قراءة في كتاب

الطاهر وطار الذي لا يعرفه أحد

يوجّه الكاتب الجزائري البارز الطاهر وطار (15 أوت 1936 في سوق أهراس - 12 أغسطس 2010)، في كتابه " أراه- الحزب وحيد الخلية..دار الحاج موحند اونيس"، يوجّه انتقادًا شديدًا لآلية عمل جبهة التحرير الوطني التي عمل معها، ويرى أنها عملت بطريقة متعنّتة مُغلقةً باب الاجتهاد والنقاش وما يمكن أن يفضي إليه من ابداع.

الطاهر وطار واحد من الكتاب العرب اليساريين المعروفين في بلادنا، فقد أصدرت منشورات صلاح الدين، في القدس، خلال السبعينيات من القرن الماضي، روايته المشهورة" اللاز" التي أطلق فيها صرخته المشهورة" لا يبقى في الوادي إلا حجارته" وأصدرت في فترة تالية مجموعته القصصية" الشهداء يعودون هذا الاسبوع"، كما أعادت دار "الاسوار" نشر روايته " عُرس بغل"، أما بقية رواياته مثل " الحوات والقصر" و"الشمعة والدهليز" فقد وجدت في المكتبات المحلّية وكان بإمكان القراء الاطلاع عليها.

الكتاب الحالي للطاهر وطار صدر قبل أعوام ضمن منشورات " أخبار اليوم" قطاع الثقافة، في العاصمة المصرية القاهرة، ويتحدث فيه صاحبه عن حياته الحزبية، وحياته الشخصية عامة. يفتتح كتابه بكلمات معبّرة يمكن الاستنارة بها في قراءة كتابه، هذه الكلمات تقول:"ليل طويل يا غربتي، والقلب شايق للديار،/ يا ربي فرج كربتي"، ويشير أنه من " موشح من اداء ابن طوبال عبد المؤمن".

بعد هذه الكلمات يفتتح كتابه قائلًا :" منذ اثنتين وعشرين سنة حاولت هنا الانتحار.."، أما السبب فإننا لا نلبث أن نكتشفه، إنه البيئة المحيطة به، بيئة الحزب وحيد الخلية. يقول وطار "إن التواجد في جبهة التحرير الوطني، كانت تسببه، فقط، المشاركة في الثورة التحريرية، بهذا القدر أو ذاك، وأبعد ما يكون عن انتماء عقائدي أو على الاقل سياسي، ولا يمكن إطلاقًا تحويل تجمع كبير، إلى حزب قائد منضبط تحكمه ميكانزمات نظامية صارمة، ربّما يمكن خلق منابر داخله تكون نوعًا من الممارسة الديمقراطية داخل أسرة كبيرة"، ثم يشير إلى مشروع ثقافي تمثّل في إصدار مجلة " الاشتراكي" التثقيفية، وكيف لاقى هذا المشروع وسواه عدم الاهتمام وللامبالاة.

يقدّم الطاهر وطار في كتابه أمثلة عن قياديي جبهة التحرير الوطني، يقول إن " الواحد منهم، مهما كان موقعه ومهما كان مستوى جهله، مضطر لأن يقاطع محدّثه ولو كان اينشتاين، ليفهمه فيما أراد اينشتاين أن يتحدث عنه قائلًا: الامر ليس كذلك بالضبط يا سي انشطاين، فقد قرأت ذات مرة في كتاب...ونحن في الثورة، وكما علمتنا التجربة... الخ".

ثم يضيف قائلًا إنه صار يتفكّه ببعض هؤلاء فيستدرجهم إلى موضوع من نسج خياله، فينتهره ذلك المستدرج محتجًا، بأن الامر ليس كذلك ولكن الخ..، ويتابع:" كان عمّي إبراهيم كابوريا رحمه الله يحدّثني عن عقلية قومه أولاد دراج الذين منهم سي يحياوي فيقول: هم أكثر من بني عمّك الشاوية غلظة راس، متعنتون متعصبون لرأيهم، إلى درجة أن أحدهم لمّا وجد الوادي حاملًا، وكان يهم بقطعه، استخرج خنجره البوسعادي، وقال: انعدي. فابتلعه الماء".

يشير الطاهر إلى مشاركته في الاعداد لمؤتمرات جبهة التحرير الوطني الاربعة الاولى، حتى جاء المؤتمر الخامس، ويتابع:" في هذا المؤتمر انتهت علاقتي الشكلية بحزب جبهة التحرير الوطني، أحرقت سفني ونحرت إبلي وجعلت العدو أمامي والعدو خلفي والعدو على جنبي ولا بحر حولي أهتم بأمره، وأعتقد أنه كان لا بدّ من فعل ذلك، إذ أن هناك لحظاتٍ يجب فيها، على الواحد منّا، قطع ما يسميه وليام جيمس بالخطوة الحاسمة، والظهور على الحقيقة التي نحن عليها، إذا كان ذلك الوسيلة الوحيدة لدعم ومناصرة صديق ليس له أحد غيرك"، ويشير لإغلاق باب النقاش في هذا المؤتمر، الامر الذي يدفعه للتمرد ولارتقاء منصة المؤتمر لقراءة قصيدة يقول فيها: زيدي يا الثورة زيدي .. فداك روحي فداك وليدي"، لتأتي نهايته في الجبهة وليُحال بالتالي على المعاش.

يبدو الطاهر في كتابه/ الشهادة هذا، جريئًا شجاعًا في قول ما يراه، فهو يميل للعمل يقول، إنه يؤمن بشيوعية غير الشيوعية التي نعرفها، لا خصومة لها مع الله ولا مع المؤمنين به، لا تتعارض، بل تتكامل مع الانبياء ومع الرسل السماوية. شيوعية تؤمن بأن لكلّ جيلٍ من الاجيال رأيًا في مصيره، ومطالب تختلف عن مطالب الاجيال السابقة، شيوعية تؤمن بالدورة التاريخية للمجتمعات، حتى وإن قدّمت لها جنة عدن. شيوعية تؤمن بأن الله كان مجرّد كذبة، فهو الكذبة الاكثر قربًا للتصديق والاكثر تصديقًا في العالمين".

ويخلص الطاهر إلى حكمته الخاصة به في حزبه وحيد الخلية، الذي تأسس وهو في العشرين من عمره، يقول:" هي حكمة الذئب، اللي تلفته اجريه.. فلم اعر المسالة ( التحقيق في انتمائي السياسي)، كبير اهتمام، خاصة انني أعلم أن مسؤول الحزب قايد أحمد المعارض للثورة الزراعية، لن يطول بقاؤه معنا كثيرًا ولعلّ الله يفرّج كرب هذه الأمة، فيلهمها قادة في مستوى تضحياتها وطموحاتها.. كنت كذلك، أنهمك في كتابة رواية اللاز، التي تعالج وضع الشيوعيين الجزائريين أثناء الثورة التحريرية، في حين تتواصل مطاردتهم حتى اليوم، وأنا على ثقة تامة من أن هذه الرواية، ستكون قنبلة، ربّما تنفجر عليّ أنا قبل أي واحد آخر. كان الخوف يعتريني، وكما لو أنني مجرم بصدد ارتكاب جريمة. تأكدت، منذ أيامها من أن الكتابة الابداعية، فعل يتجاوز إرادة المرء، وانها بشكل من الاشكال، حملٌ وولادة قسريان".

يخاطب الطاهر وطار في بعض من مقاطع سيرته الذاتية هذه جده كما فعل نيكوس كازنتزاكي حينما خاطب جده الروحي في سيرته الذاتية" خطاب إلى الجريكو"، ويقدّم استخلاصًا، يقول:" أقدمه للعالمين، اخلاصًا مني للوطن، لا يمكن أن يتقدم شعب ما وهو يخفي الحقائق عن نفسه، ولا يمكن أن يحترم شعب ما وليس فيه مَن يُجاهر بالحقيقة ويستشهد من أجلها."

***

بقلم: ناجي ظاهر

 

في المثقف اليوم