قراءة في كتاب

محمود محمد علي: المظلومية الزائفة.. قراءة فلسفية في كتاب كنت رئيسا لمصر لمحمد نجيب (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا عن قراءتنا لمذكرات محمد نجيب، حيث أعلن نجيب مبادئ الثورة الستة، وحدد الملكية الزراعية، لكنه كان على خلاف مع ضباط مجلس قيادة الثورة بسبب رغبته في إرجاع الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية المدنية، ونتيجة لذلك قدم استقالته في فبراير، ثم عاد مرة ثانية بعد أزمة مارس، لكن في 14 نوفمبر 1954 أجبره مجلس قيادة الثورة على الاستقالة، ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في قصر زينب الوكيل بعيداً عن الحياة السياسية ومنع أي زيارات له، حتى عام 1971 حينما قرر الرئيس السادات إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه، لكنه ظل ممنوعاً من الظهور الإعلامي حتى وفاته في 28 أغسطس 1984 (16).

وبالرغم من الدور السياسي والتاريخي البارز لمحمد نجيب، إلا أنه بعد الإطاحة به من الرئاسة تزعم جماعة الإخوان المسلمين بأنه شُطب اسمه من الوثائق وكافة السجلات والكتب ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تماما طوال ثلاثين عاماً حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه قد توفي، وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر، واستمر هذا الأمر حتى أواخر الثمانينيات عندما عاد اسمه للظهور من جديد وأعيدت الأوسمة لأسرته، وأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع، وفي عام 2013 منحت عائلته قلادة النيل العظمى (17).

ومن مؤلفاته: رسالة عن السودان 1943، وكتاب مصير مصر (بالإنجليزية) 1955، وكتاب كلمتي للتاريخ 1975، وكتاب كنت رئيسا لمصر (مذكرات محمد نجيب 1984)، وكتاب  في الصحافة والسينما

3- أقسام الكتاب:

كما قلنا أخرج محمد نجيب الكتاب من مقدمة وأربعة عشر فصلاً، وسمى كل فصل اسماً خاصاً يعبر عن محتواه ووضع تحت اسم كل فصل مجموعة من النقاط اقتبس فيها أهم العبارات في الفصل. وفي نهاية الكتاب وضع محمد نجيب مجموعة من الخطابات مطبوعة بخط اليد. ثم مجموعة من الصور له منذ انضمامه إلى المدرسة الحربية وحتى بعد خروجه من المنفى.وقد سرد محمد نجيب الكتاب كأنه قصة تجري على لسانه (17).

وقد جاء الفصل الأول بعنوان: ليس ابن النيل، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: لا أعرف تاريخ ميلادي بالضبط حتى الآن، ودش بارد من جدتي على رأس أبي، وعشر جلدات على ظهري من الإنجليز بسبب مصر، وابن أحمد عرابي قال لي: الضابط في جيش الاحتلال مقاول أنفار، وسنتيمتر واحد كان سيمنعني من أن أكون ضابطاً (18).

في حين جاء الفصل الثاني بعنوان: سنوات الخدمة وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: بعد ستة شهور كضابط أدركت أنني ملاحظ عمال تراحيل، وتحديت الجيش والإنجليز والسرايا وشاركت علناً في ثورة 1919، وورطة مع وزارة الداخلية بسبب ستة قروش، ومشوار الثائر السوداني على عبد اللطيف بدأ في اللواء الأبيض وانتهى في الخانكة، ودعوت الثوار السودانيين على الغداء في قصر الحرس الملكي بقصر عابدين، والملكة نازلي تصورت أنني باشا وطلبت زيارتي في بيتي، والنحاس قال لي: أفضل أن يكون الجيش بعيداً عن السياسة، أول لقاء لي مع الملك فاروق كان بالمايوه والشبشب (19).

وننتقل إلي الفصل الثالث والذي جاء بعنوان: حرب فلسطين، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: نضال الجيش المصري في الأربعينات من مقومة رئيس الأركان إلى مقاومة الحرس الحديدي، ووجود السودانيين في بيتي جريمة يرصدها البوليس السياسي المصري، وهددت بالاستقالة لو لم يفرجوا عن الضابط أنور السادات، وطالت القصر بعدم الدخول في مستنقع حرب فلسطين لكن لم يستجب أحد، وعامر لجمال عبد الناصر: عثرت في اللواء نجيب على كنز عظيم (20).

أما الفصل الرابع والذي عنوانه: العد التنازلي، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: الملك فاروق يبيع مخلفات الحرب العالمية الثانية للجيش المصري، ورفض عبد الناصر أن استقيل وقال: سيكون تنظيماُ بلا غطاء، وقدمت للوفد مذكرة تشرح أسباب هزيمتنا في فلسطين لم يؤخذ بها، وكنت أول من أطلق عـبارة " تنظيم الضباط الأحرار، واحترقت القاهرة وانتهى الوفد والنحاس والملك فاروق أيضاُ، وكاد عبد الناصر أن يكشـفنا بحادث اغتيال حسين سري عامر  (21)

وننتقل بعد ذلك إلي الفصل الخامس وعنوانه: ساعة الصفر، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: انتخابات نادي الضباط هي الرصاصة الأولى في معركة الثـورة، وطلب رشاد مهنا نقله إلى العريش حتى لا يغضب منه الملك، ولقاء ما بعد منتصف الليل مع وزير الداخلية في بيت مصطفى أمين، 13  زنزانة جاهـزة لقـيادات الضـباط الأحرار قبل ساعة الصف،  الملك يطلب تدخل الإنجليز لإنقاذه من الجيش، وأعجبت بجمال عبد الناصر لأنه لم يوافق على ذبح فاروق (22)

بينما يأتي بعد ذلك الفصل السادس  وعنوانه: اللحظة الحـرجة، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: نجحت الثورة تماماً يوم رحل الملك فـاروق عـن مصر، والسنهوري وسليمان حافظ يصيغان وثيقـة تنازل الملك عن العـرش وجمال سالم يعدل عليها، وفاروق وقـع الوثيـقة مرتين لأن يده كانـت ترتعش، والملك السابق يتهمنا بالفساد والدموية والفاشية رغم أننا كنا كرماء معه حتى اللحظة الأخيرة (23)

أما الفصل السابع فقد جاء بعنوان: ما بعـد الانقلاب، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: ما حدث في ليلة 23 يـوليو هـل هـو ثورة أم انقلاب؟، وأول مهمة لي في القاهرة كانت زيارة الرتب التي اعتقلناها في الكلية الحربية، وأراد رشاد مهنا أن يصبح ملكاً فتخلصـنا منه فوراً، واخترق العسكريون كل المجـالات وصبغوا الحياة المدنية باللون الكاكي، وكان أجر الفلاح أقل من تكلفة إطعام الحمار في اليوم الواحد، وفي مشروع الإصلاح الزراعي كسبت السياسة وخسرت الزراعة،والأزمـة الأولى بين الثورة والإخوان سببها رفضهم الوزارة العسكرية (24)

ثم يأتي الفصل الثامن وعنوانه: التحول إلى الديكتاتورية، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: السياسيون ينقلبون علينا.. والجيش أيضاً، وتحمس الوفد والشيوعيون للتخلص منا والإخوان وقفوا يتفرجون، وعبد الناصر يفرج عـن متآمري المدفعـية ليـنقذوه مـن متآمري الفرسان، والرجل الذي قال لي ليلاً: يا ظـالم .. يا ظالم، وسليمان حافظ نجـح في إقـناع ضباط الثـورة بإلغـاء الدستور وحل الأحزاب وضرب الديمقراطية، ورفضت الانتقال إلى قصـر عابدين وفـضلت إلقاء وأنـا رئيس جمهورية في بيتي القديـم المتـواضع (25)

وننتقل للفصل التاسع وعنوانه: الضـباط يحكمون،  وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: أنصار الثورة كانوا أشد ضرراً عليها من أعدائها، وطـردنا ملكاً وجئنا بثـلاثـة عشـر ملكاً آخر، وعبد الناصر طلب تأمين مستقبل كل منا بعشرة آلاف جنيه بنكنوت جديـد، وحكم الأغلبية في مركز القيادة كان وراء عجـزي عن مواجـهة الديكتاتورية النامية، وعبد الناصر عن النحاس: راجل طـيب واللي يتعرض له ما يشفش الخـير، واتهم عبد الناصر الإخوان بالتعاون مع الإنجليز فـقرر مجلس الثورة التخلص منهم (26).

أما الفصل العاشر فقد جاء بعنوان: الاستقالة أو الإقالة، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: استقلت أول مرة لأنني رفضت أن أكون مجرد واجهة، وكان على أن أمارس سلطتي كاملة وإما أن استقيل لصالح عبد الناصر، وحصروني في بيتي وقطـعوا اتصالاتي ومنعوا الصحف وأنـا لا أزال رئيساً للجمهورية، وأرادوا تحطيم صورتي عند الناس فهب الناس للتخلص منهم، وهتف الجـنود ضـد عبد المحسن أبو النور: يسقط خنفس الخائن، والتهامي يتهمني بالشيوعية والعمل مع خالد محيي الدين، عدت إلى الحكم على أكتاف الجماهير ودماء الإخوان المسلمين، وعبد الناصر تسـامح مـع الإنجلـيز والأمريـكان مقابـل أن يتخلصوا مني (27).

وعندما نذهب للفصل الحادي عشر فنجده بعنوان: كيف ضاع السودان ؟، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: ما يشكو مـنه السودانيون هو نفسه ما كانوا يشكون منه منذ أربعين سنة، وعبد الناصر كان يعتبر السودان عبئاً على مصر يجب التخلص منه، وتخلص مجلس الثورة مـن وحدة وادي النيل مقابل استقلال مصر عندما قال صلاح سالم: السودان ضايع .. ضايع، ومظاهـرة ضدي في الخرطوم تهتف: لا مصري ولا بريطاني .. السودان للسـوداني (28).

أما الفصل الثاني عشر فجاء بعنوان: من فرط في الجلاء ؟، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: قدمنا لأمريكا تمثال إله الحكم عنـد الفراعنة وقدمت لنا مسدساً بـلا طلـقات، وقبل عبـد الناصـر في مفاوضات الإنجلـيز ما رفضـته أنا، وحركات مكشوفـة على مائـدة المفاوضات حاول بها عبـد الناصر أن يثبت للإنجليز أنه الرجل الأهم، والمخابرات المركزية ترسم الخطط الأمنية لعبـد الناصـر وتدعم حرسه بالسيارات والأسلحة الجديدة، وقال لي السفير السوفيتي لو قدمنا لكم السلاح لاستخدمتموه ضدنا (29).

ويجيئ بعد ذلك الفصل الثالث عشر بعنوان: بوابة الدخول الاجتماعي، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها: أراد الأمريكان أن يحصلوا على مصر مجاناً، وضحكت إسرائيل علـى أمريـكا ونجحت في اقناعها بعدم جدوى مساعدة مصر، ومندوب من مجلس القيادة لحضور افتـتاح شيكوريل بعد تجديده، وتوقعت أن تتقدم إسرائيل بميعادها سلام بعد تغيير الحكم في مصر، والوحدة العربيـة تبـدأ بإلغاء تأشـيرة الدخول ورفع القيود الجمركية بين الدول العربية، وفـتوى شيخ الأزهر التي جعلت فاروق يتخلص منه، وتشجيع رأس المال الفردي والأجنبي كان من أهدافنا في الخمسينيات (30).

وأخيرا وليس آخر يأتي الفصل الرابع عشر بعنوان: أيام المعتقل، وقد اشتمل هذا الفصل علي عدة محاور منها:  رفضت أن أهرب خارج مصر بحجة وجود خطر على حياتي، وتمنيت أن يعاملوني لحظة التخلص منى كما عاملت الفاسـد فاروق، والذين قاموا بالثورة طحنتهم والذين نافقوا رفعتهم ن وشطبوا اسمي من كتاب التاريخ فلم يصدق أطفالي أنني كنت رئيساً لمصـر، وابني الأكبر مات بعد الاعتقال والأوسط مات مقتولاً في ألمانيا والثالث طردوه من عمله بقرار جمهوري، وضربت وأهنت وتعرضت للموت في حادث اختطاف عام 1956، وسمعت خبر وفاتي بأذني في إذاعات العالم نقلاً عن مصادر في القاهرة. (31).. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

...........................

الهوامش

16- بسنت فاروق: 34 عاما على وفاته| رحلة «محمد نجيب» من كلية الحقوق إلى قيادة الثورة، مبتدأ، نشر بتاريخ 2018-08-28 15:18.

17- إبراهيم عوض: الجدل السياسى حول تكريم محمد نجيب، الشروق، نشر فى: السبت 29 يوليه 2017 - 9:15 م | آخر تحديث: الأحد 30 يوليه 2017 - 10:19 ص.

18- محمد نجيب: مذكرات محمد نجيب كنت رئيسا لمصر، المكتب المصري الحديث، ط2، القاهرة، 1984، ص6-8.

18-المصدر نفسه، ص 23.

19- المصدر نفسه، ص 55-59.

20- المصدر نفسه، ص 80-90.

21- المصدر نفسه، ص 112-145.

22- المصدر نفسه، ص 156-178.

23- المصدر نفسه، ص 220-223.

24- المصدر نفسه، ص 255-288.

25-المصدر نفسه، ص 289-299.

26- المصدر نفسه، ص 311-322.

27- المصدر نفسه، ص 234-355-

28- المصدر نفسه، ص356-366.

29- المصدر نفسه، ص 371-373.

30- المصدر نفسه، ص388.

31- المصدر نفسه، ص 389-399.

 

 

في المثقف اليوم