قضايا

مريم لطفي: علّمه البيان.. أصل اللغة في القرآن الكريم

"الرحمن،علم القرآن،خلق الانسان، علّمه البيان".. سورة الرحمن

عندما تُذكر اللغة فأول شئ يتبادر الى الذهن النطق الانساني بكل ما يحويه من مفردات ولهجات وقواعد وكل ما يخص هذا العلم من  تفاصيل، وإذا أردنا أن نعرّف اللغة اصطلاحا: هي نسق من الرموز والاشارات التي يستخدمها الانسان للتواصل مع البشر والتعبير عن مشاعره واكتساب المعرفة، وهي عبارة عن رموز صوتية لها نظم متوافقة في التركيب والالفاظ والاصوات، وهي أحدى وسائل التفاهم بين الناس داخل المجتمع، ولكل مجتمع لغته الخاصة به.

والحقيقة ومنذ فجر الحضارة الانسانية القديمة والعلماء في بحث دائب عن نشأة الكلام، وما من علم أخذ جهدا هائلا كعلم اللغة ونشأتها والذي كان مثار اهتمام الكثير من العلماء على مر العصور، وقد اختلفت النظريات وتشعبت الاراء حول أصل اللغة حتى اعتبرها بعض العلماء من الماورائيات وإن لاجدوى من الاستمرار بالبحث فيها خصوصا وإنها وصلت إلينا كلا قائما بذاته بقواعدها ومفرداتها ولهجاتها وتنوعها، وقد تبنت المؤلفات العربية نوعين من الآراء أو فريقين من الباحثين:

الأول: النظرية التواضعية، والتي تنص على إن اللغة من صنع الانسان بطريقة المحاكاة، وهي نظرية تغوص في الغموض الى ماهو أبعد من المعقول، خصوصا إنها ليست لغة واحدة ولو كانت كذلك لقُبل الامر الى حد ما، لكن الموضوع كبير جدا لتعدد اللغات وتنوعها، وكل فرضية تبحث على إن اللغة من صنع الانسان لن تكون إلا ضربا من الخيال والتخمين، حتى إن الجمعية اللغوية في باريس قررت سنة 1878 منع تقديم الابحاث في هذا الموضوع لأن الابحاث كان فيها من السذاجة والبساطة وعدم كفاية الادلة  مايدعو الى التوقف .

الثاني: إن اللغة توقيفية أي إنها وحي من الله تعالى ولادخل للانسان في نشأتها إستنادا الى الاية الكريمة"وعلّم آدم الاسماء كلها" والنظرية التوقيفية ثابتة بنص الاية الكريمة ويبقى الاختلاف في تفسيرها  تفسيرا قطعي الدلالة، ومااذا كانت هذه الاسماء متداولة في الجنة أم إنها نزلت الى الأرض مع آدم وذريته فيما بعد، والأسماء هنا يقصد بها المسميات وكل مايدخل في هذا الحيز إستنادا الى كلمة "كلها"في الآية الكريمة والتي تشمل الأفعال والحروف  وإن الله علم آدم ولم يوحي له بل علّمه تعليما خصه به دون الملائكة و هذا العلم هو علم البيان "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين"..ال عمران 1283359 لوحة مريم لطفي

"قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" فلنتأمل معا هذه الاية الكريمة التي جاءت على لسان آدم وزوجه فهي جملة متكاملة مرتبة ترتيبا نحويا تحوي على اسماء وأفعال وحروف، وبما إن الآية جاءت على لسان آدم وزوجه فهذا يعني إن ذرية آدم قدتعلمت الاسماء والمقصود بها اللغة ككل عن طريق الوراثة والتربية"ومن آياته خلقُ السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآياتٍ للعالمين"..الروم22

فاللغة إذن نزلت مع آدم وزوجه وذريته فيما بعد وتناقلتها الالسن وسلقتها وربما أضافت عليها بعض المفردات كما يحدث عند الفتوحات أو الغزوات أن تتعشق اللغة ببعض المفردات الدخيلة من الثقافات الاخرى نتيجة الاختلاط أو التجارة أو المعايشة أو الهجرة أو الزواج وهكذا وفي هذالامر  الكثير من الامثلة عن وجود مفردات دخيلة نُسبت إلى موطنها لكنها بقيت قيد التداول سواء في اللغة العربية أوفي اللغات الاخرى..

وإذا ما دعتنا هذه الآية الكريمة لتدبرها بتأنٍ  فاننا سنجد الاتي:

-ان الآية جملة مضبوطة الشكل معنىً ونحوا.

-أن الله تعالى لم يخص آدم بالأسماء فقط بل كلما يخص المسميات من أفعال وحروف "علّمه الاسماء كلها".

-إن اللغة آية وقد خلقت مع خلق السموات والارض شأنها شأن آيات الله الاخرى وهذا الاستنتاج يقودنا الى أصل اللغة بانها آية من آيات الله جل وعلا وقد تنوعت واختلفت باختلاف الناس وألوانهم واللون هنا يعني الجنس البشري بعينه ولونه كالابيض والاسود والاحمر والاصفر..الخ

"إنا جعلناه قرأنا عربيا لعلكم تعقلون"..الزخرف3

فهذا الاختلاف في الاجناس تبعه اختلاف الامم"الوانهم" ثم إختلاف ألسنتهم" كيف لا والله هو الخالق المدبرلكل شئ"إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"..الحجرات

ودليلنا الآخر على إن اللغة من الله أن الكتب السماوية نزلت وكتبت بلغة الرسل والأنبياء الذيم بعثوا لكل أمة من الامم كالتوارة والانجيل  والزبوروالقرآن" لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" ..النحل

وهذا يعني إن اختلاف اللغات إنما جاء بسبب إختلاف الامم والشعوب وإن كل رسول إنما بُعث بلغة قومه وكل كتاب نزل بلسان الرسول عن طريق الوحي لكيلا لاتبقى حجة للناس ليؤمنوا ويعلموا إن السموات والارض لها خالق عظيم وهو الاجدر بعبادته "وماخلقت الجن  والانس الا ليعبدون"..الذاريات56

وعليه فان الله قد وضع السر بين أيدينا ودعانا لتدبره من خلال ما جاء بالايات القرانية من اعجاز واسرار وآيات قال تعالى"قرأنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون"..الزمر28

***

مريم لطفي

في المثقف اليوم