قراءة في كتاب

محمود محمد علي: المظلومية الزائفة.. قراءة فلسفية في كتاب "كنت رئيسا لمصر" لمحمد نجيب (1)

محمود محمد علي1- تقديم: كنت رئيسا لمصر أو مذكرات محمد نجيب هو أحد أهم الكتب التاريخية في التاريخ المصري لفترة ما بعد الملك الفاروق وحتى نفى محمد نجيب كتبه محمد نجيب بعد خروجه من المنفى عام 1984 وكان للكتاب أثر كبير في وقتها.

وقد جاء الكتاب فيما يزيد عن 400 صفحة، قسمها نجيب إلي مقدمة واربعة عشر فصلا، عنون كل منها باسم يعبر عن محتواه.. ضمن نجيب كل فضل عدة قضايا صاغها في شكل نقاط محددة، حيث حرص فيها علي تقديم شهادة عن كل ما مرت مصر قبل وبعد حركة الضباط في يوليو عام 1952م، كما تحدث عن الكثير من الإشكاليات، فجاءت روايته بمثابة إظهار تاريخ خفي لثورة يوليو والضباط الأحرار، وقد تعلقت أولي تلك الإشكاليات بدور نجيب نفسه في التخطيط والإعداد للثورة (1).

وقد أهدى الرئيس محمد نجيب الطبعة الأولى من كتاب "مصير مصر" لرئيس الوزراء العراقي "نورى السعيد"، والذى كان من أكبر الموالين لبريطانيا في العالم العربي، ومن أشد المعادين لجمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو، وكان يصف مذهبه السياسي بقوله: (أنا هاشمى الولاء .. إنجليزى السياسة)،  وقد طبع الكتاب ثمان طبعات منذ لإصداره أول مره عام 1984؛ وكان منهم أربع طبعات في نفس عام الإصدار، وذلك لشدة الإقبال على معرفة الحقائق التي ظهرت لأول مرة في الكتاب، كما زاد الإقبال على الكتاب مرة أخرى بعد أحداث ثورة 25 يناير في مصر وذلك لإقبال الناس على معرفة أشخاص مثل محمد نجيب أخفى تاريخهم (2).

ولم يكن كتاب " كتاب كنت رئيسا لمصر" هو أول مذكرات للواء محمد نجيب، وإنما هو واحد من أربع مذكرات كتبها محمد نجيب بدء من عام 1955م،وحتي عام 1985م، أي أن هناك بعد موته نُشر له وكان قد كتبه بالوثائق، وأول مرة كتب فيها محمد نجيب مذكراته كانت عام 1955، وكان اسمها " مصير مصر"، وأشرف علي صيغة المذكرات الصحفي الإنجليزي " لي وايت"، ثم طبعها، ونشرها في كتاب في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي آواخر عام 1955 تمت ترجمته إلي العربية، وثاني مرة كتب فيها محمد نجيب مذكراته كانت عام 1975م بعنوان " كلمتي للتاريخ" وصاغها له الضابط " أحمد حمروش"، بينما الثالثة كانت في عام 1985م بصياغة عادل حمودة عقب وفاة نجيب وسماها " الوثائق الخاصة بالرئيس محمد نجيب" (3).

ومنذ صدور كتاب " كنت رئيساً لمصر"، تحول الكتاب للمرجع الرئيسى لكل خصوم  ثورة 23 يوليو من الليبراليين والإخوان وثكالى وأرامل الملك فاروق، فالكتاب يضم بين دفتيه نقد بالغ الحدة وشديد العصبية ضد ثورة 23 يوليو من رجل تزعمها فى بدايتها، وكان واجهة لحكم الضباط؛ وكتاب " كنت رئيساً لمصر "، ليس أول كتاب يحتوى على مذكرات الرئيس محمد نجيب، بل هو الكتاب الذى يحتوى على النسخة الثالثة من مذكرات الرئيس محمد نجيب؛ والنسخة الأولى من مذكرات الرئيس محمد نجيب، صدرت فى عام 1955 بعنوان " مصير مصر "، وقام بصياغة الكتاب الصحفى الإنجليزى " لى وايت "، وتم نشر الكتاب ببريطانيا والولايات المتحدة، وتمت ترجمته للعربية فى نفس العام، ولكن النظام الناصري منع نشره فى مصر، وفى عام 1995 أصدرت دار ديوان طبعة جديدة منه (4).

وفى عام 1975 أصدر الرئيس محمد نجيب النسخة الثانية من مذكراته بعنوان " كلمتى للتاريخ "، وقد صاغه له الضابط الحر والمؤرخ " أحمد حمروش "، وقد ذكر حمروش فى مذكراته " نسيج العمر " تفاصيل لقاءه بالرئيس محمد نجيب وتسجيله للنسخة الثانية من مذكرات نجيب؛ وفى عام 1984 صدر كتاب " كنت رئيساً لمصر"، الذى احتوى على أخر تنقيح لمذكرات محمد نجيب، وقد صاغه له الكاتب الصحفي " عادل حمودة ".؛ وتوجد نسخة رابعة من مذكرات الرئيس محمد نجيب، نشرها الأستاذ " عادل حمودة " فى كتاب بعنوان " الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب " صدر فى عام 1985 عن مؤسسة روز اليوسف، وكتب الكاتب الصحفي الكبير " صلاح حافظ " مقدمة الكتاب (5).

والمثير للدهشة ان الأستاذ " عادل حمودة " هو من صاغ كتاب " كنت رئيساً لمصر "، ثم صاغ كتاب " الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب"، والأكثر غرابة ان أخر صفحات كتاب" الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب"، وتحت عنوان مؤلفات عادل حمودة، يوجد كتاب " كنت رئيساً لمصر "!! كواحد من مؤلفات عادل حمودة !!؛ ومن سيطالع النسخ الأربعة من مذكرات الرئيس نجيب، سوف يفاجئ باختلافات واضحة وفادحة فى روايات و أراء نجيب، خاصة بين النسخة الأولى من مذكراته " مصير مصر"، والنسخة الأخيرة " كنت رئيساً لمصر (6).

2- التعريف بالمؤلف:

الرئيس اللواء محمد بك نجيب يوسف قطب القشلان (19 فبراير 1901 - 28 أغسطس 1984) سياسي وعسكري مصري، أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية في (18 يونيو 1953)، كما يعد قائد ثورة 23 يوليو 1952 التي انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر. تولى منصب رئيس الوزراء في مصر خلال الفترة من (8 مارس 1954 ـ 18 أبريل 1954)، وتولى أيضاً منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ثم وزير الحربية عام 1952 (7).

ولد محمد نجيب في الخرطوم بالسودان في 7 يوليو 1902 وفق ما ورد في مذكراته. كان أبوه مصريا وأمه سودانية واسمه كاملا محمد نجيب يوسف قطب القشلان، بدأ والده يوسف نجيب حياته مزارعا بقريته النحارية مركز كفرالزيات بمحافظة الغربية ثم التحق بالمدرسة الحربية، تلقى نجيب تعليمه الأول بالكتاب وأتم تعليمه الابتدائى متنقلا بين السودان ومصر، ثم التحق بكلية جوردون عام 1913 والتحق بعدها بالكلية الحربية في مصر في 1917، وتخرج فيها بعد عام وسافر للسودان في فبراير 1918 والتحق بالكتيبة المصرية التي كان يعمل بها والده ثم انتقل للقاهرة عام 1921 (8).

دخل نجيب مدرسة البوليس وعندما تخرج خدم في أقسام عابدين ومصر القديمة وبولاق وحلوان ثم انتقل للحرس الملكى في أبريل 1923، كما التحق بكلية الحقوق ورقى إلى رتبة اليوزباشى (نقيب) في ديسمبر 1931 وظل يترقى حتى صار أميرالاى (عميد) عام 1948. شارك نجيب في حرب فلسطين عام 1948 وجرح 3 مرات وعقب عودته من فلسطين عين قائدا لمدرسة الضباط العظام مرة أخرى عام 1949، وعين في العام نفسه مديرا لسلاح الحدود ثم رقى لرتبة اللواء في ديسمبر 1950، ثم مديراً لسلاح المشاة (9).

انتخب نجيب رئيسا لمجلس إدارة نادى الضباط في 1 يناير 1952 بأغلبية الأصوات وأمر الملك فاروق بحل المجلس. اختاره الضباط الأحرار قائدا لثورة 23 يوليو وشكل أول وزارة بعد استقالة على ماهر باشا عام 1952، وتولى رئاسة الجمهورية عام 1953. إلى أن أقيل من جميع مناصبه في 14 نوفمبر 1954، وكانت الخلافات قد تزايدت بين نجيب والضباط الأحرار فقدم استقالته في فبراير 1954 وأصدر مجلس القيادة بيانا بإقالته واندلعت المظاهرات المؤيدة له وتداركا للموقف أصدر مجلس القيادة بيانا في 27 فبراير 1954 أعلن فيه عودته رئيسا للجمهورية إلى أن وقعت أزمة «مارس» التي كانت أكثر عمقا وانتهت لصالح الضباط وإعفائه من منصبه، وحددت إقامته لأكثر من 25 عاما في فيلا زينب الوكيل (زوجة النحاس باشا) بالمرج، إلى أن أطلق السادات سراحه عام 1974، وفى أبريل 1983 أمر الرئيس مبارك بتخصيص مسكن له بمنطقة قصر القبة إلى أن توفى فى 28 أغسطس 1984 بمستشفى المعادي العسكري، وشيع جثمانه في جنازة عسكرية مهيبة تقدمها الرئيس مبارك، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية : "رحل محمد نجيب ضابط الجيش المصري الذي أصبح أول رئيس للبلاد بعد انقلاب أبيض أطاح بالملك فاروق في يوليو/تموز من عام 1952، وكان عمره 83 سنة"، وعلى الصعيد الشخصي، تزوج نجيب من زينب أحمد وأنجب منها ابنته سميحة التي توفيت وهي بالسنة النهائية بكلية الحقوق عام 1950. وبعد طلاقه من زوجته الأولى تزوج من عائشة محمد لبيب عام 1934 وأنجب منها 3 أبناء هم فاروق وعلي ويوسف (10).

وقد أعلن نجيب مبادئ الثورة الستة، وحدد الملكية الزراعية، لكنه كان على خلاف مع ضباط مجلس قيادة الثورة بسبب رغبته في إرجاع الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية المدنية، ونتيجة لذلك قدم استقالته في فبراير، ثم عاد مرة ثانية بعد أزمة مارس، لكن في 14 نوفمبر 1954 أجبره مجلس قيادة الثورة على الاستقالة، ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في قصر زينب الوكيل بعيداً عن الحياة السياسية ومنع أي زيارات له، حتى عام 1971 حينما قرر الرئيس السادات إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه، لكنه ظل ممنوعاً من الظهور الإعلامي حتى وفاته في 28 أغسطس 1984 (11).

الرئيس اللواء محمد بك نجيب يوسف قطب القشلان (19 فبراير 1901 - 28 أغسطس 1984) سياسي وعسكري مصري، أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية في (18 يونيو 1953)، كما يعد قائد ثورة 23 يوليو 1952 التي انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر. تولى منصب رئيس الوزراء في مصر خلال الفترة من (8 مارس 1954 ـ 18 أبريل 1954)، وتولى أيضاً منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ثم وزير الحربية عام  1952  (12).

ولد محمد نجيب بالسودان، والتحق بـكلية غردون ثم بالمدرسة الحربية وتخرج فيها عام 1918، ثم التحق بالحرس الملكي عام 1923. حصل على ليسانس الحقوق في عام 1927 وكان أول ضابط في الجيش المصري يحصل عليها. حصل على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929 ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931 (13).

في ديسمبر 1931 رقي إلى رتبة اليوزباشي (نقيب) ونقل إلى سلاح الحدود عام 1934 في العريش، ثم أصبح ضمن اللجنة التي أشرفت على تنظيم الجيش المصري في الخرطوم بعد معاهدة 1936، وقد أسس مجلة الجيش المصري عام 1937 ورقي لرتبة الصاغ (رائد) في 6 مايو 1938. قدم محمد نجيب استقالته عقب حادث 4 فبراير 1942 الذي حاصرت فيه الدبابات البريطانية قصر الملك فاروق لإجباره على إعادة مصطفى النحاس إلى رئاسة الوزراء، وقد جاءت استقالته احتجاجاً لأنه لم يتمكن من حماية ملكه الذي أقسم له يمين الولاء، إلا أن المسؤولين في قصر عابدين شكروه بامتنان ورفضوا قبول استقالته. رقي إلى رتبة القائمقام (عقيد) في يونيو 1944. وفي تلك السنة عين حاكماً إقليمياً لسيناء، وفي عام 1947 كان مسؤولا عن مدافع الماكينة في العريش. ورقي لرتبة الأميرالاي (عميد) عام 1948 (14).

شارك في حرب فلسطين عام 1948 وأصيب 7 مرات، فمنح نجمة فؤاد العسكرية الأولى تقديراً لشجاعته بالإضافة إلى رتبة البكوية، وعقب الحرب عين مديرا لمدرسة الضباط، وتعرف على تنظيم الضباط الأحرار من خلال الصاغ عبد الحكيم عامر، وفي 23 يوليو عام 1952 نفذت الحركة خطة يوليو والتي سميت بـ(الحركة التصحيحية) وانتهت بتنازل الملك فاروق عن العرش لوريثه ومغادرة البلاد، وفي عام 1953 أصبح نجيب أول رئيس للبلاد بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية (15).

 

ا. د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط.

.........................

الهوامش

1- محمد عبدالرحمن عريف: مذكرات محمد نجيب.. "كنت رئيسًا لمصر".. الرابط https://gate.ahram.org.eg › News

2- عمرو صابح: مذكرات الرئيس محمد نجيب .. التنقيح الرابع، مجلة الوعي العربي، 7 يوليو، 2018.

3- المرجع نفسه.

4- المرجع نفسه.

5- المرجع نفسه.

6- المرجع نفسه.

7- هبة سعيد سليمان: محمد نجيب.. محطات في حياة أول رئيس لمصر، الأهرام، 28-8-2021 | 14:35

8- أنظر مقال بعنوان: غاب حيا وحضر ميتا.. الرئيس المصري محمد نجيب من الظلم إلى التخليد،الرابط  https://www.aljazeera.net › politics

9- ليلى يوسف صديق: ظلموه حيًا وميتًا.. لكن.. المسامح كريم، الوفد، 2016.

10- أحمد البهنساوى: قائد ثورة يوليو محمد نجيب.. 30 عاما من تهميش أول رئيس لمصر، جريدة الوطن المصرية، نشر بتاريخ 05:59 ص | الجمعة 28 أغسطس 2020.

11-على خالد وأحمد النوبى :في ذكريي ميلاده الـ 113 الرئيس محمد نجيب .. من الإهمال إلي الإنصاف، جريدة الوفد، نشر بتاريخ الأربعاء, 19 فبراير 2014 13:13.

12-نرمين ضيف الله: في ذكرى ميلاده.. 26 معلومة عن محمد نجيب أول رئيس لمصر، جريدة الدستور، نشر بتاريخ الجمعة 19/فبراير/2021 - 03:54 م.

13- معتز صلاح الدين: فى ذكراه : صفحات من تاريخ الرئيس محمد نجيب، الصدي نت، نشر بتاريخ Aug 27, 2020.

 

 

في المثقف اليوم