قراءة في كتاب

محمود محمد علي: قراءة في كتاب تجلي الإله.. جدلية الإلهي والانساني في الثقافة الاسلامية لأحمد سالم

محمود محمد عليما زلت أؤمن، بل ربما أكثر من أي وقت مضي، بأن عصر عمالقة الفلسفة الإسلامية لم يندثر، والدليل علي ذلك هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وهو كتاب “تجلي الإله.. جدلية الإلهي والانساني في الثقافة الاسلامية”، هو عنوان الكتاب الذى صدر مؤخرا من دار نيوبوك، للدكتور أحمد سالم محمد، المفكر الليبرالي – المستنير- أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة طنطا، والذى قدم لنا من خلاله خلاصة مقطرة ومركزة لكنها بالغة التعبير والدلالة لحقيقة الصراع السياسي الدائر بين الفرق الإسلامية التي ملأت الدنيا ضجيجا بزعمهم امتلاك مفاتيح الجنة حتى اعتقد عوام كل مذهب أنهم الناطقون باسم السماء وأن ما سواهم حطب جهنم.

الكتاب تناول طبيعة الصراع بين الأديان والمذاهب علي ملكية حقيقة الإله وكيف يتم توظيف الدين من جانب الكهنة لتأجيج حدة الصراع مع أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى، كما يكشف كذلك عن الكيفية التي من خلالها استطاع الفقهاء السيطرة على المجال العام الاجتماعي بوصفهم ظل الإله على الأرض فزوروا ودلسوا توقيع رب العالمين على آلاف الفتاوى التي صارت كالسيف فوق رقاب البشر، ولذلك يعالج الكتاب طبيعة الصراع بين الأديان والمذاهب علي ملكية حقيقة الإله، وكيف تم توظيف الدين من قبل الكهنة لتأجيج حدة الصراع مع أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى.

لقد أراد أحمد سالم أن يعطينا خطابا تجديديا في هذا الكتاب؛ حيث حاول أن يحرر الفكر الإسلامي من قيود القراءات التقليدية والأيديولوجية وإعادة تفسيره وتأويله من منظور واقع الحداثة ونقله إلى فضاء معرفي جديد. من مفارقات السجالات الفكرية المعاصرة حول ضرورة تجديد الفكر الإسلامي وتطوير آليات علمية جديدة لدراسة فقهه وتوظيفه من أجل مواكبة مسار الحضارة والتجاوب مع متطلبات العولمة وتعقيدات الحداثة، أن معظم المفكرين الإصلاحيين والتجديديين المسلمين يحظون باهتمام عامة الجمهور في دول العالم الإسلامي وباهتمام الرأي العام الغربي ليس بسبب اجتهاداتهم الفكرية وإنجازاتهم العلمية المميزة، بل بالدرجة الأولى لأنهم يعايشون محنة العالم الإسلامي وعواقب “التفكير في زمن التكفير”، باعتباره أعم أعراض الجمود الفكري وتغييب العقلانية وهيمنة الغيبيات والنظرة الدوغمائية على الخطاب الديني، علاوة على توظيف الفقه الديني لخدمة أغراض سياسية

كما تناول كتاب ” تجلي الإله” طبيعة الصراع بين الاديان والمذاهب علي ملكية حقيقة الاله وكيف يتم توظيف الدين من جانب الكهنة لتأجيج حدة الصراع مع اصحاب الاديان والمذاهب الأخرى، كما يكشف كذلك عن الكيفية التى من خلالها استطاع الفقهاء السيطرة على المجال العام الاجتماعي بوصفهم ظل الإله على الأرض فزوروا ودلسوا توقيع رب العالمين على آلاف الفتاوى التي صارت كالسيف فوق رقاب البشر، ولذلك يعالج الكتاب طبيعة الصراع بين الأديان والمذاهب علي ملكية حقيقة الإله، وكيف تم توظيف الدين من قبل الكهنة لتأجيج حدة الصراع مع أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى .

يقول الدكتور أحمد سالم إن الإله المطلق لا يتجلى للإنسان علي الأرض، ولكنه يتجلى للإنسان بالنسبي وفقً لأجهزة الإنسان المعرفية المحدودة، ولكن البشر انقسموا حوله واعتقد كل فريق أنه وحده الذي يدرك حقيقة الإله، وبدلا من أن يكون الطريق إلي الله قائما علي المحبة والتسامح سار الطريق إلي الله سبيلا للصراع بين البشر، ولذا قامت الحروب، وسالت الدماء بين الأديان والمذاهب، وكلها معارك تدور باسم الإله علي الأرض، لأن كهنة كل دين يبثون في أتباعهم أنهم أصحاب الحق المطلق في تصور الإله وفي ملكية حقيقة الدين .

يقع الكتاب في ثلاثة محاور، أولها: تجليات الإله في مُدونات علم الكلام، والأديان الإبراهيمية، والمذاهب الإسلامية، فأوضح كيف تشكّل الجدل اللاهوتي بين اليهودية والمسيحية والإسلام، وكيف أدّى اعتقاد أتباع كلّ دينٍ أن تصورهم عن الإله هو التصور الحق وما عداه على باطلٍ إلى محاولات كلٍّ منها نفي الآخر، كما تتبّع أحمد سالم الجدل الدائر حول الإله إثباتاً ونفياً في ذاكرة الثقافة الإسلامية، وما اعتراه من تطوّر حجج المؤمن والمُلحد في صراعهم الممتد عبر التاريخ، كاشفاً عن الثنوية التي حملتها شعوب فارس إلى الفكر الإسلامي بتحوّلها إلى الإسلام.

وانتهى في هذا المحور إلى أنّنا لم نتعرف بعدُ على المذاهب الإسلامية؛ لأنّنا لا نعتمد في دراستنا لها على مصادرها الأصلية، إذا إنّنا ندرس أفكار أهل التوحيد والعدل (المعتزلة)، والجهمية والشّراة وغيرهم من الفرق والمذاهب من خلال مدوناتٍ كتبها خصومُهم من أهل الحديث (أهل السنة)، فننظر إلى المذاهب من منظور ما كتبَه الأسلاف في لحظة خصومةٍ تاريخية.

وفي المحور الثاني انتقل الباحث إلى مناقشة تجلّي الإله من خلال التشريع والفتوى في وعاء الاجتماع، فكشف كيف اتّسعت دائرة الفقه وإنتاج الأحكام للسيطرة على المجال العام، وبلغ من توسعها أنّها لم تقف عند ما هو كائن، بل امتدّت إلى ما يمكن أن يُتخيّل أن يكون، وأحياناً إلى ما يستحيل أن يتحقق، وفي مخادعة فكرية ما نزال نتجرّع مرارة كأسها، قُدّم الفقه بوصفه صوت الله وليس صوت المجتهد في فهم مراد الله، وقُيّدت مدارات العقل المسلم، وانتصرت الثقافة الإسلامية لأقوال الفقهاء على حساب مقاصد الشريعة، وأغفلت الواقع المتغيّر.

وفي المحور الثالث والأخير "تجلّي الإله في التصوف الإسلامي"، خلص الباحث إلى أنّ التصوّف هو السبيل لتجلي الإله في قلب الإنسان محبة وليس خوفاً، واختياراً وليس إجباراً ورجاء وليس خوفاً.

فتحية للأستاذ الدكتور أحمد سالم والذي كشف لي من خلال هذا الكتاب بأنني إزاء نموذج نادر يصعب أن يتكرر، لمثقف واسع الثقافة وكذلك لمفكر حر نزيه لا يقيم وزناً ولا يحسب حساباً إلا للحقيقة العلمية وحدها، وفوق ذلك وأهم من ذلك بالنسبة لنا أنه كان يقدم مادته العلمية فى أسلوب بالغ الجاذبية والتشويق تجعلها أشبه ما تكون بالعمل الفني الممتع دون أن تفقد مع ذلك شيئا من دقتها الأكاديمية، ولهذا لم أكن مبالغاً حين قلت في عنوان الكتاب بأن أحمد  سالم - مؤلف الكتاب يعد بالفعل في مرحلتنا الراهنة "أحمد سالم أيقونة الإبداع في زمن تجلي الاله ".

فتحية طيبة للدكتور أحمد سالم الذي يعد واحداً من أبرز الوجوه الثقافية من زملائنا المعاصرين، وهو يمثل بحق قيمة كبيرة وشعلة من التنوير الفكري التي بدأها منذ ربع قرن باحثاً ومنقباً عن الحقيقة والحكمة . إنه الباحث عن سبيل يحفظ للإنسان حريته وكرامته فهو ينقب في ثنايا الفكر العربي الحديث والمعاصر، لكنه لا يسلم به من ما يكتب عنه من قبل زملائه الباحثين، بل لديه قدرة عظيمة علي أن يلقي بنفسه في خضم المشكلات المطروحة، ويشق لنفسه طريقه الخاص غير عابئ بما يقوله هذا الفيلسوف أو ذاك من أعلام الفلسفة الشوامخ.

 

أ.د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم