قراءة في كتاب

عيد محمد بركو: قراءة في كتاب: ميخائيل باختين للدكتور زهير ياسين شليبه

الكاتب العراقي الدكتور زهير ياسين شليبه يقدم دراسات جديدة عن الناقد الروسي ميخائيل باختين

- عن الناقد الروسي الكبير ميخائيل باختين صدر للدكتور زهير شليبه كتابه "ميخائيل باختين ودراسات أخرى عن الرواية". وتكمن أهمية هذا الكتاب كونه يتضمن دراسات رائدة عن هذا الناقد الكبير الذي يعتبر علماً رائداً عن أعلام النقد الأدبي الروسي، فضلاً عن احتواء الكتاب على الكثير من أفكار وأطروحات ومقولات باختين النقدية الأساسية، وهو ما كانت تفتقر إليه الدراسات النقدية التي تناولت عطاءات هذا الناقد الكبير.

في مقدمة الكتاب يقدم المؤلف نبذة عن حياة ميخائيل باختين المولود في عام 1895م والمتوفي في عام 1975 أصدر باختين في عام 1929 كتابه الشهير – قضايا إبداع دوستويفسكي – الذي جلب له شهرة كبيرة في أنحاء العالم كافة.

ثم دافع في موسكو عام 1940 عن أطروحته الموسومة – رابليه في تاريخ الواقعية – في معهد الأدب العالمي التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، إضافة إلى عشرات الأبحاث النقدية المبتكرة.

يقول باختين في بحثه "مسألة المضمون والشكل في الإبداع": "إن المقال الحالي محاولة لتحليل أهم مفاهيم نظرية الأدب ومسائلها تحليلاً منهجياً على أساس نظام على الجمال العام. وإن ما يهمنا في الدرجة لاأولى هو القيمة النظامية لأهم المفاهيم والمقولات النقدية".

ويعرض المؤلف لأهم مصطلحات باختين مثل (هرونوتوب) الذي يعرفه باختين بأنه (العلاقة المتبادلة بين المكان والزمان).

ويشرح المؤلف هذا المصطلح بقوله: "إن الهرنوتوب يحدد الوحدة الفنية للعمل الأدبي في علاقته مع الواقع. ولهذا فإنه يتضمن المقطع القيم الذي يمكن أن ينتقى من كل الهرونوتوب الفني في التحليل التجريدي فقط.

ترتبط كل التحديدات الزمنية المكانية في الفن والأدب ببعض وتصبغ بصبغة عاطفية قيمة، وإن التفكير التجريدي يستطيع أن يرى الزمان والمكان منفصلين عن بعضهما. إلا أن العمل الفني الحيوي لا يفصل شيئاً ولا يتجرد من أي شيء. وهو يحيط بالهرونوتوب بتكامله كله وتمامه الفني.

ويتناول الدكتور زهير ياسين شليبه دراسة باختين (الملحمة والرواية) بالشرح والتحليل والتفصيل ويخلص إلى أن باختين قد ميز الرواية عن سائر الأنواع الأدبية الأخرى بثلاث سمات هي : (1- تعدد أساليب الرواية المرتبطة بالوعي المتعدد المتنوع اللغات والمتحقق في الرواية. 2- التغيير الجذري في احداثيات الزمان للشخصية الأدبية في الرواية. 3- منطقة جديدة لبناء الشخصية الأدبية في الرواية مرتبطة إلى أقصى حد بالواقع المعاصر في عدم تكامله)

وتعتبر دراسة باختين (رابليه وغوغول) من أهم الدراسات النقدية المقارنة المبكرة : (بين الكتاب الرابع – رحلة بانتغرويول – للأول، وقصة – الأرواح الميتة – لغوغول حيث يلمس باختين طابعاً مشتركاً تتسم به القصتان ألا وهو طابع الهزل).

ويستشهد الدكتور زهير ياسين شليبه في دراساته عن فكر باختين بالكثير من آرائه.

يقول باختين في كتابه (جمالية الإبداع الكلامي) الذي صدر بعد وفاته: (لا وجود لبطل الفن في الحياة والعكس صحيح. ولا توجد بينهما وحدة وتغلغل داخلي متبادل في وحدة الشخصية وإن وحدة المسؤولية وحدها كفيلة بضمان العلاقة الداخلية لعناصر الشخصية).

وقد تضمن كتاب (جمالية الإبداع الكلامي) الأقسام غير المنشورة من كتاب باختين (قضايا إبداع دوستويفسكي) التي احتوت على آراء باختين عن علاقة دوستويفسكي بالحوار الأفلاطوني والإنجيلي وعن المثال الطوباوي عند أبطال الروائي).

وقد عالج باختين في كتابه عن دوستويفسكي مسألة الموضوع الجمالي والشكل المعماري لرواياته الموجهة نحو قيم الإنسان.

ويرى الدكتور زهير شليبه بأن هذا الكتاب يعد (من أبرز العلامات في النقد العالمي) حول منهجية علم الأدب.

تحت هذا العنوان ترجم الدكتور زهير شليبه مقالاً لباختين يتضمن بعض آراء الأخير في الرواية. يقول باختين عن مسألة البطل والكاتب في الرواية : (لا يمكن للكاتب الحقيقي أن يتحول إلى شخصية فنية لأنه خالق لكل شخصية أدبية ولكل ما هو فني في عمله الأدبي. وكثيراً ما يحاول علماء الأدب البحث عن الكاتب في مقطع معين منتقى من كل المضمون مما يؤدي وبكل بساطة إلى مطابقة البطل بالكاتب الذي هو في الحقيقة إنسان ينتمي إلى زمن معين ويمتلك سيرته الذاتية الخاصة، وله أفكار معينة أيضاً).

ويرى باختين أن إدراك الشخصية وإدراك الشيء يجب وصفهما كحدين : (ترتبط مسائل علم الأدب ونظرية الفن الملموسة بعلاقات متبادلة بين المحيط والمدارك – أنا – والآخرين. وتقترن عملية التوغل في الآخرين بالحفاظ على مكانها الخاص الذي يضمن وجود فيض الوعي. وينطبق هذا الأمر على تصوير الشخصية، الجماعية، الشعب، العصور والتاريخ نفسه، إضافة إلى مداركهم وممثليهم. وتدرس العلوم الإنسانية الوجود المتحدث والتعبيري ولا يتطابق هذا الوجود مع نفسه ولهذا بالذات تبقى أهمية كبيرة للغاية. إن مثل هذا الشيء الذي يفتقر إلى الباطن المناسب وغير المستعمل يمكن أن يكون مادة للاستخدام اليومي فحسب. أما الحد الثاني فيعني الفكرة عن الشخصية في حضورها هي بنفسها، أي التساؤل والحوار. ومن الضروري هنا أن تكشف الشخصية عن نفسها بنفسها).

وحول المحتوى كشكل جديد في الرواية والشكل كتقليد متبع يقول باختين : (يمكن اعتبار الشكل جسراً لابد منه للوصول إلى الجديد، إلى مضمون آخر، لا مثيل له. وكان الشكل معروفاً ومتفقاً عليه من قبل الفكر القديم الجامد، في عصور ما قبل الرأسمالية كأن توجد بين الشكل والمحتوى فترة انتقال تدريجية أقل حدة، ولم يكن الشكل مؤكداً ولا ثابتاً تمام الثبات ولا مضموناً تقليدياً، بل كان الشكل مرتبطاً بنتائج الإبداع الجماعي العام، وعلى صلة وثيقة بالأساطير والتقاليد. كان الشكل مضموناً ذاتياً منطوياً على نفسه، ولهذا فإن المضمون سبق إلى حد ما العمل الأدبي).

وفي القسم الأخير من الكتاب يقدم الدكتور زهير شليبه نصاً مترجماً للناقد بافل غرينتسر حول عصر الرواية.

ولعل جديد الدكتور زهير شليبه الأكثر أهمية هو إضاءته للجوانب المتنوعة للفكر النقدي الباختيني الصعب وجعله قريباً لفهم المتلقي.

***

عرض وتقديم : عيد محمد بركو

في المثقف اليوم