قراءات نقدية

الروايةُ والمستقبل والنصُّ الموازي

najat abdulahكتاب (الرواية والمستقبل والنص الموازي دراسة في روايتين لقصي عسكر) للناقد الدكتور عبد الرحيم مراشدة صدر عن دار العارف للنشر في بيروت العام ٢٠١٤ وهو دراسة متميزة بعمقها الدلالي وسبرها أعماق النص من الناحيتين الفكرية والفنية حيث التفت الناقد المراشده الى نقاط مهمه واستنتاجات جديدة بلغة نقدية وأسلوب علمي متميز.

ان الكتاب ينقسم الى قسمين حملهما عنوان الكتاب نفسه :القسم الاول بحث حول رواية قصي الشيخ عسكر القصيرة "آدم الجديد" التي صدرت في القاهرة ضمن كتاب " روايات وقصص من الخيال العلمي"فالبحث الاول الذي يخص آدم يعنى بموضوع عالمي يتعلق باستيعاب الفرد للحضارة الجديدة وتفاعله معها حيث أشار الناقد المراشدة الى ان الكاتب لجأ الى معطيات أسلوبية معينة رسمت بصورة دقيقة الرواية حيث تمكنت تلك الرواية من استيعاب التحولات العالمية فعالجت موضوع صراع الحضارات الذي يمكن ان نستبدله بتوافق حضاري يستوعبه آدم الجديد الذي تدور حوله الرواية بصفته مجمعا من عدة شخصيات عاشت في أزمان مختلفة وأماكن متباعدة.

733-qusayاما القسم الثاني فقد تناول الباحث فيه موضوع رواية جديدة النمط عدها الناقد المراشدة نوعا من ابتكار المؤلف وجوهر ذلك الابتكار في نوعية النص هو ان يأخذ الكاتب نصا قديما فيبحث في الحاضر عما يوازيه او يضارعه من عمل او حدث وربما فكره فيصوغ من ذلك الحدث الواقعي نصا يوازي النص الماضي بمعطيات جديدة ، لقد قرانا في التراث ان رجلا أنقذ النعمان بن المنذر ملك الحيرة حين ضاع في الصحراء، لكن الرجل بعد مدة يزور النعمان فيقرر الملك قتله لكون الزيارة حدثت في يوم بؤس الملك حتى يتطوع شخص ليكفل البدوي الذي أراد الذهاب الى أهله ليودعهم ويرد بعض الامانات التي في عنقه الى أصحابها ، وفي الواقع نجد ان الدكتور عبد الرضا علي يسارع الى فعل خير لصديقه السجين الذي أُحيل الى احدى المستشفيات للعلاج وهو مقيد الى سريره كما لو ان فعله هو موازاة لحدث عظيم يمثل النقاء والتضحية والخير تلك الصفات التي جبل عليها البدوي صاحب الفضل على النعمان، مع فرق ان البدوي صاحب فعل الخير حاول بعد فترة ان يكافأ على فعلته بسبب حاجة دفعته الى ذلك لكن بطل الرواية المعاصر لا يطلب اي معروف ازاء فعل عظيم اداه الى زميله الذي يعمل أستاذا معه في الجامعة نفسها كما ان الشخصية التاريخية لم تتعمد مواجهة قدرها او تحاول ان تتحداه في حين ان البطل المعاصر عرف منذ البداية ما تؤول اليه النتيجة فيما لو اخفق عمله ،ولم تكن شخصية البطل وحدها مستوحاة من الواقع بل كل شخصيات الرواية التي تفاعلت مع الحدث المعاصر بموازاة الماضي، وكنت قد نشرت مقالا عن شخصية بطل الرواية الدكتور عبد الرضا علي وزميليه الدكتور مزاحم البلداوي والدكتور سعيد الزبيدي وتحدثت عن تلك الشخصيات الواقعية التي أدت   فعلا يكاد يكون خارقا في ظروف استثنائية (١) .يلخص الباحث الأردني السيد احمد الخطيب فكرة الناقد عبد الرحيم مراشدة عن رواية الثامنة والنصف بقوله " أن رواية الثامنة والنصف مساء تركز بشكل لافت على متناصات من الواقع والتاريخ، وبشكل خاص من التراث العربي القديم. وتبقى هذه الرواية كما يرى الناقد د. مراشدة علامة فارقة على الرواية العراقية الخاصة، بما تمثله من انعكاس الظروف السياسية والحرب في الرواية العربية، لما لها من قدرة على اختزال الأحداث والوقائع، وتقديمها بثوب فني لافت أفاد من مرجعيات متعددة، على رأسها التراث والتاريخ والمتناصات التي لها أثر في ذاكرة الإنسان العربي (٢).

وفق هذا المنظور يمكن القول ان ما يميزرواية الثامنة والنصف كونها تفاعلا وتداخلا بين حدثين وقعا في زمنين متباعدين من خلال موازاة بينهما التزمها المؤلف منذ البداية الى النهاية فكانما رجع الحاضر الى الماضي وبدا ان الماضي انصب ايضا في الحاضر مما جعلها رواية جديدة في طرحها على الرغم من ان الراوي لم يغير في شخصياتها المعاصرة او التاريخية بل لم يغير في حدثها الأساس اللهم الا بعض التغيير الطفيف في الأحداث الثانوية ذلك التغيير الذي لا يتجاوز على الحدث الأصلي لكن صياغة العمل الروائي تتطلبه من الناحية الفنية حين ندرك ذلك نعرف لم وقع اختيار ناقد متميز مثل الدكتور مراشدة على هذه الرواية ليدرسها فيخصص لها القسم الثاني من كتابه الذي أشرنا اليه في بداية المقال.

 

نجاة عبد الله

....................

إحـــالات

(١) نجاة عبد الله، الثامنة والنصف مساء حقائق بلسان الرواية، جريدة الصباح ٢٧/١/٢٠١٤.

(٢) احمد الخطيب «الرواية والمستقبل والنص الموازي» للمراشدة، جريدة الرأي الأردنية، ٢٣/٣/٢٠١٤

 

 

في المثقف اليوم