قراءات نقدية

توائم سيامية قصائد - أنقذ ْتِـني مني - للشاعر يحيى السماوي

hasan albasamأنقذتني مني ..المجموعة الشعرية الرابعة والعشرون – 122 صفحة - للشاعر الكبير يحيى السماوي الصادرة عن دار تموز للطباعة والنشر / دمشق 2014 ..وقد إحتوت سلة الديوان على سبع وعشرين قصيدة من قطاف ورود الشعر .

أي كائن هذا الذي كان يترصده ليفترسه أو ليصادر وجوده وقد أسهمت يدها بإنقاذه منه ؟أي طريق أشارت إليه أن يسلكه ؟ وبأي سلاح دافعت عنه ؟ وهل رافقته في رحلته أنيساً أم رفيقاً أم روحاً ؟

أي تهديد هذا الذي كان يداهم الذات ؟ هل هو صراع الروح مع الجسد أم الحقيقة مع الخيال أم الواقع مع الإفتراض أم الماضي مع المستقبل أم الحياة مع الموت ؟

يحيلنا هذا العنوان الى أن الخير هو الذي نراه في آخر المطاف حين يكون بذارنا حبوب محبة وشتلات أمل ..

أنقذتني مني ..إنه خطاب الشكر والإمتنان ..يحمل لها حرير الكلمات والمشاعرعلى ظهور نياق المحبة والعرفان .

صور متعددة متماسكة جعلتني أستحضر في خيالي وادي عبقر ..

36-samawi

حاولي – أرجوك – كي أعرف

هل أبقى على قيد جنوني؟

أيظل الحقل نفس الحقل؟

والتفاح يبقى أبيض الزهر؟

ويبقى العشق

قنديلي الذي يشرح صدري؟

صور شعرية مترابطة النهايات حوتها قصائد المجموعة وتميزت بتواليها وتشكيلاتها اللونية في إطار اللوحة الشعرية الواحدة،وكأني أرى تداخل لوحات في لوحة واحدة، عدة توائم سيامية متلاصقة لا يمكن فصلها، تعيش بقلب واحد ..ديوان سيامي القصائد..ماقرأت قصيدة إلا وملامح الشاعر يحيى السماوي مشرقة فيها،تحثني من أجل أن أتواصل لمعرفة المزيد الذي ينتظرني ..وإنه مازال منتظراً في القصيدة التالية ... حتى وإن لم يثبّت إسمه .. رأيت إن عدم ذكر إسمه على المجموعة لايغير شيئاً من نسبها فهي سليلة الاصالة والرفعة وشرف الكلمة ..

تزداد الحياة صراعاً مع القلوب الرهيفة ..كلما ازدادت الروح سمواً إزداد الجسد تضاؤلا أو تحول الى إناء للتفاعل الساخن .. أيتها الفسحة المحدودة التي رسمها الله لنا كي نعيش فيها دون تجاوز خطوط نهاياتها ..إستطاع الشاعر أن يتجاوزك بروحه وهي تحلق إلى أغصان الجمال ..ماعادت قيودك أيتها الحياة فاعلة لقلوب إمتهنت العشق وارتدت البياض أجنحة ..أنت سجينة مخيلتك المريضة فقد إحتويت الجسد وحده ..الجسد الذي يعيق الشعراء في رحلاتهم الهيولية ..

كيف تستطيعين أن تضعي لروح الشاعر يحيى السماوي مصائد الزمن الحادة؟

هذا الماهر يرسم شمساً في أفق معتم .. يمد خيوط أمل لليأس فينقذه..

أية صور تلك التي تقنعني أنا القارئ الذي تراكم ثلج الأيام على قمة رأسه وتصلب .. أنني مازلت في عنفوان قلبي محتدماً متدافعاً تنضح روحي وجسدي لذاذات العشق والتماهي والإضمحلال وجـْداً وتمنحني القدرة أن أذوّب ذاتي في قارورة أنثى أتذوق فيها بإشتهاء ريق اللذة ...!!!

لقد رأيت الشوك والصبير والعاقول مورق وكدت أحتضنه لهفة وانقياداً لجاذبيته ..أية براعة وأية مكنة وأية مشاعر مرهفة وروح سامية تلك التي تحاكي فراغاتنا وتملأها بأسطر المتعة؟

أيتها السنوات العجاف لقد رأيتك عاجزة أن تنالي من شموخ العشق وجبروته .

الشاعر يحيى السماوي وعبر مسيرته الطويلة وهو ينحت من صخر اللغة ليفجر طاقاتها حروفاً عذبة تمكن بتفرد أن تكون له لغة سماوية لاتشبه لغات الشعراء إلا برسم الحروف ولكن ملامحها إقتبست من دواخله ألوانها البهيجة ..بل من فرط تركيزي على هذا الجانب كأني أرى بعض الحروف ماسكة سيكارة تدخن بتأمل ..وأرى مقدمةرؤوس بعض الحروف خفيفة الشعر ..لكني مارأيت المشيب قد غزا حرفاً واحداً ..

أيها الطاعن في العشق ...

الشريد السومري...

الحاسر القلب

كفى أنك بت اليوم روحاً وتراتيل يقين

بعدما كنت كؤوساً وسريراً

وجسدْ

بل رأيت كيف يضفر الحروف جدائلاً سارحاً على أكتاف العشق والمودة والتسامح والمحبة والسلام ..أحيانا يحاول أن يغطي مساحات الشوك بعباءة الرضا ..لكن سرعان مايطغي الصدق وحده :

حال كحالك:

لم يخني النهر

لكن

خانني نذل بفردوسي

وبستاني الظليل

قرأت الإهداء الذي أكرمني به على أنه إحدى قصائد الديوان :

(صديقي الحميم الشاعر والقاص المبدع حسن البصام

أهديك صدى ترانيمي في محراب العشق المخضب بحناء نبضي،

آملا أن يليق برضا فراشة قلبك ياصديقي)

وهذا سبب سموالكبار بلمسات تواضعهم وصدقها.. لا بعجرفة من إمتلك حصاناً مريضاً واحداً وراح يجلده وهو ممتطيه ليظل فوق إنوف الآخرين مبارزاً الهواء ..

أمس قبل الفجر

أو قبل أذان الظهر

لاأعرف بالضبط – التقينا ..

اين؟

لاأذكر شيئا !

ربما في الارض

في الفردوس

أو في زحل !

إشارات وإيماءات الى أن المخاطـَب هو ذلك التحدي العنيد لإذابة الخنوع لقسوة الزمن ومبضعه المؤلم .. إنها وحدها التي أحدثت ترميماً في طيات الوقت وثناياه ..ألهبت القلب دفقاً وسيقان العمر يفاعة وعنفواناً .

لرغيف

لن ترى من بعده جوعاً وقحطاً !

فاخلع الأحزان

أنت الآن في فردوس أفراح الزمان

المقبل ..

كن كما شئت

تنسك

أو تشيطن

فأنا كلي لك الآن ...

وأنت الكل لي ..

الرغيف الذي يمسد على رأس الجوع ..رغيف يسجر في تنور القلب ..ينضج على هسيس جمر الشوق ..هو الذي يمنح الطاقة الخلاقة في قادم الرحلة ويغير سحنة الروح من مكفهرة إلى منبسطة فرحة مستبشرة غير آبهة بتغيرات الحال ..

تنمحي كل ملامح العالم ..وتختلط دقائق طينهما ليكون صلصال عشق متماسك متداخل .

وطني: العشق !

وأنثاي التي صارت تسمى نبض نبضي : منزلي !

ربنا ان قرب الحتف

فاكرمني بأن التحف الرمل الفراتي

وأن يصبح عشقاً مقتلي

ببراعة وحذاقة وحكمة ودراية تتجه سارية القلب لترسو على موانئ عشق خالدة في ضمير كل واحد منا .. سخنت المنافي والغربة والوجع الدائم توق الشاعر ولهفته ..رمل الفرات بات التغلب عليه ومقاومة إغرائه أمنية مستعصية.

سأبيع كلي

بالقليل !

من يشتري قلبي بمنديل

يليق بجرح ’حلاج ’ جديد

ناسك الآثام ...

أغواه السراب

رآه في حمى التهجد

سلسبيل؟

إنه يبحث عن عشبة لشفاء جرحه الذي أضناه ..جرح مغمس بالسراب كلما توغل فيه تاه في بياضه الذي يغوي لهاثه ..

أنت الذي أبدلت بالسبع الطباق الكهف !

والأشواك بالأزهار!

أنت عدو نفسك

تستقي للفل والريحان قيحاً

نابذاً قطر الندى

والزنجبيل !

يقرع نفسه ويؤنبها ويعاتبها ولكن بمرارة وكأنه الشامت بها رغم إن أنينه إمتد إطاراً يغلف السراب .

فاكتب وصيتك الأخيرة

ليس غير الصدق مفتاحاً

لقفل المستحيل !

ثمة علاقة وشيجة بين السراب والمستحيل هما من نسيج واحد ولكن مايميز السراب هو إمتداد يده التي لا تتمكن من ملامستها وإن قربت منها قرب الجفن من العين ..وألوانه الزاهية التي تسر الناظر ..وهذا مايفعله الشاعر متكأ على ثراء لغته وشفافيتها ليأسرنا بقصيدة ناضجة بدلالاتها الثرية .

روح الشاعر تسرج القمر حصاناً والبحر دروباً ..والشاعر بكامل بهائه وبياض قلبه وياسمين روحه تلامس كواكب أفقه لتتوهج حلماً في ذاكرة العمر وممراته المظلمة ... العمر الذي يوقف طغيانه إلا الحلم ..فهو يحاول أن يكبح جماح سطوته ويقطع خيوط قيوده ويدحر جبروته ..هو تحدي وليس توسلاً او خداعاً ..عنفوان عشاق تسري في عروقهم دماء ساخنة لاتبرد ..تتحرك فيها دفقات الإشتهاء لإحتضان الحبيب والذوبان في إرتعاشة قلبه .

شاخ الزمان

ولم نزل طفلين!

نبتكر الوسيلة والدمى في لهونا ...

حيناً أكر عليك بالقبلات ...

أحيانا أشدك للضلوع

ويصرخ منادياً في منتهى الإندفاع كشجرة سامقة في قلب غابة قاسية تطعن الفضاء الأصم باستقامتها حين يكشف عن غاياته،عن هويته الحقيقية ،فقد طفح الكيل وما عاد التستر على الإسم مجدياً ..

ولغاية - في نفس يحياك -

المضرج بالتبتل

والصبابة

والهيام

أستل حنجرتي بلا سبب

لأفتعل الملامة

والخصام

انه الحب الذي ليس له عمر ولا دين ..وهو يشبه الإرهاب في أحزمته الناسفة ومفخخاته ..

أين الهروب ؟

جميع بواب النجاة من انفجاري

مقفلة !

فخخت بالقبلات ثغري ...

وارتديت حزام شوقي ...

يالتي

أضحت لبستاني الربيع السومري

وجدوله

وصنعتُ من عطشي لمائك

قنبلة !

قلبه أشبه بالجدول العذب، يتدفق بهدوء ونقاء .. يحلم بغد يليق بأن يعيشه الإنسان بحجم جمال الخالق في خلقه...

إنك الأعمى

إذا لم تبصر البيدر في سنبلة اليوم

وإن كنت مضاء الحدقة

إن كبا فوق رصيف العمر واستسلم للدرب

فإن العيب في المخلوق

لا مـَن خلقه

 

حسن البصام

 

في المثقف اليوم