قضايا

عبد القادر رالة: العرب والخراب

لما وصلتُ الى الفصل السادس والعشرون من المقدمة قرأته أكثر من مرة لأجل أن أفهم قصد العلامة ابن خلدون جيدا...

هل أخطأ العلامة، أم نحن الذين فهمناه خطأً، وإنما قصد هو الأعراب أي البدو، وكل الحضارات الكبرى عاش على هامشها وحدودها المكانية وألزمانية البدو، بدو أعراب بجانب الحجاز ونجد والعراق وبلاد الشام، و بدو أتراك على حدود الدولة الساسانية، ومغول على حدود إمبراطورية الصين، وجرمان على تخوم روما، حتى في العالم الجديد عاش هنود رحل على حدود إمبراطوريات الإنكا والمايا والأزتيك ...

فالعرب قبل الإسلام كان لهم مدنية غير مدنيات اليمن وتدمر وإنما في مكة والمدينة والطائف ونجران، وهذه المدن كانت قائمة على أسس العمران التي ذكرها ابن خلدون وأصلها في مقدمته الشهيرة؛ من سياسة وملك وعلاقات دولية وتجارة وحروب وجند وطب وأدب وأساطير وعلوم وصناعة وإن كانت بسيطة، وهؤلاء العرب لما انتقلوا من هذه الحواضر الصغيرة الى العالم الواسع أنشئوا مدناً كبيرة عامرة ولم يخربوا وإنما عمروا بل وأوجدوا مدنا جديدة؛ الفسطاط، القاهرة، الكوفة، البصرة، القيروان، تيهرت، تلمسان، بجاية، بخارى، سمرقند، بغداد، خلب، اشبيلية، قرطبة، مراكش وغيرها من المدن والحواضر العامرة بالعلم والمدنية ، وهي مدن معروف دورها في تاريخ الحضارة الإسلامية والتاريخ العالمي ككل ...

فابن خلدون قصد الأعراب، ولم يقصد أبدا العرب وإلا كيف سيفسر الحضارة الراقية التي كانت في بغداد والأندلس وصانعوها عرب، بل إن بغداد لم تفقد بريقها إلا بعد أن تسلط عليها الترك، وكذلك الأندلس لما سيطر عليها الصقالبة .. حتى الأعراب الذين قصدهم العلامة سرعان ما اندمجوا في المجتمع الحضري للدول والإمارات التي كانت قائمة مثل بني هلال في المغرب أو المرابطون في الأندلس...

حتى الخراب الذين أحدثه أولئك لا يمكن مقارنته أبدا بالخراب والهمجية التي اتصف بها الواندال،الجرمان، الفيكينغ، الهون أو المغول ...

ومن يتصفح كتب التاريخ ويقرأها جيدا يلمحُ أن الخراب الذي لحق الحواضر العربية الكبرى إنما سببه الغزو الخارجي الذي له كان دور كبير في تعطيل و إطفاء نور التحضر والمدنية العربية، وبالأخص الغزو المغولي، الحروب الصليبية وحروب الأسبان على حواضر المغرب العربي ...

***

بقلم عبد القادر رالة

في المثقف اليوم