قراءة في كتاب

مقومات الرواية ومميزاتها.. قراءة في كتاب: الرواية الآن

تتمثل الحقيقة المعلنة للقراء، بإن الرواية سرد نثري مطول، لاينتمي الى التجنيس الشعري، ويقترب من القصة، لكنه يختلف عنها من زوايا عدّة، فلكل فن عالمه الخاص به واية محاولة تشبيهيه بينهم تنحدر بإزاء الفشل، فكما أن للشعر فن وفنان خاص به، فكذا الرواية والقصة، كل منهما تمتلك خيالاً خاصاً بها.

اجتهد مؤلف كتاب (الرواية الآن) لـ(عبد البديع عبدالله) بـ(الشمولية التفصيلية المفيدة)، فجاء كالجامع الشامل لخصوصيات الفن الروائي العربي، ولندخل بقراءة ممتعة مثمرة، عن طريق سلاسة اللغة، واستعمال المنهج التطبيقي والنظري لمؤلفه، ممايتيح للقارىء الخروج بجملة معلومات قيمة عن الواقع الروائي العربي المعاصر، ومعرفة باهم الروايات، وكيفية تضمينها تحت تقسيمات الدراسة.

تميزت الرواية العربية المعاصرة إمتلاكها عنصر التجديد والمغامرة، مبتعدة عن التزلف والتملق الذي امتاز به الشعر العربي قديما –خاصة- وحديثاً، فبعد القرن التاسع عشر تحولت الرواية الى منصة لأحتواء جُل الضغوطات الممارسة بإزاء الإنسان، وبهذا تحولت الرواية الى منبرٍ يعاقب عن طريقه الظالم بعقاب لغوي سردي، يكون وقعه اشد تأثيراً من العقاب الشفهي، ذاك لأنه وثيقة بيد الإنسان تم نقلها اليه عن طريق كاتب يعرف بحيثيات القضية وضغوطاتها كلها.

واذا ماتعمقنا بالقراءة نخرج بحصيلة معلومات مثمرة، ومما تميزت به الرواية الرومانسية، نزوع شخصياتها الى السلبية، وهو عيب يؤدي الى اضعاف الصراع بين الأرادات المختلفة" فتجيء القصة فاترة لاحياة فيها خالية من ذلك العنصر القوي الذي يثير القارىء ويهز عواطفه عاجزة عن أن تخلف العنصر القوي الذي يثير القارىء ويهز عواطفه عاجزة عن أن تخلق فيه من التعاطف مع بعض شخصيات القصة مايفتح وعيه الباطن لما يريد أن يلقيه القاص من ايحاءات"، أي أن شخصيات الرواية الرومانسية ضعيفة مستسلمة منكسرة، لا تمتلك القدرة والقوة للدفاع عن نفسها.

ومن ابراز الملامح التي تميزت بها الرواية الرومانسية العربية هي الميل الشديد الى وصف الطبيعة وتصبغات الوانها الربيعية، والسبب في هذا الوصف كون العاشق الرومانسي يتخذ من الطبيعة واشجارها موطناً له يبتعد به عن الناس.

ولأنها شخصيات ضعيفة لذا نجدها تتخذ من (الهرب) سمة لها، ونرصد ذاك عن طريق الخيال، وهنا يمكننا القول: بإن الرومانسية العربية تخلت عن الواقعية .

وتسيطر صيغة (الآنا) وضمير المتكلم على اللغة السردية، وفي قراءاتنا كثيراً مانرصد اعترافات البطلة أو البطل تدون في مذكرات، أو مدونات تستوعب سرد ذاتي، وهنا يتوجب أن تكون لغة الرومانسين ذات صياغة متقنة، وهذا مانرصده في كتاباتهم، وشاعريتهم العالية.

وأذا ماانتقلنا الى المحور الثاني نجد متنه انصب بإزاء فلسفة(التيار الواقعي)، الذي أسهم في ظهور الرواية الواقعية، وهذا النوع من السرد نجده بكثرة ضمن حيثيات حياتنا، فالكثير من الروايات أسست من الواقع قاعدة لها تنبت عليها جذورها الرصينة، وبهذا يشمخ أفق متنها عالياً، وتمتزج الواقعية، والواقعية الأشتراكية –التي اهتمت بالطبقة العاملة- في الأهداف ذاتها، واهتم كتاب هذا التيار بالأسباب التاريخية، لنقف امام شخصيات تمتلك تاريخاً لها داخل بنية المتن السردي، واتفقتا-الواقعية والواقعية الأشتراكية- برفض الواقعية النقدية.

ويستقر التطور بالواقعية في الرواية العربية الى تيارين هما: " تيار الواقعية النقدية، و تيار الواقعية الأشتراكية" .

ويمتنع الجزم في تحديد دليل قاطع على تشابه السرد الروائي بين روايتن؛ لأن لكل كاتب أسلوبه الخاص به، حتى وأن تشابهت الفكرة       ألا أن الطريقة مختلفة بينهما.

واهم مميزات الروايات عموما هو تطرقها لقضية جوهرية معاشة بأمتياز بين البلدان العربية جميعا، وأكاد أجزم بأن الكتاب تفوقوا في تناولها ونقدها،لتعد" الرواية السياسية طوراً هاماً من الأطوار التي مرت بها الواقعية، فقد أصبحت القضية التي يعالجها كتاب الرواية السياسية قضية اجتماعية كبرى تتعلق بالصراع بين الإنسان والسلطة الحاكمة، ويقف كل طرف من طرفي الصراع موقف معلن وإما نتيجة للألتزام العقائدي او للدفاع عن حقوق طبقة مهضومة تجاهد لاتنازع حقوقها"، هولاء الكتاب –كتاب الرواية السياسية- تتطور كتاباتهم كلما اشتدت الأزمة السياسية الضاغطة، والعصر الحديث خير دليل على كتاباتهم.

وبانتقالنا الى المحور الأخر نجد أنفسنا امام تيار من اهم التيارات في بناء وتأسيس المتن السردي وهو (تيار الوعي) الذي برز في الرواية العالمية المعاصرة"1913-1915"

الدارسون يقسمون الرواية النفسية الى اتجاهين:

"احدهما: الرواية الذهنية

الثاني: رواية تيار الوعي"

ويهتم كتاب(تيار الوعي) بـ " اللحظة التي تكون فيها الشخصية في اوج وعيها بما يدور، فالشخصية المورية تتميز بذكاء شديد . ووعي عميق بالحياة وعياً يمكن أن ينقله المؤلف الى القارىء، كما يمكنها التمييز بين مختلف درجات الشعور .أما الشخصيات ذات الذكاء المحدود فإنها لن تكون قادرة على الأشعاع او نقل مايدور في الذهن بعمق"، واهتم هذا التيار بدراسة (المنولوج الداخلي)، وهذا المنولوج يعنى بتقديم الإنسان قبل أن يصل الى المحصلة النهائية المنطقية، وهنا يتوجب على القارىء في مثل هذه الروايات أن يتميز بذاكرة قوية ؛لأنها تعتمد على الرمز، وابطالها يرويهم ماضيهم.

وبانتقالنا الى التيار الوجودي، الذي ازدهر في الستينيات، اهم ما تطرق له هذا التيار (الحرية والألتزام)؛ لأنه وظف لغته لخدمة الإنسان .

أضيف، أن أهم امتياز يحسب للسردية العربية عموماً، صدقها في مناقشة الواقع واشكالياته بالدرجة الأساس، وإن السردية تفوقت بمرتبة مثمرة بين الفنون الأبداعية عامة.

 

بقلم: وسن مرشد

 

في المثقف اليوم