قضايا

الحب بلا زواج.. صراع الرغبة والثقافة

لي صديق يعيش في بلد أوربي، كنا نلقبه بـ"عاشق النساء"، فهو يحب النساء كثيرا ولايقوى على مقاومة فتنتهن وإغوائهن.. تعرّف على فتاة أوربية في غاية الجمال بدت له " مثل حورية هبطت للأرض من الجنان" على حد وصفه.

عاش مع الفتاة قصة حب جارفة ألهبت جسده وخياله، وعندما عرض عليها الزواج رفضت وقالت له أنها لاتؤمن بمؤسسة الزواج فالزواج هو مقبرة للحب، بحسب تعبيرها.

الصديق ينتمي للديانة الإسلامية ويخشى الوقوع في الحرام، وفي ذات الوقت لايريد مثلها أن يدفن حبه في مقبرة الروتين.

- ماذا نفعل إذن؟

سألها، فأجابت: نبقى هكذا بدون زواج، نلتقي في الوقت الذي يناسبنا ونلبي رغباتنا بدون مسؤولية زواج وأسرة وأطفال و"وجع رأس".

لم يستطع صاحبنا أن يقاوم إغراء حبيبته الأوربية التي كانت بالنسبة له مثل فاكهة محرّمة تستثيره لقضمها، فتجاوز موروثه الديني والثقافي وبقيّ مستغرقاً معها في بحر العسل ينهل منه متى ما يشاء.

بعد فترة ليست بالقصيرة شعر بأن الملل والروتين أخذ يتسلل إليه، واكتشف أن الحبيبة المُشتهاة لم تعد تلك الحورية السماوية، بل هي مثل بقية نساء الأرض لا تملك أكثر مما عندها !.

وحين خططّ للإنسحاب وإنهاء تجربة الحب بلا زواج، لم تهتم الحبيبة الأوربية للأمر كثيرا.

قالت له بكل برود:

- بوسع كل واحد منا أن يخوض تجربة حب أخرى قد تكون أفضل وألذ من تجربتنا هذه.

حين استمعت للصديق وهو يروي لي بأسى نهاية قصته، ويبثُ لي شكواه من مكابدات البحث عن حب خالد، شعرت بأنه كان يحاول عبثاً أن يمزج الماء مع الزيت في بوتقة واحدة.

المسألة الجوهرية في نظري ليست في المفاضلة بين حب بلا زواج، وزواج بلا حب، لأن مشاعر الحب أصلا لايمكن إخضاعها للتجريب وهي مهما كانت ذاتية وشديدة الالتصاق بروح وقلب الإنسان فإن الثقافة السائدة تبقى مؤثرة لدرجة كبيرة على هذه المشاعر وتلعب دورا رئيسياً في تنميطها.

صاحبنا المهاجر ينتمي لثقافة تقدّس الحياة الزوجية وتعتبر كل علاقة حميمية بلا رابط الزواج الشرعي تجاوزاً على حدود الله تعالى، ومن شأن التماهي بين العقائدي والثقافي أن يجعل الخيارات الفردية في العلاقة بين الجنسين محدودة للغاية خلافا لما عليه الحال في المجتمعات الغربية حيث الفردانية هي التي توجه السلوك العاطفي.

وما لم يكشف عنه "عاشق النساء" هو أنه كان يعيش صراعاً مريراً في داخله بين موروثه الثقافي من جهة، وشهية التماهي مع ثورة الجسد وتمرده من جهة أخرى. وأحسب أن الكثير من الرجال والنساء في مجتمعنا وبقية المجتمعات العربية، تعيش هذا الصراع في ظل طغيان العولمة وثورة الإتصالات، وتدفق "الحداثة السائلة" - بتعبير زيجموند باومان- على مجتمعات تقليدية تعجز عن تبنيها أو حتى التكيّف معها، الأمر الذي ينتج ذات مبتورة بهويات متعددة متخاصمة فيما بينها.

ومع استمرار تداعيات سيول الحداثة والمفاهيم الجديدة للعلاقات العاطفية، يبقى السؤال الأهم، بالنسبة للرجل الشرقي والمرأة الشرقية، هو: هل بوسع ثقافتنا أن تستوعب ثورة الجسد المعولمة في مؤسسة الزواج الشرعي، وهل بوسعنا أن نجعل من تجربة الزواج حباً دائما بين شريكي الحياة ؟.

أقول نعم بوسعنا ذلك، وتجارب الحياة تطفح بتجارب ناجحة عن مشاعر حب بقيت متقدة ومتوهجة بعد الزواج ولم يخفت لهيبها حتى بعد مجيء الأحفاد.

والأهم من كل ذلك هو أن الدين الإسلامي الحنيف رسم معالم هذا الطريق أمام الرجل والمرأة، وأقصد هنا الدين بما هو رسالة سماوية لإسعاد البشر ونشر الحب فيما بينهم، وليس تفسيرات المتزمتين الخائفين من طرح هكذا قضايا على المنابر الدينية.

ختاماً أقول بإختصار، أن مشكلة الباحثين عن حب خالد لا تكمن في تذمرهم من ذهاب وتلاشي بريق "القفص الذهبي" بقدر ما هي مشكلة الداخلين فيه والعاجزين عن تحويله إلى نعيم دائم.

***

طالب الأحمد

في المثقف اليوم