قراءة في كتاب

إيهاب حسن وتطور ما بعد الحداثة

518 إيهاب حسنأهداني صديقي الشاعر صفاء ذياب صاحب دار شهريار في البصرة كتاببين من مؤلفات إيهاب حسن هما: (أوديب) أو تطور ما بعد الحداثة، وتحولات الخطاب النقدي لما بعد الحداثة، وعلى الرغم من حداثة دار شهريار في النشأة إلَا أن صاحبها الشاعر صفاء ذياب تمكن من وضع بصمة له ولدار النشر التي يترأسها يُمكن لنا أن نقول عنها أنها دار عراقية تمكنت بزمن قصير أن تكون مُشاركة في صناعة ثقافة تنويرية بأفق عربي ودولي.

هذان الكتابان من ترجمة السيد إمام، الأول هو مجموعة من الدراسات والحوارات عن فكر إيهاب حسن، والثاني من تأليف إيهاب حسن نفسه.

السيد إمام هو مُترجم وناقد مصري من أهم ترجماته هي ما قدمه للثقافة العربية من تعريف بنتاج المعماري و الأديب والمُفكر المصري الأصل، الأمريكي الجنسي إيهاب حسن.

ولد إيهاب حسن في القاهرة 1925، وسافر بعد تخرجه من الهندسة إلى أمريكا، ولكنه يقول" "لا أحب الهندسة، أحب الأدب"، فدرس الأدب الإنكليزي وحصل على الدكتوراه عام 1953، وبعدها درَس في العديد من الجامعات الأمريكي، له نتاج ومؤلفات عديدة، جُلَها تدور حول التنظير لفكر ما بعد الحداثة.

يعترف الفيلسوف الفرنسي ليوتار بمديونيته الفكرية لإيهاب حسن.

يهتم بكتابة المذكرات، كتب سيرته الذاتية وهو يؤمن بما يُجه له من نقد، لأن في النقد تقويم وتقييم، وكل ناقد حصيف إنما هو يُضيف للنص ولكاتبه من فيض قراءاته لأن كل كتابة فيها ذلك العنصر الذي هو الذات، والناقد هو الذي يُعيد انتاج الذات ويُضيف على نتاجها بعض من البهاء.

يرغب إيهاب حسن بالتدريس أكثر من رغبته في أن يُعرف ككاتب في ما بعد الحداثة. وإن كان لا يُصرح بكرهه "لأسلوب الكتابة المُتبع في الجامعة في الوقت الراهن.

لم يكن يوماً يهيم إنه بالتجريد لاختلاطها بالرطانة في كثير الأحيان.

الكُل يُريد أن يكون مُنظراً، ولكن التنظير في حال اقترانه بالتجريد وتغييب المعنى عند العامة والهامشيين إنما هو محض هُراء.

يستمتع بالحياة كما يستمتع في القراءة، حتى قال "أنا لا أقبع في حجرة مكتبتي. أنا أرتاد كل بارات ميلووكي وأذهب لمُشاهدة مُباريات باكرز لكرة القدم.

يعترف إيهاب حسن بأسبقية الرسام البريطاني (جون واتكنز تشابمان) في استخدامه للمصطلح ما بعد الحداثة، ولكنه استخدمه بشكل عشوائي في سبعينيات القرن التاسع عشر، وبعدها استخدمه مفكرون كُثر، منهم (أرنولد توينبي)، ولكن ما ميز إيهاب حسن أنه تمكن من يستجلي هذا المصطلح ويضع له أطره التي تبناها فيما بعد مفكروا وفلاسفة ما بعد الحداثة.

لقد وضع إيهاب حسن حداً فاصلاً بين ظاهرتين في الفكر هما (الحداثة) و (ما بعد الحداثة) في مقال له بعنوان (نحو تصور لما بعد الحداثة)، ووضع بعض التقابلات بين المفهومين.

ما بعد الحداثة هي إنتماء للحياة بمُتعها وتغيراتها، وإنتماء لـ "اللعب" والسُخرية، والتعددية، والنسبية، والانشغال في الهامش على حساب المركز.

سمات ما بعد الحداثة

ـ عدم التحديد، أو النسبية واعترافنا بصعوبة الحسم لأن "المُبهمات تتخلل أفعالنا، وأفكارنا، وتأويلاتنا، إنها تُشكل العالم".

ـ التشظي و (التفتيت). إن فكر ما بعد الحداثة يُشظي ولا يثق سوى في الشظايا...إنه يُضل الكناية على الاستعارة، والشزوفرينيا على البارانويا. ما بعد الحداثة إعلان حرب على الكُلية والنزعة الشمولية بكل تمظهراتها.

ـ هيام ما بعد الحداثة في الإنزياح وخرق النسق والخروج عن الأعراف والقوانين والقيم الموروثة التي رسمتها السلطة وأمعنت في المحافظة عليها.

ـ نزوع الما بعد حداثيين لاتخاذ سُبل التهكم والسُخرية المُباشرة وغير المُباشرة الذي تفرضه طبيعة اهتماماتهم بالهامش بتشكلاته الفوضوية الخرجة عن هيمنة المركز أو المتن الثقافي أو السياسي السائد.

ـ التهجين والعمل على خرق نُظم الكتابة أو العما رة، فيما أسماه إيهاب حسن "اختلاط الأساليب" المعهودة عبر تهجين أنماطها لكسر تنميط الشكل الراكس ضمن أنساق ألفنا الوثوق بها عُرفاً فصرنا نرى كل مُغاير لهذه الأنساق أو الأنماط وكأنه يُشكل تهديد لما درجنا عليه، وكأننا نرى أن الدارج في الكتابة والحياة هو الحقيقي وكل ما غايره هو غريب عنَا وهجين، لذا نجد الما بعد حداثثين ينصفون هذا الهجين والغرائبي.

ـ العبثية في فلسفة ما بعد الحداثة وفنونها في التشكيل والشعر والسرد مثلت جوهر مُنطلقات مفكريها بجنونهم ونزعتهم الجامحة لخرق الألوف، ليسعى كثير منهم للكشف عمَا هو مُدنس تأنف البشرية بنزعتها المُحافظة عن تقديره لهيامه في تبجيل المُقدس لشيوعه لا لأنهم وثقوا به بعد تفحص جدواه عقلياً أو عملياً، لذلك نجد إيهاب حسن يدعو لتجاوز نزعة التقديس ليس فقط في هيمنتها في الأوساط الاجتماعية والدينية، بل ونقد حضورها في الفن والكتابة والسياسة.

 

د. علي المرهج – أستاذ فلسفة

 

في المثقف اليوم