قراءة في كتاب

علجية عيش: المبادرة السياسية الوطنية من أجل النهضة والكتلة التاريخية الجديدة

للدكتور قادة جليد من جامعة وهران الجزائر

قال الدكتور قادة جليد استاذ الفلسفة بجامعة وهران (غرب الجزائر) وباحث ونائب سابق أن مبادرة الميثاق الوطني من أجل النهضة والكتلة التاريخية الجديدة هو مشروع وطني حضاري أصيل تؤطره رؤية استراتيجية للمستقبل وحِسٌّ تاريخيٌّ نابع من تطلعات الشعب الجزائري لتبوأ مكانة مهمة في التاريخ العالمي فظواهر الدولة والمجتمع لا تخضع في تفسيرها لقوانين يقينية لأنها تقترن بالإنسان فردا أو جماعة يستعصى على التكييم quantification لأنه مزيج من المادة والعقل والروح، ولاشك أن المحطة السياسية التاريخية التي تربط بين 2024 و2030 ستكون بلا شك محطة ملهمة وحاسمة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية.

المبادرة السياسية من أجل النهضة والكتلة التاريخية الجزائرية الجديدة، التي حملت عنوان: " الميثاق الوطني من أجل النهضة والكتلة التاريخية الجزائرية الجديدة" هي خارطة طريق أو استراتيجية وضعها الدكتور قادة جليد أستاذ وباحث أكاديمي بجامعة وهران ونائب سابق، هي عصارة جهد فكريٍّ لرجل جنّد نفسه وفكره فكان له تصوّرٌ خاص لجزائر الغد، جزائر تبدأ أولا بتحرير العقل الجزائري الجديد وكل الطاقات والمبادرات التي كانت كامنة ومقموعة كما يقول هو، هي منعطف تاريخي نهضوي يُعَبِّرُ عن حركية إيجابية فاعلة في المجتمع تمس حياته الروحية والعقلية والمادية وتعكس طموحاته وتطلعاته في الحياة، هي تحوُّلٌ اجتماعي وحضاري من خلال بناء إنسان جزائري جديد، المبادرة تطمح إلى فتح نقاشٍ حُرٍّ ديمقراطيٍّ لتحريك العمل الفكري والثقافي والسياسي داخل المجتمع الجزائري أي بين النخبة والجماهير، الملاحظ أن هذه المبادرة تندرج ضمن مبادرة رئيس الجمهورية في التأسيس لخطاب سنَوّيٍّ رئاسيٍّ أمام ممثلي الشعب والأمّة وفي إطار هذا المسعى.

 وقد حملها الدكتور قادة جليد على عاتقه وتحمّل مسؤولية تبعاتها، فهي تعتبر قوة اقتراح بعيدا عن المصالح الفئوية والطبقية والتجاذبات السياسية والإصطفافات الحزبية والإيديولوجية، وتعتبر هذه المبادرة مخرجات الحراك الشعبي الذي كان هبّة شعبية والروح التاريخي الجزائري، بل بوصلة فكرية حضارية تمثلت في يقظة الوعي الشعبي، بل الوعي الجماهيري لمجابهة كل أشكال الانحرافات التي حدثت والتي قد تتكرر وتتفاقم وتتجدد في المستقبل، هي الانحرافات التي أخرجت الشعب الجزائري إلى الشارع ليطالب بالتغيير والعدالة الإجتماعية والمساواة والإعتراف بحقوق الإنسان وإنهاء العصبيات من التأثير في التاريخ، هذا الحراك الذي كان عبارة عن تدافع، أي إبطال فكرة الصراع من الأساس، طالما التاريخ ليس صداما ولا صراعا حضاريا، خاصة وأن العالم اليوم متعدد الأقطاب والثقافات وهذا التعدد والتنوع أخذ في الانبثاق، لا شك أن هذه هي الأسباب التي دفعت بالدكتور قادة جليد إلى طرح هذه المبادرة في محاولة منه تحويل أفكار الصدام إلى فكرة التفاهم بين أبناء البلد الواحد ونبذ الكراهية العميقة بينهم، في زمن عمقت فيه التناقضات وغُيِّبَتْ المرجعيات والطلائع، فهبّ البعض الى الهجرة وبقي إلا الصّامدون، لكنهم أحيلوا على التقاعد القسري.

و تشمل هذه المبادرة كما قال هو على مسافة واحدة من الجميع، بين السلطة والمعارضة من جهة وبين السلطة والأغلبية الرئاسية من جهة أخرى، وهي تطمح إلى فتح نقاش حر ديمقراطي وتحريك العمل الفكري ة الثقافي والسياسي داخل المجتمع الجزائري أي على مستوى النخبة والجماهير، كما تأتي هذه المبادرة بعد فشل المبادرات السياسية السابقة، انخرطت فيها أحزاب ومنظمات وجمعيات لكنها انتهت بالفشل لأسباب، أهمها أن السلطة لم تكن طرفا في هذا المبادرة ثم ان أصحاب المبادرة لا يملكون وسائل وأدوات التغيير الإجتماعي وغيرها من الأسباب خاصة مسألة القيادة والتأطير، كذلك الاجتهاد في صياغة الحلول الملائمة لمشاكل العصر، وإن كانت تصلح لزمن سابق فهي ( أي المشكلات) قد لا تكون صالحة في زمننا هذا وفي زمن لاحق في مواجهة متغيرات قد لا يكون البعض قد تصور إمكانية حدوثها، ولذا جاءت مبادرة الدكتور قادة جليد، التي تأسست على نظرة استشرافية للمستقبل القريب والبعيد.

ميثاق وطني وكتلة تاريخية جزائرية من أجل النهضة

أراد صاحب المبادرة أن يرفع ثقافة اليأس في الجماهير وبخاصة الشباب والتيئيس التي أضحت أكثر الثقافات رواجا في الوطن والسلبيات الأخرى كظواهر التبعية وقصور الأنظمة التربوية وحتى الثقافية ومحدودية الفكر، وأن يدخل المواطن في دائرة النقاش، بعد أن سعت أطراف إلى إجهاض أيّ مشروعٍ فكريٍّ من شأنه أن يغير الواقع المرير نحو الأفضل ووضع حدٍّ لكلِّ ما يكرس الترف الفكري والثقافة الاستهلاكية، فمن خلال قراءتنا لهذه المبادرة يلاحظ أن الدكتور قادة جليد، أراد أن يرسم الأبعاد الاستراتيجية لمشروعه الإصلاحي والحضاري المرتبط بقضايا النهضة والتقدم، يقول الدكتور قادة جليد: " إن هذه النهضة ترتكز على مفهومين أساسيين هما: الميثاق الوطني والكتلة التاريخية الجديدة، وكلا المفهومين لهما مرجعية فكرية وسياسية في تاريخ الجزائر الحديث، فالميثاق الوطني هو بمثابة عقد اجتماعي، يشمل السلطة والمجتمع بكل مكوناتها وطاقاته، فهو يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة، أي أنه قابل للتجديد وإدخال عليه أهدافا أخرى تتلاءم مع المرحلة والظروف.

 وقدم الدكتور قادة جليد عيّنة من الأهداف والمبادئ التي يرتكز عليها الميثاق الوطني من أجل النهضة خاصة في الجانب الإقتصادي، من أجل خلق اقتصاد إنتاجي خارج المحروقات وتبوأ الجزائر مكانة معتبرة في الاقتصاد العالمي، على أن تكون ضمن العشر دول على مستوى العالم في مجال الاقتصاد، ويذكر صاحب المبادرة أن الأهداف والمبادئ التي يكون حولها إجماع (ميثاق وطني) هي ذات طابع نهضوي من حق الجميع الانخراط فيها لتحقيقها وتقييمها من خلال كتلة تاريخية جديدة، تضم كل فعاليات المجتمع، تتحول فيها المعضلة إلى وسيلة وحافز، كما أن المتأمل في هذين المفهومين قد يتراءى له أن تحقيقهما يعتمد على الذكاء السياسي خاصة في إطار العولمة، فمن الصعب تحديد الذكاء السياسي مثلا ونحن نعيش ثقافة اللاثقافة، وبالتالي يصعب الوصول بها إلى العالمية، والثقافة السياسية لا تستند إلى العلم، بل يمارس هذا الأخير عن طريق السياسة لبلوغ "الرشد السياسي" وتحقيق الحكم الراشد في إطاره النهضوي الحداثي، لاسيما والجزائر تتوفر على خزّان لا ينفذ من التراث الحضاري والثقافي الذي ساهمت فيه كل جهات الوطن وحان الوقت لإحيائه وإثرائه، كونه تراث يزيده التنوع، ثم أن هناك في كثير من المواقع نخبٌ على درجة عالية من الكفاءة والوفاء للثورة ومكاسب النصر الذي حققه جيل نوفمبر وفي مقدمتها الاعتزاز بالمرجعية الوطنية وأبعادها الحضارية.

 وقد شرح الدكتور قادة جليد في مبادرته وجهة نظره، بحكم أنه أستاذ الفلسفة بجامعة وهران وله رؤية استشرافية للمستقبل، فهو يعتقد أن ذلك يعتمد على الإيمان أكثر، أي إيمان الفرد بمن يحيط به سواء داخل الأسرة أو خارجها (المجتمع والمؤسسة)، والإيمان أيضا بقيمة الأهداف التي يسعى الإنسان الى تحقيقها مع الوعي المشترك والجماعي بوحدة المصير، مضيفا أن هذه القوة الداخلية هي التي تعطينا القدرة والذكاء اللازم لمواجهة تحديات العولمة في تجلياتها المختلفة، الإقتصادية والسياسية والثقافية والإجتماعية...الخ، أمّا عن الكتلة التاريخية وإن كانت مفهوما شائعا في الأدبيات السياسية الحديثة والمعاصرة، فهي في المخيال الجليدي (نسبة إلى قادة جليد) هي ائتلاف فكري وتوافق وطني وإجماع داخلي محكوم برؤية استراتيجية ووفق أهداف محددة، تتشكل من السلطة والمعارضة معًا، وهي كما يقول ليست بديلا عن الأحزاب السياسية أو المنظمات الأخرى ولا يعني أن تتخلى الأحزاب عن برنامجها وتجمد نشاطها، وبالتالي يمكن تشكيل هذه الكتلة من جديد خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقضايا النهضة والتقدم، بعيدا عن الأدلجة، إنها دعوة للدفاع عن مقومات الشخصية الوطنية وتثمين الموارد البشرية باعتبارها الثروة الوحيدة المتجددة، كل ذلك لا يتوقف على جيل ولا ينتهي بجيل.

***

قراءة علجية عيش بتصرف

في المثقف اليوم