تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

زعيم الخيرالله: النَّفسُ وألأنا هلْ هُما شيئانِ مُتَغايِرانِ؟

يقول أَحدُ المشتغلينَ باللاهوتِ: "النفسُ الداخِلِيَّةُ الحقيقيَّةُ ليست هي الأنا، بل الأنا هو صورةٌ عن هذه النفس الداخلِيَّةِ". وأنا أُضيفُ لِما قالَهُ بِأنَّ الأنا هو صورة مُشَوَّهَةٌ مُتَضَخِمَةٌ عن هذه النفس.

القُرآنُ الكَريمُ تحدَّثَ عن ثلاثِةِ أنواعٍ من الانفس، وفي الحقيقةِ، أنَّ القُرآنَ الكريمَ تَحَدَثَ عن نفسٍ واحدةٍ تعرضُ عليها عوارضُ ثلاثةٌ.

1- النَّفسُ الأمّارةُ بالسوء: وهي النَّفسُ التي تأمُرُ صاحبَها بالسوء والمعصِيَةِ، يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى عن هذه النفسِ:(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).يوسف: الآية:(53).

(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41) . "النازعات:الآية:40-41" . والنفس التي تميل للشهوات وتحتاجُ الى ارادةٍ صلبَةٍ لكبحِ جماحِها، هي النَّفسُ الأمّارَةُ بالسوء. وكذلك قولُهُ تعالى:

(أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ). البقرة: الاية:(87).

والنفسُ الأمّارةُ بالسوء هي التي تسير مع هواها ولاتقبلُ أَيَّ أمرٍ يخالفُ هواها.

2- النفس المُطْمَئِنَّة: وهي النفس التي وصلت الى حالةَ الرضا والاطمئنان يقول اللهُ تعالى:

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً)الفجر: الاية:.(27)- (28) . وهناك نفسٌ اخرى هي:

3- النَّفسُ اللّوامَةُ: وهي التي تلومُ صاحبها على الشنيعِ من افعاله، يقول الله تعالى:(وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).القيامة:الآيَة: (2) .

وظيفةُ النَّفسُ الداخِليَّةُ

النَّفسُ الداخِلِيَّةُ الحقيقيَّةُ التي وصفها بهذا الوصف هذا الباحثُ اللاهوتيُّ المُشارُ اليهِ في أولِ المقال، هي النفسُ التي تقودُ صاحبَها الى الحَقِ جلَّ جَلالُهُ يقول الله تعالى:

(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).فصلت:الآية: (53).

الآياتُ الأنفسيَّةُ كما هي الآياتُ الآفاقِيَّةُ تقود الانسانَ الى الله تعالى " حتى يتبيّنَ لهم أنَّهُ الحق"، والنفس الداخِلِيَّةُ الحَقِيقِيَّةُ تكتشفُ الصواب، ففي قصة ابراهيم الخليل وتحطيمه للاصنام، وقوله لهم ( بل فعلهُ كبيرُهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون)، هنا الله تعالى يقول:

(فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ). الانبياء:الآيَة: (64).

وكذلك هذه النفس الداخليَّةُ تستيقن الحق أي تصل الى حالة اليقين، كما في قولهِ تعالى:

(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ).النمل:الآيَة:(14).

ولعالم النفس النمساوي صاحب مدرسة التحليل النفسي سيجموند فرويد تقسيم ثلاثي في تحليلِهِ للشخصيَّةِ الانسانية هي:

1- الهُوَ (id): وهي التي تُعَبِّرُ عن الجانبِ البيولوجي للشخصِيَّةِ، والذي يمَثِّلُ الى الشهواتِ والغرائزِ والميولِ الهابِطَةِ.

2- الأنا(ego): وهي الحالةُ التي تتوسطُ بينَ الهُو والأنا العليا، ويعتبرها فرويد واقعيَّةً تتعاملُ مع الوقائعِ.

3-الأنا العليا(super ego): وهي النقيض للهو، وهي مثاليَّةٌ تهتَمُّ بالمثل العليا والأخلاق والقِيَم.

الأنا في القرآنِ الكَريم

تحدَّثَ القرآنُ الكريمُ عن هذهِ الظاهرةِ المَرَضِيَّةِ في الشَّخصِيَّةِ وهي تَضَخُمُ الشَّخصِيَّةِ وَانتِفاخُها . تحدث القرآنُ الكريم عن قِصَّةِ يُوسُفَ وكيفَ أَنَّ اخوتَهُ ارادوا قتلَهُ واخيراً صارَ قرارُهم النهائي أن يُلقُوهُ في غيابت الجُب. هذهِ هي الانا

المُشتقة من الأنانِيَّة، والتي تكمن فيها كلُّ الرذائلِ الأخلاقِيَّةِ . يقول الله تعالى:

(إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).يوسف: الآية: (9).

وكذلك الأنا المتضخمة المريضة هي التي اوحت الى قابيل بقتل اخيه هابيل، يقول الله تعالى:

(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ). المائدة:الآية: (30).

ابليس والأنا

ابليس الذي رفض السجود لآدمَ استكباراً وعُلُواً، رفض السجود لآدمَ ولم يطع الأمرَ الآلهي لانَّ الانا والغطرسةَ ملأت كيانَهُ ؛لأنَّهُ كانَ عابِداً ولم يكنْ عبداً حسب تعبير العلاّمَة الشيخ حسن زاده آملي رحمه الله تعالى. يقول الله تعالى:(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ). الأعراف: الآية: (12).

وهذا هو حالُ فرعون الذي تضخمت الأنا عنده فاحتقر موسى عليه السلام بقوله:( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ).الزخرف:الآية: (52) .

وتجاوز فرعونُ كلَّ الحدود بدعواه الالوهية، يقولُ الله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ). القصص: الآية:(38). وكذلك ادَّعى فرعونُ الربوبيَّةَ بقول الله على لسانه: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ). النازعات:الىية:(24).

وقارون الذي عَزَّى ماعنده من ثروةٍ هائلَةٍ الى مايمتلكهُ من عبقرياتٍ ومواهب ونسيَ رَبَّهُ الذي اعطاه الرزق وخلق له عقلَهُ وملكاته، الانا اذا تجاوزت حدودها تنسى الله تعالى . يقولُ اللهُ تعالى عن قارون: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ).القصص:الآية:(78).

وهناك انموذجات كثيرةٌ قَدَمَها القُرآنُ الكريمُ للذين اهلكتهم اناهم وانانيتهم كصاحب الجنتين والامثلةُ كثيرةٌ في كتاب الله تعالى.

تبين لنا من خلال هذه الجولة الفوارق بين النفس الداخلية وبين الانا الذي هو صورة مشوهة ومضخمة لهذه النفس، ومن هذه الفوارِقُ أيضاً هو كون النفس ينساها صاحبُها، أَمّا الأنا فلاينساها ؛ لأنَّها حاضرةق عنده . طل هذه الشواهدُ تثبتُ بشكلٍ لاشكَ فيه أَنَّهما متغايران.

***

زعيم الخيرالله

في المثقف اليوم