قراءة في كتاب

مرافئ في ذاكرة يحيى السماوي والباحث لطيف عبد سالم

جبار المكتوبعملية البحث والدراسة والنقد في شعر يحيى السماوي تحتاج الى خلفية ثقافية عامة وأدبية تخصصية ومعلومات وخزين من المعرفة الأدبية والعلمية والأكاديمية وفروعها في المنطق والقواعد والعلوم الإنسانية الاجتماعية والنفسية وغيرها لبيان السيرة الذاتية للشاعر من خلال نصوصه الشعرية وما رفد، واغنى المكتبة الأدبية بالمجاميع الشعرية المتعددة والتي بلغت لحين اصدار كتاب موضوع البحث هنا: السادسة والعشرون، اولها.. عيناك دنيا ١٩٧٠م وآخرها.. تيممي برمادي ٢٠١٨م.

من خلال النقد والكتابة في أدب السيرة هنالك بعض الاعتبارات التي درجت عند كتابة هذا النوع من الفن الأدبي  في كثير من الكتاب الذين كتبوا عن ذلك، وعلى سبيل المثال ان لا يلحق ضرر بالآخرين ويسيء إليهم وبنظرة كتابية موضوعية بمعايير أدبية دقيقة.

من خلال مطالعتي للمنجز رأيت بأن مؤلف الكتاب الباحث المهندس  لطيف عبد سالم مستعد كاملاً لوضع شروط الدراسة امام القارئ. وقد جسد ذلك في كتابه المرسوم (مرافئ في ذاكرة يحيى السماوي) الذي صدر مؤخراً عام ٢٠١٩ م عن دار تموز في دمشق – سوريا، بعدد صفحاته (320) صفحة، صمم الكتاب الشاعرة المعروفة رفيف الفارس صاحبة المجموعة الشعرية (من يطرق باب الضوء) الصادر عام  ٢٠١٥ م.

لم تكن عملية البحث والكتابة والتأليف في أدب السيرة بالشيء اليسير عند دراسة يحيى السماوي وأديباته المتمثلة بشعره في أزمنة مختلفة تجاوزت الخمسة عقود مالم يكن لديه المام كافي وفهم علمي دقيق مهني ومعرفة أسس التأليف والخطاب الثقافي العام. وهذا ما حمله ولوحظ عند الكاتب لطيف عبد سالم الذي اختار المرافئ وهي جمع مرفأ - مكان رسو السفن - كما جاء في مقاييس اللغة لأحمد بن فارس والعين لخليل بن احمد الفراهيدي .

وهناك أوصاف ومعاني كثيرة لها وكتب الشاعر العراقي حماد الشايع فقال :

بدر وتحمله استفاقة ليله

طبع الوجود على مرافئ وجهه.

الذاكرة الكلمة التي أدرجت في عنوان الكتاب هي قدرة النفس على الاحتفاظ بالتجارب السابقة واستعادتها. هذا ما جاء في معجم المعاني الجامع وغيره.

امتزجت مقدمة الناقد المعروف الدكتور حسين سرمك حسن مع توطئة الشاعر أدونيس..

د. سرمك صاحب الكتاب النقدي (يحيى السماوي وفن البساطة المفركة.. مناديل من حرير الكلمان انموذجا). وهو دراسة نقدية وبحثية وأدبية في أحد المجاميع الشعرية للسماوي.

أدونيس الشاعر السوري علي احمد سعيد اسبر المولود في جبلة سوريا ومن كبار شعراء العرب واول شاعر عربي يفوز بجائزة جوته ولديه القول المشهور.. (الحب قضية ووجود.. عالم بلا حب حياة بلا معنى..ان الشعر ليس مجرد تعبير عن الانفعالات وحدها وانما هو رؤية متكاملة للإنسان والعالم والاشياء..).

السماوة عالم آخر تختلف عن باقي المدن في شرقها أو غربها فهي اوروك مهد الحضارات الإنسانية، أول حرف نقش فيها في هذه الدنيا الواسعة الاطراف.. قديما انكيدو ابوها، وملحمة كلكامش قانونها....

حاضرها الثوار والأدب الشعر والفن والقصة والمسرح، زقاقها التراث والمعرفة والعلم، ومكانها ساوة والفرات والبادية، وزرعها النخيل..

موطن الشعر والشعراء مكان أبو الطيب المتنبي وهو من كبار شعراء العرب على مر العصور والسنين وأكثرهم معرفة بلغه العرب وقواعدها وهو القائل وأشهر ابياته :

انا الذي نظر الاعمى الى أدبي

واسمعت كلماتي مت به صم الخيل

والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم.

مكث الشاعر المتنبي في بادية السماوة عامين وبادية السماوة التي كانت تشمل على قسم كبير من شاطئ الفرات وذكر ذلك اكثر من مصدر ومنها.. اطلس المتنبي ..للباحث يوسف احمد الشيرازي.

قال عنها شعرا...

..يرون الموت قداما وحلفا

ويختارون والموت اضطرارا

ومن قصد السماوة غير هاد

فقتلاهم لعينه مرارا..

انجبت السماوة الشاعر يحيى السماوي الذي قال فيها.. اذا كان العراق ابي فالسماوة امي...

وفي الشعر قال:

كل ارصفة الغرب

لا تقوى قدمي على التسكع

وحدها ازقة ودرابين السماوة

تقود قدمي

كما يقود الراعي القطيع

حمامة قلبي لا تحلم

بغير نخلتها الفراتية الحفيف

اكثير على المتسكع ان يحلم

بأرصفة امنة..

من قصيدة ارصفة امنة ديوان.. حديقة من زهور الكلمات..

والسماوي المولود فيها عام ١٩٤٩م ذكر السماوة والفرات في كثير من قصائده خاصة في القصيدة المطولة والمعروفة لدى الشعراء وأهالي السماوة.

..السلام على الفراتين

السلام على السماوة.

1049 مرافئ

أدب السيرة وهو فن من فنون الأدب العام ودراسة في السيرة الذاتية والموضوعية التي يترجم الكاتب بها عن حياة الاخرين ويعتبر الكاتب ليتون ستراشي من أكبر كتاب السيرة في الأدب العالمي لأنه اعتمد في كتاباته على الموضوعية العلمية حسب الكاتب احمد صلاح خطاب. وتعددت الكتابة مثل هذا النوع لكبار العظماء والمشاهير والأدباء فكتب ليون ايدل عن السيرة الأدبية والذاتية لهنري جيمس ..

كتابة أدب السيرة في مرافئ السماوي التي دونها الناقد سالم تتصف بالحداثة والتجديد وهذا ما أوجب طول مادة البحث والجهد الكبير والاطلاع على مصادر المعرفة والفكر والنقد خلال مدة دراسته العميقة واستشارة اقرب الناس للشاعر والذين عاشوا معه منذ الطفولة وشاركوه كل صغيرة وكبيره كشخص التربوي والفنان التشكيلي الناقد عباس حويجي..

ولذلك ذكر الكثير من المفكرين والأدباء وكبار الكتاب على الساحة العراقية والعربية والعالمية متمثلا برائد الأدب والمسرح البريطاني وليم شكسبير والدكتور علي جواد الطاهر والدكتورة فاطمة القرني صاحبة كتاب.. (الشعر العراقي في المنفى.. السماوي انموذجا) وهو بحث اكاديمي لنيل درجة الأستاذية في النقد الأدبي حسب المؤلف.

الكتاب الذي قدمه الباحث والكاتب والقاص والخبير في شؤون البيئة المهندس لطيف عبد سالم في أربعة عشر فصلا، والذي يعتبر من أدب السيرة المتجدد، وطرح معظم الأطروحات الشعرية لدى السماوي الذي قال فيه: (قرأتها فتعلمت الكثير). وقال الناقد والكاتب المسرحي وصاحب كتاب (البَثّْ الحِسّي، والفِكْري في القصائد الوامضة للشاعر يحيى السماوي) الدكتور سعدي عبد الكريم: (عندما قرأت هذا الكتاب اكتشفت بأني لم اقرأ تاريخ السماوي جيدا رغم اننا نطلق على بعضنا الكنية المحببة تؤام الروح).. هذا ما جاء في دراسته عن الكتاب في موضوعه النقدي الثر (مرافئ في ذاكرة يحيى السماوي للقاص لطيف عبد سالم) المنشور في صحيف عدة مثل الناقد العراقي والنور والمثقف وغيرها، وعلق عبد الكريم أيضاً بقوله: (امتياز ادبي في كتابة السيرة الذاتية).

هكذا اعطى لنا المؤلف صورة واضحة لشخصية السماوي الشعرية ونجح في هذا المضمون واعطانا كرما واضحا ومصدرا مهما في الدراسة والبحث والقراءة والكتابة.

 

جبار المكتوب - السماوة

 

في المثقف اليوم