قضايا

عدنان عويّد: المواطنة وثقافة المواطنة

المواطنة لغة: جاء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي. المواطنة في اللغة العربيّة مشتقة من الوطن، وهو المكان الذي يولد الإنسان ويعيش فيه، وهي مصدر للفعل واطن بمعنى يشارك بالمكان الذي يعيش فيه مولداً أو إقامة. ويشتق منها مستوطنات ومستوطنون واستيطان وتوطن ووطني، وغير ذلك.

المواطنة اصطلاحاً: تعني، تمتع الفرد بعضويّة بلد أو دولة ما، ويستحق بذلك ما ترتبه تلك العضويّة من امتيازات أو حقوق وواجبات. وفي معناها السياسي على سبيل المثال، تُشير المواطنة إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها والالتزامات التي تفرضها عليه، أو قد تعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، وما يشعره بالانتماء إليه.) (1). ومن المنظور الاقتصادي الاجتماعي، يُقصد بالمواطنة إشباع الحاجات الأساسيّة للأفراد، بحيث لا تشغلهم هموم الذات عن أمور الصالح العام، أي تدفعهم لتحقيق التفاف الناس حول مصالح وغايات مشتركة، بما يؤسس للتعاون والتكامل والعمل الجماعي المشترك.

والمواطنة في أعلى تجلياتها تتجاوز القضايا الدستوريّة والقانونيّة، لتعبر عن حركة الإنسان اليوميّة المباشرة، مشاركاً ومناضلاً من أجل حقوقه بأبعادها المدنيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة، على قاعدة المساواة مع الاخرين دون تمييز لأي سبب كان. وإن اندماج هذا المواطن في العمليّة الانتاجيّة بما يسمح له باقتسام الموارد الوطنية، أي الدخل الوطني بطريقة عادلة في إطار الوطن الواحد الذي يعيش فيه مع الآخرين.

فالمواطنة بهذا المعنى، لا يمكن تجريدها عن سياقها الاجتماعي التاريخي بكل مستوياته الذي تُمارس فيه، ولا يمكن فهمها دون فهم البناء الطبقي السائد في المجتمع، والأيديولوجيا السائدة فيه، وهيكل الدولة، وطبيعة النظام الحاكم، وطبيعة نمط الانتاج، وموازين القوى الاجتماعيّة، ونمط توزيع الثروة والسلطة فيه.

هكذا يتحرر مفهوم المواطنة من مجرد كونه قيمة مثاليّة أخلاقيّة أو قيمة فرديّة يجب أن يعتنقها المرء أو يؤمر باتباعها، أو كونها مجرد قرار أو نص قانوني أو دستوري. فالمواطنة نتاج لحركة المجتمع بما يضم من مواطنين ومن المكونات والمصالح المشتركة لهم. ولهذا تطور مفهوم المواطنة تاريخيّاً، ليأخذ مفهوماً أكثر عمقاً وتعقيداً يتجاوز الجانب الخاص بالحقوق السياسيّة المباشرة للمواطن ليستوعب:

أولاً: إن الحقوق المدنيّة التي تشمل حريته الفرديّة في التعبير والاعتقاد والايمان والملكيّة والحصول على العدالة والمساوة وتكافؤ الفرص في مواجهة من يظلمونه، بأنها هي الحقوق التي يجب أن تجسدها وترعاها وتحميها المؤسسات القضائيّة والدستوريّة بشكل عام.

ثانياً: إن الحقوق السياسيّة والتي تضمن حقه في المشاركة السياسيّة ناشطاً وعضواً فاعلاً في بنية النظام السياسي أو كناخب، هذا ما يجب أن تتضمنه وتجسده مؤسسات البرلمان والمجالس المحليّة والأحزاب السياسيّة ومنظمات المجتمع المدني.

ثالثاً: إن الحقوق الاجتماعيّة، وتعني ضمان الرفاه الاجتماعي والتمتع بحياة إنسانيّة كريمة ومتحضرة، وفقاً لمعايير واضحة متفق عليها، هو ما تجسده نظم التعليم والرعاية الصحيّة والاجتماعيّة في الدولة والمجتمع.

رابعاً: وبأن هذا الفهم لروح المواطنة، علينا أن ندرك  بأن المواطنة لا يمكنها أن تلغي التفاوت الطبقي في المجتمع، أي كل تناقضات المجتمع وصراعاته، ولكنها تحد منها إلى حد كبير، وتحقق قدر متساوي من الفرص للجميع، تعمل – أي الفرص - على خلق حالات من العدالة والحفاظ على كرامة الإنسان ومساواته أمام القانون، وظهور المهارات الفرديّة الإبداعيّة والفسح في المجال لها لممارسة نشاطها.

ثقافة المواطنة:

“ثقافة المواطنة”، هي تلك الثقافة التي ترتكز على “مبدأ المواطنة” كمحور أساس حاكم لمجمل تفاعلاتها. وعلى اعتبار المواطنة كما بينا أعلاه، هي جملة من الحقوق والواجبات تتحقق من خلال قدر من الوعي والمعرفة، يسعي الفرد من خلالها إلى تحصيل حقوقه الطبيعيّة والمكتسبة، وسعيه للوفاء بالتزاماتها. وهذا المسعى لابد أن يتم من خلال وسائل مشروعة يحددها النظام ويتعلمها ويعيها الفرد. أهمها:

وسائل وشروط معرفة وتطبيق ثقافة المواطنة:

التطبيق الديمقراطي:

إنّ معرفة الوصول إلى مجتمع المواطنة يتطلب السعي إلى الايمان بالديمقراطيّة وتطبيقها. ذلك أنّ المواطنة هي محور الممارسات الديمقراطيّة، وهي هدف ووسيلة معاً. وبلا مواطنة تضحى الديمقراطية شكلاً بلا محتوى، وبناء على ذلك يحظى الموضوع بأهميّة كبيرة من هذا الجانب. ومثلما لكل نظام سياسي ثقافة تسانده، فإن للنظم الساعية لبناء الديمقراطيّة ثقافة المواطنة، التي تتجسد في قيم ومعايير سلوكيّة وتقاليد متعددة، مثل: احترام الآخر فلا يعود هنالك أنا مطلقة تحتكر الحقيقة والكمال لنفسها وتنكرها على غيرها. وبلا شك أنّ احترام الآخر يعني الاقرار بوجود رأي آخر، مما يتيح المجال لحريّة الرأي والتعدديّة الفكريّة والسياسيّة.

قيمة وثقافة التسامح:

وأيضاً من شروط تطبيق قيم المواطنة، لا بد من معرفة قيمة التسامح، إذ بقدر ما تبدو قيمة التسامح معنويّة وأخلاقيّة، فأنها بالضرورة تعني القبول بالآخر فكريّاً وسياسيّاً، والاستعداد النفسي لتقبل حلول الأخر في السلطة وبالتداول السلمي والدوري لها. وصناديق الاقتراع تعتبر ميدان حسم الصراع السياسي لتعزيز مفهوم المواطنة، وليس الاحتكام إلى السلاح.

لقد عد اعتماد الجزء الأكبر من الشعب على الحكومة في معيشتهم بطريقة أو أخرى، أو العمل لديها كموظفين عاملاً من عوامل تحكم الدولة عبر حواملها الاجتماعيّة بالمواطنين. فمعرفة الاستقلاليّة عن الحكومة بدرجة كافية تجعل المواطنين أكثر قدرة وحرية على الدفاع عن حقوقهم الخاصة، كما تنمي لديهم روح المبادرة والتنظيم المستقل بما يقوي روح ونفوذ المجتمع المدني.

تعدد مركز السلطة والرقابة:

لا بد من معرفة أهميّة وجود مراكز متعددة للسلطة، ورقابة متبادلة بين مؤسساتها، كمؤسسات قادرة على القيام بأعمالها في تناسق وتناغم دون اللجوء إلى الأساليب الإداريّة الخشنة التي تتمثل في الاعتداء على حقوق الأفراد والجماعات.

شرعيّة السلطة:

أي ضرورة معرفة تعبيرها الواقعي والحقيقي عند مجمل فئات الوطن، وانعكاس هذا في مشاركة المواطن مشاركة حقيقة في إدارة شؤون أو نظام الحكم، والتي تجسدها قدرة الفرد على الترشيح والتصويت في الانتخابات العامة والإسهام عبرها في حماية الحقوق العائدة إلى المجال الخاص باختيار ممثليه الحقيقيين.

فاعلية السلطة:

بمعنى معرفة قدرتها على إدارة شؤون الوطن، ولصالح كل فئاته، وحماية حقوقهم بشكل عادل ومتوازن دون الانحياز لفئة دون الأخرى.

على العموم: لقد اتسع مفهوم المواطن في الوقت الحاضر، ليتجاوز المفهوم التقليدي الذي يقصره بالمقيم على أرض الوطن، ليصبح مفهوم المواطن هو الإنسان المشارك في الحكم والسلطة السياسية، والمؤثر عليها بوسائل متعددة. ولتعزيز ثقافة المواطنة، فأن عدداً من الشروط يجب توافرها، كفيلة بتحقيق ذلك. منها: شروط سياسية، وشروط قانونية، وشروط اجتماعية. وشروط تربويّة وثقافيّة. (2)

شروط سياسية: أي المعرفة العقلانيّة والعلميّة بالسياسية وآليّة عملها وأهدافها. وشروط قانونيّة: أي المعرفة العلميّة بمفهوم الدستور وكيفيّة تشكله وآليّة عمله ودور ومكانة واستقلاليّة السلطات في.  وشروط اجتماعيّة: أي معرفة الوجود الاجتماعي ومكوناته السياسيّة والثقافيّة والعرقيّة والدينيّة وتفريعاتها، ومدى درجة تحكم المرجعيات التقليديّة في آلية عمل المجتمع . وشروط تربويّة وثقافيّة: أي معرفة الأساليب التربوية المتبعة في الاشتغال على المواطنة فكراً وممارسة، ثم معرفة البنى الثقافيّة السائدة في المجتمع ومدى توافقها مع روح المواطنة دينيّة كانت أم وضعيّة.

***

د. عدنان عويّد

كاتب وباحث من سوريّة.

..........................

1- الويكيبيديا

2-..(لمعرفة المزيد عن ثقافة المواطنة راجع المركز الديمقراطي العربيى - عن ثقافة المواطنة.. متى تبدأ ؟ - اعداد : أ.  نجاح عبدالله سليمان.). و(مجلة العلوم القانونيّة والسياسيّة – تصدرها كلية القانون والعلوم السياسية  - جامعة ديالي – العراق - ثقافة المواطنة : مفهومها – شروطها الموضوعية - شاكر عبدالكريم فاضل.)

في المثقف اليوم