قراءة في كتاب

سماء بغداد القرمزية..

995 سماء بغداد القرمزية(عندما تبدأ الحرب، يفتح الجحيم أبوابه).. مثل بولوني

(أن الحرب العالمية الأولى أفقدت الحياة قداستها، ودلت على سفالت الأجهزة السياسية).. البرت إنشتاين

ان الصراعات الدولية التي كثيرا ماتنتهي باشعال نار الحرب، ما هي إلاّ لعبة من لعب قوى الشر والعدوان، لتنفيذ مشاريعها التآمرية  في الغزو وفرض هيمنتها على دول مستقلة ذات سيادة  وحرمان اهلها من العيش الحر الكريم ومن الأستفادة من ثرواتها والخيرات الطبيعية التي تمتلكها .

ومن احدى التجاوزات الكثيرة في تأريخنا المعاصر، ما قامت به دول تدّعي الديمقراطية والحرية وكل الشعارات البراقة، الفارغة من كل محتوى انساني، وفي مقدمة قوى الشر هذه، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية  وحليفاتها  في شن أكبر هجوم شرس وبربري  على العراق، ضاربين عرض الحائط كل الأعراف والقيم الأنسانية، ليحولوا زرقة سماء بغداد بحقدهم ودناءتهم ووحشيتهم الى سماء قرمزية ...

فـ (سماء بغداد القرمزية) هذا الكتاب المهم الذي نقله من الروسية الى العربية الأخ الدكتور فالح الحمراني، هو في الحقيقة بصمة شهادة عن تأريخ جريمة حرب ارتكبها مجرمون، لم يتحلوا بأدنى صفة انسانية، ولا أي وازع من ضمير، فكتاب (سماء بغداد القرمزية) هو شاهد عصر على  الروح الشريرة التي حولت البلاد الى ارض يباب، وعاثت فيها الفساد، وانتهكت حق الحياة والعباد.

فمؤلف الكتاب رجل  دبلوماسي مرموق وخبير في شؤون الشرق الأوسط، عمل في مختلف بلدانه على مدى سنوات طوال من حياته، ومنها العراق، قبل الحرب العدوانية عليها، واثناءها، وتعرف عن قرب على القيادة السياسية في العراق وعلى رئيسها صدام حسين، وتضمن الكتاب على ايضاح شخصية صدام حسين من قِبَل مؤلف الكتاب (فيكتور باسوفاليوف) الذي يؤكد فيه على ذلك في ص 26 (جرت أول لقاءاتي بصدام حسين في اعوام 1969-1970 حينما رافقت فيدوتوف الذي كان قائما بأعمال السفارة السوفيتية بالعراق، حيث زار صدام حسين لمناقشة القضية الكردية التي كانت حينها ملحة .

كانت تلك الفترة بدايات ترقّي صدام في المناصب، ومازال بوسعه حينها الأصغاء للآخرين .

ولاح لنا أن صداما مهتم فعلاَ باستماع الحقيقة من هذا الدبلوماسي الروسي الحازم الأشقر (علاوة على أننا كنّا مستعدين جيدا للمحادثة) وخلال المحادثة اشتبك فيدوتوف في جدل مع صدام، لأنه كان يعتقد أن بوسعه توجيه تقييمات نقدية لسياسة البعثيين العراقيين الداخلية، وغالبا ما مشى بتقيماته على حد السكين الحاد، وفهمت بعد ذلك، أننا وعلى خلفية طبع صدام الحقود والأنتقامي، خضنا في الواقع لعبة خطرة، وسرعان ما انقطعت هذه اللقاءات.. وصفوة القول أن لقائي ذاك بالرئيس العراقي أثار قلقي) .

ومن هذا المنطلق ربط الكاتب (فيكتور باسوفاليوف) ومن خلال معايشته للواقع العراقي، ومعرفته بالحكومة العراقية، وبرئيسها صدام حسين، كل الأحداث المأساوية التي حلّت بالعراق وإعطاء قوى الشر والعدوان الطامعين بخيرات العراق  وتحت قيادة امريكا (الشيطان الأكبر) كما وصفها الأمام الخميني  أنذاك، الفرصة في الأنقضاض على هذا البلد المستقل وذا السيادة .

ووقع العدوان الآثم على العراق، شعبا وأرضا، وبكل وحشية.

ويحتوي الكتاب على مقدمة خاصة بالطبعة العربية في ص 5، لممثل الرئيس الروسي الى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نائب وزير خارجية روسيا الأتحادية ميخائيل بوغدانوف " لقد كُتِبت الكثير من المؤلفات الجيدة والمثيرة للأهتمام حول الأحداث التي شهدها العراق في أواخر الثمانينات – وبداية التسعينات من القرن العشرين .

وتثار حتى الآن حولها مناقشات ساخنة وجدالات حادة . ومع ذلك، ان الكتاب الذي بيَدَي القارئ العربي، لافت للنظر في كثير من النواحي، ويكتسب أهمية خاصة ..."  .

فالكتاب الموسوم بـ (سماء بغداد القرمزية) في الحقيقة والواقع، هو احد الوثائق التأريخيةالمهمة عن العراق، وما تعرض له من عدوان بربري شرس، وعلى مرأى ومسمع من العالم، ضاربين بأبشع وجه، واقذر يد كل المبادئ والقيم الأنسانية عرض الحائط، وبذرائع هم صنعوها  كوسيلة تغطية لمآربهم وغاياتهم، ذلك العدوان المتوحش بكل ما للكلمة من معنى، وكعادتهم  المتأصلين عليها، هو  الوصول  الى الهدف الأساسي  في الهيمنة والأستعباد واركاع الشعوب وإذلالها ...!

وبذلك يضيفون صفحة دموية أخرى الى سجلات تأريخهم المجبول على الجريمة، والمنقع بالدم  والنتن بالآثام والخطيئة.

فالأنسان هو الذاكرة، والذاكرة هي الأنسان، وما تركه لنا وللتأريخ  مؤلف  كتاب (سماء بغداد القرمزية) فيكتور باسوفاليوك، هو نبضات وجدانه الحية النابضة بالحقيقة الأنسانية الرافضة للجريمة والنزعة العدوانية التي لا يقبلها النفس الأنساني الحر الشريف .

فالكتاب يحتوي على الكثير من الحقائق الجلية التي دونها كاتب عاش بشاعة الحرب الظالمة على العراق عن قرب، لا كما تناولها آخرون عن بعد وعن نقل مشوه، لا يبرز الوجه الحقيقي للجريمة والمجرمين.

فالظلم الذي وقع على العراق والعراقيين  لم تمح آثار عاره، وألمه في نفوس الأجيال، ويبقى  ما دامت الشمس تشرق والأرض تدور في فلكها ...!

والأخ الدكتور فالح الحمراني بترجمته  هذا الكتاب، إنما هو أغناء حقيقي للمكتبة العربية، لما يحتويه من حقائق تكشف ما لم تتناوله الكتابات الأخرى عن مأساة الحرب العدوانية الشرسة والبربرية على العراق.

ومن هنا استطيع القول أن الخراب الذي عم البلاد، وأنهار الدم  ودموع اليتامى والأرامل والثكالى هو المِداد الذي سيُكتب به تأريخ الجرائم التي أُرتكبت بحق العراق والعراقيين، وفي الوقت ذاته ان الدم والدموع سيشتعل بآهات وحسرات المظلومين، لتحترق به عروش الظلمة والطواغيت، وكل قوى الشر في العالم التي تضطهد الأنسان وتسحقه من أجل اطماعها التوسعية، وستشرق شمس الحرية لتبدد الظلام الذي صنعه اللصوص والقتلة .

 

الدكتور ابراهيم الخزعلي - موسكو

 

 

في المثقف اليوم