قراءة في كتاب

قراءة فلسفية في كتاب الحلقة النقدية

988 الحلقة المفقودةكتاب ترجمته ترجمة بهية الأخت الغالية الأستاذة خالدة حامد لمؤلفه: ديفيد كوزنز هوي.

الكتاب بخمسة فصول: الأول: نقد الهيرمونيوطيقا: دونالد هيرش، والثاني: طبيعة الفهم: هيرمونوطيقا هانز جورج غادامر الفلسفية، وكان الفصل الثالث بعنوان: النص والسياق، فيما كان عنوان الفصل الرابع: الحقيقة والنقد، أما الفصل الخامس ، فكان موضوعه هرمس والعلاقة بين الهرمسية والتأويل بوصف التأويل (الهيرمينيوطيقا) مُشتقاً من لفظ الهرمسية، نسبة إلى هرمس، وهرمس هذا هو أحد آلهة الإغريق (الإله، النبي، الحكيم)، (مُثلث العظمة) "العاطفي، والمادي، والعقلي"، يتداخل فيها ما هو غيبي (إيماني) مع ما هو (مادي) طبيعي، ليتواشج مع ما هو (علمي)، يتادخل تكوين الوعي الهرمسي السحري (الباطني) والغيبي الديني مع الفلسفي والعلمي العقلي والنظري المُجرد (التأملي) الذي تتداخل فيه النظرة العلمية مع النظرة الفلسفية ببعدها العقلاني والهيام بمُعطيات (التجربة الدينية) الفردية ليلتقي فيها (الروح الكُلي المثالي) مع (الروح الجزئي الواقعي) بعبارة هيجل ليختط فيها ماهو (ميثولوجي) أسطوري مع ما هو (فلسفي) أو (علمي).

الحلقة النقدية هي تسمية موازية لمدرسة (فرانكفورت) تأثر روادها برؤى كبار الفلاسفة والمفكرين على رأسهم: هيجل (المثالي)، وكارل ماركس (المادي)، وفرويد (عالم التحليل النفسي) فضلاً عن تأثرهم بأطروحات (ماكس فيبر) و (جورج لوكاتش).

يصح وصف فلسفة أصحابها بأنها (فلسفة اجتماعية)، والأصح أنها (فلسفة تطبيقية) تسعى لتوظيف مقولات الفكر المادي والمثالي لفهم ما هو معيشي وواقعي وردم الهوة أو الفجوة بين نمطي الفكر السائدين (الرأسمالي) الفرداني المُفرط، والاشتركي (العام) المفرط ليستعين أصحابها بمقولات (سيجموند فرويد) في التحليل النفسي، ليجعلوا منها (بيضة القُبان) في معادلة التوازن بين النزوع نحو (الفردانية) المُفرطة، والنزعة (العمومية) المُستغرقة في الدفاع عن (روح الجماعة) ونسيان نزوع الذات الفردية نحو (حُب الذات) والتميَز.

ركز (دونالد هيرش) على البُعد النفسي للمُتلقي أزاء النص، الذي يجعلنا نضيع في فضاء تعدد المعنى أو ما أسماه "بلبلة التأويلات"، وهو هنا يحمل التلقي على محمل حسن، ولكنه سيبقى فهم ـ لربما ـ فيه اقتراب من قصد المؤلف ولكنه ليس شرطاً أن يكون هو ما يرومه كاتب النص أو المؤلف، لذا نجده يُفرق بين (الفهم) و (التأويل) لأن الفهم اقتراب من قصد المؤلف، بينما التأويل هو اعتقاد الشارحين أنهم قد اقتربوا من قصد المؤلف، فالمعنى عند (هيرش) ثابت، والدلالة أو (الإحالة) مُتغيرة، أي أن المعنى هو ما أراده المؤلف، بينما (الدلالة) هي قابلة للتأويل، فالمعنى يبقى ثابتاً رغم تغيَر الأحوال ومرور الأزمان.

أخذ (هوركهايمر) على عاتقه التعريف بأهمية (النظرية النقدية) بوصفها (فلسفة تطبيقية) غايتها تحقيق (العدالة الاجتماعية) خارج هيمنة (الراديكاليين) من دُعاة الاتجاهين سابقيَ الذكر، لأن كل منهما يدَعي (وصلاً بليلى)= (الحقيقة) ويُنظَر دعاة كل إتجاه على أنهم أمسكوا بلُبَ الحقيقة وجوهرها، ولكن (ليلى في العراق مريضة)!، وهذا هو حال الحقيقة، كما هو حال ليلى، ولكن من يدَعون وصلاً بها أصحَاء، لأنهم لا يرون ليلى بقدر ما يرون (توهامتهم) في (الكهف الإفلاطوني) على أن الظلال حقيقة، ولكنها ظلال ليلى، وليست ليلى = (الحقيقة).

التنوير هو ادَعاء الوصل بليلى، لذلك تبنى فلاسفة (مدرسة فرانكفورت) تهديم النظرة التقليدية للتنوير المبني فلسفة وفكراً على الإيمان بقدرة العقل العلمي (التقني) على إدراك كُنه الحقيقة، أو الوصول لليقين المعرفي والعلمي عبر الوثوق بمعطيات العقل وناتجه (التقنية) التي لم نجني منها (وصلاً بليلى) = (الحقيقة) بقدر ما جنينا من نزوعنا التنويري الوثوقي هذا من "تشيؤ" للعقل الإنساني.

تلك مهمة تبناها (هربرت ماركيوز) في نقده لليقينيات عقل التنوير بوصفهها رؤية ذات بُعد واحد في كتابه (الإنسان ذو البعد الواحد)..

لم يقبل (أدورنو) بسيادة (عصر التنوير) والقبول بأطروحات فلاسفته بوصفها الحل الأمثل لمشكل الخلاص لمسيرة المجتمع باعتمادنا على مُعطايات العقلانية بطابعيها (التجريبي أو العقلاني)، لأن اليقين مشكلة تأصلت في كلا الاتجاهين، فكل اتجاه يدَعي أصحابه أنهم قد مسكوا بتلابيب الحقيقة.

ربط (هابرماس) بين المعرفة والمصلحة في كتابه الذي يحمل العنوان ذاته (المعرفة والمصلحة) وكأنه يُعيد لنا انتاج مقولة فيلسوف البراجماتية الأشهر (وليم جيمس) في مرادفته المشهور بين المعرفة والمنفعة، فبعبارة (وليم جيمس):"ما هو نافع ىفهو صادق، وما هو صادق فهو نافع

التأويل عملية فهم بحسب غادامير، فأي تأويل يُراد له أن يُسهم في الفهم، أن يكون قد فهم ما يُراد تأويله.

يهتم التأويليون بتاريخية المعرفة

في هذا الكتاب سعي لتجاوز الفهم النسبي للنص المؤول، فكل فهم مُرتبط بمدى قُدرة المؤول في إدراكه لـ "صحة التأويل" وموضوعية الفهم من خلال إحياء مفهوم "قصد المؤلف".

في الفصل الثالث النص والسياق محاولة جادة لتوضيح العلاقة بين النص والسياق عبر قراءة لنتاج (دريدا) في كتابه (الكراماتولوجيا)، وتمييزه بين منطوق الكلام وأثر الكتابة بتاكيده على استقلالية الكتابة.

أما (بول ريكور) فيُميز بين (وظيفة الكلام) الاحالية و (وظيفة النص)، ليؤكد أن وظيفة النص لا تعني تأويلاً للحوار فحسب، بل، في الوقت نفسه تعني تأويلاً للاحالة، فلا وجود للنص من غير احالة ما.

يعتقد غادامير أن الفهم ظاهرة لسانية، بينما نجد هابرماس يؤكد على الأبعاد الاجتماعية للمعرفة مثل علاقات القوة وبنية العمل، ليُقدم لنا نظريته في "الفعل التواصلي".

لذا فإن النظرية الهيرمنوطيقية كما يتبناها فلاسفة (الحلقة النقدية) لا تجعل النقد مُستحيلاً - كما جاء في الفصل الربع (النقد والحقيقة) - بل سيجد اصحابها في التأمل الهيرمنيوطيقي مجالاً يُمهد للنقد وأصحابه ممارسة ورؤية للحقيقة بعيون باصرة.

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم