قراءات نقدية

مظفر لامي ابداع متعدد

wejdan abdulazizبادر البيت الثقافي في الشطرة بالاحتفاء بالقاص والفنان التشكيلي والمترجم مظفر لامي، فكان الاحتفاء رائعا .. وكنت ضمن المحتفين بورقة اسميتها:

مظفر لامي ابداع متعدد

بعد انجازه القصصي الذي تكلل بمجموعته القصصية البكر (مدن اخرى) والتي ضمت "11" قصة قصيرة، حيث تزاحمت فيها الرؤى والطروحات التي لاتعطي نفسها دفعة واحدة، وتداخلت فيها اساليب السرد وتعالت هذيانات كثيرة، كان الكلام المسكوت عنه هو الطاغي فيها مما جعلنا نحث الخطى في البحث عن المداليل، ونعثر احيانا، ولكننا نحس بمتعة اثناء القراءة، فالقاص كان في قلق شديد اثناء رسم لوحته القصصية بين السرد الذاتي والسرد الموضوعي وبين تداخل الاساليب لديه، اقول بعد هذا الانجاز يطل علينا بانجاز اخر ضمه دفة كتاب اسماه (ستار التخيل)، وهنا اقول حينما تجد نفسك قريبا من كاتب ما، قد تكشف شيئا ولو قليلا من رؤيته العامة للحياة ورؤيته للادب بصورة خاصة .. من هذا عرفت الكاتب مظفر لامي يتحلى بعصامية، قد تتلبسه بوعي منه، فكان بحثه الاكثر جدية عن مخابئ الجمال ومكامنه، وكونه يمتلك ناصية لغة اخرى، اعطته مرونة في الرفض القبول ومحاكمة تجارب الاخرين .. واليوم كانت محاولته جادة في التركيز على جانب مهم خارج سياقات المشغل الابداعي، وهو الحوار، تلك النافذة التي تفتحها على المبدع وهو خارج دائرة الابداع، فسيكون الحوار شبه محاكمة واستجواب، قد نستل منه بعضا من اسراره الكتابية، لهذا فالكاتب المترجم مظفر لامي في ترجمته هذه فـ (الترجمة فن وإبداع. هذا ما توصل اليه الكثير من النقاد والدارسين لهذا اللون الأدبي، وهي لا تكتفي بنقل كلمات؛ فالترجمة الحرفية لا تعطي النص المترجم حقه أو لونه الفني ومدى رفعته وتأثيره في لغته الأصلية، واللغة العربية واحدة من أصعب اللغات المعروفة وقد تكون متأخرة بعض الشيء عن ما وصلت اليه اللغات الأخرى من تطور في المفردات والأساليب، واللغة العربية ربما تكون من اللغات القلائل التي تقدم الفعل على الاسم، وهذا ما يصعب من عملية الترجمة اليها كما إن صرامة قواعد النحو والصرف قد تكون عائقا في بناء النص المترجم.)، ولكن مظفر لامي استعمل ذخيرته من اللغة العربية في استرداد المعاني من لغة اخرى، ولست من المعنين بمحاكمة الترجمة وكونها خيانة للنص الاصلي، الا اني اجد ان الكاتب لامي قد قدم لنا (مجموعة من انطباعات يكون قاسمها المشترك مزيجا مدهشا من البحث والحفر في السلوك الانساني من جانب والانشغال بتقنية الخطاب وادواته ومساره من جانب اخر)، كما يقول الكترجم في مقدمة الكتاب، وكتبرير لترجمته يقول: (اما الذي وجدته في هذه الحوارات، وكان مشجعا على ترجمتها، فكان كشفها عن ابعاد مترامية الاطراف ومختلفة تعاطى معها هولاء الكتاب وكانت وراء نتاجهم المؤثر، وربما اولها ان مشروعهم الثقافي المثابر لم يشكله الاعتباط او ضغوطات التنافس على اشغال مساحة في كم المنشور من الكتب، بل الاخلاص لهذه العلاقة الجوهرية التي تربط وسيلة وشغف التعبير عن الذات بسعة وغموض العالم . تجاربهم وتاريخهم الطويل يؤكدان ان التجربة الخلاقة لاتولد من اذعان لعرف ثقافي، او ان يكون كاتب ما جزءا من مزاج شائع قديم او راهن)، وهنا اثبت حقيقة في كتابه هذا ان هولاء الكتاب يمتلكون تجربة متميزة على صعيد الانجاز الابداعي بعيدا عن المؤثرات القصرية بحيث باتت تقنياتهم ومستويات تناولهم لها الحضور العالي والقادر على اجتذاب المتلقي .. وفعلا وجدنا في كتابه المترجم اختيارات تستحق القراءة ونحن بحاجة لها .. يقول بورخس ردا على سؤال وجه له (هل تعتقد ان الاشياء التي تستحق الكتابة عنها ليس لها نهاية)، فقال: (نعم اعتقد ذلك، الحدود الوحيدة هي الموهبة او الطاقة، في رأسي خمس عشرة رواية قابلة للانجاز، انت تعرف انني لم اكتف بالكتابة بل اؤلف الموسيقى ايضا ولو كانت لي معرفة بالرسم لرسمت، لدي رغبة طاغية بكل اشكال التعبير)، اذن يبقى الكاتب صاحب الموهبة والتجربة مبدعا ويضيق به الجنس الادبي فينزع الى اخر عله يجد ضالته في البحث عن حقيقة الحياة والجمال والكون وكنه الوجود ...

في المثقف اليوم