قراءات نقدية

القاصة فاديا قراجة وحركية تروس ماكينة النص الأدبي

sardar mohamadأزعم أن الحركة الداخلية للنصوص الأدبية نثرا ً وشعرا ًواحدة من أسرار تقنياتالنص الأدبي الفخم ومن خفايا الإبداع وجعل المتلقي في متابعة مستمرة ومهما حفلالنص بصور متعددة وجميلة فإنها تمر على حواسه مرورا ً دون أن يعلق شيئا منهافي الذهن وهذا ما عرفه الشعر الغني بصور الوصف ليس إلا فتكون أسيرة الجمودمهما كانت جميلة زاخرة بالوصف والتشبيه والتمثيل ولعل الإستعارة هي جزء مهم فيه نوع من التحريك وتكون ذات وقع عليه إذا اشتملت على حركة تتأتى من استعمال الصور المتعاقبة إذا وافاهتها الحركة

ولنا في ذلك شواهد كثيرة ففي الشعرمثلا ًلنقرأ النص الآتي للمتنبي:

بأبي الشموس الجانحات غواربا   اللابسات من الحرير جلاببا

الناعمات القاتلات المحييــــــــــات المبديات من الدلال غرائبا

حاولن تفديتي وخفن مراقبا       فوضعن أيديهن فوق ترائبا

الحركات المتتابعة تتجسد في :

القتل – الإحياء – المراقبة – التنسم – الذوبان .

ولكن الجميل في تلك الحركات هو تعاكس اتجاهات الحركة

الموت (القتل) مؤداه إلى أسفل (تراب / قبر ... إلخ)

الإحياء مؤداه إلى أعلى (فضاء / شمس / هواء)

إذا ً القاتلات حركة باتجاه الأسفل والمحييات حركة باتجاه الأعلى

بعبارة أخرى أن المتنبي العظيم يحركنا أسفل / أعلى وهي حركتان متعاكستان

مثال آخر :

ومما شجاني أنها يوم أعرضت     تولت وماء العين في الجفن حائر

ولما أعادت من بعيد بنظرة         إلي التفاتا ً أسلمته المحاجر

هنا نجد فقرة ممسرحة عن لحظات الفراق ولكن الحركة المتعاكسة بينةفعند الفراق كان وجه المودع – الحبيب – يواجه قفا الموَدعة أي باتجاه معينثم انعكس الإتجاه بقول الشاعر – ولما أعادت إلي التفاتا – وهنا قابل الوجه الوجهأي أن الحركة بالإلتفات انعكست 180 درجة .

هنا أجد نفسي بحاجة إلى تبرير سبب البدء بالشعر لاسيما وأنا أتحدث عن قصصالساردة فاديا فأقول : إن الشعر العربي وهو شعر لا يضاهى في سائر الأمموهو ديوان العرب لم توازيه الرواية فهي لم تتواجد عند العرب إلا في العصر الحديث غير أن القصة كانت جميلة كما وردت في القرآن الكريم أما فيطيات كتب الأدب فساذجة وأفكارها دينية ولذلك وجب علي ّ أن أتطرق للقصالقرآني مؤكدا الحركة والحركات المتعاكسة التي بدأت بها دراستي وربما أكونقد أسهبت قبل ولوج نصوص فاديا ولكني أجد ذلك مهما لعدم التركيز على الحركة في مجالات النقد وأزعم أنها أهملت ولم يفطن لها. ولنتابع القصص القرانية لملاحظة الحركات المتعاكسة أولا:

ففي يونس

التقمه الحوت (الصافات 142) اتجاه

فنبذناه في العراء (الصافات 145) اتجاه معاكس

في نوح

سآوي الى جبل يعصمني من الماء (هود 43) اتجاه نحو الاعلى

فكان من المغرقين (الآية نفسها) اتجاه معاكس إلى الاسفل

في بلقيس

ألقي إلي كتاب كريم (النمل 29 ) اتجاه نحو الأسفل

وكشفت عن ساقيها (النمل 44) اتجاه معاكس إلى الأعلى

مريم

وهزي اليك بجذع النخلة (مريم 25) الإهتزاز حركة متتابعة

يمين - يسار أو أعلى - أسفل

في يوسف

ولقدهمت به وهم بها (يوسف 24) وجه لوجه حركة ذات اتجاه معين

واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر(يوسف 25) وجه لظهر حركة باتجاه معاكس

والآن لإشرح مجمل الإستلهامات في القص القرآني

لا أقول أن فاديا تستلهم النص القرآني مباشرة ولكن أقول أنها توظف العبارة القرآنية حيث تجدها في مكانها المناسب لا سيما إذا كانت حركية ففي (فقد أزف الآزف) قصة وليمة لشهرزاد ,هذا استلهام لقوله تعالى (أزفت الآزفة)النجم / 57

(فالزيت يستخرج من شجرة مباركة) القصة نفسها استلهام لقوله تعالى :(يوقد من شجرة مباركة) النور / 35

(استلقيت فعانقتني قبة السماء) هنا الحركات المتعاكسة ......

ولنقرأ الفقرة الآتية لتبيان تكرار الحركة والحركة المتعاكسة :

(أيقظتني من شرودي وبيدها كأس عصير,ثم أحضرت كأس ماء محلى بالعسل ,فجدتها كانت تسقيها هذا المحلول لمعالجة السعال ,والزكام,والأرق ..الخ ...أخرجتْ فراشاً اسفنجياً وطلبت مني الاستلقاء عليه ريثما تسخّن زيت الزيتون..استلقيت ,فعانقتني قبة السماء الوردية ,لاحقت أسراب الحمام التي تحلق بتشكيلات مذهلة ..داعبتْ وجهي نسمات المغيب ط داعبتْ وجهي نسمات المغيب طرية ،منعشة ,أثقلت حركتي ,خدرتني, يخفت وقع أقدام صديقتي ,يتلاشى,تتفكك جملها ,أنوس على مداعبات ساحرة,يستعر داخلي برغبات حارة, أطير , أنتشي...........

وفي قصةشرفة الشاي الأسود نلاحظ

(يتصاعد الدخان من زهرة لوز)

و (فيهطل شوقها ثلجا ً أبيض)

 

وفي القصة الأخيرة نرى :

(شدها إلى صدره) حركة باتجاه

(فانفتح على بهو طويل) حركة معاكسة

وفي متى ستهدأ الأجراس :

عبارة قرآنية (فرعها في السماء وأصلها في الأرض) .

هنا استلهام لقوله تعالى (كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)ابراهيم / 24

و (شرب من عرق اصابعك) الشرب حركة للأسفل

(سمع تضور جوعك)السماع حركة للأعلى

وفي رشة عطر

(سحبت زجاجة العطر) اتجاه معين

(سكبت الملوخية ..) اتجاه معاكس

وفي مزار ورجل وامرأة

(وقفت كما أرادها الرجل يتصاعد البخار الأبيض من ظهرها الأبيض ومن تجويف سرتها ويهب من فخذيها الصلبين) اتجاه إلى الأعلى

(جلست أمامه فجثى على ركبتيه) اتجاه نحو الأسفل

وفي أبو صالح وحيدا ً

(تسرب إلى الخارج)

(دلف إلى الحديقة)

لابد من القول أن فاديا توظف الرموز الترائية العالمية فهي من جهة تدلعلى سعة اطلاعها على الأدب العالمي والتاريخ الإنساني ومن جهة حسن التوظيف في مواقعه المطلوبة وهذا أيضا ً ما عرفته في روايات المبدعةأحلام مستغانمي ففي العشق يليق بك :

(فسيف العشق كسيف الساموراي من قوانينه اقتسام الضربة القاتلة بين السياف والقتيل)

وفي عابر سرير

(كنا مساء اللهفة الأولى عاشقين في ضيافة المطر رتبت لهما المصادفةموعدا ً خارج المدن العربية للخوف نسينا لليلة أن نكون على حذر ظنا منا أن باريس تمتهن حراسة العشاق)

 

فما هي رموز فاديا :

(هل تعلمون لماذا خانت الأمبراطورة جوزفين زوجها نابليون)

قصة أبو عبدو النسونجي

و في مشيئة فراس

(تاهت في تقاطع المكان والزمان ..موسكو دفعة واحدة)

و(أما الأرميتاج فلم يعد يملك أكثر من اسمه)

وفي الجمعة

(سندريلا يا ابنة الريح والطريق لقد قرعت أجراس الليل ....)

وفي رحلة علاج :

(ترنم صوت المضيفة ثانية : نحن الآن فوق الأجواء الفرنسية ....

بعد دقائق سنحط في مطار شارل ديغول ..)

وقبيل الختام سأكون قاسيا ً قليلا ً مع المبدعة المرموقة فاديا فأقول :

بسبب عفويتها في الكتابة وسرعة تزاحم الأفكار في رأسها فإنها تقع فيبعض الهفوات اللغوية البسيطة أو الكلمات التي لها معنى دون آخرمثل :

(فأوزع الطعام في أطباق ...) وأظن أنها تقصد وزع فأوزع على وزن أولعوغالب المعنى هو الألهام ومنها قوله تعالى قال ربي أوزعني

و(خضتها بيدي عدة خضات) والصحيح هو خضضت من خاض يخوض وليس من خض يخض

لا اعتقد أن هذا يزعج فادية القاصة الرصينة فأتوقف بذكر هذين المثالين فقط

فما عليها قليل لايعني شيئا ً بما لديها وما عندها

آمل أن أكون قد وفقت متمنيا لها دوام الإبداع وازدهاره .

سردار محمد سعيد

 

في المثقف اليوم