قراءة في كتاب

الحوار ونسيج الأفكار.. قراءة في كتاب: رهانات السلطة في العراق.. حوار في أيديولوجيا التوظيف السياسي

جاسم عاصيلعل واحدة من أساليب التأليف؛ هو الحوار الذي يفضي إلى خلق صيرورة لمؤلَف. فالحوار، سواء كان مباشراً أوغير مباشر، فهو يؤدي وظيفة التأليف، إذا ما أحسن (المُحاوِرْ) صنعته عبر مداخلات فكرية ومعرفية وتاريخية . تماماً كما فعله الروائي (روبرت ليتل) وهو يحاور(شمعون بيريز)، في كونه تداول ظواهر تاريخية تدور عليها الأسئلة . كما فعلناه أيضاً في كتابنا (أسئلة الثقافة والمعرفة) في حواراتنا مع الباحث (ناجح المعموري). هذا الأسلوب في التأليف يؤدي غرض التركيز في التأليف . ذلك مرهون بالثيمات الفكرية المبحوثة خلال الأسئلة . ولعلنا نجد في كتاب الباحث (طارق الكناني) الموسوم (رهانات السلطة في العراق/ حوار في أيديولوجيا التوظيف السياسي) متضمناً حواره مع المفكر (ماجد الغرباوي)، الذي وجدت في حواره سمة التركيز وخلق المعنى المرن للوصول إلى طرح جدلية فكرية باتجاه الاختلاف الجزئي والكلي مع الآخر، بمعنى تبلوّر الحوار كاشفاً عن صيرورة فكرية وليس مزاجاً عابراً . ذلك لأن المحاوِر تميّز بقوة أطروحاته وحقيقتها وثبوتية منحاها . بمعنى كان الحوار عبارة عن التقاء خاصيتين فكريتين، تختلفان أو تتفقان . المهم أن لا يعبر حوار السؤال بعيداً عن صيرورته الفكرية . وما يدعم هذا المنحى، هو طبيعة الحوار أولاً، وطبيعة المتحاورين ثانياً، ودقة المحاور في الاختيار ثالثاً، ورحابة صدر الشخص الذي يُجرى معه الحوار رابعاً . وجملة ما توصلنا إليه هو ديمقراطية الطرح ومرونة الحوار عند كلا الطرفين.

إن الحوار مبني على حقيقتين؛ أولهما المعرفة الواسعة لدى (المحاوِر) والاستلام الدقيق عند(المحاوَرْ). وبهذا استكمل الحوار محيط دائرته كما نرى .فكون الصندوق محصلة فكرية، يعني توصيف الحراك والخروج داخله . فالصندوق نعني به مخاض الحراك الفكري، الذي لا يبقى حبيس الملَكة المختلفة، وإنما العمل على تطوير وحداته، حيث تتشكل جملة اعتراضات ذاتية وموضوعية في ما يخص الفكر، امتحاناً وجدلاً على ما هو في تماس مباشر مع الظواهر الناتجة، والأخرى ما يُصّرح بها عبر وسائل الاعلام، التي هي في أساسها تتميّز بالارتجال والمزاجية والاختلاف الجزئي (المصلحة) الذاتية. ونرى أنها وهي ضمن هذا الحقل بقيت في ثباته بالرغم من حراكها داخل الصندوق، فلم تخترق جدرانه بالرؤى الجديدة المقنعة . فليس الاعتراض على الشيء مهم بقدر ما تقديم البدائل الفكرية لما هو مًعتَرض عليه . فالبقاء في داخل الصندوق يعني إقرار محتواه دون خلخلة أركانه ومركزه . كذلك يتطلب الأمر الكيفية التي يتم بها الوجود خارج الصندوق . فمنذ فترة طويلة وأنا أراقب عددا ممن يدعي الاختلاف مع ما يجري، ويخص أحياناً الأيديولوجية، لكن الأمر لا يتعدى موضع الاختلاف الذي أصبح سمة زمنية .إن الأمر كما ذكرنا يتطلب طرح البدائل بجرأة فكرية . فالوجود ضمن تقاليد (المنزل، المجتمع، الدولة، السلطة، العقيدة، الأيديولوجيا) يعني نوعا من العبث غير المجدي، وما أكثره في التاريخ والتاريخ السياسي والفكري. لكن ثمة وجود الندرة الخالصة في التشكل الفكري للمعترض على المتن الفكري، أي الكيفية التي يتم بها تشريح المبنى لتأسيس بديلاً عنه، وليس إلغائه . فالمفكر يصحح المسرى، ويجلي حواشي المبنى الفكري من شدّة تراكمات الأزمنة، ليخرج بالمتن أكثر نقاء .

43 رهانات السلطة في العراق

وحسبنا أننا تلمسنا مثل هذه الطروحات خلال الحوار الذي ضمه الكتاب الذي نافت صفحاته على (195) صفحة، دارت خلالها جملة مفاهيم نقتصربعضها بما يلي:

- كان تظهير الكتاب بقلم الباحث دليل على جدية الحوار. وهو ما وجدناه كذلك، حيث ذكر (إن ما طرحه المفكر والباحث ماجد الغرباوي في هذا الحوار يُعتبر محطة إضاءة كبرى للفكر الإنساني المتحرر من التبعية الدينية والمذهبية والايديولوجية) وهذا بحد ذاته سبيل لتحديد مسار الحوار. كذلك التوّفر على جرأة في الطرح والمداولة.

- تحليله لظاهرة انتعاش الحركات الأممية في العراق . استند على حقيقة كون العراق متعدد قومياً ودينياً ومذهبياً، مقابل (العرب، كالأكراد، والآشوريين، الأكراد الفيلية، المندائية وهم بقايا السومريين، أقدم من العرب تاريخياً . هذا النسيج لا يتفاعل مع شعارات تكرّس قومية على حساب قومية، أو دين على حساب آخر أو مذهب على وجود مذاهب أخرى . هذه التشكيلة الفسيفسائية تستطيع أن تبني وطناً يعمل فيه التنوّع بحرية وعمق لبناء دولة متحضرة، رائدها الحوار المبني على الاحترام .

- يتوقف وجود الشعب الحر على طبيعة الحاكم . والمثال على هذا يخص الطبيعة القومية للحاكم، وخاصيته المغلقة أو المنفتحة، ففي مصر . وعندما كان الحاكم جائرا تعامل مع الأقباط بأسلوب جائر، آو كانت نظرة المسلمين للأقباط نظرة سلبية .

- الكفاءة السياسية، عنصر مهم في العمل السياسي، فمهما كانت تضحيات المنتمي سياسياً في الظروف السياسية السلبية، قد لا تؤهله امكانياته الذاتية أن يكون قائداً سياسياً زمن التحرر من ربقة الجائر والمتسلط . فهو قد لا تؤهله كفاءته السياسية أن يتسلم منصباً كهذا . ويعزي هذا الاختيار إلى المناضل المنتمي، وطبيعة تقديراته لكفاءته النضالية، وكفاءته في استلام منصب في دولة . ولعل في هذا تتحكم قوة الانتماء الفكري، الذي لا يغلب وجوده وتضحياته مقابل استلامه المنصب . وهذا يُعد من علة العلل في تشكيلنا في السلطة منذ عام 2003. إذ كانت الغلبة على تشكل المحاصصة ورد الجميل النضالي، أو مكافأة السياسي على نضاله!!

- عقدة النفس وتركيزها على الذات ما شكل حاجزاً أمام صعود الكفوء للسلطة . غير أن نكران الذات هو السبيل الأوفق لنجاح العملية السياسية . فنحن إزاء تشكيل سلطة تقود لبناء دولة .وقد حلل المفكر وهو بصدد تشكل المناضل ومستلم المنصب على أسس نفسية دقيقة . وأكد على نماذج ابتعدت عن مقترح المنصب، بسبب ما يحمل تاريخه عبئاً سلبياً . فما يصلح للنضال السلبي، قد لا يصلح للآخر المتحرر . وهي ندرة سياسية لها متعلق فكري كما حللها (الغرباوي).

- ومن جملة ما طُرح في الحوار حصل على سعة فكرية واضحة، لأن الإجابات شملت كل مجالات الحياة السياسية والتربوية والثقافية والاجتماعية، مؤكداً طائفية التشكل، ولا موضوعية الانتخابات وصيرورتها ذات الخاصية المركزة على المحاصصة، وليس اعتماداً على الكفوء في اختصاصه . ولهذا أسباب وعلل كثيرة، كان المفكر (الغرباوي) جديراً بطرحها وتفكيك لبسها، والسبب يعود إلى المحاوِر نفسه الأستاذ (طارق الكناني) .

 

- رهانات السلطة في العراق.. حوار في أيديولوجيا التوظيف السياسي

- حوار طارق الكناني مع ماجد الغرباوي

الطبعة: 2017م

إصدار: مؤسسة المثقف في سيدني – أسرتاليا ودار أمل الجديدة في دمشق - سوريا

 

جاسم عاصي

.....................

نشر في صحيفة المدى البغدادية أيضا.

http://almadapaper.net/Details/210030

 

 

في المثقف اليوم