قراءة في كتاب

من الجبر الى السكر

Von Algebra bis Zucker

للكاتب الالماني اندرياس اونغر

Andreas Unger


لا شك ان احدى اهم سمات تلاقي الحضارات هو التاثر اللغوي المتبادل فيما بينها ويسمى هذا التلاقي ايضا بـ «صدام الحضارات» ففي هذه الورقة نلقى الضوء على كتاب يتناول مدى تاثير اللغة العربية في اللغة الالمانية للباحث الألماني أندرياس أونغر و الذي يتحدث فيه عن تفاعل الثقافات وتلاقحها. فعندما يقراء القارىء كلمة الجبر يتبادر لذهنه علم الجبر و الرياضيات واذا قراء كلمة السكر فهنا تعني الماكل فمن خلال عنوان هذا الكتاب يريد الكاتب ان يبين مدى تأثر اللغة الالمانية باللغة العربية في مجلات شتى تشمل الجوانب العلمية والحياتية العامة بسبب هذا الاثر الكبير اختار الكاتب هذا العنوان لهذا الكتاب الجميل عن الكلمات العربية الموجودة في اللغة الألمانية، الصادر حديثاً عن دار «ريكلام» Reklam في شتوتغارت Stuttgart بعنوان «من الجبر حتى السكر»، فهذا الكتاب يأخذ القارئ في رحلة شيقة وممتعة عبر القرون والحضارت، موضحا عن كيفية وصول هذه الكلمات بشكلها الحالي الى اللغة الالمانية لغة غوته و كافكا. ما يعرضه الكتاب ان اللغة العربية هي اكثر اللغات تاثيرا على اللغة الالمانية من بين اللغات غير اوربية. في القرون الوسطى وصلت معظم هذه الكلمات العربية الى اوربا عندما كانت الحضارة العربية الإسلامية مركز إشعاع ثقافي في العالم كله. منذ بزوغها اتسمت الحضارة العربية بالانفتاح على الثقافات الأخرى، باستيعابها والأخذ منها ودمجها في الثقافة الإسلامية الجديدة.

تاثر العرب بمنجزات الحضارتين الإغريقية والفارسية، وبسبب ازدهار التجارة مع الصين والهند وأفريقيا تعرف العرب على منتجات تلك المناطق، ونتيجة لذلك التقارب انتقلت العديد من الكلمات الى اللغة العربية مثل كلمة «شطرنج» الفارسية أو كلمة «ستان» الصينية  وكذلك «السكر» و «الصفر» من الهند. وقد اهتم العرب كثيرا بالترجمة عن اللغات الأخرى لا سيما اليونانية، فترجموا كتب علمية اساسية في علوم جديدة أخذها العالم لاحقاً عن العرب مثل علم «الجبر». بسبب هذا التلاقي الثقافي أخذ العرب كلمات أعجمية وعربوها، وعرفت هذه الكلمات في ما بعد عند اللغـات الأوروبيـــة باعتبـــارها كلمات عربية.

التقارب الأول بين الحضارة العربية والحضارة الغربية حدث في إسبانيا وصقلية. في تلك الفترة اعجب الأوروبيون كثيرا بتقدم الثقافة العربية الإسلامية ورقيها، فتعرفت البلدان الأوروبية على أحجاراً كريمة لم تكن معروفة لديهم، فاستوردوها بلفظها، مثل «اللازورد»، وأخذوا عن العرب بعض الأطعمة والتوابل والعطور، مثل «الزعفران» و «الياسمين» و «العنبر» ، وأدخلوا أيضاً فنوناً عربية مثل «الأرابيسك» و «الترصيع»، وكذلك آلات موسيقية مثل «القيثارة» (الغيتار)، هذا عدا الحيوانات والطيور كـ «الزرافة» Giraffe و «الغزالة» و «الببغاء».

بناء على هذا الانبهار انجذب الأوروبيون أيضاً إلى العلوم العربية فشرع الاوربيون بترجمة الأعمال العربية إلى اللاتينية، وبخاصة من العلوم الطبية (كلمة «كحول» Alkohol ووالرياضيات («الصفر») Ziffer وعلم «الكيمياء» Chemie.

وكما أخذ الأوروبيون عن الأتراك اسماء سلعاً كانت هي في الاصل عربية ، وأشهر الأمثلة على ذلك «القهوة» التي كانت معروفة في اليمن منذ القرن الخامس عشر،. حيث ظهر شراب القهوة Kaffee في ألمانيا للمرة الأولى عام 1688.

ابتداء من القرن الثامن عشر لم تعرف الألمانية كلمات عربية إلا عبر كتب الرحلات والأسفار وكذلك الترجمات مثل كلمات «حريم» "Harem " او فلافل "Falaffel و «طلسم» و «سفر» و «حمّام». ومع هجرة العرب والمسلمين إلى أوروبا أصبحت كلمات مثل «مسجد» و«شيخ» و «فلافل» من الكلمات الشائعة في الألمانية.

ومن الجدير بالذكر أن اللغة الألمانية اخذت الكلمات العربية غالباً عبر لغة أوروبية وسيطة كالإيطالية أو الفرنسية، لأن ألمانيا لم تكن لها يوماً حدود مباشرة مع دول إسلامية ولم تمارس التجارة مع الدول العربية وكمثال على ذلك كلمة «مطرح» العربية التي دخلت إلى اللغة الإسبانية منذ القرن العاشر الميلادي، وعبر الإسبانية إلى الإيطالية والفرنسية، ومنها إلى الألمانية (مَترَتسه) في القرن الثالث عشر.

هذه الرحلة بين الثقافات لم تقتصر على الكلمات والمفردات، بل شملت مجالات الأدب والشعر. وأهم مثال على ذلك هو أمير الشعراء الألمان يوهان فولفغانغ فون غوته الذي تأثر كثيراً  بالثقافة العربية مثل الشاعر إمرئ القيس وعمرو بن كلثوم وزهير بن أبي سلمى.

 

اعداد: م.م. انور شكر حمود

تدريسي قسم اللغة الالمانية

 

في المثقف اليوم