قضايا

اسعد عبد الرزاق: الاستاذ الجامعي بين متطلبات القيم الجامعية ومتطلبات الواقع الراهن

يمكن القول أن الحديث عن الاستاذ الجامعي في الوقت الراهن لا يخلو من حساسية ولو بنحو نسبي، لأن الموضوع متداخل ومعقد إلى حد ما، ولا نشك في مدى صعوبة المشهد التعليمي في العراق على مختلف مستوياته سواء التعليم الثانوية أم التعليم الجامعي، وعند الحديث عن مشكلة ما لا ينبغي أن نغفل جميع عناصر المشكلة منذ مراحل التأسيس وإلى بقية مراحل التكوين.

إن العناصر الرئيسة للتعليم تتمثل في الطالب والمنهج والاستاذ، واي اختلال في أي عنصر يشكل عامل خطر على منظومة التعليم..

لماذا التركيز على الاستاذ في هذا المقال؟ والحال ان بقية العناصر بحاجة الى تسليط الضوء والاهتمام بها، نعم هذا تساؤل ضروري، والسبب هو اننا من منطلق وظيفتنا في هذا الجانب، ومن ناحية أخرى أن العنصر الاهم في العملية التعليمية هو الاستاذ لأن التوجيه والقيادة للعملية التعليمية في يده، فالمنهج بيده والطالب تحت رعايته وتوجيهه، وهو ما يحتم علينا بدء الحديث من (الاستاذ).

وثمة مشكلات تواجه (الاستاذ) كعنوان وقيمة وليس كمجموعة أفراد.. بمعنى أن القيمة المعنوية للأستاذ تواجه مشكلات أبرزها مشكلتان:

1- الاستاذ الجامعي -كعنوان أو مفهوم أو قيمة- يواجه تحدٍ من شخص الاستاذ نفسه أولا، بمعنى أن من يصل إلى مرحلة كونه استاذا جامعيا قد يعاني من مشكلات في أساس تكوينه العلمي والمعرفي، وهو ما يهدد قيمة (الاستاذ) كعنوان ذي قيمة عليا في الوسط الاكاديمي والاجتماعي من خلال تدني المستوى العلمي من جهة، وتدني في اكتمال الشخصية التي ينبغي أن يكون عليها الاساتاذ الجامعي وما يتحلى به من صفات ومزايا سلوكية تميزه عن الآخرين سواء طلبة كانوا أم أفراد عاديين من المجتمع.

2- البيئة الضاغطة، والظروف المرحلية التي تعصف بالتعليم، تهدد كيان الاستاذ، وتضعف شعوره بالثقة بسبب أزمات متعاقبة في التعليم مثلما تنعكس على الطالب والمؤسسة التعليمية تنعكس أيضا على الاستاذ الجامعي..

وما حصل في العراق بالضبط هو الظروف الاستثنائية..، التي جعلت المؤسسات التعليمية – سواء على مستوى وزارة التربية أم على مستوى وزارة التعليم العالي..- أمام ضغط كبير بين متطلبات التعليم، ومتطلبات الواقع الضاغط باتجاه التيسير على الطالب ومنحه فرصة التعليم مع مراعاة لظروفه التي أثرت عليه بنحو كبير جدا..

إن التفكير وفق هذه الثنائيات ليس سهلا بالمرة، ذلك أن المؤسسة التعليمية يتعسر عليها الموائمة بين متطلبات التعليم والحفاظ على قيمته وقيمه، ومراعاة الظروف الاستثنائية التي تحيط بالمجتمع وتنعكس على أداء الطالب، مع أعتبار أن الاستاذ ليس بمنأى عن تلك الظروف التي تعصف بالواقع العراقي.

والاستاذ الجامعي اليوم يعيش وسط عاملين ضاغطين: أولهما عامل الرصانة والحفاظ على المستوى العلمي، وثانيهما: شبح الضغط باتجاه حماية الطالب من بعض ظواهر المظلومية، مما يؤدي إلى تقييد في حركته باتجاه الترصين وبناء الطالب علميا، وفي ظل ضعف مخرجات التعليم الاساسي والثانوي، أصبح الاستاذ أمام مهمة عسيرة في تحقيق مستويات من النجاح الحقيقي في بناء طالب جامعي متمكن من تخصصه، وسط ضغوط اجتماعية تعود الى مشكلة تنظيمية أكبر من حجم الجامعات، ولا نغفل ضعف الدولة في مختلف المجالات بسبب المحسوبية والمنسوبية وتدخل أطراف من خارج الدولة في عمل الدولة، واضطراب المعيار المهني، ذلك كله يؤثر سلبا في انجاز الخطط، فضلا عن تنفيذها.

ولا نبالغ في القول في وجود شعور لدى الاستاذ الجامعي يعمل على اضعافه معنويا تجاه بعض التحديات التي تفرض عليه كما تفرض على المؤسسة التعليمة أيضا، وهذا الشعور يكون حقيقيا في بعض الأحيان ومزيفا في بعض منها، فالاستاذ الجاد علميا قد يواجه ضغوطا تعمل على خلق حالة من التهديد لكيانه عندما يجد قرارات تمنح لصالح الطالب قد يشعر الاستاذ أنها جاءت على حساب الاستاذ، وإن كان شعورا مبالغا فيه في بعض الأحيان، لكن ذلك لا يمنع من إعادة النظر في بعض القرارات التي من شأنها أن تشعر الاستاذ بنوع من الضعف أمام تادية واجبه العلمي والأكاديمي.

مثلما الطالب بحاجة الى ظروف مؤمّنة له في حياته الدراسية وإزالة مخاوف التشدد والتعسف من قبل بعض الاساتذة، يحتاج الأستاذ أيضا إلى ظروف تطمئن وتحمي وجوده وقيمته المعنوية في مقابل الطالب، وعلى اصحاب القرار في المؤسسة التعليمية أن يعوا هذه المشكلة التي جعلت الاستاذ أمام عاملين مختلفين على الاقل، عامل الرصانة والجد من جهة، ومراعاى الظروف الاستثنائية للطالب من جهة أخرى.

لا أبالغ القول في أن الاستاذ الجاد علميا يواجه غربة في وسطه الجامعي الذي يسير غالبا باتجاه حماية الطالب من نواح عدة تتمثل بأداء الامتحانات ونسب النجاح، وواقع الدراسات العليا وما يتضمنه من مشكلات معقدة تضغط باتجاهات متعددة، منها كثرة الطلبة المقبولين في الدراسات العليا، وما تصحبها من تدني في المستويات العلمية، فالكثرة والوفرة في اعداد المقبولين في الدراسات العليا تصاحبها –بنحو طبيعي- تسرب كثير من المستويات المتدنية إلى مراحل الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، مما يؤدي الى اضطراب العملية التعليمية أمام الاستاذ، ولا يسعنا الخوض في تفاصيل معقدة سوى التلميح إلى بعض ملامحها وتحدياتها.

وعلى النحو التذكير والتنبيه أسعى إلى القول بأن وظيفة الاستاذ الجامعي لابد أن تحفظ متطلبات القيمة الجامعية والأكاديمية من خلال سياسات متوازنة بين متطلبات التعليم الرصين، ومتطلبات الواقع الضاغط الذي يكاد يفرغ العملية التعليمية من محتواها الرصين.

***

ا.م.د اسعد عبد الرزاق الاسدي

جامعة الكوفة/كلية الفقه

في المثقف اليوم