قراءة في كتاب

البشير النحلي: تَنْبيهات (7): السّكاكي ومعارك محمد العمري

"وأمّا منْ أراد التّمهر في أقسام الشّعر ومختاره وأفانين التّصرف في محاسنه فلينظر في كتاب قدامة ابن جعفر في نقد الشّعر وفي كتب أبي علي الحاتمي ففيهما كفايةُ الكفاية والتّوسع والإيعاب لهذا المعنى"[1].

ابن حزم.

"وبهذا الّذي ذكرناه في هذا الكتاب يُعْرَفُ التّفاضُلُ في البلاغة والفصاحة، وهو قَدْرٌ كافٍ في فهم ذلك في كتاب الله وسُنَّةِ نَبيِّه وفي الْمُخاطَباتِ كُلِّها، لم يَشذَّ منه إلاّ ما هو من موضوع صناعة الْعَروضِ وصناعة القوافي وبَعض ما يختصّ بالشّعر من حيث هو شِعْر. وأمّا ما هو مِنْ موضوع صناعة البديع والبلاغة ولم يختص به الشّعر من حيث هو شعر فلا"[2].

ابن البناء

فاتحة

هذا هو المقال الثّالث المخصّص لمناقشة كلام محمد العمري حول كتاب "المفتاح"؛ وقد تتبّعنا في الأوّل ما اعتبره "كشفاً واستخراجاً!" لـبنية هذا الكتاب ونسقه في "البلاغة العربية، أصولها وامتداداتها"[3] فظهر أنّ آراءه وأحكامُه تقع بعيدا عن عمل السّكاكي، وَتَرِدُ في كلامٍ عام متفاوتٍ ومتحلِّل من مستلزمات العلميّة على مستوى النّظر والمنهج والتّعبير؛ وتتبّعنا في الثّاني ما قاله عنه في كتاب "المحاضرة والمناظرة، في تأسيس البلاغة العامة"، فكان أن اطّلعنا على إمعان العمري في التّحلُّل من تلك المستلزمات إمعاناً انجرف به إلى الإتيان بأكثر ممّا أتي به في الكتاب الأوّل من آراء وأحكام لم يجد سبيلا إلى تبريرها غير التّحايل والتعسّف! وقد أوضحنا بعض ذلك بوقوفنا عند "بيانـ"ـه لتحويل السّكاكي لمسار البلاغة وأخذِه لروحها. وإذا كنّا في ما سبق من مقالات عن كتاب "المحاضرة" قد التزمنا بالسّير مع العمري "خطوة خطوة"، فإنّنا سنُخالف ذلك في المقال الحالي، لأنّ كلام العمري عن السّكاكي في الصّفحات 18 و19 و20 سائبٌ يجمع إلى تكرار ادّعاء إقصاء السّكاكي للسّؤال الشّعري وما يرتبط به من تعجيب وتغريب وتوهيم ومخادعة وغرابة! ثرثرة حول كون صاحب المفتاح ليس ملوما، وأنّ كتابه ينبغي أن يفهم بالرّجوع إلى ابن المقفع وابن وهب وأنّ المسؤول عن المشكلة هم من "استخصوا من مفتاحه ما يهمهم".. لهذا سنكتفي بفرز ما يُمكن أنْ يعتبر نقدا لكتاب المفتاح ممّا نرتّبه في الفقرات التّالية:

1. عدد صفحات «علم المعاني» في المفتاح دليلٌ على هيمنة النّحو واختزال الشّعر:3895 السكاكييورد محمد العمري الجدول التّالي الّذي يبيّن أنّ "علم المعاني يحتلّ في خريطة مفتاح العلوم مساحة تضاعف مساحة كل فصل من الكتاب على حدة":

ويتّخذ هذا التَّعداد دليلا على اختزال صاحب المفتاح للشّعر!

والعمري يُعدّد، هنا، الصّفحات الّتي يخصّصها السّكاكي لكلّ علم ويُقارنه بالعدد الّذي خصّصه لعلم المعاني حتّى يوكّد أنّ صاحب المفتاح أخضع البلاغة للنّحو، فصّيّرها جرّاء ذلك ضيِّقةً مختزلة؛ ذلك أنّه وإنْ "عدّل"! –حسب زعمه!- التّقسيم الثّنائي لكتابه إلى تقسيم ثلاثي تحوّل معه علم المعاني والبيان من وضعية المكمّل للنّحو إلى وضعية الشّريك القائم الذّات فإنّ علم المعاني بقي في المفتاح "امتدادا تطبيقيّا للنّحو"[4]، إذ بـ«رغم الانقلاب الّذي وقع داخل مفتاح العلوم بانتقال المركز من الصرف والنّحو إلى علمي المعاني والبيان، وظهور البلاغة لتعني ما عناه علم الأدب في المشروع الأوّل، فإنّ الانطلاق من النّحو ومن المفهوم الّذي أعطي لعلم الأدب: التحرز من الخطأ، قد جعلهما يبسطان ظلالهما على صياغة السّكاكي للبلاغة العربية. أضف إلى ذلك محاولة صياغة التحويلات الدلالية صياغة استدلالية منطقية [5]«! وقد ناقشنا ذلك وبيّننا تهافته، فلا نُعيده. لكنّنا نستحضر هنا -للمقارنة- رأي محمد عابد الجابري؛ يقول: «لقد قلّص السّكاكي من موضوع النّحو فقصره على دراسة كيفيّة تراكيب الكلمات: تقديم بعضها على بعض وتأثير بعضها في بعض على مستوى الإعراب فقط، وألحق بذلك خاتمة، ولو أنّها طويلة، في العلل. أمّا ما كان يسميه النّحويون القدامى كالسّيرافي والجرجاني بـ«بمعاني النّحو»، أي تعليق معاني الكلمات بعضها ببعض وما يرتبط بذلك من وجوه علاقة اللفظ بالمعنى، وهي موضوعات كانت مندمجة في النّحو منذ كتاب سيبويه..أما «معاني النّحو» هذه فقد فصلها السّكاكي عن النّحو وجعل منها علما خاصا سمّاه «علم المعاني» وربطه بـ«علم البيان» وجعل منهما ومن «المحسنات اللفظية والمعنوية»(=علم البديع) الفروع الثلاثة لعلم البلاغة.» [6] لكنّ تقليص السّكاكي للنّحو -وهو عكس ما يزعم العمري- لا يعني جَعْلَه علم المعاني والبيان شريكا قائم الذّات يمكن أنْ يقوم من دون النّحو كما يؤكّد صاحب "البلاغة العربية" بتهافتٍ ظاهر؛ لذلك فإنّ الجابري يُنبّه من لم "ييبس الثّرى بينه وبين نظر العقل[7]" قائلا: «ومع ذلك فالفصل الّذي قام به السّكاكي بين «النّحو»» و«معاني النّحو» لم يكن نهائيا، وإنما كان عملا منهجيا، فهو يعتبر علم المعاني وعلم البيان يشكّلان «تمام» علم النّحو مثلما اعتبر الاشتقاق من «تمام» علم الصرف. وإذن فالعلاقة بين علم النّحو من جهة وعلمي المعاني والبيان من جهة أخرى تبقى وشيجة وعضوية.» [8]

لِنترك ذلك ولنَعُد لما نحنُ فيه: إنَّ تَعداد الصّفحات لبيان أنّ علم المعاني يحتلّ في خريطة المفتاح مساحة تُضاعف مساحة كلّ فصل على حدة ليس مما يمكن أنْ يُسعف العمري ويكون دليلا على اختزال السّكاكي الشّعر إلّا بثلاثة مطالب مُتلازمة: أمّا الأول فأنْ يُثْبِت وجودَ علمٍ للبلاغة متميّز عن النّحو وواضح الحدود قبل السّكاكي-بل ومع السّكاكي نفسه- ويبيّن، بالتّبع، كيف هدم السّكاكي تلك الحدود وألحق منطقة البلاغة بالنّحو؛ وأمّا الثّاني فأنْ يُثبت، بعيدا عن تسييب الكلام، أنّ علم المعاني عند السّكاكي هو، فعلا، امتداد تطبيقي للنّحو؛ وأما الثالث فأنْ يبرّر اتخاذه الكمّ معيارا في هذا السّياق. وبيّنٌ أنّ الوفاء بالمَطلبيْن الأوّل والثّاني أشدّ من خرْطِ القَتاد، وتبرير معيارية الكم، صدَدَ ما هو فيه، ممّا لا يجرؤ عليه باحث!

وحتّى على فرض التّسليم بالكمّ معيارا، فإنّ ذلك يؤكّد عكس ما يحاول إثباته. ويكفي للبرهنة على عدم هيمنة النّحو بالمعنى الّذي يدّعيه، وبنفس منطقه، ملاحظة الصّفحات الّتي خُصِّصت له مُقارنةً بعلم المعاني وحده! وبالاستناد إلى كلامٍ له هو نفسه، في مكان آخر، أقرّ فيه بحرص السّكاكي على ضبط الحدود بين علم المعاني وعلم النّحو[9]:  فصفحات النّحو88 فقط، أما صفحات علم المعاني فتبلغ 168 صفحة وفقاً لتَعداده هو، ونحن نثق به!

إنّ السّكاكي كان يدرك، في حدود سقف المعارف المتاح في زمانه، أنّ الخطاب ظاهرة معقّدة، والنّظر فيه من زواية من الزوايا، وإعطاء الأولويّة لنوع من أنواعه أو لمستوى من مستوياته هو ممّا يجعل العلوم النّاظرة فيه تتعدّد وتتداخل وتتطالب حتّى وإنْ كان التّنافر والتّنافي هو ما يطبع بعض جوانب العلاقة الرّابطة بينها؛ لذلك لم ينشغل بعلوم الأدب كلاًّ على حدة، ولم يفكّر -كما يحاول أنْ يقنع به العمري- بـ"منطقة" خالصة خاصّة بالبلاغة، فمثل تلك "المنطقة" لا وجود لها عنده. لقد أوضح السّكاكي أنّ النّاظر في "الأدب" يفتقر إلى علوم كثيرة، فَرَز منها الضّروريّ القابل لأن ينضبط –ولو في حدود معينة- ويدخل في تكامل مع غيره، وحدّد كلّ علم من ذلك وبين المستوى الّذي يهتم به، وربط وراتب على نحو يجعل من عمله مدخلا منهجيّا رصينا صالحا للانطلاق منه في تحليل ونقد الأدب بالنّسبة لذوي الهمّة ممن يشتغل داخل الإبدال البلاغي العربي القديم. فعلوم المفتاح، إذن، ليست مستقلّة، بل هي مُتَطالِبة، وهي لا تقع في نفس المستوى، بل هي مُتَراتِبة؛ وهي علوم لازمة لتناول أيّ نوع من أنواع الخطاب الأدبيّ الّذي انشغل به السّكاكي. وهل يمكن لأحدٍ أنْ يدّعي أنّ النّظر في الأصوات، وفي الصّرف، وفي النّحو غير لازم للشّعر، وكلّ نصّ هو قبل كل شيء تحقّق لاختيارات صوتيّة وصرفيّة وتركيبيّة ودلالية، وهي اختيارات متطالبة وتتلازم في إطارها القاعدة والعدول عن القاعدة؟ إنّ علم المعاني والبيان مرصود بتمامه في المفتاح للخطاب الشّعري والأنواع القريبة والشّبيهة، فـ"التّدرّب فيه موقوف على ممارسة باب النّظم وباب النّثر[10]" . وقد أشار العمري نفسه إلى جانب من ذلك، وإنْ أسقط عليه ما قرأه في "بنية اللغة الشّعرية" لكوهين، عندما قال إنّ بعضنا قد يجد »صعوبة في تعميم المفهوم الانزياحي على كل الصور البلاغية الّتي يضمها علم المعاني والبيان «[11]. وها نحن أولاء نرى أنّ من سجّل هذه الملاحظة يعود هنا ليقدّم هذا التَّعداد للتّدليل على أن الاهتمام بالشّعر لم يظهر إلا في الفصل "الفقير" المخصّص له، ويريد أن يرسّخ في ذهن "طالبه المجتهد" أنّ بإمكانه النّظر في الخطاب من زاوية ترصُد العدول دون حاجة لمعرفة القاعدة الّتي تخرق ويعدل عنها؛ فانظر!

فإذا كانت حاجة قائل الشّعر والنّاظر فيه إلى علوم المفتاح جميعها-وإلى غيرها- مما لا سبيل إلى أن يُنكر، وكان السّكاكي إنّما حاول التّأليف بينها على نحو ملائم بقصد المساعدة على تحقيق مطالب المهتمّين بشأن الأدب شعره ونثره، كان التعلّق بدعوى كون السّكاكي اختزل الشّعرَ لأنّه خصّص له حيّزا ضيّقا من كتاب المفتاح تعلّقا بباطل، والبناء عليه محضُ تعسّف وسُخف، وكان تَعدادُ الصفحات للمقارنة بين حيّز كلّ علم من باب الإيهام والتحايل!

2. فقر الفصل الّذي خصّصه السّكاكي للشّعر وفقر تصوّره له

رأينا في الفقرة السابقة أنّ ما قام به السّكاكي في مُخْتَصره من ربط بين الصّرف والنّحو والمعاني والبيان وما يسبق ذلك ويلحقه هو من صميم ما يتطلّبه النّظر في تراكيب الكلام البليغ نثره وشعره، وأنّ ما "يخصّ" الشّعر، أي ما يزيد به الشّعر على النثر -الّذي تتوافر لبعض أشكاله خصائص تقرّبه منه-  إنّما يقوم، وفقا لمنظوره، في وزنه. وهذا ليس من باب الاستنباط، فالسّكاكي يقوله باللّفظ الصّريح:  "وحين كان التّدرّب في علمي المعاني والبيان موقوفا على ممارسة باب النّظم وباب النّثر، ورأيت صاحب النّظم يفتقر إلى علمي العروض والقوافي، ثنيت عنان القلم إلى إيرادهما"[12]. فيكون قول العمري إنّ: «.. السّكاكي اعتبر الحديث عن الوزن العروضي حديثا عمّا يميز الشّعر عن باقي الكلام البليغ كما حدّده«  قولٌ يحمل على الظّن بأنّه يكشف رأيَ السّكاكي الجديد غير المألوف وأنّه معيبٌ؛ والواقع أنّ العيب في قول صاحبِ "المحاضرة والمناظرة" نفسه. إذْ يكفي أن نسأله عمّا يمكن أن يكون ملمحاً مميّزا للشّعر عند عموم المهتمّين به من القدماء ليتّضح تهافتُه. والتّعلّق بالتّخييل الّذي ورد عند «الفلاسفة» وعند حازم ليس ممّا يمكن أن يُسعفه في التّغطية على أحكامه السّائبة، وسنعود إليه. أمّا تعليقه على تعريف السّكاكي للشّعر بالقول: «وللطالب المجتهد، والأستاذ غير المقتصد، أن يرصدا المسافة الفاصلة بين هذا التصور النظمي العروضي للشعر وبين تصوري منظرين كبيرين للبلاغة العربية: أولهما متقدم عليه وأستاذ له، والثاني معاصر وند. أقصد الجرجاني وحازم«[13]، فتمويهٌ وإيهام مجرّدان، يهدفان إلى إسقاط ذلك "الطالب المجتهد" و"الأستاذ غير المقتصد" في الاختزال المعيب الّذي يقوم به العمري لتصوّر السّكاكي للشّعر باكتفائه بما نصّ على  أنّه "يخصّ" الشّعر، وإلغائه لكلّ الجهد الّذي بدله لتركيب علوم مختلفة رأى أنّها ضروريّة لأصحاب المطالب العلميّة في مجال الأدب منثوره ومنظومه! وما يَغيب عن أفق العمري-أوْ ما يُغَيِّبه- لحظة إطلاق هذه الأحكام (1) أن النّثر وفق تصوّر السّكاكي -وغيره من القدماء سلفاً وخلفاً- ليس خطابا "عاديّا" يمكن أن يُعتبر معيارا يقاس إليه الخطاب الشّعري "المنزاح"، فذلك الخطاب(العادي) غير مُعْتَبَر عندهم "لنزوله في صناعة البلاغة منزلة أصوات حيوانات تصدر عن محالها بحسب ما يتّفق"، (2) وأنّ نموذجهم الأمثل للخطاب البليغ هو الخطاب القرآني، الّذي التبست بنيته على بعضهم فعدّوه من قبيل الشّعر (3) وأنّ نظرهم في كلام البلغاء الشّعريّ والنثريّ إنّما كان يتمّ في الأكثر بهاجس محوريّ يتمثّل في محاولة فكّ شفرات ذلك النّموذج وبيان الخصائص الّتي تُحله ذلك المحلّ الّذي "تتقاصر عنه الطّاقات"! (4) وأنّ إدخال المحاكاة والتّخييل من قِبل "الفلاسفة" إنّما تمّ بهاجس التّفريق بين القول الشّعري والقول الخطابي، دون أن يعني ذلك أنّهم اعتبروهما مميّزان للشّعر لأنّهم كانوا يدركون، في عمومهم، أنّ فنوناً قوليّة وغير قوليّة (النّحت، والرّسم مثلا) كانت تشترك في اعتماد التّخييل والمحاكاة؛ لذلك كان الوزن عندهم هو ما يخصّ الشّعر[14]، ولقد خصّه حازم بعناية كبيرة، فجعل العروض موضوعا للمنهج الثّاني من القسم الثّالث (في النّظم) من كتاب "المنهاج"، وأشار فوق ذلك إلى أنّ حديثه فيه مجملٌ وأنّ تفصيله في موضع آخر[15].

3. حول المسافة الفاصلة بين تصوّر السّكاكي للشّعر وتصوّر الجرجاني وحازم:

يقول العمري: «وللطالب المجتهد، والأستاذ غير المقتصد، أن يرصدا المسافة الفاصلة بين هذا التصور النظمي العروضي للشعر وبين تصوري منظرين كبيرين للبلاغة العربية: أولهما متقدم عليه وأستاذ له، والثاني معاصر وند. أقصد الجرجاني وحازم[16]«. وقد علّقت في الفقرة أعلاه بأنّ هذا الكلام تمويه وإيهام؛ فصاحب "المحاضرة" يشطب بهذه الأحكام السّائبة على كلّ "المفتاح" ولا يريد لطالبه  "المجتهد" إلّا أنْ يعضّ بالنّواجذ على ما يختلقه ويُلصقه بالسّكاكي: فقد أقصى السّكاكي الغرابة والتّخييل وعرّف الشّعر بالوزن، فاختزل البلاغة وضيّق أراضيها وترك الإمبراطورية نهبا لأطماع الكيانات الّتي تقع على الحدود!

لا يحتاج الطالب "غير المجتهد" والأستاذ "المقتصد" أن يسألا: لماذا لم يقم العمري بتَعداد صفحات "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" ويقارن عدد صفحات الكتابين، ما دام مصرّاً على محاكمة عمل السّكاكي بالقياس إلى عمل عبد القاهر الجرجاني ومصرّاً على تأكيد انتمائهما إلى (پراديكمين) متواجهين! لماذا لا يحتاجان إلى طرح هذا السّؤال؟ ببساطة لأنّ تعسّف صاحب "المحاضرة والمناظرة"، يُظْهِره تهافتُه وتحلُّلُه التّام من متطلّبات البحث العلميّة والأخلاقيّة: فإذا كان عمري "المحاضرة"  مُصِرّا على حشر السّكاكي في "پراديكم بلاغة الانحسار"  وجعله في مواجهة "پراديكم بلاغة الانتشار" الّذي يحشر فيه الجرجاني وحازم، فإنّ  العمري مؤرِّخ "البلاغة العربية" كان قد قال كلاما يستحيل معه الفصل بين السّكاكي والجرجاني، بلهَ أن تكون أعمالهما ممّا يمكن أن يوضع في "پراديكمين متواجهين". لقد قال: «حين ننتهي من رحلة المشروع  نصل إلى المنجز فنجد السّكاكي يضع المعاني (النظم عند الجرجاني) في المقدمة، ثم يردفها بالبيان (المعنى في الأسرار)، نعلم أنه كان مشغولا بالصياغة العلمية المنسجمة لعمل عبد القاهر، مبتدئا من حيث انتهى، أي من معاني النّحو الّتي هي الإعراب[17]».[ قلتُ: معاني النّحو ليست هي الإعراب؛ وقد نبه عليه الجابري.] وتأسّف على مآل "منهاج" حازم قائلا «من المؤسف أن حازم لم يظفر بقارئ من مستوى عال يقرأ عمله في مستوى طموحاته وأسئلته كما قرأ السّكاكي عمل الجرجاني دون تقيد بالخطة الّتي رسمها الجرجاني لنفسه[18]»،  هكذا إذن؟ السّكاكي قارئٌ من مستوى عال، ومن مفتاحه  يعلم العمري أنّه عمل على الصّياغة العلميّة المنسجمة لعملي عبد القاهر: دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة. فكيف يا هذا تصرف نظر طالبك "المجتهد" عما في المفتاح من آليات تعود لدلائل وأسرار الجرجاني الّذي "تعتبره" المثالَ لتقول له، وعلى طريقة الدّهماء، أنظر: إنّ السّكاكي يقول إن الشّعر هو الوزن؟ ولماذا لم تجعل ضمّه الوزنَ إلى حيّز البلاغة إثراءً لمنظور الجرجاني الّذي ادّعيت أنّه أقصى الوزن والموازنات، وفضيلة تُحْسَب له إذ أقام الرّوابط وأدرج العروض في البلاغة مباشرة ووسّعها عوض هذه المنعرج الّذي تسلكه أنت لإثبات علاقة البلاغة بالعروض عندما وَصَفْتَ حالها مع العلوم الشّرعيّة الّتي اسْتَعْمَلَتْها وظلّت، مع ذلك، تنظر إليها بحذر[19]؛ وما لك كيف تحكم؟ أتجعل إدخال الوزن في علم حازم الكلّيّ دليلا على الجهد الّذي بدله صاحب "المنهاج" للوصول إلى نسق يستوعب التّراث البلاغي والنقدي «[20]، وتجعل إدخاله من قبل السّكاكي في "علم الأدب"، الّذي قُلْتَ إنه شيء مماثل للعلم الكلي كما فكر فيه حازم[21]، إجراء مختزلا للبلاغة وللشّعر معاً؟

1.3.اقتراب السّكاكي من قدامة:

يَسْتَعْمل العُمَري رصيداً معتبراً من الحِيل من أجل عزل السّكاكي وجعله – بلا ضابط أو وازع - حامل لواء "البلاغة المأسورة[22]"، من غير أنْ يكترث بما يقوم به من تسييب المجال ومراكمةِ طبقات من الأقوال المتنافيّة. وليس أيسر من أن يظهر ذلك: فالمسافة بين أن يجمع السّكاكي إلى حازم في إطار "البلاغة العامة" المعضودة، ويجعل السّكاكي قارئا من مستوى عال حاول الصّياغة العلميّة المنسجمة لعمل عبد القاهر وأن يدفعه، بالمقابل، بيد ابن جني إلى الكُتّاب لحفظ شيء من شعر المتنبي ويُلْحِق كتابه "المفتاح" بالفصوص[23]! كبيرة. إنّ الغاية تبرّر الوسيلة في عقيدة العمري "البلاغية"؛ لذا نراه هنا يُوَجِّه طالبه المجتهدَ إلى التّسليم بكون السّكاكي اختزل الشّعر في الوزن متّبعا في ذلك قدامة ابن جعفر!. فهل قال السّكاكي، وقبله قدامة ابن جعفر، إن الشّعر هو الوزن؟

يَقول قدامة: «وعلما الوزن والقوافي وإنْ خصا بالشّعر وحده فليست الضرورة داعية إليهما لسهولة وجودهما في طباع أكثر النّاس من غير تعلّم. وممّا يدلّ على ذلك أن جميع الشّعر الجيد المستشهد به إنما هو لمن كان قبل وضع الكتب في العروض والقوافي، ولو كانت الضرورة إلى ذلك داعية لكان جميع هذا الشّعر فاسدا أو أكثره؛ ثم ما نرى أيضا من استغناء الناس عن هذا العلم بعد واضعيه إلى هذا الوقت فإن من يعلمه ومن لا يعلمه ليس يعول في شعر إذا أراد قوله إلّا على ذوقه دون الرّجوع إليه فلا يتوكد عند الّذي يعلمه صحة ذوق ما تزاحف منه بأن يعرض عليه، فكان هذا العلم مما يقال فيه إن الجهل به غير ضائر وما كانت هذه حاله فليست تدعو إليه ضرورة. «[24] هذا هو موقف قدامة الصّريح: إنّ الوزن مكوِّن يخصّ الشّعر، ومع ذلك فهو ليس ممّا يُشترط في الإنسان معرفته حتّى يقولَ الشّعر، كما لا يُشْتَرط فيه-إذا أردنا تدعيم رأي قدامة بحالِ علمٍ آخر- معرفة النّحو حتى يتكلم لغته. فهل يَجوز للنّاقد، أيضا، أن يجهله ولا يأبه له؟ لا، بالطّبع، ذلك أنّ النّقد معرفة عالمة يُفتَرض في صاحبها تحصيل ما يتطلّبه تَناوُل كلّ جوانب الموضوع الّذي يشْتَغل به. ومع ذلك فقدامة لا يعطي الوزن الأولويّة حتّى وإن كان خاصّا بالشّعر وكانت المُقَوِّمات الأخرى ممّا يرتبط بأصل الكلام شعره ونثره. وَمَنْ قرأ الكتاب يعرف أنّه لم يحَدّ الشّعر الجائز عمّا ليس بشعر بِمُجَرّد الوزْنِ، وهذه عبارته: «إنّه قولُ موزونٌ مقفّى يدلّ على معنى، فقولنا «قولٌ» دالٌ على أصل الكلام الّذي هو بمنزلة الجنس للشعر، وقولنا «موزون» يفصله مما ليس بموزون، إذْ كان من القول موزون وغير موزون، وقولنا «مقفى« فصل بين ما له من الكلام الموزون قواف وبين ما لا قوافي له ولا مقاطع، وقولنا «يدل على معنى« يفصل ما جرى من القول على قافية ووزن مع دلالة على معنى مما جرى على ذلك من غير دلالة على معنى، فإنه لو أراد مريد أن يعمل من ذلك شيئا على هذه الجهة لأمكنه وما تعذر عليه. «[25] وإذن فإنّ بين الشّعر والوصف "موزون" الّذي يفصله عما سواه هناك كلمة "قَوْلٌ" وما يقوم مقامها كاللّفظ والكلام عند قدامة وعند غيره. إنّ "قول" هنا محمولٌ، وهو معنى كلّي يشمل الشّعر وغير الشّعر؛ وحين قيّده بالفصل "موزون" فإنّ مكوناته الأخرى تظلّ موجودة معتبرة عند من يعقل؛ وقد انشغل صاحب الحدّ في كتابه بغير الوزن أكثر مما انشغل بالوزن. ولأنّ "القول" يشمل الشّعر فإن من الواجب أن يكون من المتصوّر، باختلاف وتفاوت دون شكّ، أنّ بعض الصّفات العامة تلحقه وتغلب عليه، وهي صفات قد يشترك معه فيها، أو في بعضها، بعضُ القولِ غير الشّعري. وإنّه لأمر شديد الدّلالة أن يوضّح قدامة حدّه للشّعر هذا التّوضيح الّذي يؤكّد فيه أنّ الجنس العام للشّعر وفصوله توجد فيه كما يوجد في كلّ محدود معاني حدّه، ويربط في توضيحه "النّطق" بالتّخيّل والفكر والذّكر. يقول النّاقد: «إنه لما كان الشّعر على ما قلناه لفظا موزونا مقفى يدل على معنى، وكان هذا الحدّ مأخوذا من جنس الشّعر العام له وفصوله الّتي تحوزه عن غيره، كانت معاني هذا الجنس والفصول موجودة فيه كما يوجد في كل محدود معاني حدّه، لأن الإنسان مثلا يحدّ بأنّه حيّ ناطق ميت، فحي بمعنى الحياة الّتي هي جنس الإنسان الموجود فيه، وهو التحرّك والحسّ، وكذلك معنى النّطق الّذي هو فصله مما ليس بناطق موجود فيه، وهو التخيّل والذكر والفكر، ومعنى الموت الّذي في حد الإنسان وهو قبول بطلان الحركة..  «[26] لهذا لا يحضر الوزن في "نقد الشّعر" بنفس كثافة المكونات الأخرى الّتي هي من صميم ما شكّل عمود الشّعر عند عموم القدماء كالتّشبيه والاستعارة والوصف والتّمثيل (إرادة المثل) والمحاكاة والمبالغة والغلوّ والكذب والخروج من الموجود والدّخول في باب المعدوم والإشارة والإرداف، وغير ذلك[27]. وإذن فهل يليق بِأَحَدٍ من النّاس، بلهَ من يكتب في البلاغة أن يلْغيَ الكتاب ويحذف من الحدّ ويطمس عدم إشارة قدامة إلى العروض -إلا عند الضرورة بحجّةِ "تقدم من استقصى هذه الصناعة"- ليُثْبِت اختزاله الشّعر في الوزن. أيكون مرجع كلّ محاسن الكلام (البديع) الّتي تحدّث فيها قدامة إلى الوزن والنّاس لا يعقلون، بمن فيهم حازم الّذي عدّه من البصراء بصناعة الشّعر والبلاغة؟  نفس تعريف قدامة يورده، وهذا مجرّد مثال، ابن الأثير في "كفاية الطالب" مضيفا "الافتقار إلى النيّة" وهو ما اشترطه السّكاكي كذلك: « والشّعر: قول موزون مقفى، دال على معنى، مفتقر إلى النية[28] » ويصف القول في الشّعر بما يلي: « وأحسن الألفاظ ثلاثة: التطبيق والتجنيس والمقابلة. وأحسن المعاني ثلاثة: الاستعارة والتشبيه والمثل، فعليك بها على سبيل الاقتصاد[29]». والتّشبيه والاستعارة والمماثلة والمجاز هي الأنواع نفسها الّتي سيضعها صاحب "المنزع البديع" تحت جنس التّخييل الّذي يعتبره موضوع الصّناعة الشّعرية[30]؛ بل إنّ الفارابي الّذي أوضح بما لا مزيد عليه أن الشّعر يمكن أنْ يُنْظَر إليه باعتبارات مختلفة  قال: إن "الشّعر هو التّمثيل[31]"، فاختصر في التّمثيل كل المقومات الّتي تكوِّن الخطاب الشّعري على الرّغم من أنّه يعلم أنّ التّمثيل أكثر ما يستعمل في الشّعر لا أنّه لا يستعمل إلّا فيه، دون أن يعني ذلك أنّه ألغى المقومات الأخرى واختزل الشّعر، على ما سنرى في الكلام عن حازم. والتّمثيل، عند من يقرأ من أجل الفهم أساساً، مقوّمٌ محوريّ في بلاغة الجرجاني وعليه أدار المبالغة والإغراب والتّعجيب والجمع بين المتنافرات وسوى ذلك مما ردّده العمري –وغير العمري- حتّى أفقدوه كلّ قيمة. فكيف يجوز حذف المحمول "قول" في حد قدامة وغير قدامة وهو عمدة باصطلاح النّحاة؟ من الواضح أنّ العمري هو المختصّ في البتر والإسقاط. ولك أن تتخيّل توابع الاقتصار على مكون واحد حتّى لو كان التّخييل! والتّخييل، بعدُ، مفهوم لا يمكن تعيين ما نعنيه به إلا في سياق ثقافيّ وإطار نظريّ يحدّدان مدلوله وشبكة علاقاته بمفاهيم قريبة ومحيطة. وحتّى لو استعمل قدامة وغير قدامة كلمة تخييل، فإنّ التّخييل عند قدماء النّقاد والبيانيّين ومعهم «الفلاسفة» الّذين استندوا إليهم في حقل الثّقافة العربيّة جاء مقرونا بالمحاكاة، قريبا من الوهم والكذب، بل، وملتبسا بهما أحيانا كثيرة.

2.3.عبد القاهر الجرجاني والوزن:

ما قاله قدامة عن العروض مِن أنّه يخصّ الشّعر، وأنّه موجود في طباع أكثر النّاس من غير تعلّم قد يفسّر موقف الجرجاني وعدم إثارته له في عمليه اللّذين يُقْصر عليهما العمري كلامه: الأسرار والدّلائل. هذا بالطّبع بالإضافة إلى أنّ ما رصد له الكتابين من قضايا ليس ممّا يمكن أنْ ينفع فيه العروض: فـ"أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" مرصودان للفصل في المرجع الّذي يجب الاحتكام إليه للتّمييز بين مراتب حُسْنِ الكلام وجَوْدته شعرا ونثرا مع تفاوتٍ في ترتيب المقاصد والأولويّات في الكتابين. وبالنّسبة للجرجاني فإنّ مزايا الكلام –لا الشّعر وحده- تؤول إلى وجوه من النّظم والتّأليف والتّركيب والتّرتيب[32] يكون معها "قَصْدٌ إلى صورةٍ وصِفَةٍ"[33]، والصّورة والصّفة تحصل في المعاني لا في الألفاظ، و«إنّما الّذي يُتَصَوَّرُ أنْ يكون مقصوداً في الألفاظ هو «الوزن»، وليس هو من كلامنا في شيء، لأنّا نحن في ما لا يكون الكلام إلّا به، وليس للوزن مَدْخلٌ في ذلك [34] ». لقد انشغل الجرجاني، إذن، بالأساسيّ عنده: بما لا يكون الكلام إلّا به. لكن ذلك لا يعني البتّة أنّه يقصد الحدود الدّنيا لما يتشكّل منه الكلام: إنّ الكلام عنده – وعند السّكاكي بعده!- هو الفصيح البليغ الّذي يتضمّن مراتب متفاوتة أعلاها مرتبة الكلام المعجز. والوزن ليس من «الفصاحة والبلاغة في شيء، إذ لو كان له مدخل فيهما، لكان يجب في كلّ قصيدتين اتّفقتا في الوزن أن تتّفقا في الفصاحة والبلاغة. فإنْ دَعا بعضَ النّاس طولُ الإلْفِ لما سَمِع من أنّ الإعجاز في اللّفظ إلى أنْ يجعله في مجرّد الوزن، كان قد دخل في أمرٍ شَنيع، وهو أنْ يكون قد جعل القرآن معجزاً، لا من حيث هو كلام، ولا بما به كان لِكلامٍ فضْلٌ على كلام! فليس بالوزن كانَ الكلامُ كلاماً، ولا به كان كلامٌ خيراً من كلامٍ[35]». هذا هو كلام الجرجاني الّذي أغرى الكثيرين ممّن ليس بينهم وبين التّثبّت سببٌ، فهاموا وراء ظنونهم الفاسدة. وهو كلام لا يجعل الوزن بمعزلٍ عن الشّعر الْبَتّة، بل يجعله، على العكس من ذلك، خاصّا به. فأنْ لا يكون له دورٌ في المفاضلة بين الأقوال، ولا اعتبارٌ في "الإعجاز" لا يعني أنّ الشّعر يمكن أن يقوم بدونه. وانظر ردّه على منْ "ذم الشّعر من حيثُ هو موزونٌ مُقَفّى، حتّى كأنّ الوزن عيبٌ، وحتّى كأنّ الكلامَ إذا نُظِمَ نَظْمَ الشّعر اتّضع في نفسه، وتغيّرت حاله" في "دلائل الإعجاز"! [36]

ولقد نظم عبد القاهر الجرجاني نفسه الأوزان العروضيّة في "بيانٍ" وردَ مطبوعا في ذيل كتاب "الإقناع في العروض وتخريج القوافي" من تأليف الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد(385ه/1960م)، وقام بتحقيقه الشّيخ محمد حسن آل ياسين، وصدر سنة 1960 م، وقام بتحقيق الكتاب، أيضا، إبراهيم محمد أحمد الإدكاوي، وصدرت طبعته الأولى سنة 1987م، وقد تميّز هذا التّحقيق بإدراج نظم الإمام عبد القاهر الجرجاني في أثناء المتن المحقّق على نحو ما أشار إليه عند وصفه للمخطوطة التي اعتمد عيها[37]. و"البيان" مجرّد منظومة وجيزة للحفظ، يصف فيها البحورَ ويقدّم تفاعيلها: فالطّويل غضّ مختال في العُلا، يموت القائل ويبقى هو بقاء الدّهر، وعروضُه صعب والقريض الّذي يُنظَم عليه كحدّ السّيف، وعروض البسيط غَزل وفي ذوقه عسل، والشّعر المنظوم على وزنه إنّما يكون مثل القَيْنَة ذات الغَنج المقبلة في الحلل الجميلة، وفي وزن المديد عجب، فرَيْثُه يزينه العَجَل، وكأنّ الوافر لدى الإنشاد غانية قَتول، ..وهكذا يستمرّ في إيراد تفاعيل كلّ بحر بما يدلّ على الدّور الأساسيّ الّذي يُسنده لمقوّم الوزن في بناء الأشعار[38]. ولقد ألّف أيضا –وهذا للمناسبة فقط- "كتابَ المفتاح في الصّرف"، قام بتحقيقه علي توفيق الحمد، وصدرت طبعته الأولى سنة 1987م، وهو كتابٌ قصد به كذلك تسهيل الحفظ، وفقا لما ورد في خطبته:« هذا كتاب قليل الإفاض، كثير المعاني، سهل للحفظ، قريب التناول، وسميته بـ«المفتاح» رجاء أن أُذْكَر في صالح دعاء المؤمنين[39]». ونحن هنا لا نُثير أمرَ النّظم والتّأليف لتسهيل الحفظ إلا للتّنبيه على استبعاد العمري لوقائع وانتقائه لأخرى وتركيبها قصديّا مِنْ أجلِ تحميل السّكاكي وزر نسقٍ ثقافي عام، تضمّن في أثنائه وفي المسار الّذي اتخذه مقومات وأسباباً كان لابدّ أنْ تؤدّي إلى السّقوط في التّكرار[40]. ويظهر نزوع العمري المتعسّف إلى إدانة السّكاكي في " أسئلة البلاغة في النّظرية والتاريخ والقراءة" وقبله في "المحاضرة والمناظرة" وخاصّة في الصّفحة 20 وهامشها البليغ! وها أنت ترى: إنّ الكلام الموزون قد لا يكون مجرّد منظوم، فيكون شعرا معتبرا على الأقلّ في عرف البعض، شأن الكلام الّذي يقصده قدامة والجرجاني الّذي نظم العروض! والسّكاكي الّذي لم ينظمه وجعل العمري تناوُلَه لَه -وهو تناول رصين- "من أسباب جمود عقول العرب[41]"!

فأين المسافة الّتي تَطلب من "المجتهدين" من طلابك أن يرصدوها بتهويلٍ يدعو إلى الشّفقة؟

3.3. حازم و"ماهية" الشّعر و"حقيقته":

أَوْرَدتُ في الفَقْرة الّتي خصّصتُها لتعريف قدامة للشّعر أَنّ الفارابي قالَ إنّ الشّعر تَمْثيل. ولكنّ هل يجوز لِمَن يَقْرأ بقصد الفهم أنْ يكتفي بذلك، أو يضيف التّمثيل إلى المحاكاة والتّخييل، ويدّعي أن الفارابي وابن سينا وابن رشد أدْركوا "جوهر" الشّعر وكشفوه للنّاس وفرّقوا بينه وبين الوزن الّذي كتم به قدامة والسّكاكي وعموم العروضيين والنّقّاد أنفاس الشّعر. وإذا كان أرسطو قد فرّق بين الشّعر ومجرّد النّظم، فمن أين جاء الادّعاء بأنّه جعل الوزنَ بِمَعْزِلٍ عنْه؟ لا مبالغة إذا قلنا إنّه من قبيل انعدام النّزاهة الانتقال من محاولة فَرْز الشّعر عما يجري من القول على قافية ووزن من غير دلالة على معنى يُلْحِقُه بالشّعر إلى ادّعاء أن جوهر الشّعر إنّما يقوم، عند أحدٍ من القدماء، في ترك الوزن وعدم اعتباره. ولا مبالغة، أيضا، إنْ قُلنا إن ادّعاء وجود جوهر ثابت لأيّ فعل إنسانيّ هو دليلٌ واضح على ضعف عقل المدّعي، أيّاً كان.

وأمّا الفارابي، فقد تناول الشّعر في إحصائه للعلوم من زاويتين مختلفتين: (1) زاوية علم اللّسان (2) وزاوية المنطق. (1) فعلم اللّسان ينقسم عند كلّ أمّة إلى «علم الألفاظ المفردة، وعلم الألفاظ المركبة، وعلم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركب، وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة، وقوانين تصحيح الأشعار[42]» ويقول عندما يصل إلى الحديث عن علم الأشعار «وعلم الأشعار على الجهة الّتي تشاكل علم اللّسان ثلاثة: إحصاء الأوزان المستعملة في أشعارهم، كانت الأوزان بسيطة أو مركبة ، ثم إحصاء تركيبات الحروف المعجمية الّتي تحصل عن صنفٍ صنفٍ منها، ووزن من أوزانهم وهي الّتي تعرف عند العرب بالأسباب والأوتاد وعند اليونانيين بالمقاطع والأرجل..والجزء الثّاني النّظر في نهايات الأبيات في وزن وزن.. والجزء الثّالث يفحص عما يصلح أن يستعمل في الأشعار من الألفاظ [43]»؛ (2)  ومن زاوية المنطق يقول: «..الأقاويل الّتي يلتمس بها تصحيح رأي أو مطلوب في الجملة، وأنواع الصنائع الّتي فعلها بعد استعمالها أن تستعمل القياس في المخاطبة في الجملة  خمسة: برهانيّة، وجدليّة، وسوفسطائيّة، وخطبيّة، وشعريّة. [44]» والأقاويل الشّعرية في إطار هذه التراتبيّة المنطقيّة [45] -الّتي أُقْحِم فيها الشّعر- هي: «الّتي تؤلَّف من أشياء شأنها أن تخيِّل في الأمر الّذي فيه المخاطبة خيالا ما أو شيئا أفضل أو أحسن. وذلك إمّا جمالا أو قبحا، أو جلالة  أو هوانا، أو غير ذلك ممّا يشاكل هذه. [46]» وإذن فإنّ الشّعر عند الفارابي قولٌ موزونٌ مخيّل، أو مخيّل موزون بحسب جهة النّظر. وقد ابتدأ بالمحاكاة والتّخييل والتّمثيل في "مقالة في قوانين صناعة الشّعراء"، قبل أن يشرع في إيراد بعض ما يتعلق بالوزن ذاهبا إلى أنّ اليونانيين تميّزوا بجعلهم "لكل نوع من أنواع الشّعر نوعا من أنواع الوزن" خلافا لِجُلّ الشّعراء في الأمم الماضيّة والحاضرة ممن بلغته أخبارهم[47].

لقد كان «الفلاسفة» قريباً من قريب في التّصور والعبارة، بل حتّى في إدراج "شعريّة" أرسطو في منطقـه، وترتيب الأقوال الشّعرية بعد الأقوال الخطابيّة مادامت أقوالاً كاذبة بـ"الكليّة". لكنّهم كانوا يدركون أنّ الكذب في مجال الشّعر إنّما هو من باب المحاكاة والتّمثيل، وأنّ الوزن مقومٌ أساسيّ مميِّز وإنْ كان المنطقيّ لا نظر له فيه. يقول ابن سينا في كلام جامع دالّ في ما نحنُ بِصَدده:

«إنّ الشّعر هو كلام مُخَيّل مؤلف من أقوال موزونة متساوية- وعند العرب مُقَفّاة. ومعنى كونها موزونة أن يكون لها عدد إيقاعي؛ ومعنى كونها متساوية هو أن يكون كل قول منها مؤلفاً من أقوال إيقاعية، فإن عدد زمانه مساوٍ لعدد زمان الآخر؛ ومعنى كونها مقفاة هو أن يكون الحرف الّذي يختم به كل قول منها واحداً. ولا نظر للمنطقيّ في شيء من ذلك إلّا في كونه كلاماً مُخيّلاً: فإن الوزن ينظُر فيه: أما بالتحقيق والكلية فصاحب علم الموسيقى، وأما بالتجربة وبحسب المستعمل عند أمة أمةٍ فصاحب علم العروض؛ والتقفية ينظر فيها صاحب علم القوافي. وإنما ينظر المنطقي في الشّعر من حيث هو مخيّل، والمخيّل هو الكلام الّذي تذعنُ له النفس فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور من غير روية وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالا نفسانياً غير فكري، سواء كان القول مصدّقاً به أو غير مصدّق؛ فإن كونه مصدقاً به غير كونه مخيلا أو غير مخيل.. [48]».

فيظهر أنّ إدخال "التّخييل" إلى مجال الشّعرية العربيّة لم يكن مدخلا كافيا لتحرير مجال الشّعر في الإطار الثقافيّ العام الّذي شَكّلَهُ ورسمَ حُدودَه، خاصّة أنّ هذا المفهوم ظلّ مطبوعا بغلط إقحام القول الشّعري في دائرة المنطق، وهو إقحام لا مبرّر له؛ ولعلّ ابن البناء يقدّم الدّليل الصّريح على ذلك عندما جمع القول البُرهاني والجَدلي والخَطابي في الحكم بأنّها الثلاثة "الّتي تستعمل في طريق الحقّ" وقرن الشّعر بالمغالطة وحكم بأنّهما "قسمان خارجان عن باب العلم وداخلان في باب الجهل"[49] . وهذا لا ينبغي أن يُفْهَم منه أنّ علم البلاغة غير مُفتقر إلى المنطق على نحو ما يحاول البعض الإيهام به، فالفنّ غيرُ العلم. ويظهر، بالمقابل، أن ربط الشّعر بالوزن وبغير الوزن من المقوّمات دائمة التحوّل وفقاً لمتغيّرات كثيرة ليس مما يمكن أن يؤدّي إلى أيّ جمود مِنْ تلقائه، فليسَ من العقل عدّ الوزن عيبا على نحو مسبق، ولا من الصّواب الاعتقاد في وجود شكلٍ للوزن ثابتِ الصّفات والسّمات يتوجّب إخضاع الشّعر له وتحكيمه فيه. ومن يرجع لابن رشد يجد أن شرحه لكتاب " في الشّعر" لأرسطو يجمع، هو الآخر، التّخييل بالتّشبيه والإبدال (ومنه الاستعارة والكناية) إلى الوزن. فـ«المحاكاة في الأقاويل الشّعرية تكون مِنْ قِبَلِ ثلاثة أشياء: من قِبَلِ النغم المتفقة، ومن قبل الوزن، ومن قبل التشبيه[50]». وفي هذا القدر كفاية للتّذكير بما يشغلنا من ملامح السّياق "الثقافي" الّذي اسْتُنْبِت فيه مفهوم التّخييل، وهو سياق عام لم ينفصل فيه هذا المفهوم عن الآليات الخطابية الّتي توظّف في إنتاجه وتوليده من تشبيه وتمثيل واستعارة وكناية ووصف وغير ذلك خاصّة إذا انتبهنا إلى أنّ المهتمّين يُنيبون بعضها على بعضٍ أو على جميعٍ بحسب السّياقات والمقاصد، ولَمْ ينفصل فيه كذلك عن الوزن البتّة. كل ما في الأمر أن «الفلاسفة» حكموا بعدم الاختصاص في تناول المسائل الرّاجعة إلى الأوزان وركّزوا على المحاكاة والتّخييل، في حين انشغلَ النّقاد والبلاغيون برصد وتتبّع ظواهر الخطاب التي تدخل في تكوين ما يعتبرونه من قبيل الكلام البليغ. فماذا عن حازم؟

تحت عنوان "معرف دال على المعرفة بماهية الشّعر وحقيقته" يعرّف حازم -الّذي أنصف قدامة وعده من"البصراء" بصناعة البلاغة  [51]- الشّعر قائلا: «الشّعر كلام موزون مقفّى من شأنه أن يُحبّب إلى النّفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكرّه إليها ما قصد تكريهه، لِتُحْمَل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصوّرة بحسن هيأة تأليف الكلام، أو قوة صدقه أو قوة شهرته، أو بمجموع ذلك. وكل ذلك يتأكد بما يقترن به من إغراب. فإن الاستغراب والتعجب حركةٌ للنفس إذا اقترنت بحركتها الخيالية قوى انفعالها وتأثرها [52]». هذا هو تحديد حازم للشّعر، أو قوله الشّارح الّذي يميّز به الشّعر بلفظ الجنس العام: "كلام"، والوصف بهذا اللّفظ الكلّي غير المطابق دِلالةٌ على دخول الكثرة من غير الشّعر فيه، وبالفصل: موزون، وهو الصفة التي تخصّه ويقع بها التمييز بينه وبين تلك الكثرة من الأنواع التي يُحْمَل عليها "الكلام" ويدلّ عليها دِلالة تضمّن، ولفظ "مقفّى" وصفٌ يخصّ هذا النّوع من القول عند العرب، فهو «مختص في لسان العرب بزيادة التقفية[53]». أمّا مدار قول حازم الشّارح الّذي يلي ما سبق فهو ما يؤدّيه الشّعر من وظيفة: فالشّعر يحمل على الحبّ أو النّفور بما يشتمل عليه من تخييل ومحاكاة "مستقلّة بنفسها أو متصوّرة بحسن هيأة تأليف الكلام، أو قوّة صدقه أو قوّة شهرته، أو بمجموع ذلك"، وما "يقترن به من إغراب. فإنّ الاستغراب والتّعجب حركةٌ للنفس إذا اقترنت بحركتها الخياليّة قوى انفعالها وتأثرها".  ومن الدّال أنّ العنوان الّذي يضع تحته هذا الحدّ الّذي يركّز فيه على الوزن هو المخصّص لـ"ماهية" الشّعر و"حقيقته"، دون غيره. يُضاف هذا إلى العناية الكبيرة الّتي أولاها للوزن في القسم الثّالث (في النّظم) من كتاب "المنهاج"، وقد سبقت الإشارة إليه. أمّا التّركيز على التّخييل والمحاكاة فيأتي في سياقات يكون المدارُ فيها وظيفةُ القول الشّعري المبتناة عنده، اتِّباعا للفلاسفة، على أساس التّمييز بين الخطابة والشّعر، ومحاولة إخراج القول الشّعري عن معيار الصّدق والكذب الآيل للمنطق: فـ«ـالتئامه من مقدمات مخيلة، صادقة أو كاذبة، لا يشترط فيها-بما هي شعر- غير التّخييل.[54]». ولا بدّ من الإشارة، بعد هذا، إلى أنّ التّخييلَ والمحاكاة غيرُ خاصّين بالشّعر، بل غير خاصّين حتّى بالفنون القوليّة، وهذا ممّا لا يخفى على أحد؛ ولقد أوضحه حازم نفسه إيضاحا كافيا: «وطرق وقوع التّخييل في النّفس: إمّا أن تكون بأن يُتصوّر في الذهن شيء من طريق الفكر وخطرات البال، أو بأن تشاهد شيئا فتذكر به شيئا، أو بأن يحاكي لها الشّيء بتصوير نحتيّ أو خطّيّ أو ما يجري مجرى ذلك، أو يحاكي له صوته أو فعله أو هيأته بما يشبه ذلك من صوت أو فعل أو هيأة، أو بأن يحاكي لها معنى بقول يخيّله لها- وهذا هو الّذي نتكلّم فيه نحن في هذا المنهج- أو بأن يوضع لها علامة من الخط تدل على القول المخيّل، أو بأن تفهم ذلك بالإشارة [55]».

فهل يصحّ القول إنّ السّكاكي اختزل البلاغة والشّعر معا بناء على توقّفه عند الوزن وعدّه له مُقوّما خاصّا بالشّعر؟ وهل قال بما لم يقل به غيره في هذه المسألة؟  ومرّة أخرى: أين المسافة الّتي يَطلب العمري من طلابه "المجتهدين" أن يرصدوها بين السّكاكي وحازم بذلك التّهويل الْمَعْلوم؟

4.3. العروض في المفتاح:

إدْماجُ السّكاكي لِعلم العروض والقوافي في تركيبته الّتي اصطلح عليها بعلم الأدب كان بهاجس تمكين أصحاب "المطالب العلميّة" من مدخل جامع ذي كفاية معتبرة في مجال فهم وتفسير الخطاب البليغ  الّذي أناط به القدماء جهودهم. ولم يأت ذلك الإدراج والإدماج إلّا بعد تمحيص وتمييز وتلخيص وتمهيد وإيراد حجج. فمنذ البداية وفي الفقرة التي خصّصها لتوضيح ما يتضمّنه كتابه يقول إنّه سيورد علمي العروض والقوافي لتقديره أنّ صاحب "النّظم" يفتقر إليهما، بالإضافة طبعا لافتقاره -هو وغيره- لعلمي المعاني والبيان المعتبرين في باب النّظم والنّثر معا [56]. ويقول في خاتمة تكلّمه في الاستدلال إنّ المقام يدعوه "إلى تتمّة الغرض من علمي المعاني والبيان.. بذكر ما يتعلق بالنّظم (قلتُ: أي ما يخصّه وحده)، توخّيا لتكميل علم الأدب". ثم ينتقل إلى تتمّة ذلك الغرض بالحديث عن علم الشّعر فيقسّم الكلام فيه إلى ثلاثة فصول: الأوّل "في بيان المراد من الشّعر" أي في تعريفه، والثّاني في "ما يخصّه لكونه شعرا، وهو الكلام في الوزن" والثّالث في "ما يتبع ذلك ..وهو الكلام في القافية"[57]. فما الذي يقوله السّكاكي في تعريفه للشعر؟ يقول: « الشّعر هو القول الموزون عن تعمّد [58]». فهل كان عليه، وهو يخاطب " أذكياء أهل زمانه الفاضلين" أن ينصّ في هذا الموضع على أنّ "القول" الّذي يقصد في هذا التعريف إنّما هو القول الّذي رصد له المفتاح كلّه.. إنّ تعريف السكاكي مجرّد توطئة للكلام في الوزن الّذي يزيد به النّظم على النّثر لا أكثر. ولم يكن عليه أن ينصّ على شيء غيره، بل لو قام به لكان على حساب لغته الدّقيقة المقتصدة. ولا ينقص من قيمة عمله أنْ يأتي من "ينفخ خياشيمه" ويصيح بطلبته المجتهدين: أنظروا السّكاكي فإنّه يقول: الشّعر هو الوزن، وانظروا الفصل الذي محضه لبيان المراد من الشّعر فإنّه أفقر فصول الكتاب.. [59]

وفي الورقتين اللّتين خصّصهما السّكاكي لتعريف الشّعر بتركيزه على الوزن تَفصيلٌ نافع؛ فهو(1) يشير، أولا، إلى أنّ هناك من لا يعتبر القافية في الحدّ فَيسْتصوِب حجّته ويتفهّم موقفه، دون أن يترك ذكر الرّأي المقابل الّذي يرى ضرورة ذكر القافية، فلا يُسلِّم للقائلين به حجّة كون ذكرها يفرّق الشّعر عن الكلام الّذي يوصف بالموزون لسلامته من عيب القصور والتّطويل؛ (2) ويورد، ثانيا، رأي من يضع اللّفظ الدّال على المعنى مكان "الكلام"، ويبين وجاهته وكونه مسعفا في مجال الشّعر لتفاوت الوقفتين النظمية والدّلالية، فاللفظ الدّال على المعنى بواسطة الوضع "وفقا لما "يذكر في حدّ الكلمة" يسعف في الدّلالة على البيت الّذي قد لا يتطابق مع الكلام "بأصول النّحو"، عندما يكون فيه تضمين وافتقار لما يليه؛ (3) ويوضّح، ثالثا، الحاجة إلى مراعاة "التّعمّد"، إذْ أنّ فصاحة الكلام قد يجعل الكلام موزونا، بل إنّ صياغة الكلام على "مجرى كلام الأوساط" قد يجعله كذلك، والقصد إلى زنة الشّعر يعرفه العقل في القليل وفقاً للمروي عن النبي؛ (4) ويقف، في الأخير، ضد مذهب الإمام أبي إسحاق الزجاج الّذي ذهب إلى أنّ الشعر لا يكون إلا على الأوزان التي عليها أشعار العرب، ويؤكّد أنه لا يدري "أحدا تبعه في مذهبه هذا"، فلتتأمّل!

فيظهر أنّ السّكاكي يتناول في هذا التّعريف المعاني التي ارتبطت بلفظ الشّعر في زمنه، فكان، وهذه من عباراته الدّقيقة، "مثل من يعمد إلى جواهر في خزانة الصّور للمخاطب، فينظمها قلادة بمرأى منه ولا يزيد" [60] وهو يفعل ذلك بتثبّت وتمحيص للآراء الدّائرة حول مفهوم الشّعر، وليس كما يدّعي العمري الّذي لا يسعى حتّى إلى محاولة فهم ما يقول، فتراه ينسب إليه تعريفا للشّعر ليس له أورده بصيغة واضحة ومحايدة، وناقشه وبين وجاهة ترك التّعرض للتّقفية فيه. وقد تهافت العمري، فنسب إلى السّكاكي تعريف غيره: «..قال في تعريفه صادا عن وجهة الفلاسفة في التخييل الشعري مقتربا من قدامة والحاتمي: «قيل:.. » [61]»؛ وأضاف أنّ بقية حديث السكّاكي " في الاختلاف في لزوم القافية"، وهو تخليط بالغ الفحاشة، لأنّ ما يلي التّعريف الّذي ينسبه السّكاكي لغيره بصيغة البناء لغير الفاعل هو مناقشتُه لَهُ من خلال رأي من يلغي لفظ: "المقفّى" الّذي استصوبه ومال إليه. وقد أورد العمري التّعريف الّذي انتهى إليه السّكاكي من غير أنْ ينتبه إلى الفرق بين ما نسبه إليه وليس له، وما انتهى إليه ممّا تبناه من رأي يلغي القافية من التّعريف ويضيف مفهوم "التّعمد"؛ ومن العجب أنّ العمري يقول بخصوصه، هذه المرّة، أنّ السّكاكي ينسبه لشيخه الحاتمي، ولقد صدق!

وماذا قال العمري عن الفصلين الثّاني والثّالث اللّذين أدارهما السّكاكي على الوزن والقافية؟ لقد أعرض عنهما ومرّ! اكتفى بالحديث عن التّعريف المُمهّد وأبقى كلامه هو نفسه مبتورا لا قيمة له: قال إنّ كلام السّكاكي عن الوزن العروضي "مكون من ثلاثة فصول: «الفصل الأول في بيان المراد من الشعر" وهو أفقر فصل في الكتاب.. [62]» وأطلق العنان للسانه ليصل الجرجاني بأرسطو والفلاسفة وحازم والغرابة والتّخييل وغير ذلك مما لم يأخذ به السكاكي في بيانه "الفقير" للمراد من الشّعر؛ ولم يكلف نفسَه الأقلّ من التّروي فيوفّر لكلامه قدرا من الاستقامة بذكر عنواني الفصلين الأساسيّين في كلام السّكاكي عن الوزن. إنّ الكلام في الوزن شأن الكلام في المنطق "أمر مرهق"! لِذا، فإنّ الهجوم على تعريف السّكاكي الممهِّد بتسييب الكلام والتّحلل من مستلزمات العلم أيسر!

والسّكاكي تناول العروض، كما تناول غيره من المباحث، بهمّة باحث يتيقّن مما يورد، ثمّ يفحصه ويفكّر في جزئياته ودقائقه ويستدرك متى دعت الحاجة إلى الاستدراك. يقول محمد العلمي، وهذا مجرّد مثال، إنّه قدّم تصوّرا جديدا يجعل بالإمكان فكّ البحور جميعها من أصل واحد هو «الوافر المثمّن، أو تفعيلة واحدة هي مفاعلتن، تثمّن لينشأ عنها الوافر المثمّن[63]»؛  وقال عن تواضعه وتقديره لمن سبقوه: « ومما يلفت النظر حقا أنّ السكاكي يتحلّى بقدر كبير من التواضع، مَنَعه من أن يجعل صنيعه هذا اكتشافا أو نقدا للخليل، أو ما شابه ذلك، بل إنّه لم يصرّحْ حتّى بأنّ ذلك طريقة جديدة في فكّ البحور من دوائر جديدة. [64]»

خاتمة:

وبعدُ، فهذا هو المنظور "النّسقي" عند العمري: ليس عنده ما يدلّ على أيّ تفكير نسقيّ وأيّ اهتمام بالآليات الّتي يشغّلها السّكاكي في بناء خطابه، وبالمقابل عندَه عَيْثٌ أيَّ عيْثٍ في مضامين ذلك الخطاب. ولقد أورد تزييفه وأحكامه المرسلة غير مُحتاطٍ في كلامٍ مضطرب مختلط كأنّه موجَّه لسكارى مغفّلين. يكفي أن تقرأ تفسيره لصيغة عنوان حديث السّكاكي عن الوزن العروضي: «فالسكاكي اعتبر الحديث عن الوزن العروضي حديثا عما يميز الشعر عن باقي الكلام البليغ كما حدده، ولذلك جاء عنوان حديثه عن الوزن العروضي بهذه الصيغة: (علم الشعر ودفع المطاعن) [65]». ولك أنْ تقبلَ الرّبط والتّفسير الّذي يُقيمه بين جملتيه إنْ كنتَ من "المجتهدين" الّذين يرون في كلام أستاذهم عن "البلاغة العامة" سبقا وفتحا وتحصينا لحدودِ امبراطورية مستعادة أو ناشئة، ولا تثريب عليك؛ وللأساتيذ "غير المقتصدين" أيضاً. وإلّا، فإنّ من الواضح أنّ الرّبط التّفسيري بين اعتبار الوزن مميّزا للشّعر وصيغة العنوان الموضوع للحديث عن الوزن هو ممّا لا وجه له. لذا، فكلام العمري هنا مضطرب أجوف؛ وفيه، إذا تجاوزنا صيغته، تزييفٌ أيّ تزييف: لأنّ مدار المقدّمة المُثْبَتة تحتَ هذا العنوان هو توضيح فصول الفنّ الأوّل، وهي ثلاثة: بيان المراد من الشّعر، والكلام في الوزن، والكلام في القافيّة. والفنّ الأوّل، "تكميل لعلم الأدب[66]" أمّا الفنّ الثّاني الّذي عطفه صاحب المفتاح  على "علم الشّعر" وسمّاه "دفع المطاعن"  ولم يشرع فيه إلّا بعد أنْ أنهى الكلام في العروض فليس مرتبطا بالوزن وحده. وقد قال في خاتمة الكلام في الوزن إنّه سينتقل إلى الفن الثاني «وإنه (خاتمة مفتاح العلوم) في إرشاد الضّلال، بدفع ما يطعنون به في كلام رب العزّة، علت كلمته، من جهات جهالاتهم»؛ ومن تلك الجهات الكثيرة جهة الوزن. وهل يحتاج قارئ المفتاح إلى تنبيهه إلى أنّ مقصد السّكاكي المحوري إنّما هو إسعاف من تسمو به همّته إلى الشّغف بالتّلقي لمراد الله من كلامه وإصلاح الخلل في ما يعود إلى تأويل التّنزيل؟ ولنفرض أنّ قارئا لم يطّلع على خاتمة المفتاح، أيُقْبَل منه أنْ يذهب به الظّن إلى أنّ السّكاكي ألّف كتابه الضّخم فقط ليردّ على الطّاعنين ممّن قالوا إنّ في القرآن من جميع البحور شعرا؟ هذا ومقدّمة المفتاح واضحةٌ في بيان اعزّ ما طلبه المؤلف، وخاتمته كذلك؛ فدفع المطاعن لا يرتبط، حصريّا، بفصول الوزن؛ بل إنّ قراءة سريعة كافيّة ليعرف المُنْصف أنّ القصدَ من هذه الخاتمة إنّما هو التّوجيهٌ لكيفيّة تشغيل "علم الأدب" وتحقيق وظيفته المركزية.

***

البشير النحلي

..............................

المراجع:

-  ابن الأثير: كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب، ت. نوري حمودي القيسي وحاتم صالح الضامن وهلال ناجي، منشورات جامعة الموصل، 1982.

- ابن البناء: الروض المريع، ت. رضوان بنشقرون، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، ط. 1، 1985.

- ابن حزم: رسائل ابن حزم الأندلسي، ج. 4. ت. إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط. 1. 1983.

- ابن سينا: فن الشّعر، من كتاب "الشفاء"، ضمن: أرسطو طاليس: فن الشّعر، مع الترجمة العربية القديمة وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد، ترجمة وشرح وتحقيق عبد الرحمان بدوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953.

- أبو محمد القاسم السجلماسي: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تحقيق علال الغازي، مكتبة المعارف، الرباط، ط. 1، 1980.

- السّكاكي: مفتاح العلوم، ت. نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. 2، 1987.

مفتاح العلوم، ت. عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. 1، 2000.

- الصاحب ابن عباد: الإقناع في العروض وتخريج القوافي، ت. الشيخ محمد حسن آل ياسين، منشورات المكتبة العلمية، بغداد، ط. 1960.

الإقناع في العروض وتخريج القوافي، ت. إبراهيم محمد أحمد الإدكاوي، مطبعة التضامن، القاهرة، ط.1، 1987.

- الفارابي:  مقالة في قوانين صناعة الشّعراء، ضمن: أرسطو طاليس: فن الشّعر، مع الترجمة العربية القديمة وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد، ترجمة وشرح وتحقيق عبد الرحمان بدوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953.

إحصاء العلوم، تقديم وشرح وتبويب علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، ط.1، 1996.

- حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق وتقديم محمد الحبيب بن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط. 3، 1986.

- عبد القاهر الجرجاني: المفتاح في الصرف، ت. علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. 1 ،1987.

- قدامة بن جعفر: نقد الشعر، ت. محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.

- محمد العلمي: العروض والقافية، دراسة في التأسيس والاستدراك، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط.1، 1983.

-  محمد العمري: المحاضرة والمناظرة في تأسيس البلاغة العامة، إفريقيا الشرق، البيضاء، 2017.

البلاغة العربية، أصولها وامتداداتها، إفريقيا الشرق، البيضاء، 1999.

أسئلة البلاغة في النّظرية والتاريخ والقراءة، إفريقيا الشرق، البيضاء،2013.

- محمد عابد الجابري: بنية العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط. 7، 2004.

هوامش

[1] - رسائل ابن حزم الأندلسي، ج. 4. ت. إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط. 1، ص. 355.

[2] - ابن البناء: الروض المريع، ت. رضوان بنشقرون، ص. 174.

[3]- حول حديث محمد العمري عن المنهاج القرائي الّذي يكشف البنيات ويستخرجها في حوار بين المشاريع والمنجزات أنظر مثلا: خطوط الطول وخطوط العرض، البحث عن الأنساق، في كتابه: البلاغة العربية، أصولها وامتداداتها، ص. 13 وما بعدها.

- البلاغة العربية، أ.م، ص. 485 [4]

-  نفسه، ص. 495. [5]

[6] - الجابري: بنية العقل العربي، ص. 94. وفي قوله: وجعل من علم المعاني والبيان والمحسنات "الفروع الثلاثة لعلم البلاغة" اشتباه وعدم دقّة.

[7] - هذه عبارة للسكاكي.

[8] - بنية العقل العربي، م.م، ص. 94.

- انظر ما كتبه تحت عنوان وظيفة النّحو ووظيفة المعاني في: البلاغة العربية، ص. 491 و492و493. [9]

[10]- مفتاح العلوم، ص. 37.

- البلاغة العربية، م.م، ص. 494. [11]

[12]- مفتاح العلوم، ص. 37.

12- المحاضرة والمناظرة، ص. 19.

[14]- يعرفه السجلماسي، مثلا، بالقول: «الشعر هو الكلام المخيل المؤلّف من أقوال موزونة متساوية وعند العرب مقفاة، فمعنى كونها موزونةً: أن يكون لها عددٌ إيقاعي، ومعنى كونها متساويةً هو: أن يكون كلُّ قول مؤلَّفاً من أقوال إيقاعية، فإن عدد زمانه مساو لعدد زمان الآخر، ومعنى كونها مقفاة هو: أن تكون الحروف التي يُختم بها كلُّ قولٍ منها واحدةً « أنظر: المنزع البديع، ص. 218.

[15]- يقول: «ولاستقصاء الكلام في صناعة العروض طول لا يحتمله هذا الموضع قد فرغت منه في موضع خاص بصناعة العروض. فمن هنا يعرف تفصيل هذا المجمل«. أنظر: منهاج البلغاء، ص. 259.

[16]- المحاضرة والمناظرة، ص. 19.

[17]- البلاغة العربية، م.م، ص. 485.

[18]- نفسه، ص. 511.

[19]- يقول «..ماضيها «السيء « وعلاقاتها المشبوهة يوم كانت متحالفة مع الشّعر، وكان الشّعر متحالفا مع العروض، والعروض متحالف (كذا، ويناقش السّكاكي) مع الموسيقى، والموسيقى مثيرة للشهوات، مهيئة للفسق »!، أنظر: أسئلة البلاغة في النّظرية والتاريخ والقراءة، ص. 149.

- البلاغة العربية، ص. 502. [20]

- نفسه، ص. 478. [21]

[22]- بلاغة السّكاكي في "البلاغة العربية، أصولها وامتداداتها" بلاغة معضودة بالنّحو والمنطق، وهي في "أسئلة البلاغة في النّظرية والتاريخ والقراءة، بلاغة مأسورة. أنظر: ص. 147 وما بعدها.

[23] - أسئلة البلاغة في النّظرية والتاريخ والقراءة ، م.م، ص. 148.

- نقد الشّعر، ص. 61-62. [24]

- نفسه، ص. 64. [25]

[26] - نفسه، ص. 68-69.

[27]- يقول قدامة في كلام دالّ في هذا السياق: «..فلنرجع إلى ما بدأنا بذكره من الغلو والاقتصار على الحد الأوسط فأقول: إنّ الغلو عندي أجود المذهبين وهو ما ذهب إليه أهل الفهم بالشّعر والشّعراء قديما وقد بلغني عن بعضهم أنه قال أحسن الشّعر أكذبه، وكذا نرى فلاسفة اليونانيين في الشّعر على مذهب لغتهم، ومن أنكر على مهلهل والنمر وأبي نواس قولهم المتقدم ذكره فقد مخطئ لأنهم وغيرهم ممن ذهب إلى الغلو إنما أرادوا به المبالغة والغلو بما يخرج عن الموجود ويدخل في باب المعدوم، فإنما يريد به المثل وبلوغ النهاية في النعت، وهذا أحسن من المذهب الآخر ».أنظر: نقد الشّعر، م.م. ص. 94.

[28]- كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب، ص45.

[29]- نفسه، نفس الصفحة.

[30]- المنزع البديع، م.م، ص.218.

[31]- الفارابي: مقالة في قوانين صناعة الشّعراء، ضمن: أرسطوطاليس: فن الشّعر، ت. عبد الرحمان بدوي.  والجملة واردة في كلام الفارابي التالي: « وقد يمكن أن نقسم الأقاويل بقسمة أخرى وهي أن نقول: القول لا يخلو من أن يكون: إما جازما أو غير جازم. والجازم: منه ما يكون قياسا، ومنه ما يكون غير قياس. والقياس: منه ما هو بالقوة، ومنه ما هو بالفعل. وما هو بالقوة: إما أن يكون استقراءً، وإما أن يكون تمثيلا. والتمثيل أكثر إنما يستعمل في صناعة الشّعر. فقد تبين أن القول الشّعري هو التمثل.» أنظر: ص.151.

[32]- أنظر،مثلا: أسرار البلاغة، م.م، ص.4.

[33]- دلائل الإعجاز، م.م، ص. 364.

[34]- نفسه، نفس الصفحة.

[35]- نفسه، ص. 474.

[36]- نفسه، ص. 24، 25، 26،27.

[37]- الصاحب ابن عباد: الإقناع في العروض وتخريج القوافي ، ت. إبراهيم محمد أحمد الإدكاوي، ص45.

[38]- الصاحب ابن عباد: الإقناع في العروض وتخريج القوافي، ت. الشيخ محمد حسن آل ياسين، ص.88 وما بعدها.

- عبد القاهر الجرجاني: المفتاح في الصرف، ت. علي توفيق الحمد، ص.26. [39]

[40]- يمكن مراجعة: بنية العقل العربي، وخاصة: الفصل الثاني اللفظ والمعنى 2- نظام الخطاب ونظام العقل، من:  ص. 75 إلى: ص.108.

- المحاضرة والمناظرة، ص.20. [41]

- إحصاء العلوم، ص.19. [42]

- نفسه، ص.24-25. [43]

- نفسه، ص.38. [44]

- نفسه، ص.38. [45]

- دون أن يعني ذلك أن الفارابي يطابق بين القول المغلِّط والكاذب والقول الشّعري. [46]

[47]- مقالة في قوانين صناعة الشّعراء، م.م.  ص.152. ويغلب الظن أن القول إن اليونانيين جعلوا لكل "غرض" وزنا من أغلاط المعلم الثاني وسوء فهمه لأرسطو؛ وليس هذا مجاله.

[48]  - ابن سينا:  فن الشّعر، من كتاب "الشفاء" ضمن: أرسطوطاليس: فن الشّعر، م.م، ص. 161.

[49] - ابن البناء: الروض المريع، ص.81.

[50] - ابن رشد: تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشّعر،  ضمن: أرسطوطاليس: فن الشّعر، م.م، ص . 203.

- منهاج البلغاء، م.م،  ص.25. [51]

- نفسه، ص.71. [52]

- نفسه، ص.89. [53]

- نفسه، ص.89. [54]

- نفسه، ص.89-90. [55]

- المفتاح، ص.37. [56]

- نفسه، ص.617. [57]

- نفسه، ص. 618. [58]

- المحاضرة  والمناظرة، ص.19. [59]

- مفتاح العلوم، ص.547. [60]

- المحاضرة والمناظرة، ص.19. [61]

- نفسه، ص.89. [62]

- محمد العلمي: العروض والقافية، دراسة في التأسيس والاستدراك، ص.220. [63]

- نفسه، ص.215-216. [64]

- نفسه، ص.20. [65]

- مفتاح العلوم، ص.616. [66]

في المثقف اليوم