفقد التمدن بريقه فيما بعد الحداثة، ويبقى السؤال متى نجدد وعينا للدين؟!

 

بقلم: أ.مراد غريبي

كاتب وباحث في الفكر

 

في المثقف اليوم