قراءة في كتاب

كتاب (المراحيض) للدكتور لؤي حمزة عباس

328 كتاب المراحيضأهداني اليوم صديقي د.لؤي حمزة عباس نسخة من كتابه (المراحيض)، نشرت طبعته الثالثة دار المُعقدين في البصرة/ العراق لسنة ٢٠١٨، ورغم ما في عنوان الكتاب من إثارة واشمئزاز، إلا أنه مُدونه لتاريخ الارتياح والمظلمة التي يُمكن تدوينها عبر استنطاق (المسكوت عنه) في حياتنا الاجتماعية.

إنه تدوين من نوع خاص، وكتابة في هامش الهامش، فيما نستحي تدوينه أو الكشف عن سرّه في ترتيب حياتنا، أو في خرابها.

في عولم (المراحيض)، كتب لؤي تدوين لتاريخ من الاستلاب السياسي، وكشف عن عُهر الأنظمة الشمولية في بلداننا، لنعبر عن رفضنا لها في فضاء محدود للترويح عن النفس ومكنونتها الرافضة للبنيان الفرداني للسلطة. إنه نظام يغتال الأنفس في (مرحاض).

بذكاء عال تمكن لؤي من جعل (المرحاض) مكاناً للبوح والرفض لأفاعيل نظام ديكتاتوري لا همّ له سوى البقاء على كُرسي السلطة وجعل مدونة الحياة المجتمعية في العراق تلهج بمحبته عنوةً.

(المراحيض) أمكنة لا يستحي منها الفرد ليتحاور معها ونقد (المسكوت عنه) في عوالم الأطر المُغلقة.

في هذه الأمكنة تعبير عن رفض وتماهي مع قولة (لا) بكل ما في اللا من دوي الصوت في الرفض. وفي هذه الأمكنة زوايا مُظلمة جعلها نظام الديكتاتور بمحدودية المساحة ورذائل ما فيها سُكنا فيها (مُراقبة ومعاقبة) لمن لا يستسيغون طريقة الحكم هذه.

يروي لنا لؤي تاريخ علاقة ب (المراحيض) بدءً بمراحيض الجنود ونتانتها، وصولاً لنتانة الحروب بكل قسوتها، وبين نتانة الحرب ونتانة (المراحيض) فاصل ربما نعود بعده نحن بعده أو لا نعود، والجنود من الذين لا (مرحاض) لهم يعيشون هموم الحرب وهموم تفريغ ما في بطونهم من نتانة في ساحات المعركة.

في الحرب تبدو كل مظاهر الوجود وكأنها (مراحيض)، الملاجيء، والمزابل، والأنفاق، والمخافر، والمواخير، بل وحتى المُعتقلات.

وكل له (مراحيضه)، الأطباء العسكريون والضباط في الحرب، ولا (مراحيض) للجنود، إلّا ساعة السجن في تهمة باطلة!.

في الحياة المدنية هُناك مراحيض في دوائر الحكومة للموظفين، وهناك أبأس منها للمراجعين، وهكذا الأمر مع المعلمين والمدرسين فلهم مراحيضهم، وللطلبة (مراحيض) من لا (مراحيض) لهم.

(المراحيض) فيها تشكلاتها وفق البنية المجتمعية في الشرق، وفيها تعريف وتحديد لطبقية مجتمعية غائرة في طيات و (أركيولوجيا) التكوين الأنثربولوجي للمجتمع.

لا أروم الخوض في تفاصيل ما كتبه لؤي بذكاء (خارج مألوف) التدوين التاريخي للمركز.

ولن أجعل من مقالي هذا تلخيص لسردية لؤي حمزة بقدر ما سعيي للكشف عن عُقد الهوية في شكل (المرحاض) كما يُصرح لؤي، فرغبة الماضي تدفع أبناء المشرق العربي بالمكوث في جنة الماضي لتدفعهم للتمسك بمرحاض القُرفصاء، فيجلسون كما جلس أسلافهم من قبل، قضاء حاجتهم.

يؤكد لؤي بأن المراحيض "تُسهم بتحقيق فكرة الوطن...(المراحيض) بوابات الأوطان البديلة، عتبات سلامها ومفاتيح طمأنينتها..." ومشكلة الإنسان أنه "الكائن الوحيد الذي يُريد من أبناء جنسه أن يتذكروه على شكل إنسان مُعقم، لا تصدر عنه الروائح، لا يعرق ولا يتبول".

في تصميم (المراحيض) تمام العمارة والإطمئنان للسكن فيها.

إن تاريخ (المراحيض) "هو تاريخ مسير الإنسان من الوحشية إلى التمدن والرُقي". ف " الحضارة في أحد أوجهها إضماراً هي الطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع (المرحاض)، لأن في إتقاننا لاستخدام (المرحاض) دليل على وعينا بقيمة النظافة. (المراحيض) غرفة النظافة في بيتك، وهي الغرفة (السجن) في سجل عقوبات الأنظمة الديكتاتورية.

وتقضي حاجتك فيها بارتياح في بيتك، ويقضي منك وطراً بالعقوبة نظاماً رافضاً لرؤياك الساسية بارتياح خارج قوانين وأنظمة حقوق الإنسان الدولية.

عجيب أمر هذه (المراحيض)، فمرة تكون أمكنة للتأمل والسكينة، وأخرى تكون فيها أمكنة للعزل والسجن الآنفرادي!!.

" في المباغي وحدها، تُمثل (المراحيض)نوعاً من الدحض لفكرة السجن في المبغى (المرحاض) مفتوح، مُتعدد الوظائف، يُستخدم دونما اهتمام تفصيليأو عناية".

" فكرة (المرحاض) تستدعي سجناً تسجن مدلولتها فيه، حفاظاً على كائن أكثر نظافة وأشد ترفعاً".

(المراحيض) تدوين لتاريخ تطور حضاري، وأرخنة لماض في بهاء حضوره، او في تاريخ قمع السلطة التي حكمت كتابته.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏

 

د. علي المرهج - استاذ فلسفة

 

في المثقف اليوم