قراءة في كتاب

شيعة العراق من الهامش إلى المتن

علي المرهجصدر مؤخراً كتاب (شيعة العراق بعد 2003ـ الرؤى والمسارات)، تحرير: د. مؤيد آل صوينت و د. علاء حميد، وهو محاولة لقراءة التحول الاجتماعي والسياسي للمكون الشيعي في العراق والتحول الدراماتيكي من الهامش إلى المركز.

لم يكن للشيعة دور في الإدارة السياسية للدولة منذ نشأتها كدولة حديثة في بداية القرن العشرين.

أثناء الحملة البريطانية على العراق حمل الشيعة راية الذود عن (بيضة الإسلام) الذي كانت تُمثله الدولة العثمانية آنذاك رغم تهميشها لهم، فكانت فتوى الإمام الشيرازي آنذاك بمثابة الاعلان عن رفض الشيعة لركوب موجة التغيير الجديدة لأنها تُمثل تأييداً للصليبيين وتكريساً لهيمنتهم، فكان الشيعة من أشد المُعارضين لتواجدهم في أرضي المُسلمين، وبعد أن تمكن البريطانيون من احتلال العراق ولأنهم يعرفون موقف الشيعة منهم سلفاً، نجدهم أقرب للقبول بتقريب السنة الذين لم يُظهروا كبير عداء لهم، فصار الشيعة كما يرغبون دائماً هم الهامش واليسار الذي يُمثل خط المُعارضة، أما السنة فقد تمكنوا من ترتيب علاقتهم مع المُحتل الجديد، فصاروا مركزاً بحكم رغبتهم واتقانهم للعمل فيه تاريخياً، فهم تاريخياً متن السياسة ومركزها ويمينها.

استمر الحال في ادارة الدولة العراقية، الشيعة هم الهامش، والسنة هُم المتن والمركز، وبعد الثورة الإسلامية في إيران بدأ (الفاعل السياسي) في العراق يستشعر خطر تهديد الهامش لضمان وجوده في المركز، فبدأ يرسم الخطط تلو الخطط للعمل على إداممة بقاء الهامش هامشاً، فحاول قمع المعارضين في العلن والسرَ ولم يكتف، فوجد في الحرب سياسة ذكية لديمومة التهميش، ولكن الروح الثورية التي نشطت بفضل الثورة الإيرانية التي داعبت مخيال الروح الجمعي للشيعة في كل العالم قد طالت شيعة العراق الذين يحلمون بخروج الإمام (المهدي) الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلأت جورا، والثورة في إيران هي تمهيد لظهور الإمام الحُجة!.

فطال ما طال الشيعة من تنكيل وسجن وتقتيل، وانتهت الحرب، ولكن الحُلم الشيعي بتأسيس دولة العدل على يدي الإمام الحُجة لم تنته!.

وبعد مُدة ليست بالطويلة انتفض شيعة العراق فيما سُميَ بالانتفاضة الشعبانية التي يحمل أصحابها ذات الرؤية والحُلم بالخلاص من دولة الاستبداد والاستعباد لتحقيق العدل في البلاد بثورة إسلامية، ولكن بمعونة خارجية وسماح أمريكي لطائرات النظام بالقصف تمكنت قوات النظام المُسلحة من القضاء على الانتفاضة، فبقي الهامش هامشاً والمركز مركزاً، ولم يتغير ميزان المعادلة التقليدية في الصراع بين اليسار واليمين، فلم يتحول اليسار إلى يمين، والعكس صحيح.

بعد أن مرَت العديد من السنين، وتبدل القناعة الأمريكية بفعل تأثير قوى المعارضة الكُردية والشيعية ولقناعة أمريكا بأن نظام صدام صار خطراً يُهدد شعبه وباقي شعوب المنطقة اتخذوا قرار اسقاطه، وقد تم هذا الأمر لهم عام 2003، ولم يكن من السنة في المُعارضة سوى القلة القليلة، فلم يكن من خيار أمام الأمريكان سوى أن يختاروا مجلساً للحُكم على أساس نسب المكونات، والشيعة هم المكون الأكثر، فكان تمثيلهم في هذا المجلس هو الأكبر.

ويبدو أنهم استفادوا من الدرس، فلم يقبلوا أن يخسروا تواجدهم في صناعة القرار هذه المرة بعد أن اتعضوا من الدرس أبان الحُكم البريطاني، وهنا بدأ ميزان المُعادلة التقليدية للحُكم يختل في العراق، فتحول الهامش ليكون مركزاً، واليسار إلى يمين، والمركز صار هامشاً، واليمين صار يساراً، فبعد أن كان الشيعة مُعارضة على طول التاريخ، صاروا هم السلطة، وبعد أن كان السُنة سلطة على طول التاريخ صاروا هُم المعارضة. إنها لُعبة تبادل الأدوار بين الهامش والمركز.

بعد 2003 تحولت مظلومية الشيعة وظُلامتهم من عنوان للدفاع عن المُهمشين والمُستضعفين إلى عنون لتبرير أفاعيل السلطة بطابعها المُحافظ، فبعد أن كانوا هم والسلطة في تناقض أو تضاد صاروا وهي أي السلطة صنونان لا يفترقان، وكل ناقد لسلطتهم إنما هو عدو للمذهب! ولقضية عاشوراء التي اتخذها ساسة الشيعة اليوم ذريعة لقمع كل صوت معارض وتبريراً لفشلهم في إدارة الدولة!.

إن مشكلة الشيعة في إدارة الدولة إنما تكمن في التعارض بين مُتبناهم الغيبي الذي يقتضي تغييب (الواقع) = (المصالح) لصالح (المثال) = (المبادئ)، فدولتهم محض خيال وفق المُتبنى العقائدي، والدولة (الواقع) مُمارسة وتبدل في الآراء على قاعدة (لا يوجد عدو دائم، ولا صديق دائم، إنما الدائم هي المصالح)، لذا حار القادة الشيعة بين مُتبناهم العقائدي ومُقتضيات إدارة الدولة لا وفق سياسة علي (ع)، إما أن تكون مع الحق أو مع الباطل، وتلك دولة المثال (المُتمنى)، ليكتشفوا أن إدارة الدولة في المعارضة تقتضي التنظير وفق المثال (علي)، ولكن إدراة السلطة في الواقع تقتضي إدارة الدولة وفق المُتغير الذي أدرك كُنه التعامل معه (معاويه).

لقد توصل ساسة الشيعة أن الرؤية اللاتاريخية في الحُكم إنما هي ضرب من ضروب العيش في عوالم الحُلم، لذا نجد أغلب ساسة الشيعة يستغلون فضاء الحُلم هذا عبر تفعيل المخيال الشيعي العام لديمومة الشعور بالمظلومية، فعملوا على تدعيم وتشجيع التعبير الطقوسي والشعائري لا لأنهم أدركوا مقصدية التضحية وقيمة الإصلاح الحقيقي في أس هذه المظلومية ألا وهو القضية الحُسينية بوصفها إصلاح إنما هي محاولة منهم لتوظيفها لصالح استمرارية بقائهم في السلطة، أو ما أسماه (د.أياد العنبر) "طوباوية الدولة وواقعية السلطة"، للمحافظة على وظيفتين أساسيتين فيي خطاب المظلومية هذا:

ـ وظيفة هوياتية الطابع تعمل على شرعنة رؤية مثالية للذات ـ وبالضرورة رؤية اقصائية تجريمية للآخر المُختلف.

ـ وظيفة حجاجية يُركز أصحابها على المُمارسات أو الأهداف السياسية، يستخدمها دعاتها لتبرير الأفعال الخاطئة التي لا تنسجم ومنطق إدارة الدولة بقدر ما تنسجم وشحذ مخيال الطائفة (المُهمشة)!، مثلما فصل في ذلك د. ذو الفقار علي في بحثه (المظلومية في الخطاب الشيعي).

لا يخفى على أحد التوظيف الشيعي للطقوس والشعائر، فبات من المعروف عن الشيعة "التوظيف المُتزايد للخزين الطقوسي والرمزي والشفاهي وتحويله إلى نموذج مُهيمن في الحياة اليومية" وتلك صورة واضحة وجلية في مُمارسات الشيعة لشعائرهم في مواكبهم العاشورائية وانتشار صور المراجع والأئمة والمراثي الحُسينية، الأمر الذي جعل من هذه المظاهر "الشيعية كطريقة للحياة" بعبارة (د.علاء حميد) في بحثه بذات العنوان.

إن مُشكلة المذهب الشيعي أنه "مذهب عابر للقوميات"، وحتى المرجعية فيه "عابرة للقوميات" أو ما أسماه (د.خالد حنتوش) في بحثه "عالمية الحوزة"،  وفي هذه الحوزة تعدد في المرجعيات يختلف مراجعها في رؤيتهم لشكل الدولة وطريقة إدارتها، فمنهم من يؤمن بـ "ولاية الفقيه" وآخرون لا يؤمنون بهذه الرؤية، وعلى رأسهم السيد السيستاني الذي لا يعتقد بولاية الفقيه وهو أقرب للقول بضرورة وجود "الدولة المدنية". للمزيد حول بلورة مرجعية السيد السيستاني وتصدره لمشهدية الحضور الفاعل يُنظر بحث سجاد رضوي "التعبئة السياسية والمرجعية الدينية الشيعية" في الكاتب موضع القراءة.

رغم أن السيد محمد محمد صادق الصدر لا يؤيد القول بالدولة المدنية، إلَا أن السيد مُقتدى نجله الذي تمكن من نيل مقبولية أغلبية الشيعة المُستضعفين بوصفه المُمثل لهم والناطق باسمهم.

لقد توصل السيد مُقتدى إلى قناعة مُماثلة لما توصل له السيد السيستاني من قبل، فآثر تشكيل ائتلاف مع القوى اليسارية والماركسية من أجل الإصلاح وبناء عراق مدني يحترم التعددية الفكرية والدينية والمذهبية، رغم أن في أصل تكوين الرؤية الشيعية حمولة انكار لمُعطيات الديمقراطية لأن "الفقيه الجامع للشرائط قيَم على مُخرجات الآليات المُسمات بالديموقراطية، وله حق نقض القوانين التي تُخالف القوانين الإنسانية العُليا بحسب قناعته، لأنه الصائن والحافظ الأول لمصالح العباد والبلاد"!. لأن الإسلام بحسب رؤية السيد محمد محمد صادق الصدر نظام إلهي، لا يعترف بالتمثيل البرلماني...وأن العقل البشري قاصر...(لذا) فلا حاجة تبقى لدى الشعب المُسلم إلى التصويت على أي قانون من القوانين الإسلامية".

هكذا تكون التجربة الشيعية في الحُكم وفق الدستور الحالي تجربة هشة لأن مُتبنياتها الأصولية والسياسية التراثية واليوم هي ذات المُتبنيات التي تختط لها طريقة في الحياة والرؤية الاجتماعية والسياسية بعيداً عن نتاجات الحداثة ومعطياتها في التوجه نحو المدنية والديموقراطية.

على الرغم من أن المرجعية الدينية الشيعية هي التي ساعدت على التعجيل في اجراء الانتخابات للتخلص من الوصاية الأمريكية وسمة الاحتلال، وعلى الرغم أيضاً من المرجعية العليا للسيد علي السيستاني كانت أكثر حنكة وقدرة على التخلص من توصيفها الطائفي عبر تأكيدها على وحدة الأرض العراقية ووحدة الشعب ودعوتها المُستمرة للتجاوز شرك الطائفية، واصداره لفتوى الجهاد الكفائي التي كان لها الأثر الأكبر في تحشيد العراقيين والخلاص من (داعش) وتأييده للمظاهرات السلمية المطالبة بالحقوق ومُحاسبة الفاسدين.

رغم كل مُتبنيات المرجعية لهذه الخطوات الأصيلة لبناء مُجتمع مُتماسك، إلَا أن طبيعة قيمومتها الدينية والاجتماعية التي تُضفي على وجودها دور القداسة المُستمد من تاريخ وجودها المُستمد من ارتباطها وأهمية حضورها من تمثيلها للسلطة الدينية المُمثلة عند الشيعة بالأئمة المعصومين وصولاً للإمام الغائب، فالحوزة بحسب المنظور الشيعي تستمد وجودها من الإرادة الإلهية ولا دور للجماهير في وجودها، لأنها محفوظة بأمر إلهي طبقاً لما جاء به النص المُقدس في النص والتعيين الإلهي للإمام، والحوزة إنما وجدت طبقاً لنص تأسيسي من الإمام الحُجة "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله" ولفظ (ارجعوا) هو الذي ساهم في التأسيس الأصيل لوجود المرجعية بحسب ما يرى د.خالد حنتوش في بحثه "حوزة البراني والجواني".

لم يتقبل هذه الرؤية أغلب مكونات المجتمع العراق على أساس عقائدي رغم تقديرها العالي لها، لكنها تتردد في مقبولية خطابها، وإن ظهر جلياً ابتعاد مرجعية السيد السيستاني فكراً ومنهجاً عن مرجعة السيد الخامنئي، فكل دعوات السيد السيستاني تؤكد ابتعاده عن فكرة "ولاية الفقيه" واهتمامه ببناء الدولة العراقية وفق مبادئ القانون الوضعي الذي يحترم التعددية الدينية ويرفض "النظام السياسي الطائفي والمذهبي"، كما أكد (رايد فيسر) في بحثه المنشور في الكتاب.

في المُقابل نجد أن أغلب الشيعة العراقيين وجُلَ ساستهم إنما هُم يسيرون شعاراتياً مع ركب المرجعية، لكنهم على مستوى المُمارسة نجدهم يستخدمون ثقل المرجعية وقداستها وجذورها الفكرية لصالح استمرارية بقائهم في السلطة عبر اللعب على وتر العاطفة والوجدان الشيعيان.

تمرحل دور المرجعية الشيعيةعلى ثلاث مواقف:

1ـ الاقتصار على الدور الافتائي من دون الدخول في الفضاء السياسي.

2ـ اقتصار دور المرجعية على الإشراف على العملية السياسية دون التدخل المباشر، والابتعاد عن التفاصيل قدر اللإمكان. وهذه الحال تنطبق على مرجعية السيد السيستاني الذي حاول أن يكون باني جسور بين أبناء المجتمع وساسته.

3ـ تنبني خيار ولاية الفقيه في العراق، أعتقد أن هذا الخيار لم يتخذه مرجع في العراق بقدر ما اتخذته جماعات شيعية تؤيد مرجعية السيد علي خامنئي ومحاولة تطبيق النموذج الإيراني. كما فصل في ذلك د. مؤيد آل صوينت في بحثه.

يؤكد د. أياد العنبر على "أن من يقرأ المدونات الفقهية والمصادر الفكرية الشيعية لا يجد اهتماماً حقيقياً بمسألة التنظير للدولة" كما بين في بحثه المنشور في الكتاب.

إن تكوين الدولة عند السيد محمد باقر الصدر مرتبط بـ "الأمة الإسلامية" الأمر الذذي يعني غياب الدولة والأمة معاً بالمعنى السياسي الحديث لهما.

ولا يخرج فكر السيد باقر الحكيم عن وجهة النظر هذه. ينضوي جُلَ مراجع الشيعة ضمن هذه الرؤية لأن "المذهب الشيعي مذهب عابر للقوميات" كما وضح (ايرنستو أج برام) ببحثه في الكتاب ذاته.

في بحث د.علي حمود الطاهر (المثقفون الشيعة وبناء الدولة) نجده يُصنف مواقف المُقفين الشيعة طبقاً لمعرفته هو لأصولهم التكونية مذهبياً، الأمر الذي لا يرتضيه بعضهم أو جلهم هذا التوصيف المذهبي، فكيف يُمكن لنا توصيف حيدر سعيد مثلاً على أنه مُثقف شيعي، وهو الذي عمل جاهداً للخروج من قوقعة الطائفية ونقدها!. والحال ذاته ينطبق على غالب الشابندر الذي غادر مواقعه القديمة في انتمائه الدوغمائي للمذهب ليحط رحاله في مرافئ الديمقراطية، وهكذا الحال مع عبدالجبار الرفاعي وحسين درويش العادلي وابراهيم العبادي، لأن جميع هؤلاء ينطبق عليهم وصف الوطنيين العراقيين أكثر مما ينطبق عليهم الوصف بأنهم مُثقفوا الشيعة. أظن أن وصف المُثقف بأنه سُني أو شيعي هو تكريس للطائفية لا تجاوز لها.

من هو الشيعي؟ سؤال وضعه د.علاء حميد في بحثه "الشيعية كطريقة للحياة" يختصر تساؤلات د.علي طاهر الحمود، فالشيعي هو:

1ـ الذي ينتمي للحركات الشيعية (إسلامي) حركي = (توظيف سياسي).

2ـ الذي يهتم بالطقوس (طقوسي) شعبوي (توظيف اجتماعي).

3ـ الذي يهتم بالتاريخ (مُتعلم/ مدني) = مدني.

الذي يشتغل بالعلوم الدينية (أصولي).

ولا أظن ىأن أحداً من المثقفين السابقين ينطبق عليه وصف الشيعي طبقاً لهذا التصنيف.

هل مثل ساسة الشيعة مصالح المُكون وطنياً؟

بكل وضوح وجرأة لم يكسب الشيعة العراقيين من ساسة الصدفة الذين حُسبوا عليهم سوى الدمار والفساد وخراب البلاد، لأن ساسة الشيعة لم يكونا مُمثلين لهم بحق، إنما كانوا خير من يُمثلون مصالحهم ومصالح الجوار الاقليمي الذي يُدينون له بالولاء!، وتلك احصائيات أجرتها الدكتورة عامرة البلداوي في بحثها (التجربة البرلمانية للنواب الشيعة) لتُثبت فساد الفاعلين السياسيين الشيعة في البرلمان عبر تسقيطهم للوزراء المُخالفين لهم من مكونات أخرى وتجديد الثقة لوزراء فاسدين من مكونهم.! فوصل الأمر لاسقاط رئيس البرلمان (السني) لالأنه طالب بمحاسبة السيد عبدالعزيز الحكيم عضو البرلمان الذي لم يحضر ولا جلسة برلماني ناقش فيها البرلمانيون مُقترح! والحال ذاته ينطبق على أياد علاوي وابراهيم الجعفري، فأقيل رئيس البرلمان، وبقي قادة الكُتل الشيعية لا يحضرون!!.

إن ما يُميز الشيعة هو تماسكهم وترابطهم لأنهم يعيشون مخيال المظلومية الذي يقتضي التماسك الذي تؤكده روبط مُتعددة أهمها: "البقاء، والقوة، والطاعة، والترابط" وتلك مبادئ اتفقوا عليها لتوصيف ما اعتقدوا أنها مظلومية عاشوها عبر التاريخ، فجاء بحث عدنان صبيح ثامر (أنثربولوجيا الخطابة الشيعية) ليُفصل فيها.

إن هذه العناصر ترتبط معاً بمقدار ما يكون للوجد الطائفي والقبلي حضور فاعل، ولكنها لا مكان لها في عوالم الديموقراطية ومقتضيات المواطنة الحقة التي تقتضي الإيما بوجود موطن حُر لا ولاء له سوى لهويته الوطنية التي لا تكشف عنها نزعة الانغلاق الطائفي أو المذهبي بقدر ما تكشف عنها "نزعة الأنسنة" و "العلمنة" التي ترفضها "راديكالية" الأحزاب الشيعية المُهيمنة على القرار السياسي في عراق ما بعد 2003.

في بحثه "شيعة العراق بعد 2003" يُحاول د.جعفر نجم نقد ما  أسماه "أوهام الأسلمة" بتأكيده على البون الشاسع بين (الشريعة) والمُتغير (القراءة لها ـ الفقه)، والعمل على تجديد حضور ما هو ديني بتغيير نمط حضوره، عبر جعله منبعاً للضوابط الأخلاقية.

مُلخص قولي أن شيعة السلطة لم يُحسنوا إدارة الدولة لأنهم عملوا على تنمية مواردهم الذاتية، واللعب على تاريخية المظلومية بوصف المكون الشيعي هامشاً والسُنة مركزاً، وفي المقابل لهم لم يُحسن السُنة تقبلهم التحول من المركز ليكونوا في الهامش، فكان ساسة الشيعة أسوء مركزاً = (سلطة) والسُنة لا يتقبلون أن يكونوا هامشاً بحكم (جين) موروث تكونهم بوصفهم "مركزاً".

ونحن العراقيين اليوم يجذبنا المد والجزر، مد "المركز" و "جزر" الهامش" والخشية كُل الخشية في تبدل الأدوار بين "المدَ" و "الجزر"، فكيف يُمكن لـ "المدَ" أن يكون "جزراً"، أو أن يكون "الجزر" "مدَاً" تلك هي لُعبة المُمكنات في عوالم التغيير.

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم