قراءة في كتاب

جواد عبد الكاظم: الشيخ يوسف كركوش باحثاً ومؤرخاً ونحوياً

جواد عبد الكاظم محسنتأليف: الدكتور عبد الرضا عوض

لا أظن أحداً قدم لمدينة الحلة الفيحاء في العقدين الأخيرين بمقدار وأهمية ما قدمه الدكتور عبد الرضا عوض من مؤلفات وبحوث ودراسات مطبوعة عنها، وأغلبها ريادية لم يسبق الكتابة فيها أو ربما ذكرت لمحاً من دون تفاصيل في بعض المؤلفات القديمة، كما لم يتعرض مؤلف باحث لمثل ما تعرض له من سرقات، بلغت حد سرقة بعض مؤلفاته بالكامل، وظهورها بأسماء سارقيها!!

وأحدث كتاب للدكتور عوض صدر هو ما صدر قبل أيام بعنوان (الشيخ يوسف كركوش باحثاً ومؤلفاً ومؤرخا ونحوياً 1906- 1990م الصادر عن دار الفرات للثقافة والإعلام، ويقع في (224) صفحة من القطع الكبير، وهو أول كتاب يصدر عن أشهر مؤرخي الحلة في العصر الحديث، بل وأول من ينصفه، ويكتشف ما وقع عليه من حيف، سواء بسرقة جهوده ومؤلفاته، أو بالنقل عنه حرفياً من دون اسم اسمه، أو حتى التحامل عليه في حياته!!

قسّم المؤلف كتابه إلى خمسة فصول، وسبقها بكلمة إهداء وإضاءة ومقدمة ذكر فيها سعي (الشيخ يوسف كركوش باجتهاد ذاتي على تدوين تاريخ الحلة منذ تمصيرها سنة 495هـ/1011م على يد الأمير صدقة بن منصور الأسدي)، وتعرضه (إلى ظلم واضطهاد وتعسف قابله بالصبر والتحمل، ولم يُنصف في حياته، وحتى بعد مماته؟)، أقول ولعل في هذا الكتاب وموضوعية وشجاعة ما ورد فيه إنصاف وإن كان متأخراً للشيخ كركوش وجهوده في خدمة مدينته الحلة وما طرحه من آراء علمية وفكرية.

2456 يوسف كركوشتضمن الفصل الأول من الكتاب ومضات من حياة الشيخ يوسف كركوش المولود في مدينة الحلة سنة 1906م، ونشأته فيها، وكان أمنية والده أن يرسله إلى النجف الأشرف للدراسة إلا أن استشهاده في الحرب العالمية الأولى قد أخر من تحقيق هذه الأمنية، ثم أرسله شقيقه الأكبر الذي تولى رعايته إليها فدرس خمسة أعوام قبل العودة إلى مدينته، وكان قد أخذ العلم على يد نخبة من العلماء الفضلاء في النجف الأشرف والحلة.

ومن المنعطفات المهمة في حياة الشيخ يوسف كركوش جلب السيد عبد الرزاق الحسني مطبعة إلى الحلة، وإصداره جريدة الفيحاء سنة 1927م، وكانت له حلقة درس في جامع آل الماشطة، وصدر سنة 1936م أمر تعيينه معلما في مديرية معارف لواء الحلة، وانتمى إلى نقابة المعلمين التي أسست في الحلة سنة 1959م، وكان ضمن الهيأة المؤسسة لاتحاد الأدباء في مدينته في السنة نفسها، وارتبط بعلاقة وطيدة مع معاصره الدكتور علي جواد الطاهر،، وقد اعتمدته المحكمة خبيراً شرعياً للفصل في القضايا والنزاعات الزوجية.

وكان للشيخ كركوش حضور ثقافي واضح ونشاطات عديدة في مدينته الحلة، ولعل من أبرزها بل وأخطرها انتماؤه لمنظمة (أنصار السلام)، وقد عرفه الجميع بأفكاره التقدمية ـ فاعتقل بعد انقلاب شباط الأسود سنة 1963م و(لاقى ما لاقى من تعذيب وهوان) قبل أن يفرج عنه!!

ويتحدث المؤلف عن مكانته العلمية، فيقول (لا أعتقد أن أحداً يحاول الكتابة عن تاريخ مدينة الحلة من دون أن يمر بمؤلفات الشيخ كركوش، فقد أصبحت دليلاً للكثير من الشخصيات العراقية في بحوثهم، كما وقفت تلك المكانة وراء بحث ونشر كتب عدد آخر يخص جوانب مهمة من حياتنا)، وهذه خلاصة لكلمة حق طويلة عن جهود الشيخ كركوش وردت في الكتاب.

ومما يدل على مكانته العلمية العالية تراجع الدكتور نعمة رحيم العزاوي وهو أكاديمي كبير ومتخصص في اللغة العربية في جريدة الجمهورية سنة 1995م في موضوع (محاولة تيسير) النحو بعد اختلاف عاصف من قبل مع الشيخ كركوش منشور في مجلة (المعلم الجديد) سنة 1959م!!

وكانت هذه الحادثة واحدة من الظلامات العديدة التي وقعت على الشيخ يوسف كركوش خلال حياته، ولعل الأشد منها ؛ ما رواه حفيد نقلاً عن والده الذي كان شاهد عيان عن مجيء أحد طلبة الدراسات العليا في الستينيات إلى الحلة (الدكتور عبد الجبار ناجي) ليطلب مساعدته في رسالته عن (الإمارة المزيدية في الحلة)، وقد اصطدم بقلة المصادر، وقد علم إن للشيخ مخطوطاً عن تاريخ الحلة، ويود الاطلاع عليه، فكان جواب الشيخ ((أنا لا أستطيع أن أمنع عنك أمراً علمياً كهذا، ولكن اعلم أني قضيت أكثر من خمس عشرة سنة في جمع مفردات هذا الكتاب فإن استعنت بأي جزء منه أود أن تشير إلى إن الكتاب مخطوط))، وسلم المخطوط إلى الطالب صاحب الرسالة، الذي استخدمه كأهم مصدر حصل عليه واعتمده، ولكنه – للأسف الشديد - لم يذكره أو يشر إليه!!

وعن أهمية كتاب (تاريخ الحلة)، ينقل المؤلف رواية عن الشيخ كركوش نفسه، إنه بعد اتمامه للكتاب حمله إلى استاذه في النجف الأشرف الشيخ أغا بزرك الطهراني، لمراجعته وإبداء رأيه وبعد أسبوع عاد له، فطلب أستاذه منه أن يقف عند الباب ونهض إليه على كبر سنه، وقبله من جبينه، وهو يقول له (إنك يا شيخ يوسف قد أنجزت بعملك هذا شيئاً جليلاً جمع تاريخ هذه المدينة ومنع ضياعه في الكتب).

ويذكر المؤلف أن للشيخ يوسف كركوش مراسلات عديدة، ولكنها للأسف الشديد فقدت بمرور الزمن من مكتبته لعدم الاهتمام بها وحفظها، وبذلك خسرت الحلة تراثاً مهماً مما ورد فيها من أخبار وإشارات ومعلومات تبادلها مع أعلام عصره.

وتناول المؤلف في الفصل الثاني (التكوين الفكري والثقافي) للشيخ يوسف كركوش، واستعرض نشأته في مدينة الحلة، وصفاته، والبيئة التي عاش فيها، وأصحابه وهم النخبة المثقفة، والكتب والمجلات التي استهوته في بداية حياته وواظب على قراءتها، وبداية نشاطاته الثقافية، ولقاءاته مع الآخرين، وتوقف عند مصادره التاريخية فذكرها بالتفاصيل.

أما الفصل الثالث فقد خصصه المؤلف للحديث عن آثاره الكتابية، وقصة كل واحد منها، وكانت أول تلك الآثار كتابة (مختصر تاريخ الحلة) المطبوع في مطبعة العرفان بمدينة صيدا سنة 1934م، وبتقديم من المؤرخ العراقي الكبير عبد الرزاق الحسني.

ثم جاءت مؤلفاته الأخرى، وهي (رأي في الإعراب) المطبوع في مطبعة الآداب في النجف الأشرف سنة 1958م، وقد أعيد طبعه في دار أسامة بمسقط بتحقيق الدكتور سعيد الزبيدي سنة 2004م بعنوان (نحوي مجهول في القرن العشرين الشيخ يوسف كركوش وكتابه رأي في الإعراب).

وثالث كتبه وأكثرها أهمية وشهرة كتاب (تاريخ الحلة) بجزأين المطبوع في المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف سنة 1965م، تناول في الجزء الأول (التاريخ السياسي) لمدينة الحلة، وفي الجزء الثاني (الحياة الفكرية في الحلة)، وقد اهتم بهذا الكتاب الكثيرون واعتمدوه في مؤلفاتهم حتى وإن لم يذكروا ذلك.

ورابع كتبه (كشف الغطاء عن كتاب فقهاء الفيحاء) المطبوع في مطبعة الآداب في النجف الأشرف سنة 1964م، وهو تصويبات لما وقع من هنات في كتاب (فقهاء الفيحاء أو تطور الحركة الفكرية في الحلة) لمؤلفه السيد هادي كمال الدين والمطبوع سنة 1962م.

وخامس مؤلفاته وهو مخطوط كتاب بعنوان (تاريخ الأسرة المرجانية وأعلامها)، ولم يقف عليها المؤلف، لكنه وجد ذكراً لها في كتاب (صفحات مرجانية) للحاج محمود مرجان.

ونقل المؤلف في هذا الفصل (نماذج من كتاباته في الصحف والمجلات)، وهي كتابات رصينة تعكس ثقافة وعلمية وسعة إطلاع كاتبها في الموضوعات التي تصدى للكتابة عنها.

ولأهمية كتاب تاريخ (الحلة) للشيخ يوسف كركوش وما كتب عنه، فقد خصص المؤلف الفصل الرابع لما وقف عليه من (آراء في كتاب تاريخ الحلة)، وهي آراء جديرة بالقراءة والتمعن، أما الفصل الخامس والأخير فقد جعله المؤلف لوقائع الحفل التأبيني الذي أقيم له بمناسبة أربعينيته يوم الجمعة 12 تموز 1990 في مجلس الحاج محمود مرجان قرب حديقة الجبل في مركز مدينة الحلة، وما قيل عنه من المؤلفين والأدباء والأعلام، وأضاف للكتاب ملحقاً من الصور النادرة والوثائق المهمة.

 

عرض: جواد عبد الكاظم محسن

 

 

 

في المثقف اليوم