قراءة في كتاب

محمد جواد فارس: إضاءات وتأملات.. تفسيرية جديدة

(الدين زفرة الإنسان المسحوق، روح عالم لا قلب له، كما أنه روح الظروف الاجتماعية التي طرد منها الروح، إنه أفيون الشعب).. كارل ماركس، مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيجل

في الثقافة الدينية.. إضاءات وتأملات تفسيرية جديدة، للمؤلف سماحة اية الله العظمى أحمد الحسني البغدادي.

الكتاب يتضمن 100صفحة، صادر عن دار أحياء تراث الإمام البغدادي، العراق - النجف.

السيد أحمد الحسني البغدادي احد رجال الدين المعروف في مدينة العلم (النجف)، وهو من رجال الدين المتنورين، وله مؤلفات عديدة في الدين. والكتاب موضوع قرأتي هو من المؤلفات المهمة التي أصدرها السيد البغدادي، لما يحتويه من أمور يدار نقاش حولها.

و لاشك أن السيد البغدادي أضافة كونه رجل دين ضليع في ماكتب عن الدين الإسلامي وهو خريج مدرسة جده محمد الحسني البغدادي، وللسيد البغدادي الحفيد مواقف سياسية وطنية اختلف بها مع الحوزة الدينية القائمة الان اختلف في فتاويها، التقليدية ومنها الدفاع عن الوطن أثناء الهجمة الامبريالية المتصهينة عام 2003 , معلن عن رأيه في خطاباته في مدينة الصدر وكذلك في المؤتمر القومي العربي بمشاركات عديدة في بيروت والمغرب والجزائر وصنعاء والتي كانت كما شبه الكثير من المشاركين أنه جيفارا الثائر بالعمامة السوداء، نظرا لثوريته في اللقاء وطرحه للامور من وجهة نظر عربية خالصة، ووطنية حقة. هذه المقدمة سقتها كمدخل لقرائتي لكتابه الجديد (كتاب في الثقافة الدينية) لكي اعرف القارئ عن شخصية اية الله البغدادي ومواقفه ذات الطابع الوطني والعروبي والذي رابطه أساسا بمواقف رجال الدين الوطنيين في عامي 1918 في انتفاضة النجف وفي ثورة 1920 التاريخية بالارتباط مع رجال العشائر العراقية. وهذا مااردت ذكره عن مواقف رجال الدين العراقيين ذو النزعة الوطنية، واليوم قلما نجد شخصا مثل البغدادي يتمتع بصفات وطنية مع تمسكه في الدين مقارنتا بالمرجعية الدينية القائمة حاليا في النجف ومواقفها ومنها الموقف من احتلال العراق وعدم الافتاء بفتوى الوقوف ضد الاحتلال وعدم الاعتراف بشرعيته والافتاء بمقاطعته وعدم التعاون معه وبمقاومته.

و في كتابه هذا كشف السيد عن أمور وأسرار حدثت وتحدث اليوم في العراق من جانب المحتل الأمريكي وايران.

و في كتابه يتحدث العلامة السيد البغدادي يكتب : (نحن أمام امتحان صعب، وعلينا أن نحذر اهلنا وشعبنا في العراق المنكوب من اي مظاهر الفرقة والتناحرالمذهبي والعرقي والحركي، وقد أن الأوان أن يبتعد عن كل ما يفرق، ويحرض على كل ما يجمع من خلال الإبتعاد عن الدعوات الطائفية والعنصرية، التي يراد منها بناء مشروع سياسي امريكي صهيوني ماسوني في سبيل تجزئة أرض، العراق وتمزيق وحدته.. وحينها سيغرق العراق في الوحل، ونحن بحاجة تاريخية ملحة لإسقاط هذه الدعوات المريبة القادمة من خارج سياج الدائرة الإسلامية الواسع) انتهى الاقتباس، من هنا نجد أن السيد ينظر بعين ثاقبة على أهمية الوحدة التاريخية لتعايش العراقيين في عراق رسم فيه خارطة الفسيفساء الأخوي لما يربط العراقيين في جذور بلدهم بلد الرافدين بلد الحضارات الأولى قبل سبعة الف سنة، من تاريخ سومر وأكد وبابل واشورين، دون النظر لهويته القومية او الدينية، أن كان عربيا او كرديا او تركمانيا او اشوريا، وكذلك لطائفته أن كان شيعيا او سنيا او صابئيا، او يزديا.

وفي أشارت في التميز التفريقي بين الفقيه والمثقف، يكتب السيد (أن فضاءات التدخلات العامة هي حصيلة الممارسات الحرة في إطار المدنية، والفقيه يسعى سعيا حثيثا لتوسعة فضاءات التدولات الخاصة، وهي فضاءات تداول منهجية نصوص الروايات المقدسة، التي تفتح في كثير من الأحيان باب التهميش والاقصاء والتجريم والموت الأحمر، ما لانراه في المثقف فتح باب الحوار على مصراعيه لذلك اقول بمنتهى الصراحة (و الحديث لا يتبنى صفته الاطلاقية) ما قتل مثقف او مفكر إلا بإصدار فتوى فقيه، وما انهزمت ثورة شعبية ضد احتلال كافر أو سلطان جائر إلا بإصدار فتوى فقية، وما احرق كتاب جدلي إلا بإصدار فتوى فقيه كذالك بيد أنه نرى لم يقتل فقيه برأي مثقف، ولا احرق كتاب برأي مثقف). انتهى الاقتباس

و في الكتاب يشير السيد إلى أمثلة كما ذكرها (وبالنتيجة الطبري قتل، والحلاج صلب والمعري البصير حبس، وسفك دم أبن حيان، وابن النمر، واحرقت كتب الغزالي وابن رشد، والاصفهاني، والفارابي،و الرازي، وابن سينا، والكندي، وربما لاتعلم أن السهروردي مات مقتولا، وقطعوا أوصال ابن المقفع، ثم شويت أمامه للأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه بأبشع انواع التعذيب الوحشي، وأن الجعدي بن درهم مات مذبوحا، وحلقوا رأس أحمد بن نصر وأدار أن به الازقة، وقطعوا (لسان ابن الخطيب) وأحرقوا جثته، وكفر (ابن العاص) وطارده في كل مكان). انتهى الاقتباس.

هكذا يبحث السيد البغدادي عن الحقائق متصفح التاريخ باحداثه، ليوصلها لنا من خلال كتابه.

وفي ماجاء في كتابه يكشف المؤلف مسألة مهمة في تاريخ العراق بعد الاحتلال عام 2003 وما جاء في دستور 2005 من نصوص كتبت وفق سياسة الاحتلال الأمريكي والذي وضع صياغتها الأمريكي اليهودي الصهيوني (نوح فيلدمن) وعرضت الصيغة على لجنة ما يسمى بالصياغة النهائية ضمت عدد من العراقيين الذين ليست لديهم خبرة في صياغة دستور، بل انهم من الأحزاب الدينية والمليشيات، وجاء هذا الدستور على ما يسمى بالمكونات وليس على اساس المواطنة كما كانت دستور العراق في العهد الملكي وكذلك ما تبعه من دساتير مؤقتة في عهود الجمهوريات الاحقة، وبهذا أكد هذا الدستور موضوعيا على المحاصصة الطائفية والقومية. واقتبس ما كتبه المؤلف : [ إن هوس السلطة المطلقة التي يملكها طواغيت سلطة السنة وسلطة الشيعة في عراقنا المحتل أمريكيا وبريطانيا وإقليميا حديث تخلف وخرافة، وذلك أن السلطة، وكما تفهم في هذا الزمن التعيس المرعب لا تقتصر على الدولة باجهزتها الاستخبارتية واللوجستة ومدوناتها القانونية والدستورية، وانما هي سلطات مستفيضة ومتعددة وموالية لدول اقليمية ودولية أو معارضة بطريقة غير مرئية..منبثقة في الأجواء الإجتماعية بكل أشكالها المافياتية والمليشاوية من خلال هيمنة الدولة العميقة الخفية أفقيا ورأسيا، طولا وعرضا في شتى الدوائر والمراكز والنوافذ الحدودية، وعلى كل الصعد والمستويات ] انتهى الاقتباس.

عندما قرأة الكتاب وجدته من الأهمية بمكان دراسة كل ما فيه من قضايا تخص الثقافة الدينية من منطلق تقدمي وعلمي، أجد أن أقدم مقترح للسيد البغدادي، أهمية زيادة المعلومات التي جاء بها هذا الكتاب، وهي الاطلاع على ماكتبه الفلاسفة القدماء من أمثال أفلاطون وارسطو وكانط وسان سيمون وشارل فورية وكارل ماركس وفريدريك انجلس، وكذلك الاطلاع على نظريات نيوتن في الفيزياء والجدول الدوري لمندليف في الكمياء، وكذلك النظريات لمندل التي اثبتها علميا في قوانين الوراثة، هذه الأمور العلمية سوف تزيد البحث أهمية، وكما هو معروف أن المؤلف هو رجل دين متنور يربط الأمور الدينية بالعلم، بالدخول إلى العلوم الطبيعية والإجتماعية وكذلك الاقتصادية.

واخيرا اترك للقارئ لمن يتوفر له هذا الكتاب أن يقرأه، لأهمية الأمور التي جاء فيها المؤلف وهي تعتبر نقلة نوعية يحدثها رجل الدين في عراق الحضارات الاولى.

***

محمد جواد فارس - طبيب وكاتب

لندن في آذار 2024

في المثقف اليوم