قراءة في كتاب

شمس الدين العوني: عرض لكتاب: جواهر من الشعر الصيني قديما وحديثا

3201 عثمان الجلاصيفسحة باذخة.. وبانوراما لتجارب وأجيال وأصوات شعرية قديمة وحديثة من الصين..

الشعر.. هذا القادم من الشواسع حيث القول بعين القلب.. لا بعين الوجه.. ثمة أمنيات شتى نمضي اليها تقصدا للضفاف.. للأقصى من المعاني.. والكلمات.. هاهي الحروف بشتى تلويناتها تأخذنا طوعا وكرها الى ما به تسعد العبارة وهي في عنفوان بهائها..

انه الشعر في أحواله يزيح عن الجغرافيا ما علق بها من تداعيات الزمن.. يعلي من شؤون جمالها وشجون تبدلاتها   نشدانا لكون الكلمات والعبارات العالية من قبل الانسان واليه..

الشعر شجن الألوان وموسيقاها الناعمة حيث العناصر والتفاصيل والأشياء في هيجانها الناعم والجميل تأثيثا لما به تسعد الذات في حلها وترحالها..

هي لعبة الشعر الباذخة وفتنته وسحره أخذا بناصية العبارة تبث بهائها في الكائنات بكثير من الألف والجمال..

هكذا هي رسالة الشعر في جغرافيا الأكوان منذ القدم نحتا للكيان وتأصيلا للذات.. الشعر موسيقى الجهات وعطورها الأخرى.. والشاعر / الشعراء هنا فتية الكلام والقول والمعاني وهي تنبت في الأرجاء.. شعراء بلغات الألوان.. قصائد بتلوينات الكلام المختلفة.. نصوص الانسان في تنوع جغرافيته وثقافته ودواخله وترجمانه..

الترجمة فعل كتابة أخرى وابداع على الابداع.. هي كما قال الشاعر الكردي الكبير الراحل شيركو بكه س (1940-2013) : " الترجمة مثل "القبلة خلف الزجاج".. يعني هي النص الأصلي رغم النقل مع اختلاف روح   وثقافة وبيئة النص المنقول..

الترجمة فعل انسيابي وحضاري وثقافي ووجداني.. تذهب بالشعر الى مناطق أخرى غير بيئته وحياته لتجعل له حياة أخرى وطعما اخر وثقافة أخرى تثري أصل معانيه وتفتح بذكاء  الآفاق لتتجاور التجارب وتتحاور..

هذا ما يحيلنا الى سياقات التثاقف واللقاء الكتابي والحضاري.. وهكذا نمضي مع عوالم تجربة أخذنا صاحبها الى ضفة أخرى ومهمة من الضفاف الثقافية والحضارية.. ونعني الصين.

الأدب الصيني عريق والشعر فيه من أشهر الاداب والابداعات في العالم لخصوصياته وجمالياتة الجمة.. والشعر الصيني بستان متعدد الألوان والاشكال.. هناك الشعر النثري والشعر الحر ومن أشهر الشعراء القدامى نذكر "سونغ" و"تانغ" تركا شعرا من عهود الازدهار في الآداب الصينية لتمثل جانبا من التراث الثقافي الصيني المهم.

الشعر الصيني وفي هذا العمل المميز للأديب عثمان الجلاصي الشريف مجال جمالي تبرز فيه القصائد بعمقها وجمال ايقاعها وأسلوبها.. هو شعر مشاعر وتفاصيل وهدوء وشجن في لغة ناعمة.. القصائد بطعم الحنين والطموح والذاكرة بشفافية عالية الجودة.. شعر فيه من الغزل والمديح والرثاء والمجانية والتأملات الكثير..

قبل ألف سنة من الميلاد كان الشعر الصيني الكلاسيكي حاضرا من خلال كلاسيكيات الشعر عبر "شيجينغ" وفق الارتباط بالمفردات والثقافة الصينية بالشمال وبالمعلم الحكيم

"كونفو شيوس" ليتطور هذا الضرب الشعري..الشعر الصيني شهد تطورات أسلوبية تلازما وتناغما بين الثقافي المكتوب والشفوي.. فهناك الأدب الشعري المكتوب وكذلك الشعر الشفوي التقليدي الشعبي المعروف بنصوص البلاد..

الكاتب عثمان الجلاصي الشريف تعدّدت تجربته الأدبية وفي الكتابة عموما ضمن تعاطيه مع الشعر والنقد والفكر والدراسات في مجالات علمية وتربوية مخصوصة.. والترجمة.. هذه الأيام صدر كتابه الجديد الممهور ب"جواهر من الشعر الصيني – قديما وحديثا" من خلال الإعداد والترجمة ليأخذنا خلاله في رحلة ممتعة بين بساتين الشعر الصيني من خلال تجاربه ورموزه ورواده من القرن السادس وإلى الآن.. هذا الكتاب جاء في أكثر من 120 صفحة من الحجم المتوسط صدر عني منشورات الشريف للنشر.. مراجع هذا العمل في الترجمة متعددة وتعكس سعة اطلاع المترجم الذي أراد تقديم هذا الأثر كإضافة للمكتبة الثقافية والشعرية التونسية والعربية والكونية.. يقول في توطئة الكتاب "..وبصفتي متابعا لمجلة الأدب   الصينية الناطقة باللغة العربية على امتداد عقود تمكنت من الإطلاع على شتى أنواع الكتابات الصينية من شعر وقصة وحكاية ورواية ودراسة والوقوف على ما تتسم به من جمالية وبعد إنساني ونضالي فهي تهدف إلى نشر قيم كونية كالمحبّة والتسامح والتكاتف والتضامن علاوة على ثقافة الإجتهاد والبذل والعطاء وحبّ الوطن والذّود عنه.."

هذه تلوينات من مناخات وحكاية الشعر الصيني بشؤونه وشجونه نشير إليها لنعود إلى "جواهر من الشعر الصيني قديما وحديثا" للكاتب عثمان الجلاصي الشريف.

في المجموعة المترجمة من الشعر الصيني نبدأ مع نص شعري بعنوان "قصيد قديم" لشاعر غير معروف وفيه فسحة شعرية باذحة بين الرومانسية والحب والوطن والحزن في أسلوب شعري رائق لنقرأ مايلي:

" أجمع ازهار اللّوتس في مياه النّهر. مستنقع السحليات  تملأه  الأعشاب العطرة.

 هي أيضا أجمعها لكن لمن أهديها

إذا كانت حبيبتي بعيدة عني

ألتفت وأنظر صوب بلادي

الطّريق إليها تمتد إلى ما لا نهاية

قلوب موحدة، منازل منفصلة

نحن نسبح في الحزن."

في هذه القصائد المترجمة نجد نصا للشاعر "زانق كيجيا" وهو من مواليد سنة 1905 ساهم على امتداد 60سنة في تطوير الحركة الشعرية في الصين وشارك في تأليف تاريخ الأدب الصيني والشعرالمعاصر ومن أعماله الشعرية (الأثر1933وسنة1936 وأغنية نهر هواي).

من قصيدته "ثمة أناس" نقرأ ما يلي:

"ثمّة أناس يدوسون على العشب

صارخين "أنا عظم"

ثمة أناس

ينحنون ليكونوا  خير مطيّة للشعب

ثمة أناس ينحتون أسماءهم على الصّخر

آملين في البقاء أبد الدّهر

ثمة أناس مثل عشبة بريّة

يفضّلون ترقّب احتراقهم

تحت التراب.. ".

ومن القصائد المترجمة ضمن هذا الكتاب نجد نصا للشاعرة "جيجان تويا" وهي من مواليد سنة1960بمنغوليا  الدّاخلية الوطنية للشمال الغربي لتشتغل محرّرة بإحدى المجلاّت.

قصيدة الشاعرة جيجان بعنوان "دائما بين أحضان الصحراء" منها ما يلي:

".. سأقع في صمت رهيب

وسأكون بين أحضان الصحراء

سأعرف دوما متى يكون الصّباح

... في المساء.."

في هذا الكتاب من الشعر الصيني إشارات وتراجم للشعراء تساعد القارئ ومحب الشعر على التعرف على جوانب من سيرة أصحاب القصائد المختارة للترجمة من قبل عثمان الجلاصي الشريف الذي تخير عددا من التجارب من أجيال مختلفة تبرز النواحي الجمالية والاسلوبية في الشعر الصيني العظيم.. عظمة السور.. سور الصين العظيم.." إن جواهر من الشعر الصيني " عمل مهم في سياق اهتمامات الاديب عثمان الجلاصي الشريف وفق اطلاعه وانفتاحه الأدبي والثقافي على آداب وثقافات.. الآخر.. العالم.

 

شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم